دراساتنا من الفقه الجعفري، المجلد 3

اشارة

عنوان:

دراساتنا من الفقه الجعفرى

نام کتابخانه:كتابخانه آستانه مقدس حضرت فاطمه معصومه (س)

پديدآورنده:

تاليف تقي طباطبائي قمى, گردآورنده علي مروجى

موضوع:

انصاري , مرتضي بن محمدامين , 1281 - 1214ق المكاسب - نقد و تفسير معاملات (فقه)

شماره رديف:14350

کد عنوان:14557

سرشناسه فارسي:طباطبائي قمي , تقي , - 1301

محل انتشار:قم

ناشر:مطبعه الخيام

تاريخ نشر:1400ق 1359 =

ساير شناسه افزوده در مستند عنوان:مروجى, على, , گردآورنده

رده بندي کنگره:

BP190-ط2د4

چکیده یا سایر اطلاعات ویژه:وقف , واقف سيدعلي احمدي تلخابي40014

نوع مدرک:كتاب

زبان مدرک:عربى

ساير شناسه هاي افزوده در مستند عنوان:المكاسب

الجزء الثالث

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين و بعد فهذا هو الجزء الثالث من كتابنا الموسوم ب «دراساتنا» و هي أبحاث تلقيتها من محاضرات سماحة سيدنا الاستاذ المحقق الكبير و الفقيه البصير حاوي الفروع و الاصول جامع المعقول و المنقول حجة الإسلام و المسلمين آية اللّه العظمي «الحاج السيد تقي الطباطبائي القمي» أدام اللّه افاضاته العالية و قد جعل دام ظله عنوان البحث كتاب المكاسب تأليف فخر الشيعة و محي الشريعة مؤسس المباني الاستنباطية شملته رحمة ربه الباري الشيخ مرتضي الانصاري قدس سره.

و أسأل اللّه سبحانه و تعالي أن يوفقني لنشر بقية مجلداته و ينفعني بها يوم لا ينفع مال و لا بنون الا من أتي اللّه بقلب سليم.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 6

المباحث المودعة في الكتاب

1- ولاية الاب و الجد في مال الطفل.

2- ولاية النّبيّ الاعظم صلي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام التكوينية و التشريعية بأقسامها الثلاثة.

3- ولاية الفقيه.

4- ولاية عدول المؤمنين.

5- القول في شرائط العوضين و اشتراط كونهما مالا.

6- احياء الموات و بيان أقسام الارضين و احكامها.

7- كون العوضين طلقا و يتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف.

8- ايجاب الرهن خروج الملك عن كونه طلقا.

9- اشتراط القدرة علي التسليم في العوضين.

10- اشتراط العلم بقدر المثمن.

11- جواز التقدير بغير ما يتعارف به التقدير في صورة عدم الغرر.

12- تعيين المناط في المكيل و الموزون و تعيين ما اصطلح فيه مفهوم الكيل و الوزن.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 7

13- جاز الاعتماد علي اخبار البائع بمقدار المبيع.

14- وجوه بيع متساوي الاجزاء و أقسامه.

15- بيع صاع من صبرة.

16- كفاية مشاهدة العين في الزمان السابق علي العقد عن

الوصف ان لم يتغير عادة.

17- لزوم اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما تختلف باعتبارها القيمة.

18- جواز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار.

19- جواز بيع المسك في الفأر.

20- عدم جواز بيع المجهول و ان ضم اليه معلوم.

21- الندار.

22- جواز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه.

23- التفقه في مسائل التجارات.

24- تلقي الركبان.

25- الاحتكار.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 8

الكلام في ولاية الاب و الجد

هل يجوز تصرف الاب و الجد في مال الصبي؟

اشارة

قوله (قدس سره): (يجوز للأب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء) «1».

اقول: وقع الكلام عند الاعلام رضوان اللّه عليهم في جواز تصرف الاب و الجد في مال الصبي، فذهب الشيخ (قدس سره) الي جوازه مستدلا بالإجماع و الاخبار المستفيضة المصرح بعضها بالجواز، و هو اكثرها، و الدال بعضها الاخر عليه فحوي، و هي الروايات الواردة في باب النكاح الدالة علي سلطنة الاب و الجد علي بضع البنت، فدلالتها علي جواز التصرف في الاموال فحوي.

و لكن لا يمكن المساعدة علي ما استدل به (قدس سره)

(أما الاجماع)

المدعي في المقام، فيرد عليه ما نقحناه في محله من عدم قيام دليل علي حجية المنقول منه، الا اذا حصل العلم باستناد المجمعين الي رأي المعصوم عليه السّلام. و أني لنا اثبات ذلك.

و علي تقدير تسليم حجيته كبرويا، لا نسلم حجيته في المقام، لأنه من المحتمل القريب- ان لم يكن مقطوعا به- أن يكون مدرك المجمعين هي الروايات المستفيضة التي

______________________________

(1)- المكاسب ص 152- السطر (9) طبعة ايران.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 9

ادعاها الشيخ (قدس سره) في المقام. و سنتعرض لها ان شاء اللّه تعالي.

و (أما الاخبار)
اشاة

فهي أربع طوائف، الا أنها قابلة للمناقشة اما سندا، و اما دلالة، فلا يمكن التمسك بها لإثبات المدعي.

(أما الطائفة الاولي) فهي الروايات الواردة في باب جواز تقديم الاب جارية البنت و الابن و وطئها بالملك اذا لم يكن وطأها الابن.

(منها)- ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محبوب، قال:

«كتبت الي ابي الحسن الرضا عليه السلام اني كنت و هبت لابنة لي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها و في بيت زوجها، حتي مات زوجها، فرجعت الي- هي و الجارية، أ فيحل لي أن أطأ الجارية؟ قال: قومها قيمة عادلة، و أشهد علي ذلك، ثم ان شئت فطأها» «1».

و (منها) ما رواه أيضا محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة عن أبان، عن اسحاق بن عمار، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

قال: «سألته عن الوالد يحل له من مال ولده اذا احتاج اليه؟ قال: نعم، و ان كان له جارية فأراد أن ينكحها قومها علي نفسه و يعلن ذلك؟ قال: و ان كان للرجل جارية، فأبوه أملك بها أن يقع عليها ما لم يمسها الابن» «2».

تقريب الاستدلال بهاتين الروايتين أن المستفاد منهما جواز تصرف الاب في جارية الولد، بأن يقومها و يطأها، فتدلان علي جواز تصرفه في أمواله بالاولوية.

و الانصاف عدم تمامية الاستدلال بهذه الطائفة، لأنها ناظرة الي جواز تصرفه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (79) من ابواب ما يكتسب به، الحديث (1).

(2)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (79) من ابواب ما يكتسب به، الحديث (2).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 10

بمقدار حاجته، كما يظهر ذلك من بعض الروايات «1» الآتية التي سنذكرها ان شاء اللّه تعالي في مقام الجواب عن الطائفة الثانية، و عليه فالدليل أخص من المدعي، و لا يمكن الاستدلال بالاخص لإثبات الاعم. هذا أولا.

و (ثانيا)- ان الروايتين المذكورتين

واردتان في باب تزويج الامة، و لا يجوز التعدي عنه الي غيره مع امكان خصوصية فيه، كما سنلتزم بذلك في مقام الجواب عن الاخبار الواردة في باب النكاح.

و (ثالثا) أن مفاد الروايتين أعم من المدعي، لدلالتها علي ولاية الاب علي الولد، و ان كان كبيرا، فكيف يمكن الالتزام به؟.

و (أما الطائفة الثانية) فهي الروايات الدالة علي كون الولد و مملوكه ملكا للأب،

كقوله: (أنت و مالك لأبيك) و هذه الطائفة ذكرت في ابواب متعددة:

(منها) ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن موسي بن القاسم، عن صفوان، عن سعيد بن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال نعم، يحج منه حجة الإسلام.

قلت: و ينفق منه؟ قال: نعم، ثم قال: ان مال الولد لوالده، ان رجلا. اختصم هو و والده الي النّبيّ صلي اللّه عليه و آله فقضي أن المال و الولد للوالد» «2»

و (منها) ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محبوب، عن العلاء ابن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يحتاج الي مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال. في كتاب علي عليه السّلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه، و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له أن يقع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من ابواب ما يكتسب به، الحديث (2).

(2)- وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب (36) من أبواب وجوب الحج و شرائط الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 11

علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل أنت و مالك

لأبيك» «1»

و (منها) أيضا ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن ابي حمزة الثمالي.

عن أبي جعفر عليه السّلام «ان رسول اللّه (صلي اللّه عليه و آله) قال لرجل: أنت و مالك لأبيك … » «2»

و (منها) ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي المغراء، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: اني لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه اذ جاء رجل يستعدي علي أبيه، فقال: اصلح اللّه الأمير إن ابي زوج ابنتي بغير اذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده:

ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟

فقالوا: نكاحه باطل، قال: ثم أقبل علي، فقال: ما تقول يا أبا عبد اللّه فلما سألني أقبلت علي الذين أجابوه، فقلت لهم: أ ليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان رجلا جاء يستعديه علي أبيه في مثل هذا، فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله»: أنت و مالك لأبيك؟ قالوا: بلي … » «3»

و يمكن أن يقرب الاستدلال بها، بوجهين:

(الاول)- أن يقال: ان مال الولد يكون مالا لأبيه بمقتضي هذه الطائفة من

______________________________

(1)- وسائل الشيعة. الجزء (12) الباب (78) من أبواب ما يكتسب به و شرائطه الحديث (1).

(2)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من ابواب ما يكتسب به، الحديث (2).

(3)- وسائل الشيعة: الجزء (14) الباب (11) من ابواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث (5).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 12

الروايات، فاذا ثبتت الصغري، اعني كون مال الولد مالا لأبيه انطبق عليها الكبري المسلمة، أعني جواز تصرف الناس في أموالهم، فينتج ان الاب مسلط

شرعا علي أموال ولده، فيجوز له أن يتصرف فيها كيفما شاء، كجواز تصرفه في مال نفسه.

(الثاني)- أن الروايات الدالة علي كون مال الولد مالا لأبيه حاكمة علي أدلة المالكية، بمعني جعل التوسعة في موضوع دليلها.

توضيحه: أن الدليل الحاكم. لا بد أن يكون ناظرا الي الدليل المحكوم، اما برفع موضوعه تعبدا، كحكومة قوله: (لا شك لكثير الشك) علي قوله: (اذا شككت بين الثلاث و الاربع فابن علي الاربع) و اما بتوسعة موضوعه كحكومة قوله: (الفقاع خمر استصغره الناس) علي قوله: (الخمر حرام) فانه يجعل موضوع الخمر اوسع منه و من الفقاع، فيكون للخمر فردان، فرد حقيقي (أعني به الخمر، و فرد ادعائي و هو الفقاع، و اما بتضييق موضوعه، كحكومة قوله: (لأرباب بين الوالد و ولده) علي قوله: (حرم الربا) فانه يضيق موضوع حرمة الربا، فلا يشمل الربا الواقع بين الوالد و ولده.

اذا عرفت ذلك فنقول ان حكومة دليل جعل مال الولد لأبيه من قبيل القسم الثاني من الحكومة بمعني جعل التوسعة في موضوع الدليل المحكوم، أعني المالكية، فيكون للمالك فردان، فرد حقيقي أعني الولد، و فرد ادعائي أعني الوالد، فكما أن المالك الحقيقي- أعني الولد- يجوز له التصرف في ملك نفسه، فكذلك المالك الادعائي- أعني به الوالد- فان له أيضا أن يتصرف في مال ولده، و هو مالك لمال ولده بالتعبد الشرعي.

و لكنه لا يمكن الالتزام بمضمون هذه الطائفة من الروايات لا بالتقريب الاول و لا بالتقريب الثاني، (أما التقريب الاول) فيلزم منه جواز تصرف الوالد في مال ولده كيفما شاء، و هو ممنوع، لما عرفت سابقا من عدم جواز تصرفه في مال ولده الا بمقدار حاجته، كما يظهر ذلك من بعض الروايات و هو

ما رواه ابو حمزة الثمالي،

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 13

عن أبي جعفر (عليه السّلام).

«ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال ابو جعفر عليه السّلام ما أحب أن يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه ان اللّه لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» «1».

و عليه- فالروايات- الدالة، علي جواز تصرف الوالد في مال ولده كيفما شاء معارضة بالروايات الدالة علي عدم جواز تصرفه في مال ولده الا بقدر احتياجه، و هي كثيرة.

(منها) رواية ابي حمزة الثمالي المذكورة آنفا «2».

و (منها)- ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محبوب، عن العلاء ابن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يحتاج الي مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف … » «3».

و (منها)- ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن عبد اللّه بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين ابن أبي العلاء قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف اذا اضطر اليه … ) «4»

و (منها)- ما رواه محمد بن يعقوب، عن عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (2).

(2)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (2).

(3)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (1).

(4)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (8).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 14

عن علي بن

اسباط، عن علي بن جعفر، عن ابي ابراهيم عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال: لا الا أن يضطر اليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا الا باذن والده» «1» هذا أولا.

و (ثانيا)- أنه لو كان الوالد أيضا مالكا مستقلا في مال ولده، بحيث يجوز له التصرف المطلق فيه، لزم تعدد المالكين المستقلين في ملك واحد، و هو علي تقدير عدم استحالته- غير معهود عند العرف و المتشرعة.

أضعف الي ما ذكرنا ما يوجب و هن الرواية، و هو دلالتها علي كون الولد أيضا مملوكا لوالده، و هو باطل بضرورة الفقه، فان الحر لا يكون مملوكا شرعا و مما ذكرنا في التقريب الاول يظهر عدم تمامية التقريب الثاني أيضا، فانه لا يمكن الالتزام بكون الوالد مالكا للولد و لماله علي الاطلاق، لاستلزامه جواز تصرفه في الولد و ما بيده كيفما أراد، كجواز تصرفه في العبد و ما بيده، و هو باطل قطعا.

أضف الي ذلك أن مورد الروايات أعم مما نحن فيه، لدلالتها علي الولاية المطلقة للأب، و ان كان الولد كبيرا، و لم يلتزم به أحد، اذا يدور الامر بين طرح الروايات و بين حملها علي الحكم الخلقي، و لا مجال لطرحها، مع كثرتها في الابواب المختلفة، فلا بد من الحمل علي الحكم الاخلاقي.

(الطائفة الثالثة)- الروايات الواردة في باب النكاح الدالة علي نفوذ ولاية الاب.

(منها)- ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصبية يزوجها أبوها، ثم يموت و هي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، يجوز عليها التزويج

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من

أبواب ما يكتسب به، الحديث (6).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 15

أو الامر اليها؟ قال: يجوز عليها تزويج أبيها». «1».

و (منها)- ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن عبد اللّه بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الفضل بن عبد الملك، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: اذا زوج الرجل ابنه فذاك الي ابنه، و اذا زوج الا بنته جاز» «2».

و (منها)- ما رواه محمد بن علي بن الحسين باسناده عن العلاء، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تنكح ذوات الآباء من الابكار الا باذن آبائهن» «3».

فان هذه الروايات و ان وردت في باب النكاح، الا انها تدل علي المقصود بالاولوية، توضيح الاستدلال- ان الزواج من الامور التي اهتم بها الشارع، فاذا اجاز تولية الاب في تزويج ابنه، او ابنته، و نفوذ أمره فيه، أجاز توليته في الاموال، بطريق أولي.

و الجواب عن ذلك- انا نسلم أن أمر الزواج أهم من الاموال عند الشارع، و لكن نحتمل أن من شدة اهتمامه به تساهل في جملة من مسائله، لتقليل الفحشاء و المنكر، كما أنه امضي نكاح غير المسلمين بقوله «لكل قوم نكاح» «4» لذلك

اذن- فالتسهيل ناشئ من شدة الاهتمام به و مثل هذا التسهيل يعطي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء: (14) الباب (6) من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد، الحديث (1).

(2)- وسائل الشيعة: الجزء: (14) الباب (6) من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث (4).

(3)- وسائل الشيعة: الجزء: (14) الباب (6) من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث (4، 5).

(4)- اصول الكافي: الجزء: (2) الصفحة (324).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3،

ص: 16

خصوصية للمورد، و هذه الخصوصية تمنعنا من تعدية الحكم الي غيره من الموارد- و من الممكن القريب- أن يكون نفوذ أمر الاب في باب النكاح لأجل التسهيل، فعندئذ لا يمكن التعدي بما لا يعلم وجود هذه الخصوصية فيه، و الاهتمام به من قبل الشارع.

(الطائفة الرابعة) الاخبار الواردة، في باب الوصية،

الدالة علي أن من اذن لوصيه في المضاربة بمال ولده الصغار من غير ضمان جاز له ذلك و لم يضمن.

(منها) ما رواه محمد بن يعقوب عن احمد بن محمد، عن علي بن الحسن، عن الحسن بن علي بن يونس «يوسف خ ل» عن مثني بن الوليد، عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل رجل أوصي الي رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم، فقال: لا بأس به من أجل أن أباه قد اذن له في ذلك و هو حي» «1».

و (منها) ما رواه محمد بن يعقوب، باسناده عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن ابن الحجاج، عن خالد «ابن بكير خ» الطويل قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني اقبض مال اخوتك الصغار و اعمل به، و خذ نصف الربح و اعطهم النصف و ليس عليك ضمان، فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة أبي الي ابن أبي ليلي، فقالت ان هذا يأكل أموال ولدي، قال فاقتصصت عليه ما أمرني به ابي، فقال لي ابن ابي ليلي ان كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثم أشهد علي ابن ابي ليلي ان أنا حركته فأنا له ضامن، فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقصصت عليه قصتي، ثم قلت له: ما

تري؟

فقال: أما قول ابن أبي ليلا فلا استطيع رده، و اما فيما بينك و بين اللّه عز و جل فليس

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (13) الباب (92) من ابواب احكام الوصايا، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 17

عليك ضمان) «1»

أقول ان في هذا الباب روايتين، و هما رواية محمد بن مسلم، و رواية خالد ابن بكير، و لا يعتمد عليهما، لضعفهما بحسن بن علي بن يوسف او يونس في الرواية الاولي و بخالد الطويل في الثانية، هذا كله من حيث السند، و أما من حيث الدلالة فالظاهر انهما تفيدان المقصود، و لا مجال لان يقال: ان المستفاد منهما أنه متصرف في مال نفسه لا في مال ولده، لعدم انتقال المال الي الوارث حين الوصية و مما يؤيد ذلك ورود الروايتين في باب نفوذ الوصية.

فانه يقال: (اولا) ان الوصية تكون لما بعد الموت و من الواضح ان المال ينتقل الي ورثته بموته فالتصرف في مال الولد و هو المدعي، و مجرد كون الروايات في باب نفوذ وصية الاب لا يدل علي أن نفوذ امره يكون من باب الوصية و الا يلزم عدم نفوذ تصرفاته اذا كانت اكثر من ثلثه، كما هو كذلك في باب الوصية و هذا علي خلاف مدلول الروايتين، فانهما تدلان علي نفوذ أمره في مطلق الاموال.

و (ثانيا) لو أغمضنا عن الاشكال المذكور و قلنا بعدم انتقال الاموال الي الوارث فان تصرفه في مال ولده انما يكون تصرفا في مال نفسه اذا كان جميع أموال الولد من أبيه، و أما اذا كان له مال لم يرثه من ابيه، بل ورثه من امه مثلا، فلا يكون تصرف الاب فيه حين حياته تصرفا في مال نفسه،

و المستفاد من الروايتين نفوذ امره في مال الولد مطلقا، سواء ورثه من ابيه او من غيره، فاذن لا وجه للمناقشة في الروايتين من جهة الدلالة كما لا يخفي.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا أن الروايات المستفيضة التي ادعي الشيخ (قدس سره) دلالتها علي جواز تصرف الاب في مال الطفل، لا يمكن المساعدة عليه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (13) الباب (92) من ابواب احكام الوصايا، الحديث (2).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 18

لأنها مخدوشة اما سندا و اما دلالة.

و لكن الذي يسهل الخطب ان ولاية الاب و الجد في اموال الطفل من ضروريات الفقه، و من مرتكزات المتشرعة بما هم كذلك، و لا يعتريها الريب اصلا، و لذا ارسلها الفقهاء كصاحبي الجواهر و الحدائق و غيرهما ارسال المسلمات. «و قد وقع الكلام في شرائطها».

هل يشترط العدالة في نفوذ تصرف الجد، و الاب.

اشارة

قوله: «و المشهور عدم اعتبار العدالة للأصل و الاطلاقات» «1».

أقول: بعد الفراغ عن ثبوت ولاية الاب، و الجد، في أموال الصبي،

يقع الكلام في شرائط جواز التصرف.
(الاول) العدالة،
اشارة

و في اعتبارها وجهان، بل قولان

فما قيل أو يمكن أن يقال في وجه اشتراط العدالة امور.
(1) الاصل، عدم جعل الشارع للفاسق ولاية علي غيره،

و ان شئت فقل:

الاصل، عدم حصول النقل، و الانتقال ببيع الفاسق.

(2) أن ولاية الفاسق علي الطفل ولاية علي من لا يقدر ان يدفع عن نفسه و يصرفه عن ماله،

فيستحيل علي الشارع الحكيم ان يجعل الفاسق امينا تقبل اقراراته و يجيز تصرفه في مال الغير.

و يمكن الجواب عنه (اولا) بانه لا محذور في جعل الفاسق امينا علي مال الغير،

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (152) السطر (9) طبعة ايران.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 19

اذ لا مانع من اجتماع الفسق مع الامانة، اذ بعض الفساق مع عدم تورعه عن ارتكاب اكبر المعاصي يتورع عن اكل مال الغير و لا سيما اموال الصغار و اليتامي.

و (ثانيا) أن القول بنفوذ ولاية الفاسق لا يستلزم جعل المال تحت يده بل يمكن أن يحفظ مال الصغير عند الامين، و الاب يتصرف فيه تصرفا اعتباريا و (عليه) فلا يترتب عليه مفسدة كي يستحيل علي الحكيم تجويز تصرفاته.

و (ثالثا) ما أجابه الشيخ (قدس سره)- بتوضيح منا- بأنا لا نسلم استحالة جعل الشارع الفاسق امينا، لان الحاكم متي ظهر عنده اختلاف حال أب الطفل، بقرائن الحال، او بجعل المراقب عليه عزله و منعه عن التصرف في ماله فولايته ثابتة ما لم يظهر خلاف أمانته.

و ربما (يرد عليه)- بأن نفوذ ولاية الاب اذا كان فاسقا، اما ان يتوقف علي جعل مراقب له، أولا يتوقف عليه، فعلي الاول، يكون جعل الولاية لغوا لعدم ترتب اثر عليه، لان النافذ في الحقيقة عند الشارع هو امر المراقب لا الولي و لذا يقدم قوله علي قولي الولي اذا اختلفا، و علي الثاني- يكون جعل المراقب لغوا أيضا، لعدم الحاجة اليه مع نفوذ ولاية الفاسق عليه.

و (الجواب عنه) بأنا نختار الشق الاول و نقول: أن نفوذ تصرفات الفاسق يتوقف علي جعل المراقب عليه و لا تكون ولايته لغوا بجعل

الناظر و المراقب، بل امره نافذ في امور الصبي، الا أنه يشترط في ذلك كونه تحت نظارة المراقب، و هذا الشرط لا يوجب لغوية المشروط، كما هو لا يخفي فمتولي المدرسة مثلا تصرفاته نافذة، مع رقابة الناظر و جعله ليس لغوا.

و الذي يقتضيه التحقيق أن يقال: ان قول الشيخ (قدس سره) «بان الحاكم اذا ظهر عنده اختلاف حال أب الطفل عزله و منعه عن التصرف» لا يرجع الي محصل، لان الفاسق اما أن تسقط قابليته للولاية علي الصبي بمجرد ظهور الخيانة، و اما ان

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 20

لا تسقط فان قلنا: بالاول عزل قهرا و منع عن التصرف في اموال الصبي بمجرد ظهور الخيانة بلا حاجة الي عزل الحاكم.

و ان قلنا: بالثاني، فلا وجه لعزله بعد كونه منصوبا من قبل اللّه تعالي فلا ينعزل بعزل الحاكم حينئذ، نعم و له أن يمنعه من التصرفات غير المشروعة بجعل المراقب عليه فتلخص أن الوجه الذي أفاده الشيخ (قدس سره) لعدم اشتراط العدالة في الولي لا يساعده التحقيق.

(الثالث) أن القرآن الكريم ينص علي عدم ائتمان الفاسق،

فتشترط العدالة في نفوذ ولاية الاب.

اقول: ان المستدل لم يبين مراده من النص، و يحتمل أن يكون مراده منه قوله تعالي: (وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا) «1» بتقريب أن الفاسق ظالم و الحكم بنفوذ امره ركون اليه، و احترام له، و هو منهي عنه بالآية الكريمة.

و يرد عليه (اولا) ان الظاهر من لفظة (الظالم) في الاية الكريمة ولاة الجور كبني أمية، و بني العباس، و غيرهم، فلا يعم المقام، و ان شئت فقل: ان مطلق الفسق ليس بظلم، فلا يصدق الظالم علي مطلق الفاسق،- اذن- فالاية الكريمة اجنبية عن المقام.

(ثانيا) لو كان مطلق الفاسق ظالما، و كان

الحكم بنفوذ أمره ركونا اليه لكانت جملة من المعاملات باطلة، لوقوعها مع الفاسق غالبا، و لم يلتزم به احد.

ان قلت: لا نسلم التلازم بين عدم نفوذ امره و بين عدم صحة معاملاته، لان المعاملة مع الفاسق لا تكون ركونا اليه، بخلاف الحكم بنفوذ امره و تجويز تصرفاته، فانه ركون اليه، فيكون منهيا عنه بالآية الكريمة.

قلنا- ان الحكم بنفوذ أمره لا يستلزم تجويز تصرفاته بحيث تجعل الاموال

______________________________

(1)- سورة هود: الاية (113).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 21

تحت يده، ليصدق عليه الركون، اذ يمكن أن يحكم بنفوذ أمره في التصرفات الاعتبارية، مع عدم جعل الاموال تحت يده، بل يحفظ عند الامين، فما لم تجعل الاموال تحت يده لم يركن اليه.

و (ثالثا) سلمنا أن جعل الولاية للفاسق ركون اليه، الا انه لا دليل علي حرمة ركون الشارع اليه، فان المستفاد من الدليل حرمة ركون المكلفين الي الظالم، و اما ركون الشارع اليه فلم يقم دليل علي عدمه.

و بعبارة اخري- ان ترتب المفسدة الموجبة لحرمة الركون الي الظالم يتحقق بركون الامة الي الظالم، و اما ركون الشارع فمفسدته غير معلومة، و لم يقم عليها دليل عقلي و لا نقلي، و الذي يدل علي ذلك ما يشاهد في موارد عديدة من امر الشارع بحجية قول الفساق كحجية قول ذي اليد و الوكيل و ان كانا فاسقين كما لا يخفي علي المتتبع في ابواب الفقه.

هذا تمام الكلام فيما اذا كان مراد المستدل من النص آية الركون و يحتمل ان يكون مراده من النص آية التبيين اعني قوله تعالي: (إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) «1».

(تقريب الاستدلال)، ان الاية الكريمة تدل علي عدم قبول قول الفاسق في اخباره، فلو اخبر عن التصرف الصحيح

في مال الصبي لا يسمع قوله، و لا يعتمد عليه شرعا، فلا تكون تصرفاته نافذة.

و (الجواب) عنه نقضا، و حلا، أما النقض فبعدة من الموارد (منها) ذو اليد مثلا، فانه يسمع قوله، و تنفذ تصرفاته و ان كان فاسقا.

و اما الحل:

(اولا) فان عدم سماع قوله شرعا و عدم الاعتماد عليه لا يستلزم عدم نفوذ

______________________________

(1)- سورة الحجرات، الاية (7)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 22

معاملاته، فان ضم احدهما الي الاخر كضم الحجر في جنب الانسان فان ما ثبت من الدليل عدم سماع قول الفاسق، و أما عدم نفوذ معاملاته فالاية الكريمة اجنبية عنه.

و اما (ثانيا) فبأنه لو سلمنا دلالة الاية الكريمة علي عدم نفوذ امر الفاسق فانما نسلمه بالعنوان الاولي، فلا تنافي نفوذ امره بالعنوان الثانوي كعنوان ذي اليد، او عنوان المقر، او المتجر، او غيرها من العناوين الثانوية كما يستفاد ذلك من بعض الروايات. «1»

فخلاصة ما ذكرنا ان الوجوه التي ذكروها لاشتراط العدالة لا يمكن المساعدة عليها، نعم الظاهر ان أصالة عدم الجعل لا يدفعها شي ء كما هو لا يخفي للمتأمل

و يقع الكلام فيما استدلوا به علي عدم اشتراط العدالة،
اشارة

و هي أيضا امور.

الامر الاول (الاصل)

أي أصالة عدم ردع الشارع عن السيرة العقلائية القائمة بنفوذ أمر الاب، و الجد، مطلقا سواء كانا عادلين أم لا و الجواب عنه. (اولا) لا نسلم عدم ثبوت الردع من الشارع، فان السيرة المذكورة علي تقدير قيامها مردوعة بعموم الاية، و الرواية.

اما الاية الكريمة فهي قوله تعالي: (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ … * «2»

فانها باطلاقها تشمل الاب و الجد أيضا، فتكون رادعة للسيرة القائمة علي نفوذ امرهما.

و اما الرواية فهي ما رواه الحسين بن زيد، عن الصادق (عليه السّلام) عن آبائه عن

______________________________

(1)- المروية في وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (75) من ابواب ما يكتسب به.

(2)- سورة البقرة: الاية 188.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 23

النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) في حديث المناهي قال: و نهي عن بيع ما ليس عندك «1» و الرواية بهذا المضمون كثيرة.

فان المستفاد منها عدم جواز بيع مال الغير، و ان كان البائع هو الاب و الجد، فتكون رادعة للسيرة المذكورة، هذا اولا.

و (ثانيا) لو اغمضنا عما ذكرناه و قلنا: بعدم ردع الشارع عن السيرة الا انه نقول:

ان مجرد عدم الردع لا يكفي في حجيتها، ما لم يحرز امضاؤه لها، و اصالة عدم ردع الشارع لا تثبت امضائه الا بالاصل المثبت.

(الامر الثاني) قيام الاجماع المحقق في باب النكاح علي نفوذ امر الفاسق فيه

مع أنه من الامور التي اهتم بها الشارع، فيكون امره نافذا في غيره بطريق اولي و (الجواب عنه) اولا أنا قد ناقشنا مرارا في حجية الاجماع، و لا يحتاج الي الاعادة.

و (ثانيا) لو سلمنا حجية الاجماع، و أغمضنا عن نقاشها نقول: حيث ان الاجماع دليل لبي لا بد أن يقتصر علي مورده، و لا يجوز التعدي الي غيره.

و أما الاولوية المدعاة، في المقام ممنوعة، لعدم تسليم الاولوية،

فان الحكم بولاية الفاسق في باب النكاح يمكن أن يكون لمصلحة التسهيل فيه، فان شدة الاهتمام بامر النكاح يقتضي نصب ولي يباشره حيثما وجد الكفو لإمكان عدم وجدانه عند التأخير بخلاف الاموال، فيمكن اهمال الامر فيها و ايجاب حفظها- و عليه- فالاولوية تكون في طرف العكس.

الامر الثالث الاطلاقات الواردة في المقام،

كقوله: (أنت و مالك لأبيك) «2» فانها تقتضي أن مال الولد مملوك للأب سواء كان عادلا او فاسقا،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (12) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (12).

(2)- وسائل الشيعة: الباب (11) من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد، الحديث (5)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 24

كما يستفاد ذلك من اطلاق كلمة الاب باجراء مقدمات الحكمة.

و الجواب عنه ما قد بيناه سابقا، من عدم امكان الاخذ بمضمونها للزوم المحاذير المتقدمة و الحق أن يقال كما قلنا سابقا انها روايات أخلاقية لا تتكفل أحكاما شرعية ليتمسك باطلاقها لعدم اشتراط العدالة.

فتحصل أن الوجوه التي ذكروها لعدم اشتراط العدالة أيضا لا يمكن المساعدة عليها فالتحقيق أن يقال: ان السيرة القطعية العقلائية، قامت من زماننا هذا متصلا الي عصر المعصوم عليه السّلام علي نفوذ أمر الاب و الجد في أموال الصغار مطلقا سواء كانا عادلين أو فاسقين، فعدم ردع هذه السيرة بمسمع منه عليه السّلام و مرأي، و محلا لابتداء العموم كاشف عن امضائه عليه السّلام ذلك كما هو كذلك في سائر السير القطعية.

فتحصل عدم اشتراط العدالة في جواز تصرف الاب و الجد في أموال الصغار

(الثاني) من الشرائط التي ذكروها لجواز تصرف الاب و الجد عدم لزوم الضرر من تصرفهما علي الصبي.
اشارة

اقول: هل يجوز للأب و الجد أن يتصرفا في مال الصبي فيما اذا كان ذلك ضررا عليه و جهان بل قولان،

فما يمكن أن يقال: او قيل: في وجه جواز التصرف في صورة الضرر علي الصبي امران.
الامر الاول أن الاصل عدم اشتراط جواز تصرفهما بشي ء،

و بعبارة واضحة الاصل، عدم تقيد جواز التصرف بقيد، فالنتيجة هو الاطلاق، سواء لزم منه الضرر أم لا.

و فيه- ان أصالة عدم القيد لا يثبت الاطلاق الا بالاصل المثبت، توضيحه أن الاطلاق و التقييد أمران متضادان في عالم الثبوت، فان التقييد يحتاج الي لحاظ القيد و الاطلاق يحتاج الي لحاظ عدمه اي يحتاج الي لحاظ الطبيعة المرسلة، و هذان اللحاظان أمران متغايران، فاثبات الاطلاق باصالة التقييد يكون من باب اثبات

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 25

أحد الضدين بجريان الاصل في الضد الاخر و هو غير صحيح الا بحجيّة الاصل المثبت، مضافا الي أنه معارض باصالة عدم الاطلاق المثبتة للتقييد.

الامر الثاني، اطلاقات الدالة علي أن الولد و ماله لأبيه

كقوله عليه السّلام: و أنت و مالك لأبيك «1» تقريب الاستدلال أن هذه الروايات تدل علي جواز تصرف الاب في مال ولده سواء كان في تصرفه ضرر عليه أم لا.

و الجواب عنه (أولا) قد بينا سابقا أن الروايات المذكورة ناظرة الي جهة الاخلاقية، فلا يمكن استفادة الحكم الشرعي منها، لاستلزامه المحاذير المتقدمة فتكون الرواية اجنبية عن المقام.

و (ثانيا) انا لو أغمضنا عما ذكرنا من المحاذير و قلنا بدلالتها علي جواز التصرف مطلقا سواء كان في ذلك ضرر علي الصبي أم لا، نقول ان هذه الاطلاقات مقيدة بعدة من الروايات «2» الدالة علي اشتراط جواز التصرف بعدم كونه ضررا علي الصبي و اسرافا في ماله.

فتلخص أنه يشترط في جواز تصرف الاب و الجد عدم كونه ضررا عليه.

الثالث من الشرائط التي ذكروها لجواز تصرف الاب و الجد في مال الصبي مراعاة مصلحتهم في ذلك.
و ما يمكن أن يستدل به علي عدم اشتراط المصلحة أمور.
(الاول) أن الاصل عدم اشتراطه بالمصلحة،

و فيه أن الاصل معارض بالاصل الجاري في خلافه أعني اصالة عدم جواز التصرف في مال الغير، و انما خرج عنه ما اذا كان فيه مصلحة الصبي.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء (14) الباب (11) من أبواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث (5)

(2)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (76 و 78) من ابواب ما يكتسب به

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 26

(الثاني) اطلاقات الروايات الدالة علي ولاية الجد في النكاح،

معللا بأن (البنت و أباها للجد) «1»

تقريب الاستدلال- أن الجد اذا كانت له ولاية علي الصبي في أمر النكاح كما هو المستفاد، من الرواية المذكورة، فولايته في الاموال تثبت بالفحوي سواء كان ذلك لمصلحتهم أم لا، و كذا تدل علي ذلك الروايات «2» الدالة علي جواز تصرفه بغير سرف سواء كان ذلك من مصالحهم أم لا، و لكن الطائفتين اجنبيتان عن المقام.

أما الروايات الواردة في باب النكاح، فقد بينا سابقا اختصاصها بموردها، و لا وجه لتعديتها الي المقام، لمنع الاولوية المدعاة، كما عرفت سابقا و قلنا: أن الاولوية في طرف العكس.

و أما الروايات الواردة في غير باب النكاح، كرواية «3» حسين بن أبي علا فانها واردة في تصرفات الاب الراجعة الي نفسه و نفقته، و لا يجب عليه في صرفه مال الولد في حاجاته رعاية مصلحة الطفل، بل يمكن أن يقال: بأن اعاشة الوالد من مال الولد مصلحة له، لأنه يحفظ به عرضه و اعتباره كما هو ظاهر.

فتحصل: أن الوجوه التي ذكروها لعدم اشتراط المصلحة في جواز تصرف الاب و الجد لا يمكن المساعدة عليها هذا تمام الكلام في الادلة التي أقاموها لاشتراط مراعاة المصلحة.

و اما دليل اشتراط المصلحة

فهو اطلاق قوله تعالي: «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ

______________________________

(1)- وسائل الشيعة. الجزء (14) الباب (11) ابواب عقد النكاح و اولياء العقد، الحديث (5)

(2)- وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (78) من أبواب ما يكتسب به

(3)- نفس المصدر.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 27

إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «1»

وجه الدلالة- ان الاية تدل علي عدم جواز التصرف في مال اليتيم الا أن يكون في ذلك مصلحة له، و هي باطلاقها تشمل الجد لصدق اليتيم علي من مات أبوه و بقي جده، و يتم

في الاب بعدم القول بالفصل، و يظهر من كلام الشيخ

حيث قال «فلو سلم دلالتها» «2»

المناقشة في دلالة الاية الكريمة، و لعل نظر الشيخ في وجه عدم دلالة الاية اما الي عدم صدق اليتيم علي الطفل مع وجود الجد، و اما الي أن ما ليس فيه ضرر يصدق عليه الحسن اذ المراد بالاحسن ليس معني تفضيليا بل المراد هو المعني الوصفي، و عليه- فالاية الكريمة تدل علي عدم جواز التصرف في مال اليتيم اذا كانت فيه مفسدة و علي جوازه اذا لم يكن فيه ذلك و أما وجود المصلحة فيه فالاية أجنبية عنه، و بعد الاغماض عن هذا الايراد بقوله:

(فلو سلم دلالتها) اورد عليه (ثانيا) بأنه علي تقدير تسليم دلالة الاية علي اشتراط المصلحة في جواز التصرف تخصص بالروايات «3» الدالة علي ولاية الجد بأن له أن يتصرف في مال الصبي بغير فساد سواء كانت فيه مصلحة أم لا.

(اقول): ان كان نظره (قده) في عدم دلالة الاية الي عدم صدق اليتيم عليه مع وجود الجد فهذا واضح الفساد، لوضوح صدق اليتيم علي من مات أبوه و بقي جده و ان كان نظره في ذلك الي أن الاحسن في الاية بمعني الحسن، ففيه:

(اولا) انه خلاف الظاهر لان ظاهر كل لفظ أن يستعمل في معناه الحقيقي، ما لم تقم قرينة صارفة علي خلافه.

______________________________

(1)- سورة الانعام، الاية (152)

(2)- المكاسب الصفحة (152)- السطر 32

(3)- الوسائل: الجزء (12) الصفحة (195) و الجزء (14) الصفحة (218)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 28

و (ثانيا) أنه علي فرض تسليم كونه بمعني الحسن أيضا يدل علي المطلوب، لان الحسن لا يطلق علي ما ليس فيه صلاح و لا فساد، بل يطلق علي ما فيه حسن

و مصلحة، فتدل الاية علي أن جواز التصرف مشروط بأن تكون فيه المصلحة و هو المطلوب.

و (ثالثا) أنه لا وجه لتخصيص الاية بالروايات، و تقديمها عليها، لان النسبة بينهما اعم من وجه، فان الاية تدل علي عدم جواز التصرف في مال اليتيم، سواء كان المتصرف أبا أو جدا أو غيرهما الا اذا كانت فيه مصلحة له، و الروايات تدل علي جواز تصرف الاب و الجد فيه سواء كانت فيه مصلحة أم لا فمادة الاجتماع تصرف الاب و الجد اذا لم تكن في تصرفهما مصلحة للصبي، فمقتضي الاية لا يجوز تصرفهما و بمقتضي الروايات يجوز تصرفهما فيتعارضان فيتساقطان.

و (رابعا) انه لا يبعد طرح الروايات الواردة في المقام و لا يبقي مجال لملاحظة النسبة بينهما لكونها مخالفة للكتاب، فتشمله الروايات الآمرة بطرح ما خالف الكتاب و بعبارة أخري لو قلنا بان الرواية المخالفة للآية بالعموم من وجه مخالفة للكتاب في نظر العرف فلا بد من طرحها.

مسألة- هل الجد يشارك الاب في الولاية عرضا مع وجود الاب؟

اشارة

قوله: (ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعي في أن الجد و ان علا يشارك الاب في الحكم) «1»

أقول: يمكن أن يستدل او استدل به علي مشاركة الجد للأب أمران.
(الاول) قوله صلي الله عليه و آله: (أنت و مالك لأبيك)

«2» تقريب الاستدلال، ان الولد و ماله يكون لأبيه أعني الجد، و هكذا القول في الاجداد العالية فيكون مال الولد مالا لجده أيضا بالتعبد الشرعي، و له أن يتصرف فيه لجواز تصرف الناس في أموالهم.

______________________________

(1)- المكاسب الصفحة (153) السطر (1) طبعة ايران

(2)- قد بينا انها وردت في ابواب مختلفة فراجع

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 29

و يرد عليه بأنا بينا عدم دلالة الرواية المذكورة علي ولاية الاب فضلا عن ولاية الجد، و الدليل الذي أقمناه علي ولاية الاب قيام السيرة المستمرة الي عصر المعصوم عليه السّلام الكاشف عن امضائه عليه السّلام هذه و أما الجد فلا دليل علي ولايته لعدم قيام السيرة عليها و عدم وجود دليل غيرها في المقام و أما دعوي عدم القول بالفصل بينهما علي فرض ثبوته لا يجدي في المقام، لعدم قيام دليل علي اعتباره، فانه سكوت و ليس بدليل، نعم ان القول بعدم الفصل دليل علي فرض حجية الاجماع الا أنه لم يثبت في المقام

(الثاني) الروايات الواردة في باب النكاح

كقوله عليه السّلام: (ان البنت و أباها للجد) «1» تقريب الاستدلال- ان للجد ولاية علي الصبي في باب النكاح بمقتضي الرواية، مع أنه من الامور التي اهتم الشارع بها فتثبت ولايته في غيره من الاموال بطريق أولي.

و فيه- انا نمنع الاولوية المدعاة في المقام بل الاولوية تكون في عكسه فان أشدية الاهتمام بأمر النكاح يقتضي التسهيل فيه بأن ينصب وليا يباشره حيثما وجد الكفو، اذ ربما لا يوجد الكفو بعد ذلك كما بينا سابقا.

مسألة- لو فقد الاب و بقي الجد فهل يشارك الجد الاعلي، الجد الادني في الولاية أو يختص بها، قول بالشركة،

و قول بعدمها قال الشيخ (قدس سره) في المسألة قولان:

وجه القول بالشركة ظاهر قوله:

«ان الولد و والده لجده) «2»

و وجه القول بعدم الشركة، قوله تعالي: (وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ)* «3» حيث ان مقتضي

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (14) الصفحة (218)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (14) الباب (11) من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد.

(3)- سورة الانفال، الاية (75)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 30

الاية الكريمة كون القريب أولي من البعيد و هو يستلزم نفي الولاية عن البعيد. «1»

و يرد عليه- ان الشيخ (ره) لم يجعل مشاركة الجد، و ان علا للأب محل الخلاف، بل حكم بها بالجزم و القطع، و لكنه جعل مشاركة الاجداد بعضها للبعض الاخر، في صورة فقدان الاب محل الخلاف، و قال فيه: قولان و لم يظهر لنا وجه الفرق بين المقامين، فان كانت ولاية البعيد مع وجود القريب محل الخلاف، فلا بد ان يقع الخلاف في كلا المقامين و ان لم يكن محل الخلاف، فلا بد أن يكون الحال كذلك في كلا المقامين، علي أن الحكم بمشاركة الجدّ و إن علا للأب يقتضي مشاركة الاجداد بعضهم لبعض في حياة الاب، و من المعلوم أن موت الاب لا

يؤثر في سقوط الولاية عن الجد الاعلي.

و الحاصل ان الفرق بين الموردين، بجعل المسألة الثانية محل الخلاف، دون المسألة الاولي بلا وجه، و أما الاستدلال بآية اولي الارحام فيشكل من جهات.

(الاولي) انه ذهب المفسرون، الي أن الاية الكريمة ناظرة الي الاقربية في باب الارث، و انه مع وجود القريب، لا تصل النوبة الي البعيد، فالاية الكريمة في مقام ردع ما كان جاريا في زمن الجاهلية حيث كانوا يرثون بالمعاقدة، فنهت عن ذلك، و دلت علي أن تركة الميت تكون لأولي أرحامه و أما الارث بالمعاقدة، كما كان في زمن الجاهلية فمردود.

(الثانية) انه يمكن أن تكون الاية الكريمة علي نحو القضية الخارجية، بمعني أنه مع وجود الارحام لا تصل النوبة الي الاجنبي و بعبارة اخري يمكن أن تكون الاية ناظرة الي أن الطبع الاولي يقتضي ذلك و ليست في مقام جعل الحكم شرعا.

(الثالثة) ان الاية الكريمة في مقام بيان الكبري، و هي أن اولي الارحام

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (153) السطر (2) الطبعة ايران

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 31

بعضهم اولي ببعض، و أما الصغري هل هو الجد، او الاب، فلا دلالة للآية عليها فلا بد أن تعلم من الخارج.

و بعبارة أخري ان القدر المستفاد من الاية الكريمة، ان الاولوية ثابتة لبعض الارحام بالنسبة الي البعض، و هذه كبري كلية، لا بد من تشخيص مصداقها بدليل آخر.

و الحق أن يقال: ان مقتضي القاعدة عدم ولاية الجد الاعلي علي الطفل مع وجود الجد الادني كما بينا تفصيله في باب عدم ولاية الجد مع وجود الاب هذا تمام الكلام في ولاية الاب و الجد و شرائطها.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 32

الكلام في ولاية النّبيّ (ص) و خلفائه

اشارة

قوله (قدس سره): (من جملة أولياء التصرف في

مال من لا يستقل بالتصرف في أمواله الحاكم «1».

أقول: و ينبغي لنا أن نبحث في مقامين.

المقام الاول- في ولاية النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و أوصيائه الكرام (عليه السّلام).

(المقام الثاني)- في ولاية الفقيه.

(أما المقام الأول) [في ولاية النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و أوصيائه الكرام (عليه السّلام)]

اشارة

فنقول: و من اللّه التوفيق- ان الولاية علي قسمين- الولاية التكوينية- و الولاية التشريعية.

أما الولاية التكوينية،
فينبغي أن يبحث عنها من جهات.
اشارة

الجهة الاولي- تعريفها.

الجهة الثانية التكلم في امكانها ثبوتا.

الجهة الثالثة الاستدلال عليها اثباتا.

اما الولاية التشريعية- فلا بد أن يبحث عنها أيضا من جهات.

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (153) السطر (5) طبعة ايران.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 33

(الجهة الاولي)- تعريفها و بيان أقسامها.

(الجهة الثانية)- البحث في امكانها ثبوتا.

(الجهة الثالثة)- الاستدلال عليها اثباتا.

[الجهة الأولي] تعريف الولاية

(أما الجهة الأولي فهي تعريفها) انها مأخوذة من ولي يلي، كوقي يقي، و حقيقتها عبارة عن كون زمام أمر شي ء، او شخص بيد احد، و اسناد الولاية الي النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و الائمة (عليهم السلام) انما هو بلحاظ هذا المعني، فان زمام الامور كلها بيدهم، و بعبارة واضحة أن الولاية التكوينية، هي الحكومة علي الكائنات و الموجودات بالتصرف فيها.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 34

[الجهة الثانية] البحث في امكان الولاية ثبوتا و عدمه

الجهة الثانية فهي امكانها الثبوتي، بأن يقال: هل هي ممكنة لهم أم لا؟

فنقول: انه لا ريب و لا شبهة في أن ولايتهم، امر ممكن، في حد ذاتها لعدم لزوم محذور منها عقلا، و لا نقلا، و لا يمتنع أن يختار اللّه سبحانه و تعالي بعض أوليائه الكرام، بان يعطيهم منصب الولاية، و السلطة بأن تكون الموجودات تحت اطاعتهم و أن يتصرفوا في عالم الكون، و في اموال الناس و أنفسهم.

لا يقال: كيف يمكن الالتزام بثبوت الولاية التكوينية لهم، بأن يعتقد ان اختيارات الكون، انما هي بيدهم، و الحال أن ذلك يستلزم اما سلب الاختيار عنه سبحانه و تعالي، و اما الشرك به، لان الملتزم بثبوت ولايتهم علي الكون، اما يلتزم بولاية اللّه أيضا أم لا يلتزم بها، بل يعتقد بان هذه الامور فوضت بيدهم، و أنها تحت اختيارهم فقط، فان اعتقد بالاول فهو شرك، و ان اعتقد بالثاني، فهو معني خروج الاختيار عن يده سبحانه و تعالي.

لأنه يقال: ان القائل بالولاية- لا يعني بها- الولاية المستقلة، الذاتية لهم، حتي يرد ما قيل، بل مراده منها، ان ولاية النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و الائمة (عليهم السلام) انما تكون باذنه تعالي و ارادته، مضافة اليه (سبحانه و

تعالي) اضافة اشراقية، و هي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 35

كالصور التي تنطبع في الذهن الانساني و تنمحي عنه بمجرد غفلة الانسان عنها، فلا يبقي له وجود أصلا، فالاضافة الاشراقية، أيضا كذلك، و بمجرد انقطاع اضافة الرب عن الممكنات لا يبقي لها وجود أصلا، فان وجود النّبيّ، و الائمة (صلوات اللّه عليهم) و ولايتهم باقية ببقاء هذه الاضافة، تابعة لها حدوثا و بقاء- و أنت تري- أن الولاية بالمعني الذي ذكرنا لا يستلزم سلب الاختيار (عنه سبحانه و تعالي) لكونها باختياره تعالي و ارادته، و كذا لا يستلزم الشرك، لعدم الالتزام بالولاية المستقلة لهم، في قبال ولاية اللّه.

و الحاصل- أن الولاية التكوينية، أمر ممكن ثبوتها، للنبي (صلي اللّه عليه و آله) و الائمة (عليهم السلام) و لا بد من الالتزام بها، اذا يساعدها الدليل و كيف يمكن، أن ينكر هذا الامكان الثبوتي، و الحال انك تري أن الولاية في الجملة ثابتة للإنسان، بل لمطلق الحيوان أيضا، فان اختيار بعض الاعضاء بيد الحيوان، و له الولاية علي جملة من حركاته، و ذلك كالبصر و اليد، فله أن يتصرف فيهما حسب ارادته، فاذا ثبتت الولاية بمرتبتها الدنيا، لأخس الموجودات فكيف يمتنع ثبوتها بمرتبتها العليا، لأشرف الموجودات.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 36

[الجهة الثالثة] ذكر الأدلة لإثبات الولاية التكوينية
اشارة

اما الجهة الثالثة و هي مقام الاستدلال عليها اثباتا، فنقول، و اللّه نستعين و اياه نستمد التوفيق، ان الولاية ثابتة بالادلة الاربعة.

اما الكتاب

فبآيات (منها) قوله تعالي: «قٰالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقٰامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ» «1».

تقريب الاستدلال بها- أن الاية تدل علي أن عفريتا من الجن له ولاية علي الكون، و قادر علي الاتيان بعرش بلقيس قبل قيام سليمان من مقامه، مع بعد المسافة بينهما، فإذا ثبتت الولاية للعفريت، كما هو المستفاد من الاية فتثبت الولاية المطلقة للنبي بطريق أولي، لكونه أفضل منه باعتراف الخصم كيف يقاس التراب علي رب الارباب، و هو العلة الغائية للممكنات كما تدل علي ذلك قوله تعالي: في حديث القدسي- لولاك لما خلقت الافلاك-.

و (منها) قوله تعالي: (قٰالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتٰابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) «2»

______________________________

(1)- سورة النمل الاية (39)

(2)- سورة النمل الاية (40)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 37

تقريب الاستدلال بها- ان كلمة من في الاية للتبعيض فتدل علي أن الآتي بعرش بلقيس، أعني به آصف بن برخيا كان عنده شي ء من علم الكتاب، نسبته الي المجموع نسبة قطرة من الماء في البحر الاخضر، و مع ذلك كانت له سلطة في عالم التكوين، و كان متمكنا بأن يأتي بعرش قبل أن يرتد طرف سليمان و اذا كان آصف مع قلة علمه قادرا علي أن يتصرف في الكون و لو في الجملة، و كانت له ولاية تكوينية، كما هو مقتضي الاية، فتثبت ولاية النّبيّ و الائمة (صلوات اللّه عليهم) بالفحوي.

و بعبارة اخري- اذا كان من عنده مقدار قطرة من الماء في البحر الاخضر قادرا علي التصرف،

في التكوينيات، فكيف ينكر ولاية من عنده مجموع البحر الاخضر، و عنده علم الكتاب كله. كما يدل علي ذلك قوله تعالي: «كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ» بضوء الروايات الواردة في تفسيرها و هي- متظافرة.

(منها) ما رواه السدير قال كنت أنا و أبو بصير و يحيي البزاز و داود بن كثير في مجلس أبي عبد اللّه عليه السّلام اذ خرج إلينا و هو مغضب فلما أخذ مجلسه قال:

يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب الا اللّه عز و جل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في اي بيوت الدار هي قال سدير: فلما أن قام من مجلسه و صارفي منزله دخلت أنا و أبو بصير و ميسر و قلنا له: جعلنا فداك سمعناك و أنت تقول كذا و كذا في أمر جاريتك و نحن نعلم أنك تعلم علما كثيرا و لا ننسبك الي علم الغيب.

قال: فقال: يا سدير: أ لم تقرأ القرآن؟ قلت بلي، قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عز و جل «قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك» قال: قلت: جعلت فداك قد قرأته، قال: فهل عرفت الرجل؟ و هل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال: قلت: أخبرني به؟

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 38

قال: قدر قطرة من الماء في البحر الاخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟

قال: قلت: جعلت فداك ما أقل هذا فقال: يا سدير: ما أكثر هذا أن ينسبه اللّه عز و جل الي العلم الذي أخبرك به يا سدير، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عز

و جل أيضا: «قل كفي باللّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب» قال: قلت:

قد قرأته جعلت فداك.

قال: أ فمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت:

لا، بل من عنده علم الكتاب كله. قال: فأومأ بيده الي صدره و قال: علم الكتاب و اللّه كله عندنا، علم الكتاب و اللّه كله عندنا. «1»

و (منها) ما ذكره علي بن ابراهيم عن أبيه و محمد بن يحيي عن محمد بن الحسن ذكره جميعا عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن بريد بن معاوية قال: قلت: لأبي جعفر (عليه السّلام) «قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ «2»».

قال ايانا عني و علي أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النّبيّ «3».

و (منها) ما عن محمد بن علي عن أبيه عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الاحمر قال: قال الصادق (عليه السّلام) يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين (عليه السّلام) لما قال: «لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن ابي سفيان بالشام، فنكسته عن سريره» و لا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و اتيانه سليمان به قبل أن يرتد اليه طرفه أ ليس نبينا صلي اللّه عليه و آله أفضل الانبياء، و وصيه أفضل الاوصياء أ فلا جعلوه كوصي سليمان حكم اللّه بيننا و بين من جحد حقنا و أنكر فضلنا «4»

______________________________

(1)- اصول كافي الجلد (1) الصفحة (257)

(2)- سورة الرعد الاية (43)

(3)- اصول الكافي الصفحة (229)

(4)- بحار الأنوار الجزء (14) الصفحة (115) طبع جديد

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 39

منها ما رواه احمد بن محمد

عن علي بن الحكم عن محمد بن الفضيل عن سعد أبي عمرو و الجلاب عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام).

قال: ان اسم اللّه الاعظم علي ثلاثة و سبعين حرفا كان آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف الارض ما بينه و بين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كان أسرع من طرفة عين و عندنا نحن من الاسم اثنان و سبعون حرفا و حرف عند اللّه استأثر به في علم الغيب المكتوب عنده «1».

و (منها) ما نقل عن كتاب نوادر المعجزات باسناده الي الصدوق عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن ذكريا عن أبي المعافا عن وكيع عن زادان عن سلمان في ذيل رواية طويلة تركنا ذكرها روما للاختصار قال علي (عليه السّلام): يا سلمان أيما أفضل محمد صلي اللّه عليه و آله أم سليمان ابن داود، قلت: بل محمد فقال: يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من اليمن الي بيت المقدس في طرفة عين و عنده علم من الكتاب و لا أفعل ذلك و عندي علم مأئة ألف كتاب … «2»

و الروايات بهذا المضمون بلغت حد التواتر، و لا أقل من أن تكون متظافرة، و لذا لا يحتاج الي البحث عن سندها، مضافا بأن فيها ما يكون معتبرا، من حيث السند أيضا، كما هو غير خفي للمتتبع.

و (منها) قوله تعالي، نقلا عن عيسي (علي نبينا و عليه الصلاة و السلام). (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ الْمَوْتيٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِمٰا تَأْكُلُونَ وَ

مٰا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ … «3»

______________________________

(1)- بحار الأنوار الجزء (14) الصفحة (114) طبع جديد

(2)- بحار الأنوار الجزء (14) الصفحة (84) طبع قديم

(3)- سورة آل عمران، الاية (49)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 40

تقريب الاستدلال بها- ان الاية تدل علي أن عيسي كان يبرئ الاكمه، و الا برص، و يحيي الموتي، و هذا هو معني الولاية التكوينية، فاذا ثبتت ولاية عيسي بمقتضي الاية، تثبت ولاية النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و خلفائه (سلام اللّه عليهم) بطريق أولي، لكونهم أفضل منه عند اهل الصواب.

و (منها) قوله تعالي: (أَمْ يَحْسُدُونَ النّٰاسَ عَليٰ مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) «1»

تقريب الاستدلال بالآية، بوجهين.

(الاول) انه فسر في جملة من الروايات، لعلها تبلغ ستين رواية، تدل علي أن المراد من الملك العظيم، هي الطاعة، و المراد من قوله تعالي: «أَمْ يَحْسُدُونَ النّٰاسَ» الائمة الاطهار (ع)- فانهم محسودون- و مدرك هذه الروايات و مصادرها، كتاب بحار الأنوار الجزء (23) و اصول الكافي، الجزء (1) باب فرض طاعة الائمة و تفسير نور الثقلين، و نحن نذكر بعض الروايات من باب التيمن، و التبرك، من أراد أن يطلع عليها تفصيلا فليرجع الي المصادر المذكورة.

(منها) ما ذكره الحسين بن محمد عن معلي بن محمد عن الوشاء عن حماد بن عثمان عن أبي الصباح قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن قول اللّه عز و جل: «أَمْ يَحْسُدُونَ النّٰاسَ عَليٰ مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ» فقال: يا أبا الصباح نحن و اللّه الناس المحسودون «2»

و (منها) ما ذكره محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن

يحيي الحلبي، عن محمد الاحول، عن حمران بن أعين قال:

قلت لأبي عبد اللّه (عليه السّلام) قول اللّه عز و جل: «فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ الْكِتٰابَ»؟ فقال النبوة، قلت «الحكمة»؟ قال: الفهم و القضاء، قلت «و آتيناهم ملكا عظيما»؟

______________________________

(1)- سورة النساء الاية (54)

(2)- اصول الكافي الجزء (1) الصفحة (206) الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 41

فقال: الطاعة «1».

و الحاصل أن المستفاد من الاية، بضوء هاتين الروايتين أن اطاعة النّبيّ و الائمة واجبة، و مقتضي الاطلاق أن تكون الاطاعة مفروضة علي جميع الموجودات بلا تقييد، و من الواضح أنه لا معني للولاية التكوينية الا هذا.

(الثاني) أن سليمان بن داود، دعا اللّه سبحانه و تعالي، أن يعطيه ملكا، لا ينبغي لأحد بعده، فاستجاب دعاه، و أعطاه الملك و السلطة علي عالم الكون، كما هو صريح عدة من الآيات.

و مع ذلك لم يتصفه القرآن بالعظمة، و لكنه وصف الملك الذي أعطاه لآل ابراهيم بالعظمة بقوله تعالي: «فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ، وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً» «2»

و اذا كان ملك سليمان مع عدم اتصافه، بالعظمة في القرآن يقتضي تصرفه في الكون، فالملك المعطي لآل ابراهيم يقتضي ذلك بطريق أولي.

الا أن التأمل، في بعض الروايات الواردة، في المقام يعطي أن المقصود بالملك العظيم، اطاعة أوامرهم كما نقل ذلك في تفسير البرهان، بسند معتبر عن أبي جعفر (عليه السّلام) في ذيل الاية الشريفة، في جواب السائل، حيث سأله ما المراد من الملك العظيم،

قال (عليه السّلام): ان المراد من الملك العظيم، أن جعل فيهم أئمة من اطاعهم اطاع اللّه و من عصاهم عصي اللّه فهو الملك العظيم. «3»

و (منها) قوله تعالي «وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبٰالُ أَوْ قُطِّعَتْ

بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتيٰ..» «4».

______________________________

(1)- اصول الكافي الجزء (1) الصفحة (206) الحديث (3)

(2)- سورة النساء الاية (54)

(3)- تفسير البرهان، الجزء (1) الصفحة (377).

(4)- سورة الرعد الاية (31).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 42

و يمكن أن يقرب الاستدلال بالآية، بتقريبين.

(الاول) انه يظهر من شأن نزول الاية، كما في مجمع البيان و غيره، أن مشركي مكة، منهم أبو جهل بن هشام، و عبد اللّه بن امية المخزومي جلسوا خلف الكعبة، ثم أرسلوا الي النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) فأتاهم فقال له عبد اللّه بن أمية، ان سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتي تنفسح، فانها ارض ضيقة، و اجعل لنا فيها عيونا، و أنهارا، حتي نغرس و نزرع فلست كما زعمت أهون علي ربك من داود (عليه السّلام) حيث سخر لنا الريح، فنركبها الي الشام، فنقضي عليها حوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد كان سليمان سخرت له الريح.

فكما زعمت لنا، فلست علي ربك من سليمان، و احي لنا جدك قصيا أو من شئت من موتانا، لنسأله أحق ما تقول أم باطل، فإن عيسي (علي نبينا و عليه السلام) كان يحيي الموتي.

و لست بأهون علي اللّه منه، فأنزل اللّه سبحانه و تعالي، هذه الاية، و النّبيّ أيضا صدقهم في ذلك و لم ينكر وقوع هذه التصرفات، عن الانبياء المذكورة، فوقوع هذه الكرامات و المعاجيز عنهم أمر لا ينكر.

فاذا ثبت هذا المنصب العظيم لانبياء السالفين، يثبت للرسول الاعظم بطريق اولي.

لكونه أفضل منه باعتراف الخصم.

(الثاني) انه يستفاد من بعض الروايات علي أن المراد من (القرآن الذي سيرت به الجبال … ) هم الائمة (عليه السّلام) كما تدل علي ذلك، ما رواه محمد بن

يحيي، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمد بن حماد. عن اخيه أحمد بن حماد، عن ابراهيم عن ابيه عن أبي الحسن الاول (عليه السّلام) قال: قالت له: جعلت فداك أخبرني عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله ورث النبيين كلهم؟

قال: نعم، قلت من لدن آدم حتي انتهي الي نفسه؟ قال: ما بعث اللّه نبيا الا و محمد صلي اللّه عليه و آله أعلم منه، قال قلت: ان عيسي بن مريم كان يحيي الموتي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 43

بأذن اللّه، قال صدفت و سليمان بن داود كان يفهم منطق الطير و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقدر علي هذه المنازل.

قال: فقال ان سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده و شك في امره «فقال مالي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين» حين فقده.

فغضب عليه فقال: «لأعذّبنّه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين».

و انما غضب لأنه كان يدله علي الماء، فهذا- و هو طائر- قد أعطي ما لم يعط سليمان و قد كانت الريح و النمل و الانس و الجن و الشياطين و المردة له طائعين، و لم يكن يعرف الماء تحت الهواء، و كان الطير يعرفه و ان اللّه يقول في كتابه:

«و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتي» و قد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه تسير به الجبال و تقطع به البلدان و يحيي به الموتي.. «1»

و أيضا روي بطريق العامة عن علي عليه السلام انه قال: (نحن وارث القرآن الذي به تسير الجبال … ) «2»

و يجب أن لا يخفي عليك ان التقريب الثاني أقرب الي

المقصود و أوفي بافادة المدعي عن التقريب الاول، الا أنه يمكن الاشكال من جهة عدم تمامية سند الروايات فلاحظ.

و (منها) قوله تعالي: (فَسَخَّرْنٰا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ) «3»

تقريب الاستدلال بها- ان المستفاد من الاية، كون الريح مسخرا بأمر سليمان، فانه كان له ولاية عليها و علي غيرها، من الموجودات، كما تدل عليها عدة

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (226) و هذه الرواية نقلت أيضا في بصائر الدرجات.

(2)- ملحقات احقاق الحق الجزء (7) الصفحة (592).

(3)- سورة ص الاية (35)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 44

من الآيات، فاذا ثبتت ولاية سليمان و جواز تصرفه في الكون، ثبتت ولاية نبينا بطريق أولي لكونه أفضل منه باعتراف الخصم.

و منها قوله: تعالي: عُلِّمْنٰا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينٰا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ» «1».

تقريب الاستدلال بها، ان سليمان، كان عالما بمنطق الطير، و يتكلم معه و اوتي به كل شي ء، فمقتضي اطلاقه، يشمل الولاية التكوينية أيضا.

فانها أيضا أوتي به، فاذا ثبت ايتاء الولاية لسليمان بالآية تثبت ولاية النّبيّ و أوصيائه، بالفحوي.

مضافا بأن في المقام، رواية عن أبي الحسن موسي حيث قال (ع) أوتينا ما أوتي سليمان و ما لم يؤت أحدا من الانبياء «2» و هذه الرواية، و ان كانت ضعيفة السند، الا أنها مؤيدة للمقصود بلا كلام.

و منها قوله تعالي: «كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ» «3» بتقريب انه وردت في بعض الروايات «4» ان المراد من قوله: «إِمٰامٍ مُبِينٍ» هو الرسول الاعظم (ص) و علي (ع) فتدل الاية، علي ان كل شي ء اوتي بالنبي و الائمة حتي الولاية التكوينية، كما هو مقتضي الاطلاق، فهذه عدة من الآيات التي تدل، علي ثبوت الولاية المطلقة، للنبي و أوصيائه الكرام، و ان أمكن الاستدلال

علي المدعي، بعدة من الآيات أيضا، الا أنه خارج عن عهدة كتابنا هذا اذا الكتاب فقهي، لا كلامي

و أما الروايات فهي علي طائفتين.
اشارة

(الطائفة الاولي) ما دلت علي أن النّبيّ و الائمة كان في وسعهم، التصرف في

______________________________

(1)- سورة النمل: 16

(2)- تفسير نور الثقلين جلد 4 ص 459

(3)- سورة يس: 12

(4)- تفسير نور الثقلين، الجزء (4) الصفحة (379)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 45

في الكون و نواميس الطبيعة.

(الطائفة الثانية)، ما دلت علي وقوع ذلك التصرف منهم.

أما (الطائفة الاولي) [ما دلت علي أن النّبيّ و الائمة كان في وسعهم، التصرف في في الكون و نواميس الطبيعة.]

فهي فوق حد التواتر، و لذا لا يحتاج الي البحث في سندها، مع أن ملاحظة بعضها يوجب الوثوق بصدورها، مضافا الي ذلك أن فيها ما تكون معتبرة من حيث السند أيضا، و ذكر جميع الروايات الواردة في الباب خارج عن موضوع كتابنا، و لا احتياج الي ذكر الجميع فنذكر جملة منها من باب التيمن و التبرك.

(منها) ما عن الصادق (ع) سبحان الذي سخر للإمام كل شي ء و جعل له مقاليد السماوات، و الارض لينوب عن اللّه في خلقه «1» تقريب الاستدلال بها- انه يستفاد من الرواية، كون كل شي ء، مسخرا للإمام، حتي مقاليد السماوات، و الارض بيده، و اختياره، لينوب عن اللّه في مخلوقاته، بان يكون امره نافذا فيها، و ليست الولاية المبحوث عنها الا هذا.

و منها ما عنهم (ع) حينما نزل جبرئيل علي النّبيّ في انشقاق القمر، و قال يا رسول اللّه ان اللّه يقرئك السلام، و يقول: لك اني قد امرت كل شي ء بطاعتك. «2»

تقريب الاستدلال بها، ان كل ما في الوجود مأمور بطاعة اوامر النّبيّ (ص) كما يستفاد ذلك من قوله تعالي: «قد امرت كل شي ء بطاعتك» و لا نعني من الولاية إلا هذا.

و منها ما رواه محمد بن يحيي العطار عن احمد بن ابي زاهر عن الحسن بن موسي عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير قال:

سمعت ابا عبد اللّه (ع) يقول: نحن

______________________________

(1)- مدينة المعاجز الصفحة (412)

(2)- تفسير القمي في ذيل تفسير آية شق القمر.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 46

ولاة امر اللّه و خزنة علم اللّه و عيبة و حي اللّه «1» فدلالتها علي المدعي اوضح من أن يخفي.

و منها ما رواه علي بن محمد عن سهل بن زياد عن موسي بن القاسم بن معاوية و محمد بن يحيي عن العمر كي بن علي جميعا عن علي بن جعفر عن ابي الحسن موسي قال: قال ابو عبد اللّه ان اللّه عز و جل خلقنا فأحسن خلقنا و صورنا فأحسن صورنا و جعلنا خزانه في سمائه و ارضه و لنا نطقت الشجرة «2»

بتقريب انه يستفاد من الرواية، أن الشجرة، نطقت مع الائمة (ع) و ليس هذا، الا من باب الولاية علي الكون مضافا الي ذلك يفهم المقصود أيضا من قوله (ع):

و جعلنا خزانه في سمائه و ارضه فتدبر …

و (منها) ما عن الباقر (عليه السّلام) و فوض إلينا، امور عباده، فنحن نفعل باذنه ما نشاء، و نحن اذا شئنا شاء اللّه، و اذا أردنا اراد اللّه … «3»

و (منها) باب أنهم الحجة علي جميع العلائم، و جميع مخلوقات، في ضمن قصة علي و سليمان. «4»

و (منها) ما عن علي ان اسم اللّه أعظم علي اثنين و سبعين حرفا، و كان عند آصف ابن برخيا، حرف واحد، فتكلم به فخسف اللّه عز و جل الارض ما بينه و بين عرش بلقيس الي أن قال و عندنا و اللّه اثنان و سبعون حرفا. «5»

______________________________

(1)- اصول الكافي المجلد 1 ص 275.

(2)- اصول الكافي المجلد 1 ص 273.

(3)- بحار الأنوار الجزء (7) الصفحة (288) طبع

قديم

(4)- بحار الأنوار الجزء (7) الصفحة (366) طبع قديم

(5)- نفس المصدر

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 47

و (منها) ما ذكر في باب انهم يقدرون علي احياء الموتي، و ابراء الاكمه و الابرص. «1»

و (منها) ما ذكر في باب انهم (عليه السلام) سخر لهم السحاب، و يسر لهم الاسباب «2».

و (منها) ما ذكر في قصة سليمان و (منها) ما عن علي (ع) و اللّه لو شئت لمددت، يدي هذه القصيرة، في أرضكم هذه الطويلة، و ضربت بها صدر معاوية بالشام «3»

و في هذه الابواب المذكورة، روايات متظافرة بل بلغت فوق حد التواتر دالة علي ولايتهم صلوات اللّه عليهم و أعرضنا عن ذكره روما للاختصار، هذا تمام الكلام في الطائفة الاولي من الروايات.

الطائفة الثانية- و هي ما تدل علي وقوع التصرف، منهم عليه السّلام.

و هي أيضا، بلغت في الكثرة، فوق حد التواتر، كما هو ظاهر لمن تتبع الروايات الدالة علي المعجزات الصادرة عنهم (ع) و لذا لا يحتاج الي البحث في سندها و نحن نذكر بعضها تيمنا، ان شئت التفصيل راجع الي الكتب، المفصلة، المدونة لذلك.

منها- ما حدث ابو الحسين احمد بن الحسين العطار قال: حدثني ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي قال: حدثني علي بن ابراهيم بن هاشم عن الحسين بن محبوب عن الحسن بن رزين القلاء عن الفضل بن يسار عن الباقر عن ابيه عن جده الحسين بن علي (ع) قال لما رجع أمير المؤمنين (ع) من قتال اهل

______________________________

(1)- بحار الأنوار الجزء (7) الصفحة (364)

(2)- بحار الأنوار الجزء (7) الصفحة (360)

(3)- بحار الأنوار الجزء (14) من الصفحة (79) الي صفحة (84)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 48

النهروان أخذ علي النهروانات و اعمال العراق و لم يكن يومئذ قد بنيت بغداد فلما وافي

ناحية براثا صلي بالناس الظهر و رحلوا و دخلوا في أرض بابل و قد وجبت صلاة العصر فصاح المسلمون يا امير المؤمنين هذا وقت العصر قد دخل.

فقال: امير المؤمنين (ع) هذه ارض مخسوف بها و قد خسف اللّه بها ثلاثا و عليه تمام الرابعة و لا تحل لوصي ان يصلي فيها و من اراد منكم ان يصلي فليصل فقال المنافقون نعم هو لا يصلي و يقتل من يصلي يعنون اهل النهروان، قال جويرية بن مسهر العبدي فتبعته في مائة فارس و قلت و اللّه لا اصلي او يصلي هو، و لأقلدنه صلاتي اليوم قال: و سار امير المؤمنين عليه السّلام الي قطع ارض بابل و تدلت الشمس- للغروب ثم غابت و احمر الافق قال: فالتفت الي امير المؤمنين عليه السّلام و قال: يا جويرية هادت الماء قال فقدمت اليه الاداوة فتوضأ ثم قال أذن يا جويرية فقلت في نفسي اذن العصر و قد غربت الشمس و لكن علي الطاعة فاذنت فقال اقم ففعلت و اذا انا في الاقامة اذ تحركت شفتاه بكلام كأنه منطق الخطاطيف لم افهم ما هو فرجعت الشمس بصرير عظيم حتي وقفت في مركزها من العصر فقام عليه السلام و كبر و صلي و صلينا ورائه … الخ «1».

منها- ما يرفعه الي عمار بن ياسر قال: كنت عند أمير المؤمنين عليه السّلام و قد خرج من الكوفه اذ عبر بالضيعة التي يقال لها البجلة علي فرسخين من الكوفه فخرج منها خمسون رجلا من اليهود، و قالوا: انت علي بن ابي طالب الامام؟

فقال: انا ذا، فقالوا. لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستة من الانبياء و ها نحن نطلب الصخرة، فلا نجدها فان

كنت اماما فلو جدنا الصخرة، فقال عليه السّلام اتبعوني قال عمار: فسار القوم خلف امير المؤمنين الي ان استطبن بهم البر و اذا بجبل من رمل عظيم فقال عليه السّلام أيتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة فما كان إلا ساعة نسفت

______________________________

(1)- كتاب عيون المعجزات ص 8

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 49

الرمل، و ظهرت الصخرة «1»

و (منها) ما ذكر في باب المحشر، عن عمرو بن مرة، قال بينا عند امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، اذا تحركت الارض، فجعل يضربها بيده، ثم قال مالك فلم تجبه، ثم قال مالك فلم تجبه، ثم قال أما و اللّه لو كان هيه لحدثتني، و اني لأنا الذي تحدث الارض أخبارها أو رجل مني. و رواه الصدوق في العلل بإسناد آخر. ثم ضرب الارض بيده، ثم قال اسكني فسكنت «2».

و (منها) ما روي في باب سائر ما جري بينه (عليه السّلام) و بين المعاوية، حيث نزل الحسن (عليه السّلام) عن المنبر بعد خطابته، و حضر المحفل رجل من بني أمية، و كان شابا فاغلظ للحسن (عليه السّلام) كلامه، و تجاوز الحد في السب و الشتم له، ولاية، فقال الحسن (عليه السلام): اللهم غير ما به من النعمة، و اجعله انثي ليعبر به، فنظر الاموي في نفسه، و قد صار امرأة قد بدل اللّه له فرجه بفرج النساء و سقطت لحيته، فقال الحسن (عليه السّلام) اعزلي ما لك و محفل الرجال فانك امرأة، ثم شاع أمر الشاب الاموي و أتت زوجته الي الحسن (عليه السّلام)، فجعلت تبكي و تتضرع، فرقي له و دعا فجعله اللّه كما كان «3».

و (منها) ما في حديث الطرماح بن عدي و صعصعة بن

صوحان، ان امير المؤمنين (عليه السلام)، اختصم عليه خصمان، فحكم لأحدهما علي الاخر، فقال المحكوم عليه ما حكمت بالسوية، و لا عدلت في الرعية، و لا قضيتك عند اللّه بالمرضية فقال امير المؤمنين (عليه السّلام) اخسأ يا كلب، فجعل في الحال يعوي «4»

______________________________

(1)- عيون المعزات، الصفحة (31)

(2)- بحار الأنوار الجزء (7) الصفحة (112)

(3)- بحار الأنوار الجزء (44) الصفحة (98) طبع جديد

(4)- بحار الأنوار الجزء (41) الصفحة (208) طبع جديد

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 52

(347) الي (362)

و معجزاته في اطاعة الارضيات من الجمادات و النباتات و تكلمها معه في الجزء (18) الباب (3) من صحيفة (363) الي (390)

و (منها) ما ظهر من اعجازه في الحيوانات بأنواعها و اخبارها بحقيته و فيه كلام الشاة المسمومة، في الجزء (17) من البحار، من صفحة (390) الي صفحة (421) الطبع الجديد.

و (منها) ما ذكر في باب ما يعاين المؤمن و الكافر عند الموت و حضور الائمة عليهم السلام عند ذلك و عند الدفن، و عرض الاعمال عليهم في الجزء (6) من البحار، الصفحة (195) الطبع الجديد.

و (منها) ما ذكر في باب دلالة الامامة، و ما يفرق به بين دعوي المحق و المبطل و فيه قصة حبابة الوالبية، و بعض الغرائب، في الجزء (25) من البحار، الصفحة (176) الطبع الجديد.

و (منها) ما ذكر في دعواته و معرفته بجميع اللغات في الجزء (11) من البحار، الطبع الكمپاني الصفحة (122) الي صفحة (150) و كذا في صفحة (238) و (15) و 35.

و (منها) ما ذكر في باب معجزات امام التاسع (عليه السّلام) نقلا عن بصائر الدرجات في الجزء (12) من البحار، الصفحة (107) و كذا في الجزء (16) الصفحة 43 ما يدل

علي معجزاته (عليه السّلام).

و (منها) ما ظهر من معجزاته (عليه السّلام) في الجمادات و النباتات في الجزء (41) الصفحة (248) الطبع الجديد.

و (منها) ما ذكر في تفضيلهم علي الانبياء، و علي جميع الخلق، في الجزء (26) من البحار الصفحة (26) و (267) و غير ذلك من الروايات الواردة في المقام التي بلغت فوق حد التواتر بحيث لا يبقي ريب في ثبوت الولاية للنبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم لمن كان عنده أدني التأمل و الانصاف.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 53

تنبيه و تحقيق

اذا ثبتت الولاية التكوينية، للنبي و الائمة، بالآيات و الروايات هل الولاية التشريعية، أيضا تثبت بنفس هذه الادلة، بحيث لا يحتاج الي اقامة دليل مستقل عليها، أم لا يثبت بذلك، بل لا بد من اقامة الدليل عليه؟..

أفاد المحقق الاصبهاني في حاشيته، أن الاستدلال بما دل علي ثبوت الولاية التكوينية، لا تثبت الولاية التشريعية، بل لا بد من اقامة الدليل علي جعل هذا الاعتبار لهم (ع)، لعدم الملازمة بينهما، اذ ليست إحداهما من مراتب الاخري، حتي يكون الاستدلال بولايتهم بالمرتبة القوية علي المرتبة الضعيفة من باب وجدانهم للمرتبة القوية، يحكم بوجدانهم للمرتبة الضعيفة، بل إحداهما حقيقية، و الاخري اعتبارية، فهما متباينان، لا مندرجان تحت حقيقة واحدة، حتي يجري فيه التشكيك، بالشدة و الضعف، و يرد عليه أن ما ذكره من تغاير الولايتين، من حيث الوعاء، و ان كان في غاية المتانة، الا أن ذلك لا يوجب، ان لا تكفي الادلة القائمة علي الولاية التكوينية، عن اثبات التشريعية و السرّ فيه ان اللّه سبحانه و تعالي اعطاهم (ع) منصب الولاية التكوينية تعظيما، لهم و ترفيعا، لمقامهم، فالجهة الموجبة لإعطاء الولاية التكوينية يقتضي اعطاء التشريعية أيضا، ليرتفع

بذلك شانهم (ع) و مقامهم، و علي هذا،

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 56

النظر إلي أدلة منكري الولاية
اشارة

ربما توهم بعض الاباطيل- ان الالتزام بالولاية للنبي و الائمة غير صحيح، لأنه التزام بالولاية للغير، في قبال ولاية اللّه، و هو مستلزم للشرك، و ان الولاية التكوينية، منحصرة بذاته تعالي، و أما الرسول، فانه انما هو نذير، و بشير، و ليس له من الامر شي ء الا البلاغ، و استدل لإثبات مدعاه الباطل، بعدة من الآيات، نحن نذكرها و نجيب عنها.

منها قوله تعالي: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظٰالِمُونَ»

«1». تقريب الاستدلال بها- ان لفظة شي ء، في الاية، نكرة في سياق النفي، فهي تفيد العموم، فتدل الاية علي عدم ولاية النّبيّ علي شي ء من الامور فالتزام بثبوت الولاية لهم، مردود، بهذه الاية.

و يمكن الجواب عن الاستدلال، بالآية بوجهين..

الوجه الاول- ان الاية الشريفة، تارة تلاحظ، بظاهرها بلا اتكاء في تفسيرها علي الرواية، و اخري تلاحظ مع ملاحظة الروايات الواردة في تفسير الاية.

______________________________

(1)- سورة آل عمران: 128

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 57

و اما علي الاول- اعني تفسير الاية بظاهرها بلا ملاحظة الروايات، فالاية- كما تري- اجنبية عن الدلالة، علي نفي الولاية، لان المراد من قوله تعالي: «او يتوب عليهم او يعذبهم» الكفار، فتكون معني الاية، ان عذاب الكفار، او قبول توبتهم، ليس بيد النّبيّ صلي اللّه عليه و آله بل بيده سبحانه و تعالي و انما وظيفة الرسول، تبليغ الاحكام فقط- و عليه- فان الاية، لا دلالة لها علي مطلوب الخصم، بوجه من الدلالة، كما هو ظاهر لمن تأمل في الاية مع سياقها …

و اما علي الثاني- بان ينظر الاية، بملاحظة الروايات «1» الواردة في تفسيرها فالاية، نزلت في شأن الامام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فالمراد من الامر، في الاية، الامر المعهود، اعني الولاية، فيكون معني الاية، ان ولاية علي (عليه السّلام)

امرها بيده سبحانه و تعالي، و ليست مجعولة، من قبل النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) كما زعم المنافقون و ليس بيده سبحانه و تعالي، و علي هذا أيضا تكون الاية اجنبية، عن افادة مراد الخصم، بل تظهر منها خلاف مقصوده عند التأمل.

الوجه الثاني- انه نفرض ظهور الاية، في نفي الامر التكويني عن النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و لكننا نقول ان الاية، تدل علي نفي الامر الاستقلالي، عنه (صلي اللّه عليه و آله) تنبيها بأنه ليس مستقلا في الامور فان الامور التي تكون، بيده (صلي اللّه عليه و آله) انما هي باذن اللّه سبحانه و تعالي و ارادته، و نحن أيضا لا نعتقد، الا بهذا المعني من الولاية.. فان مناصب النّبيّ كلها، انما هي من اللّه سبحانه و تعالي، و ليس له من نفسه شي ء الا ما أعطاه اللّه جل و علا.

فتلخص، ان الاية لا تدل، علي نفي ولاية الرسول، علي اي حال.

و (منها)- قوله تعالي: [وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلّٰا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ … ]

«وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلّٰا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَليٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَليٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّٰهُ

______________________________

(1)- تفسير البرهان المجلد 1 ص 314 حديث 2 و 3

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 60

هو أيضا يكون بتوفيقه و عونه و هذا اعتراف بالعبودية، و اضافة الحول و القوة اليه تعالي، و الحاصل ان هذه الاية و نظائرها تدل علي سلب القدرة الاستقلالية عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله بمعني انه لا يملك ضرا و لا نفعا بالاستقلال، و اما نفي الولاية التكوينية المدعاة في المقام فالاية اجنبية عنه.

و (ثالثا) يستفاد من بعض الروايات «1» الواردة في تفسير

الاية، انها نزلت في ولاية علي عليه السّلام، حيث زعم المنافقون، أن نصبه عليه السّلام للخلافة، هو من عند النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، فنزلت الاية علي الرسول الاعظم، لتؤكدان الولاية المطلقة لعلي عليه السّلام مجعولة من قبل اللّه تعالي، و قل للمنافقين اني ما نصب عليا للإمامة بل انما أنا مأمور بابلاغ امامته للناس، و لا أقدر أن اخالف ربي بذلك فلا بدلي من ابلاغ رسالات ربي، اذا أخالف أوامر ربي فلن يجيرني أحد من عذاب اللّه، و أما اذا بلغت ولاية علي عليه السّلام، و خالفت هوي الناس فاللّه حسبي و كفي، و علي هذا أيضا ان الاية أجنبية عن الدلالة علي مقصود الخصم كما تري.

و (منها) قوله تعالي: «وَ لٰا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلٰائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْبٰاباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».

«2» تقريب الاستدلال به- ان اللّه سبحانه و تعالي، نهي عن أخذ النبيين أربابا، و مع ذلك كيف يجوز الالتزام بولايتهم علي الكون.

(الجواب عنه)- ان كلمة الرب مأخوذة من ربب، و هو المالك المصلح و المربي، و منه الربيبة، و هو لا يطلق علي غيره سبحانه و تعالي، الا مضافا الي شي ء، فيقال: رب السفينة، رب الدار، رب الضيف، اذا عرفت ذلك فنقول:

ان الارباب في الاية بمعني الآلهة، فالاية تدل علي النهي عن أخذ النبيين آلهة لا نفسهم،

______________________________

(1)- تفسير البرهان الجزء (5) الصفحة (392)

(2)- سورة آل عمران الاية (79)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 61

و نحن أيضا نقول: بحرمته و أين هذا من الدلالة علي نفي الولاية.

و (منها) قوله تعالي: «فَذَكِّرْ إِنَّمٰا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ»

«1» تقريب الاستدلال بها- ان اللّه سبحانه و تعالي ينفي صيطرة النّبيّ علي الناس، فاذا لم يكن مصيطرا علي الناس، فكيف يكون مصيطرا علي الكون، فانه مذكر ليس الا: و لا يكون له منصب آخر، كما يستفاد ذلك الحصر من كلمة انما.

(الجواب عنه) اولا أن الاية تدل علي سلب السيطرة الاستقلالية عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله بانه ليست قدرته ذاتية و نحن لا ننكر هذا المعني، بل نقول ان صيطرة النّبيّ و قدرته انما هي باذن اللّه تبارك و تعالي، و الاية لا تنفي المعني الذي ذكرناه.

و (ثانيا) ان هذه الاية و نظائرها انما تكون في مقام تسلية الرسول (صلي اللّه عليه و آله)، و دفع تأثره، بمعني أنت يا رسول اللّه لا تتأثر من كفرهم و لا تحزن، بعد أداء وظيفتك و رسالتك، فانما أنت مذكر، فقد ذكرتهم أحكام الإسلام، و أما اجبارهم علي الإسلام بالقهر و السيطرة فلست مأمورا به.

و (منها) قوله تعالي «مٰا كٰانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْليٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ»

«2» تقريب الاستدلال به- أن النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله)، اذا نفي علمه بالملا الا علي كما هو صريح الاية، فكيف تكون له ولاية علي السماء و الارض.

(الجواب عنه) اولا أن الاية تدل علي نفي علم الغيب عن النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) و أما الولاية فالاية أجنبية عنها كما هو واضح.

و (ثانيا) لا نسلم دلالة الاية علي نفي علم الغيب عن النّبيّ (صلي اللّه عليه و آله) مطلقا بل انها كنظائرها، تدل علي نفي العلم الاستقلالي عنه، كيف يمكن الالتزام بجهل النّبيّ بالملاء الاعلي و الحال ان اللّه سبحانه و تعالي اري ابراهيم علي نبينا و عليه السلام ملكوت

______________________________

(1)- سورة الغاشية الاية (1)

(2)- سورة ص الاية (69)

دراساتنا من

الفقه الجعفري، ج 3، ص: 64

و الجمع بين الروايات: يتم بأن تحمل الروايات الدالة، علي نفي علم الغيب علي ما اذا لم يرد الامام أن يعلمه، و لك أن تحملها علي نفي العلم الاستقلالي عنهم صلوات اللّه عليهم.

و تحمل الروايات الدالة علي اثباته مطلقا، علي أن الامام اذا أراد أن يعلم شيئا، يعلمه اللّه تعالي، بقرينة الروايات الدالة، علي ذلك أعني الطائفة الثالثة. فصفوة الكلام في المقام أن النّبيّ و الائمة عليهم السلام، عالمون بما كان، و بما يكون، و بما هو كائن اذا أرادوا أن يعلموا فان اللّه تعالي يعلمهم ذلك.

و (أما الآيات)، فطائفتان، طائفة منها تدل علي نفي علم الغيب عن غيره سبحانه و تعالي كقوله تعالي: (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّٰهِ) «1» و قوله تعالي (وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ) «2» و قوله تعالي: (قُلْ لٰا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللّٰهُ) «3»

و طائفة أخري منها- تدل علي ثبوت علم الغيب للنبي (صلي اللّه عليه و آله) و الائمة (ع) كقوله تعالي: (عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلٰا يُظْهِرُ عَليٰ غَيْبِهِ أَحَداً إِلّٰا مَنِ ارْتَضيٰ مِنْ رَسُولٍ) «4» و قال أبو جعفر (عليه السّلام) «و كان و اللّه محمد ممن ارتضاه» الي أن قال (عليه السّلام) (فهو العلم الذي انتهي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ثم إلينا) «5»

(فهاتان الطائفتان)، و ان كان بينهما التعارض البدوي، و لكنه عند التأمل يجمع بينهما بحسب المتفاهم العرفي، بحمل الآيات النافية، علي نفي العلم الذاتي

______________________________

(1)- سورة يونس الاية (20)

(2)- سورة انعام الاية (59)

(3)- سورة نمل الاية (67)

(4)- سورة جن الاية (26 و 27)

(5)- اصول الكافي الجزء (1) الصفحة (256)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3،

ص: 65

دفعا لتوهم بعض الجهال من الغلاة و غيرهم، حيث كانوا معتقدين بكون الرسول صلي اللّه عليه و آله و الائمة عالمين بالغيب، بالارادة الاستقلالية، و تحمل الآيات المثبتة علي كونهم عالمين بذلك باذن اللّه تعالي، و الآيات النافية لا تنفي هذا المعني، كما عرفت.

و علي هذا لا تعارض بين الطائفتين، لعدم نفي إحداهما ما يثبته الاخري و بالعكس.

و ان شئت قلت، ان العرف لا يري التعارض بينهما، فان غاية ما يستفاد من الآيات النافية عدم كون غيره عالما بالغيب، لكنها مخصصة بالآيات الدالة علي اعطاء علم الغيب لمن ارتضاه اللّه تعالي و يعطيه.

هذا تمام الكلام في علم النّبيّ و الائمة و التفصيل فيه خارج عن وضع كتابنا هذا.

و من الآيات التي استدل بها علي نفي الولاية التكوينية قوله تعالي: «قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحيٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً». «1»

(تقريب الاستدلال) به أن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، قد اعترف بكونه بشرا كغيره، و انما امتاز عن غيره من جهة واحدة فقط، و هي كونه متصلا بالوحي، في اخباراته، كما يدل علي ذلك قوله (يوحي الي) و الالتزام بثبوت الولاية التكوينية له صلي اللّه عليه و آله خلاف اعترافه.

(الجواب عنه) ان الاية نزلت لدفع بعض التخيلات الفاسدة التي كانت داخلة في أذهان الناس و هو انكار نبوة النّبيّ الاعظم صلي اللّه عليه و آله، كما روي ذلك عن الامام أبو محمد العسكري عليه السّلام عن أبيه، عن علي بن محمد في حديث طويل، في مناظرة جماعة من قريش و عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله.

قال: عليه

السلام أنزل اللّه تعالي يا محمد! قل انما أنا بشر مثلكم، يعني آكل الطعام يوحي الي انما إلهكم إله واحد، يعني قل لهم: انا في البشرية مثلكم، و لكن

______________________________

(1)- سورة كهف الاية (110)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 66

خصني ربي بالنبوة دونكم، كما يخص بعض البشر بالغني و الصحة و الجمال، دون بعض من البشر، فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة..). «1»

(و يمكن أن يقال) كما قيل: ان الاية نزلت لدفع بعض التخيلات الفاسدة، و هو تخيل ألوهية النّبيّ بعد مشاهدة اعجازه صلي اللّه عليه و آله، و اخباراته عن المغيبات، كي تؤكد أن اخبارات النّبيّ صلي اللّه عليه و آله ليست من نفسه، بل يوحي اليه، و المراد من قوله تعالي (لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ..) شرك رياء كما نطقت بذلك روايات واردة عن المعصوم عليهم السلام «2».

و (منها) «قوله تعالي: قُلْ أَ غَيْرَ اللّٰهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فٰاطِرِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ»

«3» بتقريب أن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، ينفي ولاية غيره سبحانه و تعالي كما يدل عليه الاستفهام الانكاري في الاية، و يثبتها للّه سبحانه و تعالي فقط، فكيف يجوز لنا أن نثبت للنبي ما ينفيه عن نفسه.

(الجواب عنه) أولا أن المستفاد من الاية عدم جواز اتخاذ النّبيّ وليا علي نفسه غيره سبحانه و تعالي، و أما غيره من أفراد البشر هل يجوز لهم اتخاذ غيره سبحانه و تعالي وليا علي انفسهم أو لا يجوز؟ فالاية أجنبية عنه، و لا ملازمة بينهما، فان اثبات أحدهما غير مثبت للاخر، و كذا نفيه، فيمكن أن لا يجوز اتخاذ النّبيّ وليا علي نفسه من البشر لكونه أفضل منهم، و عدم احتياجه اليهم، و لذا فان عليا عليه السّلام له ولاية علي ما سوي اللّه، الا النّبيّ فلا ولاية له

علي النّبيّ صلي اللّه عليه و آله لما ذكرنا بخلاف غيره فانه يجوز لهم اتخاذ غيره سبحانه و تعالي من النّبيّ و الائمة وليا علي أنفسهم لكونهم محتاجين اليهم في الدنيا و الآخرة.

______________________________

(1)- تفسير البرهان جلد (2) الصفحة (496)

(2)- نفس المصدر

(3)- سورة انعام الاية (14)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 67

ثانيا ان الاية نزلت في مقام الجواب عن المشركين حيث قالوا: للرسول الاعظم صلي اللّه عليه و آله، ما الباعث علي قيامك بهذه الدعوة الاسلامية فان كانت دعوتك لأجل متاع الدنيا، فنحن نضع أموالنا تحت يدك، أو لأجل أن تكون علينا اميرا، فنحن نتبعك في ذلك و- عليه- فلا داعي للدعوة لا له غير آلهتنا، حتي تقع المحاربة بينك و بيننا.

فقال النّبيّ صلي اللّه عليه و آله: في جوابهم ان الغرض من هذه الدعوة، ليس متاع الدنيا، و لا طمع الامارة عليكم، بل أنا مأمور من قبل اللّه سبحانه و تعالي أن أرشد كم الي سبيل الهداية و النجاة، و لا نريد منكم جزاء و لا شكورا، فانما أجري علي اللّه و هو نعم الولي

و (ثالثا) ان الاية لا ترتبط بالولاية التكوينية أصلا، فان الولاية في الاية أمر اتخاذي يوجد و ينعدم بالاخذ و عدمه، و الولاية التكوينية أمر خارجي، و هذا ظاهر.

و (منها) قوله تعالي: قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ

«1» تقريب الاستدلال به- ان النّبيّ اذا لم يكن وكيلا لعدة من الناس كما اعترف به نفسه، فكيف تكون له الولاية علي ما سوي اللّه سبحانه و تعالي.

و فيه- ان الاية تكون في مقام بيان أن بعث العذاب من فوقكم أو من تحت أرجلكم يكون من القادر المتعال، و أما أنتم أيها المكذبون سوف تعلمون أن عاقبة تكذيبكم، بآياته سبحانه و تعالي،

يرجع إليكم، و لست عليكم بوكيل، اي لست بحافظ لأعمالكم، حتي اجازيكم بها، انما انا منذر و اللّه سبحانه هو المجازي- فاي ربط بين هذا المعني و نفي الولاية.

و ملخص الكلام- أن مفاد الاية لا يرتبط بالولاية التكوينية و عدمها، و علي فرض التنزل و تسليم دلالتها، فانها تدل علي النفي بالنسبة الي مورد خاص، و أمر

______________________________

(1)- سورة انعام الاية (66)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 68

مخصوص، و لا يستفاد منها العموم.

و (منها) قوله تعالي: «وَ مٰا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» *

«1». و تقريب الاستدلال به قد ظهر من تقريب الاستدلال بالآية السابقة.

و (الجواب عنه) أن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله كان اذا رأي اشتياق الناس الي عبادة الاصنام، و جعلها شركاء للّه سبحانه تعالي تأثر من ذلك، و كان يسعي لعلهم يتركوا الشرك و لما لم يقدر بذلك كان متأثرا عن شركهم، فنزلت الاية لرفع التأثر و التحسر عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، يؤكد بأن اللّه سبحانه و تعالي اذا شاء أن يتركوا الشرك قهرا و اجبارا لاضطرهم الي ذلك، الا أنه لم يضطرهم بما ينافي أمر التكليف، و أمرهم بتركه اختيارا ليستحقوا الثواب و المدح عليه، فلم يتركوه فأتوا به من قبل أنفسهم و أنت لست عليهم بوكيل اي لا تقدر أن تجلبهم الي الخير كي لا يشركوا و انما أنت رسول، و عليك البلاغ، و علينا الحساب، و أنت اذا تأملت تعلم أن الاية اجنبية عن نفي الولاية التكوينية.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 68

و (منها) قوله تعالي: «وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِأَعْدٰائِكُمْ وَ كَفيٰ بِاللّٰهِ وَلِيًّا، وَ كَفيٰ بِاللّٰهِ نَصِيراً».

«2» (بتقريب) أن الاية تدل علي كونه سبحانه و تعالي كاف عبده، و لا يحتاج الي نصير بعد نصرة اللّه له- و عليه- لا وجه للالتزام بولاية غيره.

(و فيه)- أن من عنده أدني التأمل، لا يتمسك بهذه الاية لنفي الولاية التكوينية، لان الاية نزلت لتقوية قلوب المسلمين في مقابل أعدائهم من اليهود، و أخبر سبحانه و تعالي بأنه أعلم بعداوة اليهود، حيث قال: (وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِأَعْدٰائِكُمْ) أيها المؤمنون، فانتهوا الي اطاعتي فيما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكم فاني أعلم بباطنهم

______________________________

(1)- سورة انعام الاية (107)

(2)-

سورة نساء الاية (45)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 69

منكم، ان ولاية اللّه لكم و نصرته اياكم، تغنيكم عن نصرة هؤلاء اليهود، و من جري مجراهم، ممن تطعمون في نصرته.

و لست أدري و ان كنت داريا- ان المستدل بأي ميزان من الموازين العلمي استدل بهذه الاية، مع ان فساده أظهر من الشمس.

و (منها) قوله تعالي: (وَ تَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ وَ كَفيٰ بِاللّٰهِ وَكِيلًا)*

«1» قد ظهر لك تقريب الاستدلال، من ملاحظة الاستدلال بالآية السابقة فلا نعيد.

و أما جوابه- ان الاية نزلت علي النّبيّ لتؤكد بان الجهال، و ان تولوا عنك، فأعرض أنت عنهم أيضا، و لا تخف منهم (و كفي باللّه وكيلا) و لا احتياج لك اليهم، فأين هذا من الدلالة علي نفي الولاية التكوينية.

و (منها) قوله تعالي: «وَ لٰا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَلِيًّا وَ لٰا نَصِيراً»

«2» (بتقريب) أن الاية صريحة، في نفي الولاية و النصرة عن غير اللّه سبحانه و تعالي، و هو المطلوب.

و فيه- أن الاية تدل علي نفي الولاية الاستقلالية، عن غيره سبحانه و تعالي بأن ما سوي اللّه تعالي لا يتمكن، أن يكون وليا و لا ناصرا بالاستقلال، و هذه عقيدتنا، فلا ينكره أحد من المسلمين، و لكن ولاية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و نصرته، انما يكون باذن اللّه تعالي و ارادته فلا منافاة بين المقامين.

و (منها) قوله تعالي: «هَلْ كُنْتُ إِلّٰا بَشَراً رَسُولًا»

«3» (بتقريب) أن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، قد اعترف بعجزه، و قال: صلي اللّه عليه و آله انما أنا بشر مثلكم و ليس لي الا الرسالة، فهذا هو المطلوب.

______________________________

(1)- سورة نساء الاية (81)

(2)- سورة النساء الاية (123)

(3)- سورة أسري الاية (93)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 70

الجواب عنه- ان الكفار قالوا للنبي صلي اللّه عليه و آله (لن نؤمن لك حتي تفجر لنا من الارض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا) و غير ذلك من الامور المستحيلة وقوعها في الخارج عادة، كما ذكرت في الاية، فامر اللّه سبحانه و تعالي للنبي قل سبحان ربي، و هو منزه من أن يفعل المعجزات، تابعا للاقتراحات و هذه الاشياء التي سألتموها فلا أقدر بنفسي أن آتي بها، كما لم يقدر من كان قبلي من الرسل، و ان اللّه تعالي انما يظهر الآيات المعجزة علي حسب المصلحة، و قد فعل ذلك و من تأمل في الاية تري أنها أجنبية عن الدلالة لنفي الولاية التكوينية.

و (منها) قوله تعالي: «وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا»

«1» تقريب الاستدلال به قد ظهر من تقريب الاستدلال بالآية السابقة.

الجواب عنه- ان الاية تدل علي أن غفران الناس و عذابهم انما هو بارادة اللّه سبحانه و تعالي، و ما أرسلناك موكلا عليهم و لا حفيظا لأعمالهم حتي تدخل الايمان في قلوبهم بالقهر و الغلبة، شاءوا أم أبوا، فأي ربط بين هذا المعني و بين الولاية التكوينية.

و (منها) قوله تعالي: «أَ لَيْسَ اللّٰهُ بِكٰافٍ عَبْدَهُ»

«2» بتقريب أن القول بولاية النّبيّ، يستلزم عدم كونه سبحانه و تعالي كافيا عبده، و هو ممنوع.

و (فيه) اولا ان الاستلزام ممنوع. و ثانيا ان الاية راجعة الي أن أجر المحسنين عند اللّه تعالي، و هو يكفي عبده في ذلك، فاي ربط بين الاية و نفي الولاية؟.

و (منها) قوله تعالي [«قُلِ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ مٰا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لٰا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً»]

«قُلِ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِمٰا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ

______________________________

(1)- سورة الاسراء الاية (54)

(2)- سورة الزمر الاية (36)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 71

وَ أَسْمِعْ مٰا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لٰا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً» «1»

تقريب الاستدلال به- أن الالتزام بالولاية التكوينية لغير سبحانه و تعالي يستلزم الشرك، و هو ممنوع في الاية.

و الجواب عنه- ان الولاية الثابتة للنبي انما كانت هي باذن اللّه تعالي كما تقدم تفصيلها و هل يتوهم العاقل بانها شرك باللّه؟

و (منها) قوله تعالي: [وَ إِنْ كٰانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرٰاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمٰاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ]

وَ إِنْ كٰانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرٰاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمٰاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَي الْهُديٰ فَلٰا تَكُونَنَّ مِنَ الْجٰاهِلِينَ «2»

تقريب الاستدلال به ان اللّه سبحانه و تعالي في مقام تعجيز النّبيّ عن التصرف في التكوين بقوله: (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ … ) بمعني أنك لا تقدر علي أن تأتي بشي ء من الامور المذكورة، فمع نفي اللّه سبحانه و تعالي ولاية النّبيّ علي الكون، كيف يمكن لنا أن نلتزم بثبوتها له صلي اللّه عليه و آله.

(الجواب عنه)- اولا ان الناس لما أعرضوا عن الدين الاسلامي و كذبوا النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، فتحسر الرسول صلي اللّه عليه و آله من ذلك و تأثر فنزلت الاية تسلية للرسول بأن لا تحزن لأنك بلغت رسالتك و أنت لا تقدر، علي أن تأتي بشي ء، من الامور المذكورة و التصرف فيها، الا باذن اللّه تبارك و تعالي، و أنت تري أن هذا المعني لا ينافي الولاية التي ذكرناها للنبي صلي اللّه عليه و آله و الائمة (ع) و خلاصة الكلام أن الايمان و الكفر، أمر ان اختياريان، و ليس علي الرسول

أن يجبرهم علي ذلك، و الا يلزم كون البعث لغوا.

و (ثانيا) أن عدم قدرة النّبيّ في أمر خاص، لا يدل علي النفي المطلق كما

______________________________

(1)- سورة الكهف الاية (26)

(2)- سورة انعام الاية (35)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 72

هو واضح.

و (ثالثا) أن الولاية التكوينية التي ندعيها، للنبي صلي اللّه عليه و آله. يكون باجازة اللّه سبحانه و تعالي لا بالاستقلال من نفسه.

و (منها) قوله تعالي: «وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مٰا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»

«1» تقريب الاستدلال به- ان النّبيّ لو كانت له ولاية علي الانفس، لكان قادرا بتأليف قلوب الناس، و الحال أن اللازم منتف بالآية، فكذلك الملزوم، أيضا ينتفي بانتفاء اللازم.

الجواب عنه- أن الاية تدل علي أن تأليف القلوب مع ما فيه من الصعوبة، لا يمكن أن يحصل بالاسباب الظاهرية، من الانفاق و غيره فلو لم تتعلق به ارادة اللّه تعالي، لم يمكن للرسول صلي اللّه عليه و آله، تأليف قلوبهم، و ازالة الضغائن الجاهلية «و لكن اللّه ألف بينهم» بحسن تدبيره و بالاسلام الذي هداهم اليه، و أنت اذا تأملت في المعني الولاية التي بيناها سابقا تعلم أن الاية لا اشعار فيها، بنفي الولاية فضلا عن الدلالة عليها. مضافا بأن النفي الخاص لا يفيد للخصم شيئا كما هو اوضح من أن يخفي.

و (منها) قوله تعالي: «إِنَّكَ لٰا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»

«2» بتقريب- أن النّبيّ لا يتمكن علي هداية من يحبه من امته، كما هو مفاد الاية، فكيف يمكن الالتزام بولايته علي الكون.

و يمكن الجواب عنه حلا و نقضا، أما النقض في موارد عديدة نسبت الهداية فيها

______________________________

(1)- سورة الانفال الاية (63)

(2)- سورۀ قصص الاية (56)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 73

الي النّبيّ الاعظم صلي اللّه عليه و آله.

(منها) قوله تعالي: «إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ «1»»
و (منها) وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ «2»
و (منها) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُديٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ*

«3» و غير ذلك من الآيات كما هو واضح لمن تأمل فيها. و كذا نسبت الهداية، الي غيره أيضا، كقوله تعالي: «وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ مٰا هَديٰ» «4»

بتقريب- ان اللّه تعالي ذم فرعون، لعدم هدايته لقومه، فيعلم منه كونه قادرا بذلك، لان غير المقدور غير مذموم، و اذا ثبت تمكن فرعون من هداية قومه، فهل يمكن أن يتوهم العاقل، عدم قدرة النّبيّ علي ذلك.

و (منها) قوله تعالي «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنٰا مُوسيٰ بِآيٰاتِنٰا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَي النُّورِ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّٰامِ اللّٰهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِكُلِّ صَبّٰارٍ شَكُورٍ»

«5» فان موسي علي نبينا و عليه السّلام اذا كان قادرا علي اخراج قومه من الظلمات الي النور، كيف يمكن الالتزام بعجز نبينا من ذلك مع كونه أفضل منه و من جميع الانبياء السلف.

و أيضا نسبت الهداية الي نفس القرآن في موارد عديدة، تبلغ في الكثرة أزيد من عشرين موضعا، و نحن نذكر بعضها من باب التيمن و التبرك.

(منها) قوله تعالي: «إِنَّ هٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»

«6»

______________________________

(1)- سورة رعد الاية (7)

(2)- سورة الصف الاية (9)

(3)- سورة الشوري الاية (52)

(4)- سورة طه الاية (79)

(5)- سورة ابراهيم الاية (5)

(6)- سورة الاسراء الاية (9)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 74

و (منها) «إِنّٰا سَمِعْنٰا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَي الرُّشْدِ فَآمَنّٰا بِهِ» «1»
و (منها) إِنّٰا سَمِعْنٰا كِتٰاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسيٰ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ»

«2» و اما الحل فبوجهين، الاول انه يظهر من ملاحظة السياق، ان اللّه سبحانه، ينفي استقلال النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، و قد مر منا مرارا أن هداية النّبيّ، و ولايته انما هي باذن اللّه تعالي، و لا منافات بين الامرين، كما هو واضح.

(الثاني) أن الهداية قسمان- ارائة الطريق. و الايصال الي المطلوب و الفرق بين هذين المعنيين، أن الثاني يستلزم الوصول الي المطلوب، بخلاف الاول، فان الدلالة علي الشي ء الذي يوصل الي المطلوب، لا تلزم أن تكون موصلة الي ما يوصل، فكيف توصل الي المطلوب.

اذا عرفت ذلك فنقول: ان قوله تعالي: «إِنَّكَ لٰا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» يمكن أن يحمل علي المعني الثاني بأن النّبيّ ليس له الايصال الي المطلوب بلي له ارائة الطريق فقط فان شأنه ذلك و الحاصل أن نفي الهداية عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله لا يرجع الي محصل، كيف يمكن ذلك مع أنه مبعوث للهداية، و الإراءة، كما هو واضح لمن عنده أدني دراية.

و من الآيات التي استدل بها علي نفي الولاية، قوله تعالي: «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً». «3»

بتقريب ان الالتزام بالولاية للنبي صلي اللّه عليه و آله، يستلزم الشرك، و هو منفي بالآية.

______________________________

(1)- سورة الجن الاية (2)

(2)- سورة أحقاف الاية (30)

(3)- سورة الاسراء الآية (111)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 75

و يرد عليه- انا قد ذكرنا سابقا منع الصغري و لا احتياج الي

الاعادة.

و (منها)- قوله تعالي: «و ما أنتم بمعجزين في الارض و مالكم من دون اللّه من ولي و لا نصير».

«1» حيث نفت الاية اعجازه في الارض فانحصرت الولاية، باللّه سبحانه و تعالي فقط و هو المدعي.

و فيه- قد مر منا مرارا، ان هذه الآيات، تدل علي سلب الولاية الاستقلالية، عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، و نحن غير منكرين له و نقول: أن ولايته تكون باذنه سبحانه و تعالي.

و الحاصل ان المستفاد من الاية انه لا يمكن الفرار عن سلطانه تعالي، مضافا بأن غاية ما يدعيه الخصم أن الاية تدل علي المقصود بالاطلاق لكن نقول: انه تقيد و تخصص بالادلة الدالة علي ولايته صلي اللّه عليه و آله.

و (منها) قوله تعالي: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْلِيٰاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ»

«2». بتقريب أن أخذ ولاية غيره سبحانه و تعالي موهون، لا اعتبار به، فلا بد أن نلتزم بولاية اللّه تعالي، حتي يثبت أقدامنا.

الجواب عنه- ان الاية نزلت في ذم المنافقين الذين اتخذوا أولياء لأنفسهم، من اليهود، و غيرهم، و تركوا سبيل الرشاد، و أما الولاية التي تكون بامر اللّه تعالي، ليست مصداقة لمفاد هذه الاية، كما تري.

و (منها) قوله تعالي: «قُلْ لٰا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لٰا ضَرًّا … »

«3»

______________________________

(1)- سورة الشوري الآية (31)

(2)- سورة عنكبوت الاية (41)

(3)- سورة أعراف الاية (188) و سورة يونس الاية (49)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 76

الجواب عنه- لا بد أن نسأل من هذا المستدل وجه عدم ذكره الاية بتمامها، هل يجوز الاستدلال علي اطلاق المستثني منه، بدون ذكر المستثني- و أظن- و ان كان الظن لا يغني من الحق شيئا- ان المستدل لم يذكر المستثني في الاية، خوفا لإفادتها خلاف مقصوده و نحن نذكر الاية بتمامها حتي يري المتأمل المنصف مقدار دلالة الاية و هي قوله تعالي: «قُلْ لٰا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَ لٰا نَفْعاً إِلّٰا مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ فَلٰا يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لٰا يَسْتَقْدِمُونَ».

و انها نزلت في جواب اعتراض المشركين حيث وعد سبحانه و تعالي المكذبين عذاب القيامة، و آلامها، فاستعجلوا ذلك علي سبيل التكذيب و الرد، و قالوا متي هذا الوعد الذي تعدنا به، فأجاب الرسول صلي اللّه عليه و آله اني لا أملك شيئا من ذلك الا ما مكني اللّه فكيف أملك تقديم القيامة، و تعجيل العقوبة، فانهما مرهونا أجلهما (و اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون و لا يستقدمون) فالاية أجنبية عن نفي الولاية.

و (منها) الآيات التي تدل علي أن الرسول صلي اللّه عليه و آله انما يكون له البلاغ،
اشارة

نكتفي بذكر بعضها روما للاختصار.

و (منها) قوله تعالي: «أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا عَلَيْكَ الْبَلٰاغُ». «1»
و (منها) «فَإِنَّمٰا عَلَيْكَ الْبَلٰاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسٰابُ». «2»
و (منها) «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمٰا عَليٰ رَسُولِنَا الْبَلٰاغُ الْمُبِينُ» «3»
و (منها) [أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول فان تولوا فانما عليه ما حمل]

«أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا عَلَيْهِ مٰا حُمِّلَ وَ

______________________________

(1)- سورة آل عمران الآية (20)

(2)- سورة رعد الاية (41)

(3)- سورة مائدة الاية (92)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 77

عَلَيْكُمْ مٰا حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ مٰا عَلَي الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلٰاغُ الْمُبِينُ» «1».

و استدل بهذه الآيات، أن الرسول مبلغ و نذير فقط و ليست له الولاية، و أضاف الي ذلك بأن المذكور في بعض الآيات (البلاغ المبين) و المراد منه هو القرآن المبين، فاذا كان القرآن بهذه المثابة من الوضوح و الابانة، فلا يصح تفسيره بالروايات لعدم كونها، واضحة، كوضوح القرآن، فان تفسير القرآن بالروايات تفسير الواضح بالمجمل، لان الروايات بعضها مطلق، و بعضها الاخر مجمل، و بعضها يعارض بعضها الاخر، و غير ذلك من الجهات الموجبة لإجمالها، و الحال أن المعرف لا بد أن يكون الاجلي من المعرف كما ثبت في محله.

أقول: و في كلامه مواضع للنظر:

(الاول) ان الآيات المذكورة، في مقام بيان أن الرسول قد أدي وظيفته، بعد ابلاغ الرسالة، و أحكامها و اما اجبارهم علي قبولها ليس واجبا عليه، بل عليه الابلاغ و علي اللّه الحساب، و أما الولاية التكوينية، فلا تكون الاية ناظرة اليها نفيا و اثباتا.

و (بعبارة أخري)- لا محذور في اثبات مبلغية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله بهذه الاية، و ولايته بدليل آخر فان اثبات الشي ء لا ينفي ما عداه.

(الثاني) أن الولاية التكوينية تكون للنبي، لا علي النّبيّ و عبر في الآيات بلفظ عليك.

و (بعبارة أخري)- أن الآيات في مقام بيان أن وظيفة رسول اللّه، انما هو بيان الاحكام، لا شي ء آخر، و أما الولاية التكوينية فليست علي النّبيّ، فلا تشمل

الاية لها أصلا.

(الثالث)- انا لا نسلم كون القرآن كله ظاهرا بحيث لا يحتاج الي الروايات

______________________________

(1)- سورة نور الاية (54)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 78

الواردة عن اهل البيت، و لا ينقضي تعجبي كيف خفي الامر علي هذا المستدل، مع كونه من أوضح الواضحات، أ فلا ينظر أن في القرآن متشابها، و محكما و ناسخا، و منسوخا، و مطلقا، و مقيدا.

أما سمع قول امامنا الصادق عليه السّلام، لأبي حنيفة: «أنت ما تعرف كتاب اللّه انما يعرفه، من خوطب به «1» و نظير هذا ما روي «2» انه عليه السّلام، قال: لقتادة و ذمه لأجل انه كان يفسر القرآن برأيه، فاذا كان القرآن، في غاية الوضوح، بحيث لا يحتاج الي التفسير بالروايات الصادرة عن أهل البيت فلما ذا ذمهما الامام عليه السّلام و قال:

«انما يعرف القرآن من خوطب به» و يدل علي المقصود حديث الثقلين، فانه يفهم منه ان العترة عدل القرآن.

(الثالث)- من أين علمت أن المراد من البلاغ المبين، هو القرآن الكريم، و ما الدليل الذي يرشدك الي ذلك، بل المراد منه أن الرسول الكريم، يبين الاحكام و يبلغها الي الناس، باوضح بيان و يؤديها بالاداء الظاهر الواضح كما هو ظاهر الاية.

و (منها) قوله تعالي: [«وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ]

«وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضيٰ لَهُمْ، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً» «3»

تقريب الاستدلال به- انه سئل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه جل و علا (وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال عليه السّلام هم الائمة «4» فيستفاد من الاية أربعة مطالب.

______________________________

(1)- احتجاج

الطبرسي

(2)- روضة الكافي الجزء (8) الصفحة (319)

(3)- سورة النور الاية (55)

(4)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (275) الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 79

(الاول) أن المراد من المستخلفين في الاية، هم الائمة، كما فسرته بذلك الرواية المذكورة.

(الثاني) أن الائمة لم يكونوا متمكنين من الامور في عصرهم، و ليمكننهم اللّه تعالي، في المستقبل بظهور الحجة عليه السّلام.

(الثالث) ان الائمة (ع) مستخلفون في الارض فقط.

(الرابع) أن وظيفتهم منحصرة في ابلاغ الاحكام فقط. كما كان ذلك وظيفة المستخلفين الذين كانوا من قبلهم و أما غيره من الامور فليس من شئونهم أن يتصرفوا فيه و ليست لهم ولاية عليه. الجواب عنه.

(اولا) أن التمسك بالروايات لتفسير الآيات خلاف ما بني عليه المستدل، قبل سطور من أن القرآن هو البلاغ المبين، و لا يحتاج أن يفسر بالروايات، بل تفسيره بها غير صحيح كما زعم، لتفسير الواضح بالمجمل. و كأنه حصل له النسيان، و لا أتعجب منه فانه من الآثار الوضعية للكذب، فانه يوجب السهو و النسيان، و يوقع علي الهلاكة و النيران، و لو كان الخصم تسليما في مقابل الروايات الصادرة من أهل البيت (ع) لم يكن محتاجا الي قيل و قال، و طلب الاستدلال لان الروايات الدالة علي ثبوت الولاية التكوينية للإمام مستفيضة لو لم تكن متواترة.

و (ثانيا) انه يحتمل أن تكون الاية. راجعة الي الرجعة، بأن تكون معناها ان الائمة و ان غصب حقهم، الا أن اللّه سبحانه و تعالي يمكنهم، بعد الرجعة، ليأخذوا حقوقهم من الغاصبين.

و (ثالثا) يمكن أن تكون الاية لبشارة أهل البيت بالاستخلاف و التمكن في البلاد، و ارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي عجل اللّه تعالي فرجه الشريف.

و (رابعا) أن السابقين المستخلفين في الارض

أيضا كانوا متمكنين من التصرف.

أ ليس سليمان كان متمكنا علي أن يتصرف في الكون؟ مع كونه من المستخلفين.

أ ليس عيسي كان يبرئ الاكمه، و الابرص، و يحيي الموتي.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 80

و (خامسا) أن عدم تمكن الائمة في عصر هم، انما كان بالنسبة الي سلطنتهم الظاهرية، و ليستخلفنهم اللّه في الارض باعطاء السلطنة لهم و هذا لا ينافي قدرتهم علي التصرف في الكون، في جميع الادوار و الازمنة فانقدح مما ذكرنا أنهم كانوا كسابقين متمكنين في كونهم ذا ولاية تكوينية، كما انه ظهر أن استخلافهم في الارض في المستقبل انما هو بالولاية الظاهرية، و هذا لا ينافي ثبوت الولاية التكوينية لهم في جميع الادوار، كما أن اثبات ولايتهم الظاهرية في الارض لا ينافي كونهم قادرين علي التصرف في جميع العوالم، كما يشهد بذلك ما صدر عنهم (ع) بالنسبة الي خلفاء زمانهم، و ما صدر عنهم من المعجزات، و خوارق العادات، مع كونهم بحسب الظاهر مكتوف اليد.

فتلخص أن الوجوه التي تمسك بها الخصم، لإثبات مرامه لا يرجع الي محصل.

هذا تمام الكلام في الولاية التكوينية.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 81

الكلام في الولاية التشريعية
اشارة

أقول: قد عرفت سابقا أن الولاية التشريعية أيضا لا بد أن يبحث عنها من جهات.

(الاولي) في تعريفها.

(الثانية) في امكانها ثبوتا.

(الثالثة) بيان أقسامها.

(الرابعة) الاستدلال عليها اثباتا.

أما (تعريفها)

- فقد بينا، سابقا، بأن الولاية، حقيقتها. كون زمام أمر شي ء بيد شخص.

و أما (امكانها)

- فلا ريب فيه أصلا لعدم لزوم المحذور منه لا العقلي، و لا النقلي، كما هو واضح.

و أما بيان أقسامها،

فانها علي ثلاثة أقسام.

(الاول) بمعني وجوب اطاعة الولي علي الناس، في جميع امورهم العادية، و الشخصية، و السياسية، و الاجتماعية.

(الثاني) بمعني التولية لبيان الاحكام الشرعية، و بعبارة واضحة انها بمعني

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 82

وجوب اطاعته، في أوامره الشرعية.

(الثالث) بمعني الولاية في الاموال، و الانفس، فالولاية بهذا المعني تتصور علي وجهين،

(الاول) استقلال الولي بالتصرف مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه، فتكون ارادته علة تامة لجواز التصرف.

(الثاني)- عدم استقلال غيره بالتصرف، و كون تصرف الغير منوطا باذنه.

و أما الاستدلال عليها اثباتا
اشارة

فلا بد لنا من اقامة الدليل علي اثبات الولاية التشريعية بأقسامها الثلاثة أقول:

قبل الخوض في ذكر الاستدلال لا بد لنا أن نبحث عن مقتضي الاصل،
اشارة

بأن مقتضاه هل ثبوت الولاية علي الغير أم لا؟

قال الشيخ (قدس سره): (أن مقتضي الاصل، عدم ثبوت الولاية، لأحد بشي ء من الامور المذكورة) «1»

أقول: ان الولاية التشريعية بجميع معانيها، خلاف الاصل اللفظي، و العملي، أو خلاف المتسالم بين العقلاء، و المتشرعة.

أما الاصل اللفظي،

فهو كقوله: لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه «2» و كقوله: (الطلاق بيد من أخذ بالساق) «3» أو ما يؤدي هذا المفاد و غير ذلك من الادلة الواردة في الموارد الخاصة، فان مقتضاها عدم جواز التصرف، في أموال الغير، و نفسه، و شئونه، و انما لكل شخص ولاية علي أموال نفسه فقط، و لا يجوز أن يتصرف في مال الغير، بدون رضاه، و كذا ليس لأحد الزام الغير بأمر، فان كل شخص مسلط

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (153) السطر (15) طبعة ايران

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (3) الباب (3) من أبواب مكان المصلي

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (15) الباب (42) من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 83

علي نفسه، كما يكون مسلطا علي ماله. و كذا الطلاق فانه انما يقع صحيحا اذا صدر من الاخذ بالساق لا عن غيره.

و أما الاصلي العملي،

فهو اصالة عدم تأثير عقد شخص، و ايقاعه في مال غيره، و اصالة عدم ثبوت ولايته علي الاموال، و الانفس بحسب ما تقتضيه القواعد الاولية، و أما بحسب ما تقتضيه الادلة الثانوية فنقول:

قال الشيخ (قدس سره) (و انما خرج عن هذا لأصل، خصوص النّبيّ و الائمة بالادلة الاربعة) «1»

أقول قد عرفت مما ذكرنا أن الاصل عدم ثبوت ولاية أحد علي غيره، فاثبات الولاية للنبي، أو الولي، يحتاج الي دليل يوجب خروجهما عن هذا الاصل.

فها أنا أشرع بذكر الادلة الدالة علي ثبوت الولاية، للنبي صلي اللّه عليه و آله، و الائمة عليه السلام
اشارة

أقول:

أما القسم الاول من الولاية، أعني وجوب اطاعتهم علي الناس في جميع أمورهم، العادية، و الشخصية، و السياسية
اشارة

فيمكن الاستدلال عليه، بالادلة الاربعة، من الكتاب و السنة و الاجماع، و العقل.

أما الكتاب فبآيات
(منها) قوله تعالي: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ»

، «2» بتقريب- أن كلمة أمر، مصدر اضيفت الي الضمير، و اضافة المصدر عند عدم العهد يفيد العموم، كما حقق في محله، فيكون الحذر متوجها الي مخالفة جميع أوامر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله من الشخصية، و العادية، و العرفية، و السياسية، و غيرها، و من المعلوم انه لا يتوجه الحذر، الا بترك الواجب، لأنه لا يتصور معني معقولا للحذر بترك الاوامر الاستحبابية، فاذا ثبت وجوب اطاعة أوامر النّبيّ، بالآية، تثبت وجوب اطاعة أوامر الائمة عليهم السلام بعدم الفصل.

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (153) السطر (15) طبعة ايران.

(2)- سورة النور. الاية (63)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 84

و (منها) (مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَي اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

«1». بتقريب أن اطلاق لفظة أمر في الاية تشمل جميع الامور، فتكون معني الاية أن كل شي ء أمر الله و رسوله به، فليس لأحد مخالفته، و هذا هو المطلوب.

و (منها) قوله تعالي: «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ». «2»
و (منها) قوله تعالي: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ»

«3» تقريب الاستدلال بهما ان الآيتين تدل علي وجوب اطاعة اللّه و رسوله و اولي الامر منكم، و لم يذكر متعلق الاطاعة فيهما، فان حذف المتعلق يفيد العموم، فيكون اطاعة جميع أوامر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و اولي الامر عليهم السلام واجبة، و هو المقصود، و يمكن أن نتمسك بآيات اخري أيضا لإثبات الولاية التشريعية، الا انه أغمضنا عن ذكرها روما للاختصار.

و أما الروايات

فهي كثيرة كما ذكرت جملة منها في اصول الكافي (باب فرض طاعة الائمة)، و نحن نكتفي بذكر بعضها.

و (منها) ما ذكره علي بن ابراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ذروة الامر و سنامه و مفتاحه و باب الاشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالي الطاعة للإمام بعد معرفته.

ثم قال: ان اللّه تبارك و تعالي يقول: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ وَ مَنْ تَوَلّٰي فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» «4»

______________________________

(1)- سورة الاحزاب، الاية (63)

(2)- سورة نساء الاية (59)

(3)- سورة الحشر الاية (7)

(4)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (185) الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 85

و (منها) ما ذكره الحسين بن محمد الاشعري، عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح.

قال: أشهد أني سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أشهد أن عليا امام فرض اللّه طاعته و أن الحسن امام فرض اللّه طاعته و أن الحسين امام فرض اللّه طاعته و أن علي بن الحسين امام فرض اللّه طاعته و أن محمد بن علي امام فرض اللّه طاعته. «1»

و (منها) ما ذكره محمد بن يحيي، عن أحمد ابن محمد بن عيسي، عن

محمد بن الخالد البرقي، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن الحسين بن أبي العلاء.

قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام- الاوصياء طاعتهم مفترضة.

قال: نعم هم الذين قال اللّه عز و جل «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» و هم الذين قال اللّه عز و جل (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ) «2».

فهذه جملة من الروايات الدالة باطلاقها علي وجوب اطاعتهم عليهم السلام في جميع أوامر هم الشخصية، و العادية، و العرفية، و غيرها، و لا احتياج الي البحث في سندها لكثرة الروايات في الباب بحيث توثق صدور بعضها عن المعصوم عليهم السلام.

و أما (الاجماع)

فهو من الامور المسلمة القطعية يعلمها الجميع حتي المخدرات تحت الحجاب. و ان شئت فقل ان وجوب اطاعتهم عند الشيعة من أوضح الواضحات.

و أما (الدليل العقلي)

فيمكن أن يقرب بوجهين.

(الوجه الاول) حكم العقل المستقل بوجوب اطاعة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام بعد معرفة أنهم اولياء النعم.

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (186) الحديث (2)

(2)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (189) الحديث (16)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 86

توضيحه أن وجود المكلف، و جميع ما أنعم عليه من الكمالات، و الاموال و الاولاد من اللّه سبحانه و تعالي، باعتبار أنه منعم حقيقي، و من رسوله، و الائمة باعتبار أنهم وسائط، فلو أمروا بشي ء، فمقتضي الشكر اطاعتهم، و العقل يحكم بوجوب شكر المنعم.

و الحاصل أن مخالفة النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، و الائمة عليهم السلام، في أوامرهم الشخصية، و العادية، و العرفية، و غيرها كفران لإحسانهم، و هو قبيح عقلا، و اطاعتهم في ذلك شكر لهم، فهو حسن عقلا.

و هذا معني حكم العقل بوجوب شي ء و حرمته، و ليس المراد من حكم العقل الحكم الذي يعد من أحكام الخمسة، لان العقل ليس بحاكم، و ليس له حكم، فانه من شئون الشارع فقط. و بعبارة اخري- ان العقل يدرك و لا يحكم، فانه لا حكم للعقل، هذا غاية ما يمكن أن يقال: في تقريب حكم العقل، لكن لنا كلام في هذا المقام.

(الوجه الثاني)- حكم العقل غير المستقل- توضيحه- ان الابوة، اذا اقتضت وجوب طاعة الاب علي الابن في الجملة. كانت الامامة مقتضية لوجوب طاعة الامام بطريق أولي.

(و الوجه فيه)- ان الابوة ليست إلا حيثية، مقدمية، اعدادية لتكوين الولد، فاذا اقتضت هي وجوب طاعة الاب في

أوامره الشخصية، كانت المقدمية، في مجاري الفيض، و وسائط التكوين أقوي من مقدمية الاب بالنسبة الي الولد، فتجب اطاعتهم بنحو الاولي.

هذا حاصل الاستدلال:

(لكن يرد عليه)- ان الملاكات الشرعية ليست بيد العرف و لا يمكن استفادة هذا الحكم بالاولوية. و الذي يهون الخطب أن الآيات، و الروايات، و الضرورة، تغنينا عن الاستدلال بالعقل، فتخلص من جميع ما ذكرنا أنه يجب اطاعة أوامر النّبيّ

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 87

صلي اللّه عليه و آله، و أوصيائه الكرام بجميع أقسامها من الشخصية، و العادية، و العرفية، و السياسية و غيرها بالادلة الاربعة.

و (أما القسم الثاني) من الولاية، اعني توليتهم عليهم السلام في بيان الاحكام الشرعية، و وجوب اطاعة أوامرهم الشرعية،
اشارة

فيمكن أن يستدل به بالادلة الاربعة أيضا.

(أما الكتاب)

فبقوله تعالي: «مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» «1» و غيرها من الآيات الدالة علي وجوب اطاعة أوامرهم علي نحوا الاطلاق، و يتم في الائمة بعدم الفصل و الاجماع القطعي.

و (اما الروايات)

فيمكن الاستدلال بالروايات المذكورة في اثبات القسم الاول من الولاية. أضف اليها الروايات المذكورة في باب «التفويض الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام في أمر الدين» و نكتفي بذكر بعضها لرعاية الاختصار.

(منها) ما رواه محمد بن يحيي، عن أحمد بن أبي زاهر، عن علي بن اسماعيل، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حميد، عن أبي اسحاق النحوي.

قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فسمعته يقول: ان اللّه عز و جل أدب نبيه علي محبته فقال: (و انك لعلي خلق عظيم) ثم فوض اليه فقال عز و جل: (و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه)، فانتهوا.

و قال عز و جل (من يطع الرسول فقد أطاع اللّه) ثم قال و ان نبي اللّه فوض الي علي و ائتمنه فسلمتم و جحد الناس فو اللّه لنحبكم أن تقولوا اذا قلنا و أن تصمتوا اذا صمتنا، و نحن فيما بينكم و بين اللّه عز و جل، ما جعل اللّه لأحد خيرا في خلاف أمرنا. «2»

______________________________

(1)- سورة الحشر، الاية (7)

(2)- اصول الكافي الجزء (1) الصفحة (265)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 88

و (منها) ما رواه فضيل بن يسار قال: سمعت ابا عبد اللّه يقول لبعض اصحاب قيس الماصر: ان اللّه عز و جل ادب نبيه فاحسن ادبه فلما اكمل له الادب.

قال «انك لعلي خلق عظيم» ثم فوض اليه امر الدين و الامة ليسوس عباده، فقال عز و

جل: «مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» و ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان مسددا موفقا مؤيدا بروح القدس، لا يزل و لا يخطئ في شي ء مما يسوس به الخلق، فتأدب بآداب اللّه.

ثم ان اللّه عز و جل فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فاضاف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي الركعتين ركعتين و الي المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن الا في السفر و افرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر و الحضر، فاجاز اللّه عز و جل له ذلك كله فصارت الفريضة سبع عشر ركعة ثم سن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله النوافل اربعا و ثلاثين ركعة مثلي الفريضة فاجاز اللّه عز و جل له ذلك و الفريضة و النافلة احدي و خمسون ركعة.

منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعد بركعة مكان الوتر و فرض اللّه في السنة صوم شهر رمضان، و سن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صوم شعبان و ثلاثة ايام في كل شهر مثلي الفريضة فاجاز اللّه عز و جل له ذلك.

و حرم اللّه عز و جل الخمر بعينها و حرم رسول اللّه المسكر من كل شراب فاجاز اللّه له ذلك كله.

و عاف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اشياء و كرهها و لم ينه عنها نهي حرام انما نهي عنها اعافة و كراهة، ثم رخص فيها فصار الاخذ برخصه واجبا علي العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه و عزائمه و لم يرخص لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيما نهاهم عنه نهي حرام لم يرخص فيه لأحد و لم يرخص رسول اللّه صلي

اللّه عليه و آله لأحد تقصير الركعتين، اللتين ضمها الي ما فرض اللّه عز و جل بل ألزمهم ذلك الزاما واجبا، لم يرخص لأحد في شي ء من ذلك، الا للمسافر و ليس لأحد أن يرخص (شيئا) ما لم يرخصه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 89

فوافق امر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله امر اللّه عز و جل و نهيه نهي اللّه عز و جل و وجب علي العباد التسليم له كالتسليم للّه تبارك و تعالي «1»

و (منها) ما ذكره محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسن، عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن زياد، عن محمد بن الحسن الميثمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: ان للّه عز و جل أدب رسوله حتي قومه علي ما أراد، ثم فوض اليه فقال عز ذكره:

(مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فما فوض اللّه الي رسوله صلي اللّه عليه و آله، فقد فوضه إلينا. «2»

و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب و غيره، و يجب ان لا يخفي عليك ان بعض الروايات تدل علي تفويض امر الدين الي النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، و ليس ذكر من الائمة فيها الا أن في بعضها الاخر ما يدل علي تفويض الامر اليهم أيضا.

فتلخص ان المستفاد من الروايات أن أمر الدين مفوض الي النّبيّ صلي اللّه عليه و آله، و الائمة عليهم السلام، فيجب علي الامة الاسلامية، الأخذ بما أوجبوا، و ترك ما نهوا عنه. هذا تمام الكلام في الروايات.

و (أما الاجماع)

- فهو من الامور التي تسالمت الكل عليها، بل كاد أن يكون من البديهيات.

و (أما العقل)

فبعد فرض النبوة، و الامامة، و القطع بصدقهم، لعصمتهم من الكذب و الخطاء، لا يبقي مجال لتوهم عدم لزوم الاطاعة، فان العقل يحكم بلزوم اطاعة الاوامر الصادرة عن المولي، و لا يمكن انكاره و صفوة القول: انه بعد ما ثبت نبوة النّبيّ بالبرهان، فلو لم يكن اخباره عن اللّه حجة يلزم لغوية البعثة، فانه اما يكذب، و اما يشتبه و كلاهما ينافي مقام النبوة. هذا كله في وجوب اطاعة أوامرهم الشرعية.

______________________________

(1)- اصول الكافي جلد (1) ص (267)

(2)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (268)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 90

و (اما القسم الثالث) من الولاية- فهي الولاية علي الاموال، الانفس،
اشارة

فقد مر أنها علي وجهين.

(الاول)- استقلال الولي بالتصرف.

(الثاني)- كون تصرف الغير منوطا باذنه.

اما (القسم الاول)- فهي ولاية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و أوصيائه الكرام عليه السّلام في الاموال و الانفس بالاستقلال.
اشارة

يمكن الاستدلال عليها بالكتاب، و السنة، و الاجماع.

أما الكتاب

فبآيات.

(منها) قوله تعالي: «النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ» «1»

تقريب الاستدلال به- ان الانسان كما أنه له السلطنة المستقلة علي نفسه فلا يحتاج الي اذن غيره، كذلك النّبيّ صلي اللّه عليه و آله فان له سلطنة اقوي من سلطنة الشخص علي نفسه، فانه أولي بالمؤمنين من انفسهم.

ان قلت: - ان مفاد الاية ولاية النّبيّ علي أنفس الناس، و أما الاموال فلا يستفاد منها ولايته عليها، فيكون الدليل أخص عن المدعي، لأنه عبارة عن ولايته علي الاموال، و الانفس، فالاية لا تثبت ذلك.

قلت: ان ظاهر الاية و ان كان كما ذكرت، الا أن مرتبة المال أنزل من مرتبة النفس، فاذا ثبتت ولاية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله علي الانفس بالآية تثبت ولايته علي الاموال بالفحوي.

ان قلت: لا يمكن الالتزام بمفاد الاية باطلاقها، بأن يكون النّبيّ مسلطا علي الاموال، و الانفس مطلقا بلا سبب أو بأي سبب شاء و أراد فانه يلزم منه سلطنته صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1)- سورة الاحزاب الاية (6)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 91

و لو بغير الطرق، و الاسباب الشرعية المقررة لكل نوع من التصرفات كأن ينكح زوجة زيد أو يطلقه بدون تلك الصيغ المخصوصة المقررة لكل من النكاح و الطلاق.

قلت: انه يستفاد من الاية ان ولاية النّبيّ صلي اللّه عليه و آله علي المؤمنين اقوي من ولايتهم علي أنفسهم.

و من المعلوم عدم ثبوت ولاية أحد علي نفسه علي الاطلاق، فانه لا يجوز لأحد ان يقدم علي قتل نفسه مثلا او لا ضرار عليها، و لو علي بعض الوجوه، بل ان تسلطها

انما تكون علي طبق ما قرره الشارع من الاسباب كالصيغ الخاصة لكل من العقود، و لا اطلاق للآية حتي تقتضي سلطنته صلي اللّه عليه و آله و لو بغير الاسباب الشرعية، فلا يجوز للنبي تزويج المرأة المزوجة مثلا كما هو واضح.

و (منها) قوله تعالي: «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» بتقريب أن اطلاق الاية يقتضي كونهم مسلطا علي الناس علي الاطلاق و (منها) قوله تعالي: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَي اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» اي كل شي ء امر اللّه تعالي او رسوله به او حكم به فليس لأحد مخالفته، و ترك ما امر به الي غيره فهذا هو الولاية المدعاة في المقام مضافا الي ذلك ان ملاحظة شأن نزول الاية أيضا تفيد المطلوب، فانها نزلت في زينب بنت جحش الاسدية و كانت بنت اميمة بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خاطبها لمولاه زيد بن حارثة، و رأت انه يخطبها لنفسه، فلما علمت انه يخطبها لزيد، ابت، و انكرت.

و قالت: انا ابنة عمتك، فلم اكن لأفعل، و كذلك قال اخوها عبد اللّه جحش، فلما نزلت الاية قالت رضيت يا رسول اللّه، فأنكحها رسول اللّه زيدا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 92

هذه عدة من الآيات التي تدل علي ولاية النّبيّ علي الاموال و الانفس، و ان كان الاستدلال بالآيات الاخري أيضا ممكنا الا ان في الآيات المذكورة غني و كفاية.

و أما الروايات

فهي كثيرة.

(منها) ما عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فقال نزلت في علي

بن أبي طالب و الحسن و الحسين (ع) الي أن قال فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في علي: من كنت مولاه فعلي مولاه) الي أن قال: كان علي أولي الناس بالناس «1» … ) و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

و (منها) ما رواه الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل (إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا).

قال: انما يعني أولي بكم أي أحق بكم و بأموركم و أنفسكم و أموالكم، اللّه و رسوله و الذين آمنوا يعني عليا و أولاده الائمة (عليهم السلام) الي يوم القيامة … ) «2»

و (منها) ما في خطبة الغدير قال صلي اللّه عليه و آله يا ايها الناس من وليكم و أولي بكم من أنفسكم؟ فقالوا: اللّه و رسوله، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه «3» … )

و (منها) ما رواه علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن ابراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس و محمد بن يحيي، عن أحمد

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (286)

(2)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (288) الحديث (3)

(3)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (295)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 93

ابن هلال، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة و علي بن محمد، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن ابن أبي عياش، عن سليم بن قيس.

قال سمعت عبد اللّه بن جعفر الطيار يقول كنا عند

معاوية أنا و الحسن و الحسين و عبد اللّه بن عباس و عمر بن أم سلمة و اسامة بن زيد فجري بيني و بين معاوية كلام.

فقلت لمعاوية: سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم ثم أخي علي بن أبي طالب أولي بالمؤمنين من أنفسهم فاذا استشهد عليه السّلام فالحسن بن علي أولي بالمؤمنين من أنفسهم ثم ابني الحسين من بعده أولي بالمؤمنين من أنفسهم فاذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، و ستدركه يا علي ثم ابنه محمد بن علي أولي بالمؤمنين من انفسهم، و ستدركه يا حسين ثم تكمله اثني عشر اماما تسعة من ولد الحسين قال عبد اللّه جعفر و استشهدت الحسن و الحسين و عبد اللّه بن عباس و عمر بن أم سلمة و اسامة بن زيد فشهد والي عند معاوية: قال سليم: و قد سمعت ذلك من سلمان و أبي ذر و المقداد، و ذكر و الي انهم سمعوا ذلك من رسول صلي اللّه عليه و آله) و غير ذلك من الروايات الواردة. من طرق الفريقين قد بلغت حد التواتر كما هو واضح للمتأمل.

و أما (الاجماع)

فهي ثابت مسلم عند الشيعة لا يرتاب فيه أحد هذا تمام الكلام في الولاية علي الاموال، و الانفس بالمعني الاول.

و أما [القسم الثاني من الولاية كون جواز تصرف الغير منوطا باذن الامام]
اشارة

(الولاية) بالمعني الثاني أعني كون جواز تصرف الغير منوطا باذن الامام، فنقول: ان التصرفات الناس الراجعة في أموالهم، و امورهم الشخصية لا تحتاج الي اذن النّبيّ و الائمة (ع)، لعدم قيام دليل عليه، و احتمال اعتبار اذنهم (ع) منفي باصل العدم، نعم أن الامور التي هي راجعة الي الغير، و كذا الامور التي يرجع فيها كل قوم الي رئيسهم، تحتاج الي اذنهم (ع) لأصالة عدم جواز التصرف فيما يرجع الي الغير، الا ما خرج بالدليل

و مما تدل علي ذلك الروايات الواردة في موارد مختلفة.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 94

(منها) ما ذكره محمد بن الحسن باسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عبد اللّه بن هلال، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من قتله القصاص بأمر الامام فلا دية له في قتل و لا جراحة «1»

و (منها) ما ذكره محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مؤمن قتل رجلا ناصبا معروفا بالنصب علي دينه غضبا للّه تعالي يقتل به؟ فقال: أما هؤلاء فيقتلونه و لو رفع الي امام عادل ظاهر لم يقتله «2»

و (منها) ما رواه محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (في كتاب الرجال) عن محمد بن الحسن، عن الحسن بن خرزاد عن موسي بن القاسم، عن ابراهيم بن أبي البلاد، عن عمار السجستاني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان عبد اللّه بن النجاشي قال له و عمار حاضر: اني قتلت ثلاثة عشر رجلا من الخوارج كلهم سمعته يبرء من علي ابن أبي طالب، فسألت عبد اللّه ابن

الحسن فلم يكن عنده جواب، و عظم عليه و قال: أنت مأخوذ في الدنيا و الآخرة.

فقال أبو عبد اللّه، و كيف قتلتهم يا أبا بجير؟ فقال منهم من كنت أصعد بسطحه بسلم حتي أقتله، و منهم من دعوته بالليل علي بابه فاذا خرج قتلته، و منهم من كنت أصحبه في الطريق فاذا خلي الي قتلته، و قد استتر ذلك علي.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (19) الباب (24) من أبواب قصاص النفس.

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (19) الباب (68) من أبواب القصاص في النفس.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 95

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام لو كنت قتلتهم بامر الامام لم يكن عليك شي ء في قتلهم) «1»

و من تتبع الموارد الخاصة تجد غير ما ذكرنا من الروايات الدالة علي المدعي.

هذا كله في الروايات.

و (أما الاجماع)

فهو مسلم عند أهل الصواب كما هو واضح. و المتحصل من جميع ما ذكرنا ثبوت الولاية التشريعية للمعصوم عليه السّلام بجميع معانيها.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (19) الباب (22) من أبواب ديات النفس.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 96

[المقام الثاني] الكلام في ولاية الفقيه

اشارة

قوله: (للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة)

أقول: ملخص كلامه،

ان الفقيه له ثلاث مناصب.
(الاول)- الافتاء

في المسائل الفرعية و الموضوعات الاستنباطية التي يترتب عليها الحكم الشرعي، و تفصيل هذا البحث موكول الي باب الاجتهاد و التقليد.

(الثاني)- الحكم و القضاء في باب المرافعات و غيرها

كالحكم بثبوت و رؤية الهلال، و تفصيله موكول الي باب القضاء.

(الثالث) ولاية التصرف في الاموال، و الانفس،
اشارة

فالقسمان الاولان خارجان عن وضع كتابنا هذا، و ان محل الكلام و النقض و الابرام، عند الاعلام في القسم الثالث، فنقول: ان الولاية علي قسمين.

(القسم الاول)- استقلال الولي في التصرف،

بأن يكون نظره سببا في جواز تصرفه أي ارادته علة تامة لجواز التصرف و ذلك كالتصرف في مال القاصرين.

(القسم الثاني) كون تصرف الغير منوطا باذنه

و ان كان هو مستقلا بالتصرف كالتصرف في مجهول المالك، فان تصرف الغير فيه يحتاج الي اذن الفقيه فيكون نظره شرطا لجواز التصرف، علي كلام فيه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 97

قوله: و بين موارد الوجهين عموم من وجه) «1».

أقول: توضيح كلامه، أن نسبة هذين القسمين من الولاية أعم من وجه فمادة الاجتماع كما في التصرف في مجهول المالك، و التصدق، و التصرف في أموال القاصرين فان الحاكم يستقل فيه و غيره يحتاج الي اذنه، و مادة الافتراق في ناحية تصرف الغير، بان يكون للحاكم استقلال في التصرف من دون اشتراط اذنه في تصرف الغير، كما في الزكاة فان التصرف، فيها لا يحتاج الي اذن الحاكم، و مادة الافتراق من ناحية اذن الحاكم بان يكون اذنه معتبرا في جواز تصرف الغير، مع عدم استقلاله فيه كما في التقاص، فانه يحتاج الي اذن الحاكم و لا يجوز للحاكم، الاستقلال فيه.

قال الشيخ (قدس سره): ثم اذنه المعتبر في تصرف الغير اما أن يكون علي وجه الاستنابة كوكيل الحاكم، و اما أن يكون علي وجه التولية، كمتولي الاوقاف من قبل الحاكم، و اما أن يكون علي وجه الرضا كإذن الحاكم لغيره في الصلاة علي ميت لا ولي له. «2»

و استشكل عليه- بان المتولي أو الوكيل لو كان تصرفهما منوطا باذن الحاكم، فالمتصرف في الحقيقة هو الحاكم، و لو بالتسبيب، فجعل المتولي أو الوكيل يكون لغوا، لعدم جواز تصرفهما بدون اذن الحاكم كما هو المفروض.

و يرد عليه- بأن المتولي لا يكون ملزما بأن يستأذن من الحاكم في تصرفاته بعد تفويض

الامر اليه، بل و له أن يتصرف فيه علي ما يراه مصلحة للمولي عليه.

و بعبارة اخري- أن نظر الحاكم لا يكون لازم الاتباع حتي يكون المتصرف في الحقيقة نفسه، فيكون جعل المتولي لغوا، بل ان المتولي يعمل علي رأيه، نعم اذا رأي الحاكم أن تصرفه يكون ضررا علي الموقوف عليهم مثلا فله أن يعزله هذا في التولية.

______________________________

(1)- مكاسب، الصفحة، (153) السطر (13)

(2)- المكاسب، الصفحة (153) السطر (14)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 98

و أما الوكالة فتارة تكون مقيدة، فلا بد أن يعمل الوكيل علي ما قيد في وكالته.

و اخري تكون مطلقة، فله أن يتصرف في موارد الوكالة سواء رضي الحاكم بذلك أم لا. نعم اذا كان تصرفه علي خلاف نظر الحاكم فله أن يعزله.

قوله: (انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين) «1»

أقول: قد بينا سابقا، ان للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة فلا نعيد تفصيلها،

و الذي يهمنا البحث عنه هو المنصب الثالث أعني ولاية الفقيه في الاموال و الانفس بكلا قسميه،
اشارة

أعني استقلاله في التصرف- و توقف تصرف الغير علي اذنه فيما كان متوقفا باذن الامام عليه السّلام، فالولاية بهذا المعني وقع مورد الخلاف بين الفحول،

[القسم الأول استقلال الولي في التصرف]
و ما يمكن أن يستدل، أو استدل لإثباتها وجوه.
(الاول)- الاخبار الواردة في المقام

و هي كثيرة.

(منها) قوله صلي اللّه عليه و آله: (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول اللّه، و ما دخولهم في الدنيا. قال: اتباعهم السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي دينكم). «2»

تقريب الاستدلال به- ان الامين من فوض اليه حفظ ما كان للمؤمن و قضية حذف المتعلق عمومه للولاية، و معني حفظ العالم بالولاية اعمالها، كما أن افسادها ترك العمل بها، و لا نعني من ولاية العلماء الا هذا، و ان شئت فعبر أنه يستفاد من هذه الرواية أن الفقهاء امناء الرسل، و مقتضي حذف المتعلق العموم، فكل ما يكون للرسول يكون للفقيه.

و يرد عليه سندا و دلالة:

أما سندا فبكونه مرسلا، فلا تشمله أدلة الحجية، و ان نقل صاحب المستدرك «3»

______________________________

(1)- مكاسب، الصفحة (153) السطر (35).

(2)- مستدرك، الجزء (3) الصفحة (187) الباب (11) من أبواب صفات القاضي.

(3)- مستدرك، الجزء (2) الصفحة (437) الباب (35) من أبواب ما يكتسب به.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 99

عن القطب الراوندي في كتاب النوادر، عن موسي بن جعفر، و ادعي صحة سنده و الراوندي لقب لجملة من الرواة، و من جملتهم القطب الراوندي، الراوي لهذه الرواية، و هو عبارة عن أحمد بن السيد الامام فضل اللّه بن علي الحسين الراوندي، السيد كمال الدين أبو المحاسن. و يجب أن لا يخفي عليك.

أن فضل اللّه بن علي الحسين الراوندي سهو عن صاحب المستدرك لعدم وجود عين و لا أثر منه في كتب الرجال، و علي أي حال لا دليل علي وثاقة الرجل،

و ان قيل «1» في حقه انه عالم فاضل و كان قاضيا في القاسان، و لكنه لا يدل علي وثاقته.

و قال المجلسي «2» في البحار أن كتاب النوادر فمؤلفه من الافاضل الكرام، و قال الشيخ منتجب الدين اكثر هذه الروايات مأخوذ من كتاب موسي بن إسماعيل ابن موسي بن جعفر و هو غير موثق، و لعل الوجه في كون هذه الرواية موصوفة بالصحة قبوله بما ناقشناه و اللّه عالم بالصواب.

فظهر مما بينا ان الرواية ساقطة من حيث السند و انجبارها بعمل المشهور ممنوع صغري و كبري، أما الاولي فلان استناد المشهور الي الرواية المذكورة غير معلوم، و أما الثانية فلما ذكرنا في محله من أن الخبر الضعيف لا ينجبر بعمل المشهور.

و أما دلالة فبأن معني كونهم امناء الرسل أن كل أمر من الاحكام و غيرها لو فوض اليهم، فهم امناء في حفظه و هذا التعميم يستفاد من حذف المتعلق، و اما الولاية هل هي من الاحكام التي فوض أمرها اليهم أم لا فهو أول الكلام.

فان ثبوت أمانتهم بهذه الرواية لا تدل علي ذلك، لان الحكم لا يحقق موضوعه مثلا لو قيل زيد أمين أهل البلدة الفلانية معناه أن كلما يجعل عنده بعنوان الامانة

______________________________

(1)- المستدرك، الجزء (3) الصفحة (295).

(2)- نفس المصدر.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 100

لا يخون فيه و أما جعل الامانة فلا يفهم من هذه العبارة، و حذف المتعلق لا يفيد من هذه الجهة كما هو واضح.

ان قلت- ان المستفاد من بعض الروايات لزوم القيم، و الامام لكل فرق و ملل و انا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بدلهم منه

في أمر الدين و الدنيا كما قال عليه السّلام: لو لم يجعل له اماما قيما حافظا لدرست الملة «1».

و الحاصل أن لزوم القيم، و الامام للامة ثابت بالرواية المذكورة و من المعلوم أن امام الامة و حافظهم الذي لا بد لهم في أمر الدين، و الدنيا لا بد أن يكون أمينا، و أما الخائن فلا ينال هذا المنصب العظيم. فالامام الامين لازم للامة، و هذا لا ريب فيه كبرويا.

و أما تعيين الصغري بأن الامناء في الشريعة الاسلامية أي طائفة من طوائف المسلمين، فتعينها الرواية المستدلة بها، و هي قوله صلي اللّه عليه و آله: (الفقهاء أمناء الرسل) فيتعين لهم هذا المقام المنيع، و المنصب العظيم.

و الجواب عنه: اما (أولا) فان رواية العلل مخدوشة من جهة السند فلا يعتمد عليها.

و أما (ثانيا) فان الرواية بعد الاغماض عن ضعف سندها تدل علي وجوب جعل القيم، و الامام للامة حذرا من اندراس الدين. و هذا المعني كما تري أجنبي عن المدعي. لان اندراس الدين ان كان من ناحية عدم جعل القيم فهو مجعول من قبل اللّه تعالي، و أما غيبته فمنا و نحن المقصرون.

و ان كان من ناحية العمل الخارجي للناس، فلا يجب علي اللّه دفعه لعدم تعلق مشيته تبارك و تعالي بأن يجبر الناس علي العمل بأحكام الدين.

______________________________

(1)- علل الشرائع، الجزء (1) الصفحة (137)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 101

و الحاصل أن القيم للدين و الحافظ له مجعول من قبل اللّه تعالي و هو مولانا الغائب عليه السّلام عجل اللّه تعالي فرجه الشريف.

و أما (ثالثا) فان العرف بتناسب الحكم و الموضوع يفهم من قوله صلي اللّه عليه و آله:

(ان العلماء أمناء الرسل) كونهم أمناء في ابلاغ الاحكام

و حفظها و ان شئت فقل: ان اعطاء المنصب للعلماء يناسب التعبير بالخليفة، كما أن كونه أمينا يناسب كونه مبينا للأحكام. و الذي يؤيد ذلك ما ذكر في ذيل الرواية حيث قيل يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا قال اتباعهم السلطان.

وجه التأييد انه يفهم من الرواية ان الفقيه ما دام لم يتبع السلطان هذا المنصب له ثابت و من الظاهر أن المراد من الامانة لو كانت الحكومة فلا يتصور له حكومة في الخارج مع وجود السلطان، و أما بيان الاحكام فامر ممكن مع وجود السلطان.

و صفوة القول: انه يستفاد من الرواية أن رسول اللّه يرجع الناس الي الفقيه الذي تصدي للأمانة التي جعلت عنده، و من الظاهر أن مع وجود السلطان الجائر لا مجال للفقيه أن يتصدي لمنصب الحكومة.

و ملخص الكلام أنه يفهم من الرواية أن الفقيه يكون مرجعا للناس ما دام لم يدخل علي السلطان، و هذا يناسب التبليغ، و بيان الاحكام، و أما تصدي الامور العامة، فليس قابلا و ممكنا للفقيه، مع وجود الغاصب حتي يكون مرجعا للناس.

و اما (رابعا) لو سلمنا أن اطلاق الامانة يفيد العموم للولاية بسبب حذف متعلقها، الا أنا نقول: ان ذيل الرواية و هو قوله: (فاحذروهم علي دينكم) يصلح قرينة علي كون المراد من متعلق الامانة هو خصوص الدين، و الاحكام الشرعية، فلا يعم الولاية.

و (منها)- قوله صلي اللّه عليه و آله (مجاري الامور و الاحكام بيد العلماء الامناء علي حلاله و حرامه) «1».

______________________________

(1)- مستدرك الجزء (3) كتاب القضاء، الباب (11).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 102

(أقول): ان هذه الرواية و ان كانت تامة من جهة الدلالة، الا أنها مرسلة لا تشمله ادلة الحجية.

و اما (توهم)

أن الاحكام عطف تفسير للأمور أو أن قوله: الامناء علي حلاله و حرامه قرينة علي أن المراد من الامور هي الاحكام الشرعية فمدفوع لعدم انهدام الظهور بمثل هذا الاحتمال، و الا لا يبقي حجر علي حجر في باب الظواهر، فتلخص أن الرواية تامة دلالة و ساقطة سندا.

و (منها) قوله صلي اللّه عليه و آله (اللهم ارحم خلفائي ثلاثا قيل و من خلفائك قال الذين يأتون بعدي و يروون حديثي، و سنتي فيعلمونها الناس من بعدي.

و هذه الرواية «1» نقلت في الوسائل و كذا نقلها الصدوق في الفقيه مرسلا، و لكنها نقلت مسندا أيضا بأربعة طرق باعتبار و بخمسة طرق باعتبار آخر و نحن نذكر هذه الطرق حتي يتضح بأنه هل يمكن تصحيح الرواية باحدي هذه الطرق المذكورة أم لا.

الطريق الاول- ما رواه في المجالس مسندا الا أنه مخدوش بالحسين بن أحمد ابن ادريس.

الطريق الثاني- ما في معاني الاخبار الا أنه في سنده عيسي بن عبد اللّه العلوي، و النوفلي، و هما ضعيفان عند الاصحاب و الطريقان المذكوران يعدان طريقا واحدا باعتبار اشتراكهما في الراوي أعني عيسي بن عبد اللّه، و لذا قد بينا قبل سطور أن الطرق في سند الرواية تعد اربعة باعتبار، و كان المقصود منه هذا الوجه الذي عرفت.

الطريق الثالث- ما رواه في العيون عن محمد بن علي شاه المروزي عن محمد ابن عبد اللّه النيسابوري عن عبيد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عليه السّلام و هذا

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (18) الصفحة (100) الباب (11) من أبواب صفات القاضي.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 103

الطريق أيضا مخدوش بعبيد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي، لعدم توثيقه في كتب الرجال.

الطريق

الرابع- أيضا في العيون «1» عن أحمد بن ابراهيم بن البكر الخوزي عن ابراهيم بن هارون بن محمد الخوزي عن جعفر بن محمد بن زياد الفقيه عن احمد ابن عبد اللّه الهروي عن الرضا عليه السّلام و هذا الطريق أيضا مخدوش بابراهيم بن هارون فانه لم يوثق عند الاصحاب.

الطريق الخامس- عن الحسين بن محمد العدل عن علي بن محمد بن مهروية القزويني عن داود بن سليمان الفراء عن الرضا عليه السّلام ان هذا الطريق أيضا مخدوش بداود ابن سليمان.

فتحصل أن هذه الرواية و ان نقلت بطرقها الاربعة أو الخمسة الا أن كلها ضعيفة، كما عرفت فلا تشملها أدلة حجية الخبر الواحد.

لا يقال: ان هؤلاء الرواة، كانوا يعيشون في أمكنة متعددة بحيث لم يكن أحدهم مطلعا علي أحوال الاخرين، فمن نقلهم هذه الرواية مع اختلاف أمكنتهم، و بعد مسافتهم يحصل الاطمئنان بصدورها عن المعصوم.

لأنا نقول: (اولا) أنا لا نسلم حصول الاطمئنان بصدور الرواية من نقل الافراد الذين لم يثبت وثاقتهم عند أصحاب الرجال، و مجرد اعاشتهم في امكنة متعددة لا يعطيهم عنوان الثقة و- عليه- فلا تشملها أدلة حجية الخبر كما هو واضح.

و (ثانيا) ان هذه الجهات لا توجب الاعتبار في الرواية التي لا تكون حجة بحسب القاعدة، و تحقق التواتر بهذا المقدار عهدته علي مدعيه، فانه كيف يمكن أن يدعي تحقق التواتر في مثل هذه الامور مع هذا المقدار من البعد في عمود الزمان، و خلاصة الكلام لا مجال لادعاء صحة السند، بأي نحو كان.

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (1) الصفحة (343).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 104

لا يقال: ان الرواية و ان كانت ضعيفة من حيث السند الا أن المشهور عملت بذلك فانه جابر لضعفها.

لأنا نقول:

(أولا) ان احراز استناد عمل المشهور بهذه الرواية في غاية الصعوبة، و مجرد توافق العمل ما دام لا يحرز الاستناد لا يفيد كما سبق بيانه منا مرارا.

و (ثانيا) علي تقدير احراز الاستناد أيضا لا نسلم جبران ضعفها بعمل المشهور كما قد حققناه في الاصول هذا من جهة السند و أما الدلالة فالظاهر أن المراد من قوله صلي اللّه عليه و آله: (يروون حديثي) هم الرواة، و لا يشمل الفقهاء.

ربما يقال: ان قوله صلي اللّه عليه و آله في ذيل الرواية (فيعلمونها الناس) يدل علي أن المراد من قوله صلي اللّه عليه و آله (يروون حديثي ليس مطلق الرواة، بل المراد منه الفقهاء فانهم اهل التعليم و الارشاد، و أما الرواة فليس شأنهم هذا، بل انهم يأخذون الرواية عن المعصوم و ينقلون للناس.

و الجواب عنه- ان الجملة المذكورة في ذيل الرواية لا تصلح أن تصرف قوله: (الذي يروون) عن ظهورها و حملها علي الفقهاء لعدم اختصاص التعليم بهم، فان الرواة أيضا يصدق عليهم أنهم يعلمون الناس ما يتعلمون عن النّبيّ.

ان قلت: سلمنا أن قوله صلي اللّه عليه و آله (يروون) شامل للروات أيضا، فانهم أيضا يعلمون الناس و لكننا نقول: ان الخلافة منصب عظيم لا يناله الا الاوحدي من البشر، فيبعد اطلاقها علي كل راوي الحديث و هو بمجرد رواية حديث لا يكون خليفة للرسول الاعظم صلي اللّه عليه و آله.

قلت: ان ما ذكر في المقام مجرد استبعاد، و هو لا يكون دليلا علي عدم اطلاق الخليفة عليهم ما لم يوجد مانع منه، و الظاهر أنه لا مانع منه، بل الامر كذلك بالبط و الجزم، فان الرواة لهم شأن من الشئون عند النّبيّ الاعظم، حيث لو

لم يكونوا لا ندرس الدين الاسلامي الاعلي، فبروايتهم بقي الدين و آثار سيد المرسلين.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 105

ان قلت: كيف يمكن الالتزام بكون الرواة قاطبة خلفاء لرسول اللّه مع أن بعضهم منكر للحق، و بعضهم جعال للحديث، و بعضهم غير مميز بين صحة الرواية و سقمها.

قلت: يمكن الجواب عنه نقضا، و حلا، أما النقض فهو أن بعض الفقهاء أيضا منكر للحق، فانه كيف يمكن الالتزام بكون الفقهاء قاطبة خلفاء للرسول الاعظم صلي اللّه عليه و آله مع أن بعضهم لا دين له و لا ايمان و لا يعرف الحق من الباطل كأبي حنيفة و غيره من فقهاء عصر الائمة عليهم السلام.

و اما الحل فهو أن الرواة الذين علم كونهم فاسقين و غير موثقين لا يشملهم منصب الخلافة بالبط و الجزم و هذا لا يضر بالمدعي، و أما اذا كان الراوي من الثقات التي يؤمن من كذبه و له خبروية في تشخيص صحة الخبر من سقمها، فلا مانع من شمول قوله صلي اللّه عليه و آله: (يروون حديثي) مثله.

و ربما استشكل علي دلالة الرواية بوجهين.

(الوجه الاول) أن قوله صلي اللّه عليه و آله: (اللهم ارحم خلفائي) و ان كان مطلقا، الا أنه يقيد بقوله (الذين يروون حديثي) فيكون معني الرواية اللهم ارحم خلفائي الذين يروون حديثي و يبلغون الاحكام للأنام، فاذن لا تدل الرواية علي المدعي كما هو ظاهر.

و يرد عليه أن توصيف الخلفاء بما ذكر من الاوصاف الواردة في ذيل الرواية، لا يدل، علي بيان وظيفتهم حتي يرد ما قيل، بل ان هذه الاوصاف تكون من باب المعرفات للخليفة، و علامات لمن ترحم عليه، كأنه سئل يا رسول اللّه من خلفائك أجاب صلي

اللّه و آله بهذه الاوصاف المذكورة. و هذا المعني لا يعارض اطلاق الخليفة.

(الوجه الثاني)- ان ظاهر قوله صلي اللّه عليه و آله (يروون حديثي) يعين أن مصداق خليفة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 106

الرسول. هو الذي يروي جميع أحاديث الواردة عن النّبيّ و هو غير مقدور. الا للأئمة عليهم السلام، فانهم مخازن علوم النّبيّ و آثاره، فيكون المراد من الخليفة في الرواية الائمة الاطهار.

و يرد عليه أن ما ذكر خلاف ظاهر اطلاق قوله صلي اللّه عليه و آله (الذين يروون) فان ظاهر هذه الجملة يشمل لكل راو يروي عن النّبيّ و لو مع الوسائط، و لو منع صدق الراوي علي من لا يروي عن النّبيّ بلا واسطة، لم يتحقق مصداق للراوي أصلا لان الرواة جلهم يروون الأحاديث عن النّبيّ مع وسائط كثيرة بينهما.

فتحصل أن الايرادين المذكورين علي دلالة الرواية لا يرجع الي معني محصل.

و لكنه مع ذلك كله لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية علي اثبات الولاية للراوي. لان اطلاق الخليفة، و كذلك اطلاق قوله صلي اللّه عليه و آله (يروون حديثي) يقتضيان أن نقول:

ان شئون النّبيّ بأجمعها من وجوب اطاعته، و جواز تصرفه في الامور العامة، و الشخصية، و الاموال و الانفس، ثابتة للراوي و هذا مقطوع العدم.

و بعبارة واضحة بمقتضي اطلاق الراوي و الخليفة لا بد من الالتزام بخلافة كل راو عن النّبيّ، و أني لنا بذلك، و تخصيصه بعدة مخصوصة اعني الائمة في الرواية تخصيص مستهجن، فتكون الرواية مجملة فلا بد ردها الي أهلها.

نعم أن القدر المتيقن منها، الائمة الابرار (ع)، فان شئون النّبيّ كلها ثابتة لهم بالقطع إلا منصب النبوة، و أما ساير الرواة فلا يمكن اثبات ولايتهم بهذه الرواية.

و (منها) ما

نقل في المستدرك عن التحرير حيث ذكر العلامة فيه مرسلا (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) «1» و يمكن الاستدلال بعموم التشبيه في الرواية بأن يقال:

انه يستفاد منها كونهم كأنبياء بني اسرائيل في جميع الشئون و المناصب حتي

______________________________

(1)- كتاب القضاء أبواب صفات القاضي باب (11)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 107

الولاية علي الاموال، و الانفس.

و يرد عليها- سندا و دلالة أما سندا فبارسالها و أما دلالة فبعدم تسليم كون التنزيل من جميع الجهات، بل الظاهر منه انهم نزلوا بمنزلتهم بلحاظ تبليغ الاحكام.

و الذي يؤيد ذلك تنزيلهم بمنزلة أنبياء بني اسرائيل وجه التأييد انه لو كان (صلي اللّه عليه و آله) في مقام اثبات منصب الخلافة لهم لكان مناسبا أن يشبههم بنفسه الشريفة. و يقول: العلماء بمنزلتي كما نطق بذلك في مقام جعل الخلافة للإمام علي (عليه السلام).

وجه المناسبة- أن الولاية المطلقة للنبي مما لا ريب فيه، بعد ملاحظة الادلة القاطعة، و البراهين الواضحة من العقلية، و النقلية التي قد ذكرناها في بحث الولاية و أما ثبوت الولاية. المطلقة لأنبياء بني اسرائيل فغير معلوم، بل معلوم العدم بالنسبة الي بعض منهم، فان بعضهم كان متصديا لتبليغ ما أتي به موسي علي نبينا و عليه الصلاة و السلام، و لم يكن آتيا بدين جديد. كما يظهر ذلك للمتتبع.

و (منها) ما عن الفقه الرضوي (ان منزلة الفقيه كمنزلة الانبياء في بني اسرائيل) و تقريب الاستدلال به علم من تقريب الاستدلال بسابقه فلا يعاد.

و يرد عليه سندا بعدم ثبوت انتساب الكتاب المذكور الي مولانا الرضا عليه السّلام و قد مر منا تحقيق هذا المعني في أول الكتاب.

و دلالة بما عرفت في الرواية السابقة فان الروايات الواردة بهذا المضمون لا يستفاد

منها الولاية المطلقة فراجع ما ذكرناه آنفا.

و (منها) ما عن نهج البلاغة (أولي الناس بالانبياء أعلمهم) و نقل عن بعض النسخ أعملهم و هذه الرواية لا اعتبار بها من حيث السند، و مخدوشة من جهة الدلالة أيضا، لأنه لا يفهم من الاولوية تنزيل الا علم بمنزلة الانبياء حتي يستفاد من عموم التنزيل أن المناصب المجعولة للنبي مجعولة للأعلم أيضا، نعم يفهم منه بأنه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 108

لو جعل له خليفة لكان الاعلم أولي بذلك من غيره، و اما هل جعل له ذلك أم لا فليست الرواية في مقام بيانه.

و (منها) صحيحة قداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه طريقا به الي الجنة و ان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي به و انه يستغفر لطالب العلم من في السماء و من في الارض حتي الحوت في البحر، و فضل العالم علي العابد كفضل القمر علي سائر النجوم ليلة القدر و ان العلماء ورثة الانبياء ان الانبياء لم يورثوا دينارا، و لا درهما، و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر «1».

و هذه الرواية تامة سندا، و أيضا روي أبو البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ان العلماء ورثة الانبياء «2».

و لكنها ضعيفة بأبي البختري و هو عبارة عن وهب بن وهب و أما سعد بن فيروز و ان كان ممدوحا الا أنه من أصحاب علي عليه السّلام.

و أما دلالة- فتقريب الاستدلال بها أن معني كون العلماء ورثة الانبياء انهم وارثون لهم في كل شئونهم، الا ما خرج بالدليل القطعي فبما أن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله له

ولاية علي الاموال و النفوس، فكذا وراثه صلي اللّه عليه و آله فان لهم أيضا ولاية عليهما. و الجواب عنه.

(اولا) أن ثبوت الحكومة و الولاية المطلقة لجميع الانبياء غير معلوم فانما الثابت بالدليل ولاية بعض منهم كسليمان و عيسي و غيرهما. الا أن يقال: بان ولاية بعضهم كافية لا ثبات المدعي.

و (ثانيا) ان القول: بثبوت شئون النّبيّ للعلماء يستلزم وجوب اتباعهم في

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (1) باب ثواب العالم و المتعلم.

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (18) الباب (8) من أبواب صفات القاضي.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 109

أوامرهم الشخصية أيضا، و لا يلتزم به أحد.

و (ثالثا) ان الحكم لا يكون محققا لموضوعه لعدم تأثير المتأخر في المتقدم فان الرواية تدل علي أن العلماء ورثة الانبياء، فيما تركوه و أما الولاية فهل هي أيضا داخلة في ذلك أم لا لا تكون الرواية ناظرة اليها، بل لا بد احراز دخولها من دليل آخر حتي يشملها قوله: (ان العلماء ورثة الانبياء).

و (رابعا) انا لا نسلم كون المتعلق محذوفا في قوله صلي اللّه عليه و آله (العلماء ورثة الانبياء) حتي يقال: ان حذف المتعلق يفيد العموم فيكون معني ان العلماء ورثة الانبياء، كونهم ورثة لهم صلي اللّه عليهم في جميع شئونهم، بل انه مذكور في الكلام و هو قوله: (ان الانبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما بل ورثوا العلم) فيعلم من هذه الجملة، بالوضوح و البداهة، أن ميراث الانبياء هو العلم، فالعلماء يرثون علمهم، و أما كونهم وارثين للولاية فلا يستفاد منها.

و (منها) ما روي عن الحجة عجل اللّه تعالي فرجه الشريف (و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه) «1».

و

هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و أخري من حيث الدلالة.

أما من حيث الدلالة فنقول: ان الامام عليه السّلام أوجب الرجوع الي الامام عند الحوادث، فبما أن الحوادث، جمع محلي باللام، و هو يفيد العموم، تكون ظاهرة في مطلق الامور التي لا بد من رجوع الرعية فيها الي رئيسهم، بلا فرق في ذلك بين السياسات و بيان الاحكام، و القضاء، و غيرها فلا تكون مختصة بالشبهة الحكمية، و الذي يدل علي ارادة العموم منها وجوه.

(الاول)- ارجاع نفس الحادثة الي رواة الحديث، لا حكمها، فلو كان

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (18) الصفحة (101)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 110

المراد من الحوادث خصوص الشبهات الحكمية فقط لكان المناسب أن يأمر بارجاع أحكام الحوادث اليها فيقول: أما أحكام الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة أحاديثنا.

و (يرد عليه) أن المتفاهم العرفي من الرواية بتناسب الحكم و الموضوع و بملاحظة التعبير عن المرجع برواة الحديث، الرجوع في حل أحكام الحوادث اليهم، لا ايكال نفس الحادثة ليباشرها، و لو كان مراده عليه السلام ارجاع نفس الحادثة، لكان المناسب أن يقول: (ان الحوادث الواقعة فارجعوها الي رواة أحاديثنا، و لكنه قال: (فارجعوا فيها) و من المعلوم ان معني الرجوع في الحادثة استعلام حكمها.

(الوجه الثاني) ان ظاهر التعليل فانهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّه، يقتضي ارادة العموم، لان مقتضي اضافة حجية الفقيه الي نفسه عليه السلام كونه منصوبا بالنيابة من قبله الشريف، فيكون نائبا عن الامام في شئون الامامة، و لو كان الفقيه نائبا عن الامام فيما يتعلق بحكم اللّه تعالي كان المناسب أن يقول: انهم حجج اللّه تعالي عليكم، كما وصفهم في مقام آخر بأنهم أمناء اللّه في حلاله و

حرامه.

و (يرد عليه) بانه ليس في الرواية ما يدل علي عموم الحجية، و أنهم حججه في جميع الجهات و ان شئت قلت: لو كان التعبير بأنهم حجة اللّه لم يكن يستفاد منه غير جهة تبليغ الاحكام فكذلك هنا فان العرف لا يستفاد من هذا التعبير غير احتجاجه عليه السلام بهم علي الناس في الواجب و الحرام.

و كذا اضافة الفقيه بنفسه بعنوان كونه حجة لا يدل علي مراد المستدل، لأنها اشارة الي أن الاحكام الشرعية لا بد أن يؤخذ من الائمة عليهم السلام، فانهم باب الاحكام فان اللّه يحتج علي الناس بالامام عليه السّلام و هو يحتج عليهم بالعلماء.

فتلخص أن هذا الوجه الذي ذكروه لدلالة الحوادث علي العموم لا يساعده الدليل.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 111

(الوجه الثالث) أن وجوب الرجوع عند الجهل بالاحكام الي الفقهاء يعد من البديهيات في الإسلام، و لم يكن خفيا علي مثل اسحاق بن يعقوب حتي يكتب في عدد مسائل اشكلت عليه، لكونه من الواضحات بالنسبة اليه لوجود الاخبار المتواترة الدالة علي وجوب الرجوع الي الفقيه، بخلاف الولاية العامة، فانها يمكن الجهل بها.

و (يرد عليه) اولا ان اسحاق بن يعقوب ليس له شأن عند أصحاب الرجال، و لم ينقل له فضل و لا فقاهة، بل لم يوثق عندهم أصلا، فانه ليس من قبيل الزرارة و أضرابهم، حتي يستغرب الجهل بمثل هذا الحكم في حقه.

(و ثانيا) أن الامور تدريجية، و كل راو يتعلم الاحكام و يطلع عليها بالتدريج و بالسئوال و لا تكون الاحكام من الواضحات ابتداء.

و (ثالثا) لا نسلم وجود الاخبار المتواترة علي وجوب الرجوع الي الفقيه، بل لا يوجد الخبر الصحيح أصلا، فضلا عن تواتره، نعم أن الروايات في باب

الرجوع الي الرواة كثيرة، الا أنها أجنبية عن المقام هذا تمام الكلام فيه من حيث الدلالة.

و أما من حيث السند فانها مخدوشة بإسحاق بن يعقوب فانه غير موثق، و أما المدح المنسوب الي مولانا الغائب عجل اللّه تعالي فرجه الشريف، فهو روي من طريق نفسه، لنفسه، فلا يفيد شيئا، لان اثبات وثاقته بهذه الرواية يكون دوريا. و اما انجبارها بعمل المشهور فممنوع صغري و كبرا كما مر توضيحه.

و (منها) ما رواه محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن حمزة قال: سمعت أبا الحسن موسي بن جعفر يقول: اذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، و بقاع الارض، و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء، لان المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام، كحصن سور المدينة لها «1».

______________________________

(1)- اصول كافي، الجزء (1) الصفحة (38) باب فقد العلماء، الحديث (3).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 112

تقريب الاستدلال بها- ان عنوان الحصنية انما يتحقق للفقهاء اذا يحرسون الإسلام و المسلمين بسبب تبليغ أحكامه، و اجرائها بينهم و المداخلة في جميع شئونهم، و مجتمعاتهم، و سياساتهم باقامة الحكومة الاسلامية بأن ينظم الجيش، و يحفظ الملة الاسلامية من شر الاجانب، و يسد الثغور.

و (أما) اذا لا يجري هذه الامور بأيدي العلماء فلا يتصور معني محصل لكونهم حصن الإسلام، بل هو نظير بعض الاسماء بلا مسمي، و هذا يوجب تعطيل الاحكام، و سد معظم أبواب الفقه، و اذا لم يكن الفقيه مداخلا في أمور المسلمين بايجاد النظم بينهم، و جمع شتاتهم بل كان مشغولا بالذكر، و الدعاء، و التسبيح، و ما شابه ذلك هل يصدق عليه حصن الإسلام و حافظه!

فان الجلوس في البيت، و وضع اليد علي اليد،

و مجرد الاشتغال بالذكر و الدعاء لا يعطي للفقيه عنوان حصن الإسلام، بل ان هذا فرار عن الوظيفة الشرعية، و من المعلوم ان مجرد بيان المسائل الشرعية لا يكفي في كون الفقيه حصنا للإسلام فان الإسلام انما يكون محصونا اذا أقام الفقيه نظما دينيا في المجتمع، و أجري أحكام الحدود و التعزيرات و تهيأ مقدماته مما يتوقف عليه حفظ كيان الإسلام، و الجواب عنه.

أما من حيث السند فتكون الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة بطائني فانه غير موثق، و مجرد أن ابن أبي عمير نقل عنه الرواية لا يدل علي وثاقته.

و أما عمل المشهور علي فرض تسليم انجبار ضعف السند به لا يفيد في المقام لعدم احراز استناد المشهور عملهم بهذه الرواية، و مجرد توافق عملهم مع مضمون الرواية لا يفيد شيئا ما لم يحرز استناد عملهم اليها. و لعمري هذا في غاية الصعوبة و وقوعه في سند كامل الزيارة علي تقدير تسليم توثيق ابن قولويه الرواة التي وقعت في سنده، لا يفيد في المقام، لكون توثيقه معارضا للتضعيف المنقول عن صاحب الوسائل.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 113

و قال علي بن فضال: ان علي بن حمزة كذاب، و أيضا ضعفه الغضائري، و قال الكشي ان في ذمه روايات، فوقوعه في سند الكامل لا أثر له حتي علي مبني من تقبل توثيقات ابن قولويه الرواة الواردة فيه.

(أضف الي ذلك) انه لا اعتبار بكونه في بعض أسناد كامل الزيارة بدعوي انه يظهر من كلام ابن قولويه توثيق جميع ما وقع في أسناد كتابه، فانا ناقشنا في هذا الاستدلال، و قلنا: ان القدر المتيقن من هذا التوثيق هي الطبعة الاولي التي يروي فيها ابن قولويه بلا واسطة

و اما شمول كلامه لغيره فممنوع هذا كله من حيث السند و أما من حيث الدلالة.

فأما (أولا) فينتقض بما ذكر في باب فقد العلماء (ان الانقياء حصون الإسلام) «1» و لو كان قوله صلي اللّه عليه و آله: (لان المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام) دالا علي ثبوت الولاية للفقيه، لكان قوله: (ان الاتقياء حصون الإسلام) أيضا دالا علي ذلك بلا فرق بينهما و أظن (و ان كان الظن لا يغني من الحق شيئا) ان المستدل لا يرضي بولاية الاتقياء، و كل ما أجاب عن ذلك فنعيد عليه مثله.

و (ثانيا) انه لا ملازمة بين عدم ثبوت الولاية للفقيه، و بين تعطيل معظم الاحكام، بل البينونة بينهما من الثري الي الثريا، فان باب الاحكام مفتوح علي كلا التقديرين.

و غاية ما يمكن أن يقال في المقام: ان اجراء الاحكام القضائية، و الحقوق الجزائية في صورة عدم ولاية الفقيه غير ممكن، و لكن مجرد تعطيل حكم من أحكام الفقه لا يوجب أن يقال: بسد معظم أحكام الإسلام، و كيف يمكن التفوه بذلك مع اننا نري بالعين اجراء معظم أحكام الإسلام و ان قلنا بعدم ثبوت ولاية الفقيه، كباب الزكاة، و الخمس و الحج، و الامر بالمعروف، و النهي عن المنكر و غيرها

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (1) الصفحة (33).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 114

من معظم أبواب الفقه.

و (ثالثا) لا نسلم استلزام القول بعدم ثبوت ولاية الفقيه تعطيل الحقوق الجزائية أيضا، لان المنكر أيضا يلتزم بوجوب اجراء أحكام الحدود، و القصاص و بوجوب الدفاع عن الإسلام و المسلمين، و لا أنسي أن في الحرب العالمية الثانية حيثما هجمت الحكومة البريطانية علي العراق، أفتي الفقهاء بالدفاع، و كان السيد الوالد قدس اللّه

نفسه من جملتهم.

و (رابعا) أن مجرد وضع اليد علي اليد، و الجلوس في البيت لا يكون فرارا عن الوظيفة، بل ربما تقتضي الوظيفة وجوبه، كما يتضح ذلك عند المراجعة الي سيرة الائمة كالإمام علي عليه السّلام في عصر الخلفاء الثلاث، و الحسن بن علي عليه السّلام مع معاوية، و أنه لعائن اللّه عليه كان يسب أباه، و هو وضع يده علي يده هل يلتزم المستدل أنهما عليهما السلام فرا عن وظيفتهما الشرعية!

و (خامسا) انا لا نسلم أن مجرد بيان المسألة و الاحكام لا يكون مؤثرا في حفظ بيضة الإسلام و كيانه، كيف فان بقاء الإسلام بالتبليغ و البيان كما نشاهد بالعيان، فان الفقهاء سيف ناطق للإسلام فان الإسلام بقي ببيان أحكامه، و تبليغ أساليبه، و لعمري هذا أوضح من أن يخفي، فان خصماء الإسلام متوجهون بذلك، و لذا نري في الخارج أن الشيوعيين يعاندون الفقهاء بأشد العناد لأنهم يرون أن بقاء الإسلام بوجودهم، و حفظه علي عهدتهم و يحافظونه بتبليغ أحكامه، و نشر آرائه.

و (سادسا) لو سلمنا أن مجرد بيان الاحكام لا يكون ترويجا للإسلام و لا يحفظ به، بل لا بد من اجراء قوانينه العالية، الا أن ولاية الفقيه أمر، و عدم جواز تعطيل الاحكام أمر آخر، فان تلك الامور الحسبية لا بد أن يقوم بها المسلم، و لو لم يكن فقيها، و لذا لو لم يقم الفقيه بها لفقده أو لعدم امكان تصديه يقوم بها العدل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 115

و علي تقدير عدمه يقوم بها الفاسق فتخلص من جميع ما تقدم ان هذه الرواية ساقطة عن الاعتبار سندا و دلالة.

و (منها) مقبولة عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحل ذلك.

قال: من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت و ما يحكم له فانما يأخذ سحتا و ان كان حقا ثابتا له لأنه أخذه بحكم الطاغوت و أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالي: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ قلت: فكيف يصنعان قال: ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما. «1»

تقريب الاستدلال بها- أن المراد بالحاكم من هو المتعارف من الحكام الذين ينصبهم السلطان في الامور العامة المتعلقة بالرعية كما كان ذلك في القضاة المنصوبين من قبل سلاطين الجور فانهم كانوا يتصدون ذلك كلها، فان الغرض من نصب الفقهاء قاضيا في مقابل قضاتهم سد باب المراجعة الي قضاة الجور، فلو لم تجعل للفقيه ولاية مطلقة لا يرتفع احتياجاتهم، فلا يسد باب المراجعة الي قضاة الجور.

و (يرد عليه) سندا و دلالة أما السند فمخدوش بعمر بن حنظلة فانه لم يثبت وثاقته عند أصحاب الرجال الا الشهيد. فانه وثقه و لكن توثيقه لا يفيد، لكونه من المتاخرين، أضف الي ذلك أن مدرك توثيقه معلوم علي ما نقل عن ابنه، و هو عبارة عن الروايتين.

(الاولي) ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن يزيد بن خليفة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ان عمر بن حنظلة أتانا عنك

______________________________

(1)- وسائل الشيعه، الجزء (18) الصفحة (98) الباب (11).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص:

116

بوقت فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا لا يكذب علينا «1»

(الثانية) ما رواه إسماعيل الجعفي عن عمر بن حنظلة قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السلام، القنوت يوم الجمعة، فقال أنت رسولي اليهم في هذا الحديث «2»

(أقول): ان الروايتين المذكورتين تامتان من حيث الدلالة فانهما تدلان علي وثاقته كما هو ظاهر الا أنهما ضعيفتان من جهة السند أما الرواية الاولي فهي ضعيفة بيزيد بن خليفة فانه في سندها و هو لم يوثق و أما الرواية الثانية فهي ساقطة عن الاعتبار بنفس عمر بن حنظلة فلا تثبت وثاقته الا بالتقريب الدوري.

(لا يقال): ان الرواية المذكورة و ان كانت ضعيفة السند الا أن الاصحاب قد تلقت بالقبول، و لهذا سميت بالمقبولة، و هو جابر لضعفها.

(لأنا نقول): قد مر منا غير مرة أن عمل المشهور لا يجبر ضعف الرواية و كذلك اعراضهم عنها لا يوجب و هنها، بعد شمول أدلة الحجية لها هذا أولا.

و (ثانيا) أن الوجه في تلقي الاصحاب بالقبول ما ذكره ابن الشهيد الثاني، و هما الروايتان المذكورتان، و قد عرفت النقاش فيهما.

و (أما دلالة)- فان هذة الرواية وردت في باب القضاء كما يظهر ذلك بملاحظة أن مورد السؤال، و التحاكم هو الترافع، فانها وردت في قبال المخالفين لمنع الناس عن الترافع اليهم لاشتراط اعتبار الايمان في القضاة.

و الذي يدل علي ذلك قوله عليه السّلام من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت، فتخلص أن الرواية اجنبية عن المقام، لكونها ناظرة الي باب القضاء.

و (منها) رواية أبي خديجة حيث قال عليه السّلام اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا

______________________________

(1)- جامع الرواة، الصفحة (633)

(2)- نفس المصدر

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 117

و حرامنا، فاني

قد جعلته عليكم قاضيا «1»

و تقريب الاستدلال بها علم من تقريب الاستدلال بالمقبولة فلا نعيد.

و (يرد عليها) سندا و دلالة، أما السند فمخدوش بأبي خديجة فانه محل الكلام بين الاعلام، و المراد منه هو سالم بن مكرم، الملقب بأبي خديجة و وثقه النجاشي، و قال علي بن فضال: انه رجل صالح و ذهب الشيخ في بعض كتبه الي توثيقه، و في آخر الي تكذيبه.

و (ربما يقال): ان توثيق الشيخ في بعض كتبه معارض مع تضعيفه في بعض كتبه الاخر فيسقطان عن الحجية بالمعارضة و أما التوثيقات الواردة عن غيره فتبقي سالمة عن المعارض الا أنه خلاف التحقيق، لان تضعيف الشيخ علي فرض ثبوته يعارض جميع التوثيقات الواردة في المقام، كما هو كذلك في الخبرين المتعارضين و تحقيق الحال و تفصيل المقال موكول الي باب الترجيح و التعادل.

و لكن الذي يسهل الخطب، أن يقال: ان الشيخ (قدس سره) قد اشتبه عليه بأن المراد من ابي خديجة هو سالم بن أبي سلمة، و هو ضعيف عند الاصحاب فتضعيفه أيضا راجع اليه، و أما سالم بن مكرم الذي وقع في سند الرواية فهو ثقة عند الجميع، و الشيخ أيضا يعترف بذلك- فعليه- تكون الرواية معتبرة من جهة السند.

هذا من ناحية السند.

و (أما الدلالة) فانها أجنبية عن المقام، لكونها راجعة الي باب القضاء كما يظهر ذلك من قوله عليه السّلام: (فاني قد جعلته عليكم قاضيا) و منصب القاضي انما هو فصل الخصومات، لا الولاية.

و (منها) قول أمير المؤمنين عليه السّلام لشريح: يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي، أو وصي نبي، أو شقي «2».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (18) الصفحة (11)

(2)- وسائل الشيعة الجزء (18) الباب (3) من

أبواب صفات القاضي.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 118

و لا مجال للخدشة في سندها لكثرة الروايات في الباب و لورود الرواية الصحيحة بمضمونها، و هي ما رواه الصدوق باسناده عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام اتقوا الحكومة، فان الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، كنبي أو وصي نبي «1» و طريق الصدوق الي سليمان بن خالد لا بأس به،

(تقريب الاستدلال) بهذا المضمون من الروايات، ان هذا المنصب يكون للنبي و وصيه، فالفقيه وصي للنبي، فتثبت له الحكومة التي كانت للنبي.

(و يرد عليه)- ان المستفاد من الرواية أنه لا يجلس في هذا المكان الا نبي، أو وصي، أو شقي، و لا شبهة في أن وصيي النّبيّ هو الامام عليه السّلام، غاية الامر في فرض فقدانه، يجوز التصدي للمجتهد مضافا بأنه ليس المقصود في الرواية اثبات الوصاية كي يؤخذ باطلاق الكلام، بل المقصود منها التعريض للشريح و أمثاله فلا مقتضي في الرواية لإثبات الولاية للفقيه، فانها في مقام ذم الشريح بأن المكان الذي جلست فيه يدل علي شقاوتك، لأنه يختص بالنبي و وصيه.

و (بعبارة اخري) ان المنصب من قبل اللّه جعل للنبي صلي اللّه عليه و آله و في زمان فقدانه للإمام عليه السّلام، و لا يتصدي لهذا المنصب و لا يجلس في هذا المجلس غيرهما الا أن يكون شقيا، و حيث ان شريح لا ينطبق عليه أحد العنوانين فيكون شقيا، ففي زمان النّبيّ يكون له المنصب، و في زمان فقدانه للإمام، و في عصر الغيبة للفقيه بعنوان النيابة من الامام لا من حيث انه وصي النّبيّ.

و (ان شئت فقل): ان الحكام المنصوبين في زمان أمير المؤمنين عليه السّلام هل

كان تصديهم بعنوان أنهم أوصياء للنبي كلا بل بعنوان النيابة عن ولي الامر، و باذنه ففي زمان الغيبة أيضا الامر كذلك فلا تثبت الولاية للفقيه بهذه الرواية.

______________________________

(1)- وسائل الشيعه، الجزء (18) الصفحة (7) الحديث (3).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 119

و (بتقريب آخر) يستفاد من الرواية انه لا يتصدي لهذا المقام، و لا يجلسه في هذا المجلس الا النّبيّ و وصيه، و هذا عام قابل لان يخصص و يقيد حيث انه ليس من العمومات العقلية الغير القابلة للتخصيص و بعد ما ثبت بالدليل جواز تصدي الفقيه لهذا الامر نخصص العام المذكور بهذا الدليل و نقول: لا يجوز لأحد التصدي فيه الا الفقيه و هذا واضح كمال الوضوح.

و ربما يستدل لإثبات ولاية الفقيه بالدليل العقلي،

و هو انا نعلم بالقطع و الوجدان أن الدين الاسلامي دين خالد باق الي يوم القيمة، فان الله سبحانه و تعالي جعل دين الإسلام، قانونا للبشر في جميع الاعصار و أراد أن ينظم المجتمع بالنظام الاسلامي الاعلي.

و أيضا نعلم أنه سبحانه و تعالي لا يرضي بترك بعض الامور التي يوجب تركه اختلال نظم المجتمع، كالتصرف في مال الصغير اذا مات أبوه و لم ينصب قيما علي صغاره، و احتيج الي بيع مالهم أو تزويج صغيرة منهم اذا كانت فيه مصلحة بحيث تفوت لو ترك تزويجها، أو التصرف في مجهول المالك اذا كانت فيه مصلحة للمالك و غير ذلك من الامور التي لا يرضي الشارع بتركها ففي هذه الصورة لا يخلو الحال من ثلاث لا رابع، اما ترك هذه الامور و ايقافها علي حالها، و اما المراجعة الي قضاة الجور، و اما الالتزام بثبوت الولاية المطلقة للفقيه، و حيث ان الوجهين الاولين لا يمكن الالتزام بهما، فيتعين الثالث أعني

ثبوت الولاية للفقيه.

(و يرد عليه) بأنا ذكرنا سابقا أن الالتزام بايقاف أحكام الإسلام غير صحيح لان قوانين الإسلام موضوعة للعمل بها، لا أن يعطل، و لا بد أن يجري هذه الاحكام بيد الفقيه لكونه القدر المتيقن، فان الامور الحسبية التي هي حتمية التحقق في الخارج له أن يقوم بها.

و الحاصل أن كل أمر لا يمكن للشارع اهماله لا بد أن يتصرف الفقيه فيه،

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 120

لأنه القدر المتيقن، و أن مع وجوده لا نحرز جواز تصدي غيره، فان كون تولية الامور الحسبية بيد الفقيه من باب الضرورة، و من الظاهر أن هذا غير الولاية المطلقة و لا تستكشف عن وجودها للفقيه بأن تكون له ولاية مطلقة، كولاية النّبيّ، و الائمة حتي يتصرف في غير الموارد التي لم يعلم عدم رضا الشارع بتركها، فلا يجوز للفقيه الحكم بثبوت الهلال، أو نصب القيم أو المتولي من دون أن ينعزلا بموته، لأنه من شئون الولاية المطلقة، و المفروض عدم ثبوتها للفقيه كما عرفت.

و صفوة الكلام في المقام، ان كلما علم أن الشارع لا يرضي بتركه فلا بد من القيام به باجازة حاكم الشرع، كالتصرف في مال القصر، و مجهول المالك، و كلما كان في ترك التصرف ضرر فولايته تكون بقدر دفع الاضطرار من باب الحسبة و له أن يداخل في الامور الاجتماعية و غيرها بمقدار ما يرتفع به الضرورة، لا علي نحو الاطلاق.

فتلخص أن الولاية للفقيه بمعناها الاول لم يقم الدليل عليها

و يقع الكلام في [القسم الثاني أي] توقف فعل الغير علي اذنه.
فنقول يقع الكلام تارة في مقتضي الاصل العملي، و أخري في مقتضي الاصل اللفظي.
أما مقتضي الاصل العملي

فنقول لو شك في اشتراط الاستيذان من الفقيه، فتارة يشك في كونه شرطا للوجوب و أخري فيما يحتمل كونه شرطا للوجود.

أما علي الاول، فلا يجب التصدي لان الواجب المشروط ينقضي عند عدم شرط

وجوبه، و مع الشك يجري الاصل و يحكم بعدم الوجوب.

و أما علي الثاني فلو شك في اشتراط واجب باذنه، فنقول كلما فرض وجوبه فاما يتعلق بمال الغير أو عرضه، أو نفسه، كالتصرف في أموال القاصرين و اما يتعلق بفعل نفس المكلف كصلاة الجمعة.

أما علي الاول، فمقتضي القاعدة عدم الجواز الا مع الاذن، فان الخارج من

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 121

مورد دليل الحرمة صورة الاذن و أما فيما لا يتعلق بالغير فمقتضي البراءة عدم الاشتراط لما قرر في محله من بحث الاقل و الاكثر، هذا ما يقتضيه الاصل العملي.

و أما مقتضي الاصل اللفظي

فتارة في المقام اطلاق يقتضي وجوب شي ء بلا اشتراطه بشي ء، فذلك الفعل جائز بلا احتياج الي اذن الفقيه، لكن لا يخفي أن مثل قوله عون الضعيف من أفضل الصدقة و ما بمضمونه «1» لا يفيد اذ مثل هذا الدليل ليس في مقام بيان ما يتحقق به الصدقة، و لذا لا يجوز التصرف في مال اليتيم بهذا الدليل.

و أخري يكون مقتضي الدليل اللفظي اشتراط الاستيذان فالامر في هذه الصورة أوضح من أن يخفي.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 121

الميزان الكلي في تشخيص موارد الاحتياج الي اذن الفقيه

أقول ان كل أمر من الامور اذا كان موردا لقاعدة الاشتغال علي مبني المشهور و موردا للاستصحاب علي المختار، فلا بد أن يكون التصرف باذن الفقيه، و ذلك كما في التصرف في الاموال، و الانفس، و الاعراض.

و أما اذا كان الاصل الجاري فيها موردا للبراءة فلا يحتاج التصرف فيها الي اذن الفقيه. و ذلك كما في الصلاة علي الميت الذي لا ولي له، فانه بعد ما ثبت ان وجوب الصلاة علي الميت المسلم من المسلميات و يشك في اشتراط اذن الفقيه، و مع الشك فيه تجري اصالة براءة عدم اشتراطها بشي ء، فلا يحتاج الي اذن الفقيه.

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (2) الصفحة (200).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 122

مسألة: بعد ما ثبت عدم ولاية الفقيه بل قلنا: بجواز تصرفه في الامور الحسبية من باب كونه القدر المتيقن، فنقول: هل يلزم أن يكون أعلم، أو يكفي كونه فقيها!

أفاد السيد الاستاذ أن الاعلمية المعتبرة في باب التقليد لا يشترط في المقام، لان لازم ذلك أن تكون الولاية لشخص واحد علي مجهول

المالك و مال القصر من المجانين، و الايتام، و الاوقاف التي لا متولي لها و الوصايا التي لا وصي عليها، و غيرها من الامور الحسبية، و من المستحيل عادة قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الامور علي كثرتها في الاماكن المختلفة.

و الحاصل أنه لا يمكن للشخص الواحد العادي، التصدي لجميع هذه الامور فتصل النوبة الي غير الاعلم أيضا.

و يرد عليه أولا لا نسلم عدم امكان تصرف الفقيه الواحد في جميع شئون الممالك الاسلامية، بل نري خلافه في الخارج بالعين و الوجدان، و لذا في الممالك الكبري يتصدي شخص واحد بعنوان رئيس الجمهور لجميع امور المملكة.

و ثانيا لا نسلم جواز تصرف غير الاعلم مع وجود الاعلم، لان ولاية الاعلم في الامور الحسبية، انما كانت من باب دوران الامر بين التعيين، و التخيير، و ان التعيين مقدم علي عدله كما هو محقق في الاصول، و هذا المعني بعينه جار في المقام لان جواز تصرف غير الاعلم مع وجود الاعلم مشكوك، بخلاف الاعلم، فانه مأذون قطعا، اما لأجل كونه متعينا عليه، و اما لكونه فردا من الناس الذين يجب عليهم التصدي لذلك.

و من هنا ظهر أن التصرف في سهم الامام عليه السّلام أيضا يتوقف علي اذن الفقيه بعين الملاك الذي بيناه، و ذلك انا اذا علمنا برضي الحجة بالتصرف فيه و عدم رضاه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 123

بالقائه في البحر، أو دفنه، أو توديعه عند الامين ليودعه عند أمين آخر و هكذا الي أن يصل الي الامام عليه السّلام عند ظهوره، و مع وجود الفقيه لا يحرز جواز تصرف الغير كذا مع وجود الاعلم لا يجوز التصرف لغير الاعلم، لان الاعلم مأذون من قبل الحجة قطعا،

و أما غيره فمشكوك فتجري اصالة عدم جواز تصرفه في مال الغير، فثبت أن التصرف في سهم الامام عليه السّلام يتوقف علي اذن الفقيه الاعلم و الذي يخطر ببالي أن الاستاذ أيضا اختار هذا المسلك.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 124

الكلام في ولاية عدول المؤمنين

اشارة

قوله: (اعلم أن ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه) «1»

اقول: اذا كان الفقيه متعذر الوصول اليه، بعدم وجوده في البلد مثلا، أو بعدم وجوده فيها أصلا، أو بغير هما، فهل يجوز التولية لا حاد المسلمين أم لا.

و التحقيق أن يفصل بينما اذا كان الامور مطلوب الوجود عند الشارع من غير دخالة الشخص الآتي بها في مطلوبيتها و بينما اذا علم أو احتمل كون مطلوبيتها مختصة بشخص خاص كالفقيه مثلا.

فعلي الثاني لا يجوز لغير الفقيه أن يتصرف فيها لأصالة عدم مشروعيته، و- لأنه ليس وجوده مطلوبا مطلقا من غير دخالة الآتي بها علي الفرض، بل المطلوب حصة خاصة من الوجود، و هي كونه باذن الفقيه، و ذلك كما في بعض مراتب النهي عن المنكر، و هو فيما اذا بلغ حد الجرح، فان اطلاق أدلة النهي عن المنكر قاصر عن الدلالة بجواز هذه المرتبة منه، فاذا شك في مشروعيتها، فالمجري أصالة

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (155) السطر (17).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 125

العدم، فهذه الصورة خارجة عن محل الكلام، لعدم الخلاف في اشتراط اذن الفقيه فيها.

و انما الكلام في الصورة الاولي، و هي صورة العلم بكون هذه الامور مطلوبة الوجود للشارع من غير انتساب الي شخص، و انه لا يرضي بتركها، لاستلزامه اختلال النظام، و غيره من المحذورات و ذلك كما في الامور الحسبية. و الظاهر جواز التولية لآحاد المؤمنين في الجملة، لان مطلوبيته

للشارع مقطوع علي الفرض بحيث لا يرضي بتركه، و اعتبار نظارة الفقيه ساقط بتعذر الوصول اليه، فيتعين جواز تصرف المؤمنين فيها، و هذا مما لا كلام فيه ظاهرا، و انما الكلام في اعتبار العدالة و عدمه.

قوله: (و هو مقتضي الاصل و يمكن أن يستدل عليه ببعض الاخبار) «1».

أقول: تارة يقع البحث فيما تقتضيه القاعدة الاولية، و اخري بالنظر الي الروايات الواردة في المقام.

أما علي القاعدة

فلا بد أن يقال: باعتبار العدالة في المتصدي لهذه الامور.

- و الوجه فيه- كما تقدم منا أن التصرف في أموال الغير و أموره يكون علي خلاف الاصل، فان مقتضاه عدم جواز دخالة أحد في أمور غيره كما أن مقتضي الاستصحاب عدم نقل ما نقله غير العادل بالبيع و أمثاله و لكنك عرفت سابقا أن الامور التي لا يرضي الشارع بتركه و يكون وجوده مطلوبا عنده في جميع الازمان، و لم يؤخذ في دليلها صدورها من شخص خاص، و لا يتمكن الوصول الي الفقيه، فلا بد أن يتصدي المؤمنون بقدر الكفاية في هذه الامور، و القدر المتيقن منهم العادل اما لأجل تعينه عليه، و اما لكونه من آحاد المسلمين، فمع وجوده لا تصل النوبة الي غير العادل، لكون تصرفه في هذه الامور مشكوك الجواز، فيحكم علي عدمه بالقاعدة.

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (155) السطر (35).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 126

ان قلت ان مقتضي الاصل العملي و ان كان عدم جواز تصرف الفاسق و هذا أمر لا ينكر، الا أن مع وجود الادلة، الاجتهادية، لا تصل النوبة الي الاصول العملية، كما حقق في محله، فان المطلقات الواردة الدالة علي جواز التصرف في- الامور الحسبية تشمل باطلاقها الفاسق أيضا.

و هي كقوله: (من اشبع مؤمنا وجبت له الجنة) «1» و قوله: من أعان مؤمنا نفس اللّه عز و جل عنه ثلاثا و

سبعين كربة … ) «2» و كقوله: تنافسوا في المعروف لإخوانكم «3» و غير ذلك من الاطلاقات الدالة علي جواز اعانة الغير بل علي استحبابه.

قلت: ان الروايات المذكورة وردت في مقام مدح المؤمنين و تحريصهم علي الاتيان بالمعروف، و أما اتيان الفاسق فهل هو من المعروف أم لا، فليست الروايات ناظرة اليها، لأنها في مقام بيان الحكم، و انه لا يحقق موضوعه، فمعروفية تصرف الفاسق لا بد أن تثبت بأدلة اخري حتي تدل هذه الروايات علي جواز تصرفه.

و بعبارة اخري أن قوله عليه السّلام (من أعان مؤمنا) يبين أن الاعانة علي الوجه الجائز في الشريعة المقدسة مستحبة و أما اعانة الفاسق و تصرفه في مال الغير هل هي جائزة أم لا فليست الروايات المذكورة في مقام بيانه و لذا لا يتوهم أحد ان مثل هذا الدليل يدل علي جواز التصرف في مال الغير، كي يقع التعارض بينه و بين دليل حرمة التصرف، هذا تمام الكلام بالنسبة الي القاعدة الاولية.

و أما بالنظر الي الروايات الواردة في المقام

فهي كثيرة، و لا بد أن يبحث في سند كل منها، و دلالتها علي حده، و نحن نذكر بعضها.

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (2) الصفحة (200).

(2)- اصول الكافي، الجزء (2) الصفحة (198).

(3)- اصول الكافي، الجزء (2) الصفحة (195).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 127

(منها) صحيحة محمد بن اسماعيل بن البزيع قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري، فباع عبد الحميد المناع، فلما أراد بيع الجواري ضعف قبله عن بيعهن اذ لم يكن الميت صير اليه وصيته، و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج، قال: فذكرت

ذلك لأبي جعفر عليه السّلام و قلت له: يموت الرجل من أصحابنا، و لا يوصي الي أحد، و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهن، أو قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما تري في ذلك؟ قال: قال: اذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

أقول: أن قوله عليه السلام (اذا كان القيم مثلك و مثل عبد الحميد) فيه احتمالات.

(الاول) أن تكون المماثلة في العدالة.

(الثاني) أن تكون المماثلة في الوثاقة.

(الثالث) أن تكون المماثلة في الفقاهة.

(الرابع) أن تكون المماثلة في التشيع.

(الخامس) أن تكون المماثلة في جميع ما ذكر.

و (ربما يقال): أن الاحتمال الثالث منتف قطعا، لان عبد الحميد لم يكن فقيها قطعا فيتعين الامر بين الاحتمالات الاخر.

و (يرد عليه): أولا أن عدم كون عبد الحميد فقيها لم يثبت عندنا و مع احتمال كونه فقيها يلزم اشتراطها اذ بدون اشتراط الفقاهة يشك في المماثلة، فلا يترتب الحكم.

(و ثانيا) لو سلمنا أن عبد الحميد لم يكن فقيها الا أنه يكفي كون ابن بزيع

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الصفحة (270) الباب (16) من أبواب عقد البيع و شروطه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 128

فقيها اذ يلزم أن يكون مثلهما، و مع عدم الفقاهة لا يكون مثل ابن بزيع، و أما كونه كعبد الحميد مثلا فمشكوك فيه، و مع الشك لا يؤخذ بالدليل، فيستفاد من مفهوم الرواية ان غير الفقيه لا يمكن له التصدي في الامور و عليه- فالصحيحة المذكورة تكون دليلا علي لزوم كون الفقيه قيما، و أما غيره فلا يجوز تصديه بدلالة مفهومها و الفرض في المقام تعذر الوصول الي الفقيه و البحث بأن للعدول من المؤمنين ولاية في فرض التعذر

أم لا؟ و الرواية تدل بمفهومها علي عدم ولايتهم لأنها انحصرت بمفهوم الرواية علي الفقيه.

(ان قلت): كما أن الرواية بمفهومها تدل علي نفي الولاية عن غير الفقيه كذلك تدل علي نفيها عن غير العادل، فيلزم منها عدم جواز تصدي الفاسق علي فرض عدم تمكن الوصول الي العادل.

و بعبارة أخري يلزم من التقريب المذكور عدم جواز التصدي للفاسق حتي مع عدم العادل، و الحال أنه لا يمكن الالتزام بهذا الامر كيف و المفروض أن الكلام في الامور الحسبية.

قلت: ان فرض عدم تمكن الوصول الي العادل خارج عن هذه الرواية سؤالا و جوابا، لان هذا الفرض نادر جدا، فلا تكون الرواية ناظرة الي هذه الصورة.

(و ثانيا) ثبوت الولاية للفاسق مع عدم العادل ثابت بالضرورة لا بهذه الرواية كما هو ظاهر.

ان قلت: ان العدالة لم تلاحظ في الرواية أصلا، لان عبد الحميد تصرف في الاموال بلا اذن من الامام، و باع المتاع بدون الاذن لكن حينما أراد بيع الجواري ضعف قلبه أ ليس التصرف في المتاع علي خلاف العدالة.

قلت: ان جواز التصرف في المتاع كان عند عبد الحميد أمرا مقطوعا به، و لم يحتمل خلافه أصلا، و لذا لم يضعف قلبه عند التصرف فيه، و حين أراد أن

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 129

يتصدي لبيع الجواري و احتمل احتياجه الي الاذن لكونه من الامور التي اهتم بها الشارع ضعف قلبه لذلك و سئل حكمه عن الامام، و هذا دليل علي عدالته، بل علي شدة تورعه لأنه بمجرد احتمال احتياجه الي الاذن كف نفسه عن التصرف في مال الغير.

و (منها) ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي و غيره، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن اسماعيل

بن سعد الاشعري قال سألت الرضا عليه السّلام عن رجل مات بغير وصية و ترك اولادا ذكرانا غلمانا صغار او ترك جواري و مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري؟

قال: نعم، و عن الرجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك، فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع، و قام عدل في ذلك «1».

فهذه الرواية أيضا تامة دلالة و سندا، فتحصل أن المستفاد من هاتين الروايتين اعتبار العدالة في المتصدي لمال اليتيم الا انه يستفاد من بعض الروايات كفاية ملاحظة مصلحة اليتيم في القيم سواء كان عادلا أم لا.

و ذلك ما رواه محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السّلام عن رجل بيني و بينه قرابة و مات و ترك أولادا صغارا، و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ و ما تري في بيعهم؟ قال: فقال: ان كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم، قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ فقال لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر

______________________________

(1)- وسائل الشيعه، الجزء (12) الصفحة (269) الباب (16) الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 130

فيما يصلحهم، فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر فيما

يصلحهم «1».

و لهذه الراية طرق ثلاثة.

(الاول) طريق الكليني، و هو ضعيف لا يعتمد عليه.

(الثاني) طريق الشيخ. و هو صحيح.

(الثالث) طريق الصدوق، و هو أيضا صحيح، فالرواية تامة من حيث السند فتدل علي كفاية رعاية اليتيم في القيم بأن يراعي مصلحة اليتيم سواء كان عادلا أم فاسقا.

و (منها) موثقة زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية، و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس «2».

و هذه الرواية أيضا تدل علي كفاية الوثاقة، و لم تقيد التصرف بالعدالة فانها و ان كانت مضمرة، الا أن الاضمار عن مثل السماعة غير مضر لعلو شأنه، و رفعة مرتبته من أن يسئل عن غير الامام عليه السّلام.

فتلخص أن المستفاد من هاتين الروايتين كفاية الوثاقة في المتصدي لأمور الصغار سواء كان عادلا أم لا و المستفاد من الصحيحتين السابقتين، اعتبار العدالة فيه كما عرفت فيخصص اطلاق هاتين الروايتين بمفهوم الصحيحتين الدالتين علي اعتبار العدالة، فتكون العدالة شرطا فيه.

______________________________

(1)- وسائل الشيعه، الجزء (12) الصفحة (269) الباب (15) الحديث (1)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (13) الباب (88) من أبواب أحكام الوصايا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 131

الكلام في ولاية الفاسق

قوله: (و أما ورد فيه العموم). «1».

أقول: بعد الفراغ عن ولاية الفقيه ثم ولاية العادل يقع الكلام في ولاية الفاسق و ملخص كلامه (قدس سره) أن ثبوت الولاية لغير الحاكم يحتاج الي عموم عقلي.

أو نقلي كي يدل علي رجحان التصدي لذلك المعروف حتي في صورة كون المتصدي فاسقا، فلا بد أن يبحث في المقام عن وجود الدليل و عدمه.

قال (قدس

سره) أن الكلام في الفاسق يقع من جهتين.

(الاولي) في جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة الي نفسه، و انه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا؟

(الثانية) فيما يتعلق بالغير بأنه هل يجوز للغير ترتيب الاثر علي فعله بأن يشتري منه اذا لم يعلم وقوعه علي وجه المصلحة أم لا؟

أما (الناحية الاولي) فالظاهر جواز تصرفه بالمباشرة، و ان العدالة ليست معتبرة في المباشر. و استدل لهذا بأمرين.

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة 156 السطر (16).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 132

(الاول) عموم أدلة رجحان التصدي للمعروف كقوله: عون الضعيف من أفضل الصدقة «1».

(الثاني) عموم قوله تعالي: (وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)*. «2»

و أما صحيحة محمد بن اسماعيل فهي و ان كانت ظاهرة في اشتراط العدالة الا أنها محمولة علي صحيحة ابن الرئاب، و موثقة زرعة الدالتان علي جواز تصدي الفاسق فاذا صلي الفاسق علي ميت لا ولي له فالظاهر سقوطها عن غيره، بعد العلم بوقوعها عنه، و الشك في صحتها لا يضرب المقام هذا كله في الناحية الاولي.

و (أما الناحية الثانية) أعني صورة تعلق فعله بفعل الغير، فالظاهر اشتراط العدالة فيها، لصحيحة إسماعيل بن سعد و موثقة زرعة المتقدمتين و لا يجدي هنا حمل فعل المسلم علي الصحة كما قلنا به في مثل صلاة الميت لان مورد هذه القاعدة فيما علم صدور أصل الفعل من المسلم و شك في صحته و فساده، و أما اذا شك في صدور أصل الفعل فلا مجال للتمسك بهذه القاعدة لإثبات صدوره منه.

و ان شئت فقل ان شراء مال اليتيم لا بد أن يكون فيه مصلحة له و لا يجوز ذلك باصالة صحة البيع كما لو شك في

صحة البيع و فساده من جهة الشك في بلوغ البائع و عدم بلوغه فلا يجدي أصالة الصحة فيه لان اجرائها لا يوجب احراز بلوغه المشروط به جواز الاشتراء منه هذا تمام كلامه بتوضيح منا.

أقول: و فيما أفاده مواضع للنظر:

(الاول) ان ما أفاده من الاستدلال لإثبات عدم اعتبار العدالة بعموم أدلة فعل المعروف، كقوله عليه السّلام: (عون الضعيف من أفضل الصدقة) ممنوع، لعدم جواز التمسك بهذه الادلة لا ثبات جواز تصدي الفاسق لان غاية ما يستفاد منها رجحان

______________________________

(1)- اصول الكافي، الجزء (2) الصفحة (200).

(2)- سورة الانعام، الاية (152).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 133

التصدي للفعل المعروف و أما تصرف الفاسق فهل هو من المعروف كي تدل الروايات علي رجحانه أم لا أول الكلام.

و بعبارة أخري- ان الرواية تدل علي مدح فعل المعروف و رجحانه، و هو الحكم، و لا تدل علي كون تصرف الفاسق من المعروف لان الحكم لا يحقق موضوعه، فمعروفية فعل الفاسق لا بد أن يحرز بدليل آخر، حتي يمكن أن يستدل علي رجحانه بهذه الرواية.

(الثاني) أن حمل صحيحة محمد بن اسماعيل علي صحيحة ابن رئاب و موثقة زرعة الدالتين علي كفاية مراعاة المصلحة في ولي الصغار لا وجه له، لأنه قد عرفت منا أن الصحيحة و الموثقة مقيدتان بصحيحة ابن رئاب الدالة علي اعتبار العدالة في الولي.

(الثالث) ان الاستدلال بقوله تعالي: (وَ لٰا تَقْرَبُوا … )* لا ثبات ولاية الفاسق غير صحيح، لان الاية تكون بصدد بيان كيفية التصرف، و جواز التصرف في مال اليتيم اذا كان حسنا، و عدم جوازه اذا لم يكن متصفا بهذا، و أما الفاسق فهل يجوز له التصرف أم لا، فليست الاية في صدد بيانها.

و ملخص الكلام أن

الاية بصدد بيان ما يجوز من التصرف و ما لا يجوز، و أما من يجوز له التصرف و من لا يجوز فهي مهملة من هذه الجهة.

(الرابع) ان المقام لا يقاس بالشك في البلوغ، فان غير البالغ لا يجوز له التصدي للبيع، و أما الفاسق فيجوز له التصدي لبيع مال اليتيم، فلو شك في أنه عمل علي طبق الموازين الشرعية أم لا، يحمل فعله علي الصحة بمقتضي اصالة الصحة.

(الخامس) ان ظاهر تفصيله فعل الفاسق بينما تعلق بفعل غيره و بين تكليفه بالنسبة الي فعل نفسه، يعطي كون العدالة مأخوذة علي وجه الطريقية لا الموضوعية

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 134

و هو خلاف الظاهر.

اللهم الا أن يقال: ان التفصيل بين المقامين انما يكون بلحاظ الجمع بين الروايات بأن يكون ما قيد بالعدالة راجعا الي ما يتعلق بفعل الغير، و ما يكون مطلقا من هذه الجهة راجعا الي فعل نفسه، فلا يتوجه الايراد، و اللّه العالم.

فتلخص مما ذكرنا أن الامور العامة التي لا يرضي الشارع بتركها، مع التمكن من الفقيه لا يجوز تصدي غيره لأنه القدر المتيقن، لعدم احتمال ترخيص غير الفقيه دونه، بخلاف عكسه، و أما اذا تعذر الوصول اليه فتصل النوبة الي عدول المؤمنين فلا يجوز للفاسق أن يتصرف في الامور العامة مع وجود العدول، نعم اذا تعذر الوصول الي العدل، فيجوز تصدي الفاسق لهذه الامور، علي الوجه الشرعي.

قوله: (ثم ان حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين … ).

أقول خلاصة كلامه انه (قدس سره) فصل بين ولاية عدول المؤمنين و ولاية الفقيه حيث ذهب في الاول الي جواز المزاحمة، فلو نقل دار الصغار مثلا بعقد جائز فللعادل الاخر فسخه في صورة كون الاسترداد مصلحة للصغار، لان جواز

تصرف العادل لا يكون علي وجه النيابة عن الحاكم، و هو غير منصوب لذلك بل انما هي من باب صرف التكليف، فمجرد وضع يده علي مال الصغار لا يمنع الاخر عن ذلك.

و (أما الثاني) أعني جواز مزاحمة حاكم الشرع للاخر فهل يجوز للفقيه أن يزاحم الاخر أم لا؟

فان قلنا: ان دليل حكومة الفقيه يكون التوقيع الوارد عنه عليه السّلام و ما بمعناه جاز مزاحمته قبل وقوع التصرف لان المخاطب بوجوب ارجاع الامور الي الحكام هم العوام فالنهي عن المزاحمة يختص بهم.

و أما ان قلنا: ان الدليل فيها هي الادلة التي مفادها كون الفقيه نائبا عن الامام

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 135

فلا يجوز للفقيه الثاني أن يزاحمه لان تصرفه في الامور كتصرف الامام فيها، فتكون مزاحمته كمزاحمة الامام و هو لا يجوز، و لا يقاس المقام بتعدد الوكلاء للموكل الواحد في أن دخول أحدهما لا يمنع الاخر لان الوكالة تارة تفرض في نفس التصرف لا في مقدماته، فما دام لم يتصرف الاول، لا وجه لمنع تصرف الاخر بمجرد اقدامه علي مقدمات التصرف.

و اخري يفرض الوكالة علي نحو ان يكون الزام الوكيل عين الزام الموكل و دخوله في الامر كدخول الموكل و أيضا يفرض عدم دلالة دليل وكالتهم علي مزاحمة نفس الموكل، فيكون تعدد الوكلاء أيضا نظير المقام.

اقول و ينبغي ان يبحث هنا تارة في مقام الثبوت و اخري في مقام الاثبات و ثالثة من جهة الامور الخارجية.

اما الاول و هو مقام الثبوت، فالظاهر انه لا مانع من مزاحمة احد المجتهدين للاخر بلا فرق بين ان يكون الدليل علي ولاية الفقيه هو التوقيع الشريف، او العمومات الدالة علي النيابة، لعدم جعل النيابة من قبل الامام لشخص

معين بل كل من اجتمع فيه الشرائط، فهذا المنصب مجعول له.

و اما قوله: (قدس سره) فدخول الفقيه الثاني فيه و بنائه علي التصرف مزاحمة له فهو كمزاحمة الامام. لا يمكن المساعدة عليه لان ما ثبت حرمته شرعا و ممنوعيته عقلا مزاحمته غير الامام مع الامام و اما مزاحمة الامام مع الامام فلم يثبت حرمته، و المفروض في المقام ان كليهما نائبان من الامام بتنزيل الشارع، فيزاحم الامام التنزيلي مع الاخر و لا مانع فيها لا سيما اذا ترتب المصلحة علي هذه المزاحمة.

و اما قوله (قدس سره) بالفرق بين المقام و بين تعدد الوكلاء بان الوكلاء اذا فرضوا و كلاء في نفس التصرف الخ.

فأقول ان وكالة الوكيل اما مهمل و اما مطلق و اما مقيد اما الاهمال فلا يعقل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 136

في الواقعيات و اذا كانت مقيدة بمورد خاص فله ان يعمل علي ما قيد في وكالته و اما اذا كانت مطلقة فان كان تصرف الاخر حين دخول الاول في المقدمات فلا تزاحم أصلا لعدم وقوع تصرفه علي ذي المقدمة و أما ان كان بعد تصرف الاول فلا وجه لتصرف الثاني.

و ان كان تصرفهما في المال في آن واحد فيتعارضان فيتساقطان حسب قانون التعارض، هذا تمام الكلام الي هنا.

فتلخص انه لا مانع ثبوتا من مزاحمة الفقيه مع الاخر هذا في مقام الثبوت و اما مقام الاثبات فلا بد ان يلاحظ ان المدرك في الولاية للفقيه هل هو الاطلاقات او الضرورة او الاجماع. فان كان المدرك هي الاطلاقات المتقدمة كقوله: (العلماء ورثة الانبياء) و قوله: (الفقهاء امناء الرسل) و قوله: (اللهم ارحم خلفائي) و غيرها من الاطلاقات فكلاهما يتساويان في كونهما ورثة الانبياء، و

كذلك في كونهما امناء الرسل و في كونهما خليفتين للرسول الاعظم فكلاهما مشمولان لقوله عليه السّلام فانه حجتي عليكم علي السواء و عليه لا وجه للقول بعدم جواز التزاحم مع انهما يتساويان في المنصب.

و ان كان المدرك هي الضرورة فبمجرد اقدام الفقيه الاول لا ترفع الضرورة بل هي باقية بحالها السابق فللثاني أيضا ان يتصدي الامور بنفس الملاك الذي اوجب اقدام الاول علي ذلك.

و ان كان المدرك هو الاجماع فالقدر المتيقن منه فيما اذا لم يتصد الفقيه الاخر بذلك و مع تصدي الفقيه لا اجماع علي جواز تصدي غيره الا ان المدرك ليس الاجماع في المقام لكونه مدركيا.

و أما (المقام الثالث) فهو بالنسبة الي ما يترتب علي المزاحمة من المفاسد كما اذا لزم من دخالة الاخر و تزاحمه مع الاول، هتكه او كان موجبا لعدم فصل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 137

الخصومة و تعطيل الاحكام او مفاسد اخري فالحق ان يقال بعدم جواز المزاحمة في جميع هذه الصور كما هو واضح.

فتلخص من جميع ما ذكرناه جواز مزاحمة الفقيه مع الاخر ثبوتا و اثباتا و عدم جوازها بالنظر الي العناوين الثانوية هذا اذا كان الفقيهان متساويان في الفضيلة.

و أما اذا كان احدهما أعلم من الاخر فالقدر المتيقن منها نفوذ أمر الاعلم و لا يجوز لغيره دخالة الامور مع وصول اليد الي الاعلم لحكم العقل بالتعيين فيما دار الامر بين التعيين و التخيير.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 138

الكلام في ان تصرف غير الاب و الجد في اموال اليتيم مشروط بملاحظة الغبطة له أم لا؟

اشارة

قال: الشيخ (ره) ثم انه هل يشترط في ولاية غير الاب و الجد في اموال اليتيم ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

قال الشهيد في القواعد فيه و جهان و ذهب الكثير الي اشتراطه و ادعي صاحب مفتاح الكرامة انه

اجماعي و كذلك يظهر من التذكرة في باب الحجر انه اتفاقي و عن شرح القواعد انه ظاهر الاصحاب و صرح الشيخ و الحلي علي اشتراط المصلحة حتي في الاب و الجد فضلا عن غيره «1».

اقول: اما الاجماع فهو علي فرض قيامه علي ذلك لا يكون حجة في المقام لكونه مدركيا و لا أقلّ من احتماله.

و الحق في المقام ان يقال تارة يقع البحث في مقتضي الادلة الاولية و أخري في مقتضي الادلة الثانوية فيقع البحث في المقامين.

أما المقام الاول ففي مقتضي الادلة الاولية

اشارة

و البحث فيها يقع في موضعين:

______________________________

(1)- مكاسب الصفحة (157) السطر (14).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 139

الموضع الاول في مقتضي الاصل العملي، الموضع الثاني في مقتضي الدليل اللفظي فنقول:

[الموضع الاول في مقتضي الاصل العملي]

أما الاصول العلمية فمقتضاها عدم نفوذ ولايته الا مع مراعاة الغبطة فمع عدمها نشك هل هي نافذة أم لا فالاصل عدمه.

و أما مقتضي الاصل الحكمي فهو و ان كان الجواز لأنا اذا شككنا في ان التصرف في اموال اليتيم مع عدم مراعاة المصلحة له حرام أم لا فمقتضي الاصل الحكمي هي الاباحة الا ان المقام من الامور التي اهتم بها الشارع لكونها اموالا فمقتضي وجوب الاحتياط في الاموال و الاعراض و الانفس عدم جواز التصرف الا ما ثبت جوازه و هي صورة مراعاة الغبطة له فالاصل الحكمي لا يجري في المقام.

[الموضع الثاني في مقتضي الدليل اللفظي]

و اما مقتضي الادلة اللفظية الاولية فهو كقوله لا تبع ما ليس عندك «1» و قوله لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» و غيرها من العمومات او الاطلاقات الدالة علي عدم جواز التصرف في اموال الغير و انما المخرج منها هو التصرف مع مراعاة الغبطة و اما غير هذه الصورة فحرام بمقتضي العمومات.

[المقام الثاني مقتضي الادلة اللفظية الثانوية قوله تعالي وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حَتّٰي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ*]

اشارة

و اما مقتضي الادلة اللفظية الثانوية فهي قوله تعالي وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، حَتّٰي يَبْلُغَ أَشُدَّهُ* «3» قال الشيخ ما حاصله: ان للقرب معان اربعة.

(الاول) مطلق التقلب و التحرك حتي من مكان الي آخر و اما ابقاء الشي ء علي حاله فليس بقرب.

(الثاني) وضع اليد عليه بعد ان كان بعيدا عنه و مجتنبا فلا يشمل حكم ما

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (12) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (2).

(2)- سورة النساء، الاية (28)

(3)- سورة الانعام، الاية (151)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 140

بعد الوضع فالمعني و لا تقربوا مال اليتيم الا اذا كان القرب احسن.

(الثالث) ما يعد تصرفا عرفا كالاقتراض و البيع و الاجارة.

(الرابع) مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم اعم من الفعل و الترك حتي وضع الشي ء علي حاله أيضا من انحاء القرب فيكون المعني لا تختاروا في مال اليتيم فعلا او تركا الا ما كان احسن من غيره فيدل علي حرمة الابقاء اذا كان بيعه أحسن.

و في كلمة: أحسن في الآية أيضا و جهان.

(الوجه الاول) ان يكون اسم التفضيل ففيه احتمالان: (الاول) ان يكون المراد ان فعله احسن من تركه (الثاني) ان يكون المراد ما هو ظاهره و هو الاحسن بقول مطلق.

(الوجه الثاني) ان يكون المراد الحسن الوصفي و

فيه أيضا احتمالان (الاول) ان يكون المراد منه ما فيه المصلحة (الثاني) ما لا مفسدة فيه و بعد ذلك قال (قده):

ان الظاهر من القرب هو معناه العرفي لأنه المتفاهم عرفا من لفظ القرب و المراد من الاحسن. التفضيل المطلق لأنه ذكر في الاية بحذف متعلقه فان حذفه يفيد العموم.

و اورد عليه المحقق الايرواني (قده) بان القرب في الاية كناية عن اكل مال اليتيم و الاستقلال بالتصرف فتكون الاية اجنبية عن المقام و مساقها مساق قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰاميٰ ظُلْماً) «1» و قوله تعالي: (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَهُمْ إِليٰ أَمْوٰالِكُمْ إِنَّهُ كٰانَ حُوباً كَبِيراً) «2».

و فيه ان الآيات علي طائفتين فان طائفة منها كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰاميٰ ظُلْماً) و نحوها تدل علي حرمة الاستقلال بالتصرف في أموالهم و طائفة اخري منها

______________________________

(1)- سورة النساء الاية (10)

(2)- سورة النساء، الاية (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 141

كقوله و لا تقربوا الخ تدل علي كيفية التصرف فان التصرف المخصوص و هو الموصوف بالاحسن جائز.

و اما التصرف الذي لا يتصف به فهو غير جائز فلا ربط بين الآيتين و كيف اشتبه هذا علي هذا المحقق مع اعترافه بهذا قبل صفحة بقوله الظاهر ان الاية بصدد بيان ما يجوز من التصرف و ما لا يجوز.

و أيضا وقع البحث في قوله تعالي حتي يبلغ اشده بان هذا القيد راجع الي الحكم او الموضوع، فان كان راجعا الي الموضوع يكون معني الاية لا تقربوا مال اليتيم الذي لم يبلغ اشده الا بوجه احسن فعلي هذا لا يرد عليه الايراد الآتي لعدم انعقاد المفهوم للغاية علي هذا المعني الاعلي القول بمفهوم الوصف الذي لا نقول به.

الا ان رجوع القيد

الي الموضوع خلاف الظاهر في المحاورات العرفية فارجاعه اليه يحتاج الي اعمال العناية و بما ان العناية في المقام غير موجودة فلا يجوز ارجاع القيد الي الموضوع، فلا بد ان يقال برجوع القيد الي الحكم فيكون معني الاية، لا تقربوا مال اليتيم فان القرب اليه حرام الي ان يبلغ اشده فيكون مفهوم الغاية علي هذا التقدير بانه اذا بلغ اشده فلا حرمة في تصرف امواله و هذا مما لا يمكن الالتزام به فانه لا يجوز التصرف في ماله بعد الاشتداد أيضا و قد اجيب عنه بوجهين:

(الاول) بان القيد راجع الي المستثني و هو قوله بالتي هي احسن فيكون معني الاية ان القرب الي الاموال بنحو احسن يكون مغيي بانتهاء اليتم فاذا حصلت الغاية و بلغ اشده فلا يجوز التصرف في ماله و لو بنحو احسن.

(الثاني) نسلم ان القيد راجع الي المستثني منه الا انه يقيد حكم المستثني منه فتكون معني الاية: ان التصرف في اموال اليتيم بنحو احسن جائز سواء كان

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 142

راضيا أم لا و اما اذا انتفي عنوان اليتم و بلغ اشده فلا يجوز التصرف في امواله علي الاطلاق بل التصرف فيها مقيد برضائه- و يرد علي الجوابين.

اما الجواب الاول ففيه ان رجوع القيد الي المستثني يكون علي خلاف الظاهر فان القاعدة تقتضي ان يرجع القيد الي المستثني منه فان قولنا اكرم العلماء الا الفساق منهم الي يوم الجمعة المتفاهم منه عند العرف ان القيد راجع الي وجوب الاكرام فانه مغيي بيوم الجمعة لا ان حكم الفساق مقيد به و هذا امر واضح عند اهل المحاورة.

و اما الجواب الثاني ففيه أيضا ان ظاهر الاستثناء انما يكون عن الحكم فارجاعه

الي الاطلاق خلاف الظاهر فليس الاطلاق امرا مستقلا في نفسه حتي يكون الاستثناء راجعا اليه في قبال الحكم بل انما هو من شئونه فيرجع القيد الي الحكم و يقيد نفس الحكم لا اطلاقه فقط.

و الحق في المقام ان يقال ان الغاية ترجع الي الحكم فيكون مفهومها كما قيل دالة علي جواز التصرف في امواله بعد انتفاء اليتم و بلوغ اشده الا انه يرفع اليد عن مقتضي هذا المفهوم بالضرورة القائمة علي عدم جواز التصرف الاستقلالي في مال الغير مطلقا يتيما كان او كبيرا هذا اولا.

و (ثانيا) نقول ان الغاية و ان كانت راجعة الي الحكم الا انها سيقت لبيان تحقق الموضوع كقوله ان رزقت ولدا فاختنه فلا ينعقد له المفهوم حتي يرد ما قيل فانه بعد بلوغ الاشد ينتفي عنوان اليتم الذي هو الموضوع.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 143

التحقيق في كلمة القرب

الحق ان يقال ان القرب كناية عن التصرف في اموال اليتيم مطلقا حدوثا و بقاء اعتباريا كان او خارجيا فان ترك التصرف أيضا بعد اثبات اليد يصدق عليه القرب و أما ترك اثبات اليد من اول الامر لا يصدق عليه القرب.

و اورد المحقق الايرواني بانه لا يصح اطلاق القرب علي ترك التصرف سواء كان ذلك قبل اثبات اليد عليه أم بعد اثبات اليد و الا للزم ان لا يخلو الانسان عن القرب في حال اي بعد وضع اليد علي مال اليتيم يلزم ان لا يكون الواضع فارغا عن القرب و لا يزال قريبا منه.

و فيه ان عدم صدق القرب علي ترك التصرف قبل اثبات اليد عليه و ان كان صحيحا الا انه بعد اثبات اليد عليه يصدق عليه القرب كما هو واضح.

و أما قوله (للزم

عدم خلو الانسان عن القرب … ) فهو لا يرجع الي محصل لعدم محذور في الالتزام بذلك فليكن كذلك و لا يلزم منه اي محذور عقلا و نقلا.

يقع الكلام في أن المستفاد من قوله تعالي لا تقربوا هل هو النهي التكليفي أو الوضعي.

أقول: أن تنقيح هذا البحث يتوقف علي التحقيق بأن ظاهر النهي في الاية مولوي أو ارشادي، فان قلنا أن المستفاد من الاية هو النهي الارشادي، بمعني أنه ارشاد الي ممنوعية التصرف بغير الاحسن في الامور الراجعة الي اليتيم من التزويج و البيع و الصلح و نحوها، فتدل الاية علي بطلان القرب فيها اذا كان بغير وجه الاحسن فانه اذا باع عبد اليتيم او زوجه بغير وجه الاحسن يكون باطلا، و اما حرمة التصرف فلا تستفاد من الاية علي هذا التقدير.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 144

و ان قلنا: انها تدل علي النهي المولوي كما هو ظاهر النواهي فيكون التصرف في ماله حراما و اما بطلان المعاملة فلا يستفاد منها (ان قلت: انا لا نسلم هذا التفصيل لان علي تقدير كون النهي في الاية ظاهرا في التكليفي أيضا تدل علي بطلان التصرف في مال اليتيم اذا لم يكن ذلك أحسن اليه.

و (السرّ فيه) ان المتصرف في أموال اليتيم بمجرد تصرفه يكون فاسقا لارتكابه الفعل الحرام، و قد عرفت سابقا أن تصرفات الفاسق في أموال الصغار باطلة لاشتراط العدالة في المتصدي لهذه الامور.

قلت: انا بينا سابقا أنه اذا تعذر الوصول الي العادل فالمتصدي لأمور اليتيم هو الفاسق المراعي لمصلحتهم، كما هو مقتضي بعض الروايات.

فهذا الاشكال باطلاقه لا يمكن الالتزام به لعدم بطلان تصرفات الفاسق علي اطلاقها، نعم علي فرض التمكن من العادل لا يجوز تصدي

الفاسق في الامور العامة كما عرفت.

و الذي يقتضيه التحقيق أن يقال: ان لنا أن نختار القسم الاول و نقول ان الاية تدل علي النهي الارشادي فقط و لا يستفاد منها حرمة التصرفات الخارجية، و لكنا مع ذلك نلتزم بحرمتها، لان الدليل علي الحرمة لا ينحصر بالآية، لوجود أدلة اخري في المقام، فيستفاد منها حرمة التصرف في مال الغير كقوله: لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه «1» و غير ذلك من الادلة الدالة علي عدم جواز التصرف في مال الغير.

و لنا أن نختار القسم الثاني و نقول: ان المستفاد من الاية هو النهي التكليفي الدال علي حرمة التصرفات الخارجية، و أما الفساد فلا يستفاد منها، و لكن الدليل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (3) الباب (3) من أبواب مكان المصلي، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 145

لا ينحصر فيها، لوجود الادلة الاخري الدالة علي بطلان التصرف في مال الغير كقوله: نهي النّبيّ صلي اللّه عليه و آله عن بيع ما ليس عندك «1» هذا أولا.

(و ثانيا) انا لا نسلم عدم دلالة الاية علي بطلان التصرف في صورة حمل النهي علي الحرمة التكليفية، بل نقول: ان الاية تدل علي حرمة التصرف و بطلانه معا، لوضوح أن البيع بما هو بيع مجردا عن التصرفات الخارجية لا معني لحرمته، فيكون حرمة البيع اشارة الي فساده فالاية تدل علي الحرمة التكليفية و الوضعية معا.

ان قلت: أ ليس هذا استعمال اللفظ في أكثر من معني واحد و هو علي تقدير تسليم عدم استحالته خلاف الظاهر.

قلت: لا نقول: باستعماله في معني التكليفي، و الوضعي، حتي يكون استعمال اللفظ في الاكثر من معني واحد، بل نقول: ان النهي استعمل

في معني واحد، بداعيين مختلفين- أعني الوضعي و التكليفي- و هذا لا اشكال فيه.

و بعبارة اخري ان النهي عبارة عن ابراز اعتبار التحريم بين المكلف و ذلك الحرام، و الداعي لهذا الابراز تارة الزجر عن الارتكاب و اخري الارشاد الي الفساد و ثالثة يجمع الامران، و الامر في المقام كذلك فانه نهي تكليفي بالنسبة الي التصرف الخارجي، و وضعي بالنسبة الي التصرف الاعتباري.

ان قلت: انا سلمنا انه علي ما ذكرت لا يلزم الاستعمال في اكثر من معني واحد، و لكنه مع ذلك خلاف ظاهر النهي.

قلت: يتفاوت ظهور النهي بحسب ما تعلق به النهي، فان النهي عن التصرف الخارجي ظاهر في الحرمة التكليفية، و النهي عن التصرف الاعتباري ظاهر في

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب (12) من أبواب عقد البيع و شروطه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 146

الفساد، و حيث ان لفظة قرب في الاية تطلق و تصدق بكلا معنييه فلا بد من الالتزام بأن المراد من النهي كلا معنييه أعني الحرمة الارشادية و المولوية، و انت تعلم بالوضوح و البداهة أن متعلق الحكم ربما يكون قرينة علي المراد منه كما أن أحدا قرينة علي ارادة الضرب المولم من قوله: (لا تضرب أحدا).

التحقيق في كلمة أحسن

أقول: قد بينا سابقا أن لفظة أحسن في الاية استعملت في معناها التفضيلي علي اطلاقه لان حذف المتعلق يفيد العموم كما اذا قيل زيد أعلم فانه يفهم منها عند العرف كون زيد أعلم من في عصره فان ترك مفضل عليه في الاية يدل علي ارادة العموم من لفظة أحسن، و اورد عليه بوجوه ثلاثة.

(الاول): ان الاحسن لفظ مشترك بين معناه التفضيلي و غيره فقد يستعمل فيه و قد يستعمل في غيره فلا يجوز

حمله علي المعني التفضيلي، لعدم جواز حمل اللفظ المشترك علي أحد معنييه من دون قرينة معينة.

و الجواب عنه ان كلمة أحسن ظاهرة في معناه التفضيلي كما هو المتفاهم العرفي عند اطلاقها ما لم تقم قرينة علي خلافه و أما استعماله في غير المعني التفضيلي عند قيام القرينة عليه فهو غير منكر عندنا و لا منافاة بينه و بين ما ذكرناه.

(الثاني) ما أورده المحقق بعدم امكان ارادة التفضيل من لفظ أحسن و ذلك انه ان اريد منه الاحسن من جميع ما عداه لزم عدم الاقدام علي شي ء من التصرفات عند مساواتها أو مساواة عدة منها في مقدار المصلحة فان كل واحدة من تلك الافراد المساوية ليس بأحسن من جميع ما عداه، نعم هو أحسن من بعض ما عداه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 147

و ان اريد منه الاحسن في الجملة، أو الاحسن و لو من بعض ما عداه لزم جواز تصرف يكون أحسن من ما دونه و ان كان هنا تصرف آخر أحسن منه و ارادة ما لا احسن منه من هذه الصيغة خلاف القاعدة، و خلاف مدلول صيغة التفضيل.

و يرد عليه- انا لا نسلم عدم امكان ارادة التفضيل المطلق من كلمة أحسن، بل هي ظاهرة فيه كما عرفت.

فان جواز التصرف في أموال الصغار يتوقف علي أن يكون هذا التصرف أحسن من جميع ما عداه، و أما اذا كانت عدة متساوية في المصلحة، فيكون معني الاية (لا تقربوا مال اليتيم الا بجامع التصرف فيه يكون أحسن من غيره).

فالمعيار علي هذا يكون بالجامع لا بالافراد، نظيره اذا قال المولي: اشتر لنا حنطة أحسن من جميع ما عداه فاذا فرض أن هذا القسم من الحنطة موجودة في أربع

بلاد.

و من الواضح أن خصوصية المكان لا دخل له في المطلوب، بل المطلوب هو الجامع الانتزاعي من هذه الافراد فيجوز الاشتراء من أي فرد فرض.

و بعبارة أخري- أن كل واحد من الافراد المتساوية في المصلحة و ان لم يصح اطلاق الاحسن عليه لكونها متساوية علي الفرض، الا انه يصح اطلاق الاحسن عليه باعتبار الجامع الانتزاعي من هذه الافراد، فان جامعها أحسن من غيرها.

الوجه الثالث ان اسم التفضيل يطلق فيما اذا فرض وجود مبدء الحسن في التصرفات الاخري، لتكون الزيادة صادقة، و يصح أن يقال: انه أحسن من غيره.

و أما اذا فرض كون التصرفات الاخري كلها ذا مفسدة عدا ما يتصرفه المتصدي فلا يتحقق المعني التفضيلي، لعدم وجود المبدأ في غيره حتي تصدق الزيادة و عليه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 148

فيجوز للمتصدي اختيار ما فيه المفسدة للصغار.

و يرد عليه أن مع فرض وجود المصلحة في غيره اذا تعين اختيار التصرف الذي يكون أحسن من غيره ففي تقدير كون التصرفات الاخري ذا مفسدة يتعين اختيار الحسن بالفحوي مضافا بأنه لو فرض عدم صدق مفهوم الاية، بأن لا يمكن تحقق المعني التفضيلي فلا بد أن نلتزم بعدم جواز التصرف لا أن نقول. بجواز التصرف في ذي المفسدة.

ان قلت: كيف يمكن الالتزام بعدم جواز التصرف و الحال أنه لا بد من التصرف فيه.

قلت: ان الدليل ليس منحصرا با الاية فان ثبوت لزوم التصرف أو جوازه انما يثبت بدليل آخر لا بالآية.

قوله: (و حينئذ فاذا فرضنا أن المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم) «1».

أقول: و ملخص كلامه، ان كلمة الاحسن ظاهرة في التفضيل المطلق و علي هذا، فلا بد أن يكون التصرف أصلح من تركه و أما اذا كان التصرف

و تركه متساويين فلا يجوز التصرف في مال الصغار فاذا فرضنا ان المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم فبعناه بعشرة دراهم ثم فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم أو جعلها دينارا فلا يجوز للولي تبديله بالدينار، و ان كان جائزا له ذلك من أول الامر بان يبيع ماله بالدينار.

و يرد عليه- بأن جواز بيع مال اليتيم ابتداء بكل من الدراهم و الدنانير، انما كان باعتبار كون القدر المشترك أصلح من تركه فهذا الملاك بعينه موجود في المقام فان اختيار القدر المشترك في ضمن فرد لا يوجب أن يسقط الفرد الاخر عن قابلية انطباقه عليه فكلاهما يتساويان بالنسبة الي القدر المشترك.

______________________________

(1)- مكاسب، الصفحة (157) السطر (25)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 149

و القول: بعدم جواز التبديل لا وجه له، فالمصلحة المقتضية لبيع المال بالدرهم يقتضي أيضا جواز تبديله بالدينار.

قال الشيخ (قدس سره): نعم «1» ربما يظهر من بعض الروايات أن مناط حرمة التصرف هو الضرر لا أن مناط الجواز هو النفع ففي حسنة الكاهلي قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام انا ندخل علي أخ لنا في بيت أيتام و معه خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم، و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما تري في ذلك؟ فقال: ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، و ان كان فيه ضرر فلا … ). «2»

بتقريب ان المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم فيكون المراد بالضرر في الذيل أن لا يصل الي الايتام ما يوازي ذلك فيستفاد من الرواية أن عدم المفسدة كاف في جواز التصرف

في أموالهم، و ان لم يكن فيه نفع عائد بالنسبة اليهم.

و اورد عليه بعض معاصريه بان صدر الرواية يعارض ذيلها، لان صدرها يدل علي أن جواز التصرف في مال اليتيم يتوقف علي وجود نفع عائد اليهم، و ذيلها يدل علي أن حرمة التصرف منوطة بأن يكون في هذا التصرف ضرر عليهم، فيتعارضان في مورد يكون التصرف فيه غير نافع و لا ضار، فبمقتضي الصدر لا يجوز التصرف لعدم وجود النفع فيه، و بمقتضي الذيل يجوز التصرف لعدم الضرر فيه كما هو المفروض.

و أجاب الشيخ عن هذا الايراد بأن المراد من المنفعة في صدر الرواية ما

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (157) السطر (34)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب (71) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 150

يساوي عوض ما يتصرفون في مال اليتيم، و المراد من الضرر مالا يصل اليهم ما يساوي التصرف في ما لهم بل كان تصرفهم فيه مجانا.

و بعبارة اخري- ان صدر الرواية يدل علي جواز التصرف اذا وصل الي اليتامي ما يوازي التصرف في أموالهم، و ذيلها يدل علي حرمة التصرف اذا لم يصل اليهم ذلك، فلا تعارض بين الصدر و الذيل.

و اورد المحقق الايرواني عليه تأييدا لبعض معاصري الشيخ بانه نسأله من بيان المراد من قوله: ان المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم، فان كان المراد منها مجرد اشتمال الدخول علي النفع و لو كان في مقابل هذا النفع ضرر يضاعف عليه يلزم منه جواز التصرف في أموال اليتيم مع وصول نفع قليل اليهم و ان لم يساوي قيمته مثل تصرفهم فهذا باطل قطعا.

و ان كان المراد منه نفع غير المزاحم بالضرر

فثبت مطلوب بعض معاصري الشيخ، لأنه علي هذا يخرج صورة مساواة النفع و الضرر عن منطوق الرواية و يتعارض فيها المفهومان.

و يرد عليه- ان مجرد وصول النفع الذي يساوي التصرفات في مال اليتيم كاف في جواز التصرف. و لو كان في ذلك ضرر مضاعف عليه كما هو ظاهر اطلاق الرواية، الا أن هذا الاطلاق لا يمكن التمسك به لكونه مقطوع الخلاف، فيرفع اليد عن هذا الاطلاق بمقدار ما يكون مقطوع الخلاف، و يتمسك في غيره بالرواية المذكورة، و يحكم بأن المراد من المنفعة ما يساوي عوض ما يتصرفون في مال اليتيم كما قال به الشيخ و مع هذا كله يرد علي الشيخ بوجوه:

(الاول) أن حمل المنفعة علي ما يوازي عوض التصرف في أموال اليتامي و حمل الضرر علي ما لم يصل اليهم ما يوازي عوض التصرف خلاف الظاهر بل الظاهر كما ذهب اليه بعض معاصري الشيخ من التعارض بين الصدر و الذيل.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 151

فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار فيكون المرجع هي العمومات الدالة علي عدم جواز التصرف في صورة عدم المصلحة، و هي كقوله: تعالي (لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)*. «1»

(الثاني) ان المنفعة في الرواية منصرفة بما اذا كان النفع غالبا علي الضرر الوارد علي مال اليتيم و اما مجرد وصول النفع الذي يساوي الضرر فلا يعد منفعة فانه اذا عرضت الرواية الي أهل المحاورة يفهم منها هذا المعني الذي ذكرناه فتكون الرواية متعرضة لصورة النفع و صورة الضرر، و أما الصورة الاخري فلا تعرض لها في الرواية.

(الثالث) اذا سلمنا أن الرواية تدل علي كفاية عدم المفسدة في جواز التصرف، لكانت الرواية مخالفة لعموم الاية حيث قيد فيها

جواز التصرف بما اذا كان فيه مصلحة لليتامي كقوله تعالي، (تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)* فالمستفاد من الاية اشتراط جواز التصرف في مال اليتيم بكونه أحسن له و ذا مصلحة كما هو ظاهرها، فاذا كانت الرواية مخالفة للكتاب فنضربها علي الجدار و نقول: انها زخرف كما روي ذلك عن الصادق (ع) و كل حديث خالف كتاب اللّه فهو زخرف. «2»

(الرابع) أن في سندها عبد اللّه بن يحيي الكاهلي و هو غير موثق، الا أن الامام (ع) أمر علي بن يقطين بأن يكون ضامنا له فظاهره يدل علي ممدوحيته، فعلي مسلك من قال بحجية خبر الممدوح كالسيد الاستاد فالرواية معتبرة.

و اما علي مسلك من انكرها كما هو المختار فهي ساقطة عن الاعتبار لان

______________________________

(1)- سورة أنعام، الاية (151)

(2)- وسائل الشيعة الجزء (18) الباب (9) من أبواب صفات القاضي، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 152

الميزان في حجية الخبر اما الوثوق بصدور الرواية و اما بوثاقة الراوي و كلاهما منتفيان في المقام.

و مما استدل به الشيخ (قدس سره) علي كفاية عدم المفسدة في جواز التصرف رواية ابن مغيرة (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان لي ابنة أخ يتيمة فربما أهدي لها الشي فاكل منه ثم أطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي فأقول: يا رب هذا بذا فقال:

لا بأس «1»

بتقريب ان ترك الاستفصال من مساوات العوض و زيادته يدل علي عدم اعتبار الزيادة.

و يرد عليه ان الرواية ضعيفة بذبيان بن حكيم الاودي فانه غير موثق، مضافا بأنها مع مخالفتها للكتاب لا مجال للعمل بها، فتلخص مما ذكرنا أن عدم المفسدة لا يكفي في جواز التصرف كما ذهب اليه الشيخ و استدل الشهيد (قدس سره)

في القواعد علي وجوب مراعاة المصلحة في مال اليتيم بوجوه.

(الاول) أن الغاية من نصب الولي انما هي مراعاة المصلحة لليتامي، فهو منصوب لهذه الجهة فاذا لم يراعي المصلحة يعمل علي خلاف ما نصب له فهو نقض للغرض.

و يرد عليه- انا لا نسلم كون الولي منصوبا لمراعات مصلحة اليتيم دائما بل هو اول الكلام فعلي المدعي أن يذكر الدليل علي اثباته.

(الثاني) أن مع عدم المصلحة في التصرف يشك في صحته كما اذا باع كتابا لليتيم مع عدم المصلحة في بيعه و لا مفسدة فيه، فيشك في انتقاله الي المشتري فيجري اصالة بقاء الملك علي حاله الاول.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب (71) من ابواب ما يكتسب به، الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 153

أقول: هذا الوجه من الشهيد متين جدا و هو المختار عندنا.

(الثالث) ان النقل و الانتقال لا بد لهما من غاية فعدم المفسدة لا يصلح أن يكون غاية لها لكونه أمرا عدميا و العدميات لا تقع غاية للشي ء الوجودي.

و يرد عليه (اولا) ان عدم المفسدة ليس عدما محضا حتي لا يكون غاية للنقل و الانتقال، بل يكون مثاله الي الوجود عند التأمل اي يمكن أن يكون الغرض التحفظ علي مال اليتيم، و الحفظ كما يحصل بالابقاء كذلك يحصل بالبيع، و لا وجه لإلزام أحد الفردين بالخصوص.

(و ثانيا) ان كان المراد ان العدميات لا تكون غاية للنقل و الانتقال عند العقلاء فهو لا يضر بالمقصود، و ان كان المراد انه لا تكون غاية عند الشارع فأني لك اثباته اي نقول بانه لا يلزم أن يكون للبيع غاية وجودية غاية الامر انه شرط عند العقلاء. فما الدليل علي لزوم كونه عند الشارع كذلك.

(و ثالثا) ان

المصلحة في التصرف لا يلزم أن يكون عائدا الي اليتيم دائما، بل يكفي في صحته النفع العائد الي نفس المتصدي للبيع، و قد صادف ذلك عدم المفسدة للصغير، فلو كان في بيع مال اليتيم غاية و مصلحة عائدة لنفس البائع و لا يكون مضرا للصغير يجوز البيع و يكون الفعل مغيا بالغاية الوجودية.

قوله: (و علي هذا هل يتحري الاصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة فيه) وجهان «1».

اقول: اذا قلنا: في جواز التصرف في مال اليتيم بعدم كفاية عدم المفسدة بل اعتبر وجود المصلحة فيه هل ينبغي مراعاة الاصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة.

ربما قيل: بعدم لزوم مراعاة الاصلح لان ذلك أمر لا يتناهي.

و يرد عليه ان عدم التناهي يلزم بالنسبة الي التصور الذهني و أما بالنسبة الي الخارج

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (158) السطر (10)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 154

فلا يلزم عدم تناهي الاصلح، بل لا يزيد عن موردين أو موارد ثلاثة في أغلب الاوقات.

و الحاصل ان المختار هو مراعاة الاصلح لقوله تعالي: (لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)* و اصالة عدم النقل فيما اذا لم يراعي ذلك.

مسألة: اذا تصدي الولي في تصرف مال اليتيم بعنوان أنه أصلح له، و باع داره مثلا ثم انكشف الخلاف، هل التصرف في هذه الصورة نافذ أم لا؟

الحق أن يقال. بنفوذ تصرفه حذرا من اختلال النظام، أو العسر و الحرج ان شئت فقل: ان السيرة المستمرة الكاشفة جارية علي النفوذ، و المراجعة بديدن العقلاء و المتشرعة اكبر شاهد علي ذلك هذا تمام الكلام في الولايات.

[الكلام في البيع]

الكلام في شرائط العوضين

اشارة

لا يخفي انه ينبغي الصفح عن مسألة بيع عبد المسلم من الكافر لعدم الابتلاء به في هذا الزمان، و اما مسئلة بيع المصحف من الكافر

فقد تعرض لحكمه المصنف في خاتمة المكاسب المحرمة فلا وجه للإعادة.

[مسألة يشترط في كل منهما كونه متمولا]
اشارة

قوله: (يشترط في كل منهما كونه متمولا … ) «1»

ربما استدل علي ذلك بامور.
(الاول) قول اللغوي،

لان البيع في اللغة عبارة عن مبادلة مال بمال، فان مفهوم المالية مأخوذ في صدق البيع و ينتفي بانتفائه.

و فيه (اولا) ان حجية قول اللغوي اما من باب أنه ثقة أو اهل خبرة أما

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (161) السطر (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 155

الاول فلا دليل علي وثاقته ان لم يقطع بخلافه في بعض افراد اللغويين.

و أما الثاني فان الخبروية في شي ء يتوقف علي اعمال النظر فيه و أما اللغوي فلا يعمل النظر في اللغة و لا يستنبط شيئا منها حتي يصدق عليه عنوان الخبير فلا يكون قوله حجة علي كلا التقديرين.

و (ثانيا) ان اللغوي لم يعين ان اللفظ وضع لأي معني من المعاني بل يبين موارد استعمالات لغات العرب بان الصعيد مثلا يستعمل في مطلق وجه الارض، و ان الاسد يستعمل في الحيوان المفترس فغاية ما يستفاد من كلامه علي تقدير تسليم حجيته ان البيع استعمل في مبادلة مال بمال، و أما البيع فهل وضع لهذا المعني المستعمل فيه أم استعمل فيه مجازا فلا يدل عليه، لان الاستعمال أعم من الحقيقة و المجاز.

(و ثالثا) ان الرجوع الي قول اللغوي علي فرض تسليم انه يعين الوضع انما يكون اذا فرض الشك في المعني الموضوع له، و لكن قد مر منا ان البيع تمليك عين بعوض بدليل صحة الحمل، و التبادر و المتفاهم العرفي سواء كان لها مالية أم لا.

(الثاني) الاخبار الواردة في أبواب مختلفة الدالة بأن البيع لا بد أن يقع في الملك

لقوله! عليه السّلام (لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك). «1»

و يرد عليه بانه لا ملازمة بين الملك و المال فان الرواية تدل علي ان صحة البيع يتوقف علي ان يكون المبيع ملكا للبائع، و أما المبيع

فهل تشترط في المالية أم لا، فلا تدل الرواية عليها بل النسبة بينهما عموم من وجه، فانه قد يصدق المال علي شي ء و لا يصدق عليه الملك كاللؤلؤ و المرجان في قعر البحر، فانهما ليسا ملكين

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الصفحة (252) الباب (2) الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 156

لأحد مع انه يطلق عليها المال.

و قد يصدق الملك علي شي ء دون المال لقلته كالحبة من الحنطة أو لخسته كالخنفساء، و قد يجتمعان معا في مورد واحد كالكتاب فانه ملك و له مالية أيضا، و مع هذا كيف تدل الرواية التي تدل علي اشتراط الملكية في البيع علي اشتراط المالية أيضا.

و لما انجر الكلام الي هنا يقع البحث في حقيقة الملك و المال و بيان فرقهما.

فأقول: ان المال في اللغة ما يملكه الانسان و أما في الاصطلاح فهي الجهة التي توجب رغبة العقلاء بها بحيث يبذلون المال في هذه الجهة، و يشترط فيها أن لا يكون مبتذلا كالماء بالنسبة الي الشخص الذي يكون في شاطئ الفرات فانه و ان كانت فيه جهة عقلائية يتوقف بحيث يتوقف عليها حياة العقلاء و غيرهم، و هم راغبون فيه اشد الرغبة، و لذا اذا كان هذا الماء في مكان بعيد يبذلون المال في مقابله الا انه مبتذل عند من يكون في شاطئ الفرات و لذا لا يبذل المال في مقابله.

و ان شئت فعبر أن المالية عبارة عن الجهة الذاتية للشي ء التي توجب رغبة العقلاء كالتفاح فان الجهة الذاتية فيه و هي فوائده مثلا توجب بذل المال في مقابله، أو الجهة الاعتبارية الموجبة لرغبة العقلاء كالأحجار الكريمة مثلا.

فانا لا نعلم فيها جهة ذاتية لتوجب رغبتهم، و علي فرض وجودها

كانت مغفولة عنها عند أغلب العقلاء بحيث لا يكون بذل المال في مقابل هذه الجهة الذاتية بل الغرض الاصلي من اشترائه هي الجهة الاعتبارية.

و أما الملك فهي عبارة عما له الملكية، و لها أقسام أربعة (الاول) و هو أعظم أنحاء الملكية و أعلاها هي الملكية التي تنحصر بذاته تعالي و هي السلطنة التامة بحيث يكون اختيار المملوك تحت سلطنة المالك حدوثا و بقاء و نعبر عنها بالاضافة الاشراقية.

(الثاني) ملكية ذاتية- و هي مالكية الانسان لنفسه و أعضاه و أفعاله، و ذمته

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 157

فان هذه الامور مملوكة له بالاضافة الذاتية.

(الثالث) الملكية العرضية فانها من مقولة الجدة كالتعمم و التقمص و هيئة الراكب علي المركوب فانها أمر اعتباري طرف لاعتبار المعتبر، و باعتباره يوجد في العالم الاعتبار و هذا القسم من الملكية ليست من الاعراض لكي تحتاج الي وجود الموضوع في الخارج، و المقصود من قولنا ان البيع يتوقف علي الملكية أم لا هي الملكية بهذا المعني، اذا عرفت ذلك فنقول:

انك عرفت آنفا ان النسبة بين الملك و المال عموم من وجه، فعلي فرض تسليم أن البيع يتوقف علي الملكية و لكنه لا يدل علي اشتراط المالية فيه بوجه من وجوه الدلالات.

فهل يمكن لأحد أن يقول: ان قوله لا تصل خلف الفاسق تدل علي اشتراط العالمية في الامام؟ و المقام أيضا كذلك في عدم ارتباط أحد المفهومين بالاخر فلا يمكن الاستدلال لاشتراط المالية في البيع بهذه الرواية.

(الثالث) قوله تعالي: (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)

«1». تقريب الاستدلال به ان العوض اذا لم يكن مالا فيكون التصرف في مقابله اكل المال بالباطل فهو باطل فاللازم أن نقول باشتراط المالية حذرا عن أكل المال بالباطل.

و يرد عليه- ان الباء في كلمة (بالباطل)

ليست للمبادلة، بل الباء فيها سببية، فتكون معني الاية لا تأكلوا أموالكم بسبب الباطل كالقمار و الغصب، و غير ذلك من الامور الباطلة، و أما أكل المال في مقابل الباطل حرام أم لا فلا يتعرض الاية له.

قوله: «و الاولي أن يقال: ان ما تحقق انه ليس بمال شرعا). «2»

______________________________

(1)- سورة النساء، الاية (33)

(2)- المكاسب، الصفحة (161) السطر (5)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 158

اقول: و ملخص كلامه انه اذا علم أن أحد العوضين لا مالية له فيبطل المعاملة قهرا، و أما اذا شككنا فيها فاذا صدق عليه أكل المال بالباطل فباطل أيضا.

و أما اذا لم يصدق عليه أكل المال بالباطل عرفا فاذا قام دليل علي بطلانه من الخارج فنقول: بالبطلان أيضا و ان لم يقم دليل بذلك في الخارج فنتمسك علي صحته بعموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» و قوله عليه السّلام: (من كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كله حلال بيعه و شرائه … ). «2»

و يرد عليه بانا لا نسلم الرجوع الي العمومات لإثبات صحة البيع فيما اذا شك في ماليته، و يكون صدق البيع عليه مشكوكا، أ ليس هذا تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية؟ فاذا شك في أصل تحقق البيع بسبب الشك في مالية أحد العوضين فكيف يجوز أن يتمسك لصحته بعمومات البيع.

(و ثانيا) لا معني للتمسك بروايات تحف العقول لا ثبات صحة البيع لأنها تدل علي صحة بيع كل شي ء فيه صلاح، فاذا احرز ذلك نقطع بعدم كونه أكل المال بالباطل، و هذا خلاف الفرض لان البحث يكون فيما اذا لم يحرز الصلاح في المبيع و كانت صحته مشكوكة.

و (ثالثا) انه قد مر سابقا ان رواية التحف

لا يعتمد عليه و ان عمل المشهور لا يجبر ضعف سندها و علي فرض انجباره كبرويا أيضا لا يفيد في المقام لعدم احراز اسناد عملهم بهذه الرواية فمجرد الموافقة في العمل ما دام لا يحرز الاستناد لا يفيد شيئا فتحصل ان المالية لا تكون شرطا في صحة البيع.

ان قلت: ان بيع مالا مالية فيه انما هو بيع سفهي و المعاملة السفهية باطلة.

قلت: (أولا) ان العاملة السفهائية لا دليل علي بطلانها و ما ثبت بطلانه انما هي معاملة السفيه.

______________________________

(1)- سورة البقرة، الاية (275)

(2)- تحف العقول، الصفحة (247)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 159

و (ثانيا) انا لا نسلم كون بيع مالا مالية له معاملة سفهية لا مكان أن يترتب علي ذلك غرض عقلائي، كاعانته مثلا فيما يكون الطرف فقيرا ذا شأن من دون أن يكون مجانيا، و غير ذلك من الاغراض العقلائية.

فانقدح بذلك ان العين اذا لم تكن لها مالية بسبب خسته كالخنفساء، أو بسبب قلتها، كالحبة من الحنطة، أو بسبب القاء ماليته شرعا كالخمر مثلا فيكون البيع نافذ في جميع هذه الصور هذا بحسب القواعد الاولية و أما اذا حكم الشارع ببطلان بيع كبيع الخمر مثلا فنحكم بالفساد من باب التعبد الشرعي لا من جهة عدم المالية كما لا يخفي.

و ربما يقال: ان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اذا اشتملت بيع الخمر أيضا تنافي حرمته، و عدم احترامه اذ بمقتضي وجوب الوفاء يجب تسليمه، فهذا ينافي عدم احترامه شرعا و وجوب اعدامه، و بعبارة أخري- لو قلنا بالصحة يجب تسليمه بمقتضي وجوب الوفاء، و الحال أنه لا يجب تسليم الخمر الذي لا حرمة له شرعا، لكن هذا الاشكال مدفوع اذ مفاد عموم أَوْفُوا ليس حكما تكليفيا بل ارشاد الي

اللزوم، فلا تنافي بين مفاده و عدم احترام العين.

و بعبارة واضحة ان المستفاد من قوله: (أَوْفُوا) انما هو الحكم الوضعي الدال علي أن الفسخ لا أثر له لان الوفاء بالعقد لازم شرعا، و أما الحكم التكليفي فلا يستفاد منه، فلا منافاة بين نفوذ بيعه و حرمة تسليمه و ان كان ملكا للمشتري فغاية الامر اذا لم يسلم اليه العين فله أن يفسخ العقد، و لكن الذي يسهل الخطب ان بيع الخمر بمقتضي النص حرام تكليفا و وضعا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 160

الكلام في حكم المباحات الاصلية و بيان أقسام الارضين و أحكامها
اشارة

قوله: (ثم انهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس كالماء، و الكلاء و السموك، و الوحوش … ) «1»

أقول: و مما يترتب علي اشتراط الملكية في العوضين عدم جواز بيع المباحات الاصلية و ما يمكن أن يقال: أو قيل: في وجه عدم الجواز أمور.

(الاول) ما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) بأن المباحات الاصلية قبل وضع اليد عليها لا تكون مالا لأحد، و البيع تشترط فيه مالية العوضين.

و بعبارة اخري ان ما ليس بمال عرفا لا خلاف و لا اشكال في عدم جواز وقوعه أحد العوضين في البيع، فانه مبادلة مال بمال.

و يرد عليه (أولا) قد مر سابقا أن البيع لا يتوقف علي مالية العوضين كما استفيد ذلك من تعريف البيع علي ما بيناه، و ليس هو مبادلة مال بمال.

و (ثانيا) علي فرض تسليم توقف بيع الشي ء علي ماليته، لا وجه للاستدلال

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (161)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 161

بها علي اشتراط الملكية فيها لعدم الملازمة بينهما، بل قد بينا آنفا أن نسبتهما أعم من وجه فراجع.

(الثاني) ما افاده المرزا النائني (قدس سره) بأنه يشترط في كل

من العوضين أن يكون ملكا فعليا، فلا اشكال في عدم جواز بيع الطير في الهواء، و السمك في الماء قبل اصطياد هما.

و بعبارة اخري ان كل ما يباح لجميع الناس أو المسلمين لا يجوز بيعه قبل تملكه باحدي الاسباب المقررة في الشرع، فانه بيع سفهي و هو باطل و يرد عليه اولا انه لا دليل علي بطلان البيع السفهي، و انما الباطل هو بيع السفيه.

و (ثانيا) لا نسلم أن يكون بيع الطير في الهواء سفهيا، لأنه ان كان من ناحية عدم القدرة علي التسليم فهذا جار في المملوك أيضا.

و بعبارة أخري- ان عدم القدرة علي التسليم اذا أوجب كون البيع سفهيا، فهذا لا يختص بغير المملوك اذ قد يكون المملوك كذلك فيكون نسبتهما عموما من وجه و يجوز أن يكون البائع قادرا علي تسليمه في بعض الموارد أو كان المشتري قادرا علي تسلمه فيخرج البيع عن كونه سفهيا.

(الثالث) ما أفاده الشيخ قدس سره بانه يستفاد من قوله صلي اللّه عليه و آله: لا بيع إلا في الملك «1» ان المكية شرط في العوضين و بدونها تكون المعاملة فاسدة.

و اورد عليه السيد الاستاذان هذه الرويات لا تدل علي اشتراط الملكية بل المستفاد منها أن أمر البيع لا بد أن يكون بيد من صدر عنه هذه الافعال فكلما كان أمر البيع بيده و لو بالوكالة، أو بالولاية تكون المعاملة صحيحة لعموم قوله تعالي: (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و لذا قلنا: ببطلان بيع الفضولي لعدم الاختيار بيده لا بالاصالة و لا بالنيابة و لا بالوكالة.

______________________________

(1)- مستدرك جلد (2) ص 460، الوسائل جلد (12) ص 252

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 162

ثم أورد علي نفسه بأن عموم قوله تعالي: أحل

اللّه البيع مقيدة بقوله صلي اللّه عليه و آله لا بيع الا في ملك، و علي هذا اذا شك في أن الطير في الهواء هل هو تحت اختيارنا حتي يكون البيع صحيحا أم لا فلا يصح التمسك بعموم قوله صلي اللّه عليه و آله: أحل اللّه البيع لكون التمسك بها تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

و لكن الذي يسهل الخطب هو أن يقال: و ان لم يمكن التمسك في المقام بالآية المذكورة لما ذكرنا الا أنه يكفينا قوله تعالي: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فان التمسك به لصحة المعاملة لا محذور فيه، و مع ذلك كله لا يمكن الالتزام بصحة بيع المباحات الاصلية كالطير في الهواء لا لاشتراط الملكية فيها، بل لعدم اختيار أمره بيد البائع، و لذا اذا باع الطير في الهواء فللغير أن يصيده قبل وضع يد البائع عليه فمن هذا يكشف أن أمره لم يكن بيد البائع، فهذا يكون من صغريات قاعدة من باع شيئا ثم ملك فحيث قلنا فيها ببطلان بيعه، فكذلك نقول في المقام. هذا. ملخص كلامه في الدورة السابقة.

الا انه دام ظله رجع عن هذا في الدورة الاخيرة، و تمايل الي الصحة لما ذكره من الوجه بأن البائع اذا التزم أن يسلم المبيع للمشتري و يلتزم بذلك فما المانع من صحة البيع في هذا الفرض.

و فيه (اولا) أن ما ذهب اليه بعدم الاستفادة من الروايات الا اشتراط كون أمر المال بيد البائع لا يمكن المساعدة عليه لصراحة الرواية باشتراط الملكية كما يظهر ذلك من صحيحة محمد بن الحسن الصفار فوقع عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

و (ثانيا) افاد السيد الاستاذ ان

التمسك بعموم أحل اللّه البيع بعد تقييده بقوله:

(لا بيع الا في ملك) يكون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و يرد عليه- انه لا شبهة لنا في الموضوع بعد جريان استصحاب عدم كون أمره بيد البائع.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة (الجزء (12) الباب (2) من ابواب عقد البيع و شروطه).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 163

و بعبارة اخري- اذا شككنا في أن الطائر في الهواء هل أمره بيد البائع حتي يكون البيع صحيحا، أم لا يكون كذلك حتي يكون باطلا، فتمسك بالاستصحاب و نقول: ان الاصل عدم كون أمره بيد البائع فيحكم ببطلان البيع.

(و ثالثا) ان التمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ان كان صحيحا لا محذور فيه بناء علي كونه دليلا علي الصحة زيادة علي اللزوم، الا أنه خارج عن البحث، لان الكلام انما هو في البيع اذا شك في صحته من جهة الشك في كون أمر البيع بيد البائع أم لا، فالتمسك ب أَوْفُوا يقتضي أنها معاملة صحيحة و أما أنه بيع أم لا فلا يدل عليه، فلا يجري عليه أحكام البيع.

و (رابعا) انا لا نسلم كون المقام من صغريات (من باع شيئا ثم ملك) فانه يكون فيما اذا باع ملك غيره فيكون البيع هناك باطلا من جهة وجود المانع و هو كونه ملك لغيره، و هنا من جهة عدم المقتضي علي ما بني عليه و لا يقاس أحدهما بالاخر.

و (خامسا) ان التزامه بصحة البيع علي فرض التزام البائع لا يساعد عليه أيضا لأنه علي فرض التزام البائع علي تسليمه أيضا نقول: يجوز للغير أن يصيده فهذا يكشف عن عدم كونه ملكا له و عدم كون أمره بيده. و الا لما كان التصرف فيه جائزا بعد التزام البائع

بتسليمه.

و ربما يقال: انا نفرض ذلك فيما التزم بتسليم العين و سلمه بعده فالالتزام بصحة هذا الفرد الخاص من البيع مما لا محذور فيه.

و الجواب عنه انا لا نسلم عدم المحذور فيه لان صحة هذا البيع يتوقف علي اخذ البائع الطائر و تسليمه الي المشتري، لأنه قبل تسليمه لا يوجد مصداق الفرد الخاص الذي يكون بيعه صحيحا، و لزوم تسليم البائع الذي هو شرط صحة البيع يتوقف علي صحة البيع حتي يكون الشرط في ضمن العقد صحيحا و الا لبطل الشرط علي المبني المشهور، فهذا دور باطل.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 164

و بعبارة أخري أن لزوم الشرط و هو لزوم التسليم يتوقف علي صحة البيع حتي يكون الشرط في ضمن العقد، و صحة العقد يتوقف علي التسلم الخارجي فقبل التسلم الخارجي لا يكون البيع صحيحا، لان المشروط لا يوجد قبل وجود شرطه، فاذا تحقق التسلم الخارجي لا معني لوجوب التسليم لكونه تحصيلا للحاصل.

و ملخص الكلام أن لزوم الشرط متوقف علي صحة البيع و صحة البيع يتوقف علي وجوب التسليم. و هو أيضا يتوقف علي التسلم الخارجي فيتوقف الحكم علي وجود متعلقه، و هذا تحصيل للحاصل.

و أضف الي ذلك أن بيع الطير في الهواء و نظائره يعد من الامور المستنكرة عند العرف فالحق ما ذهب اليه الشيخ من عدم صحة بيع هذه الامور قبل تملكها.

قوله: (و احترزوا به (اي بقيد الملكية أيضا عن الارض المفتوحة عنوة).

أقول: ان هذه الاراضي لم تسلب عنها الملكية حتي يحترز عنه بهذا القيد بل انما هي ملك للمسلمين كما اعترف به الشيخ، و قال: انه مما ادعي الاجماع عليه، و دل عليه النص كمرسلة «1» الحماد و غيرها.

و أما الاشكال

بأن الاراضي المفتوحة عنوة لا تكون ملكا للبائع فمدفوع بأن الكلام انما كان في المقام في شرائط العوضين لا في شرائط المتعاقدين.

تفصيل الكلام في بيان اقسام الارضين و أحكامها
اشارة

لا يخفي ان الملك اما أن يكون شخصيا و اما ان يكون نوعيا، و الثاني اما أن يكون قابلا لان يصير ملكا شخصيا. و اما لا يكون كذلك و منافع الملك النوعي تارة

______________________________

(1)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (4).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 165

تكون ملكا شخصيا بالفعل، و أخري بالقوة، و ثالثة لا تكون قابلة للملك الشخصي أصلا، اما الملك الشخصي ككتاب زيد فانه ملك شخصي له.

و أما الملك النوعي الذي تكون منفعته ملكا شخصيا بالفعل فهي كالوقف الخاص، و أما الملك النوعي القابل للملكية الشخصية بالقوة أي بعد القبض فهي كالوقف العام اذا عرفت ذلك فنقول:

ان ملكية الاراضي المفتوحة عنوة لا تكون من سنخ تلك الاقسام و كذا منفعتها لا تكون ملكا شخصيا لا بالفعل و لا بالقوة، بل هذه الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل الدليل عليه فيترتب عليها آثارها، و هي صرف حاصلها في مصالح المسلمين.

قوله: (و حيث جري الكلام في ذكر بعض أقسام الارضين فلا بأس بالاشارة الي جميع أقسام الارضين و أحكامها … «1»

أقول: ان تقسيم الاراضي ينحصر في اربعة أقسام حصرا عقليا
اشارة

لان الارض اما موات أو عامرة، و كل منهما اما ذاتية، أو عرضية، فالاقسام أربعة:

(1) الموات بالاصالة.

(2) العامرة بالاصالة.

(3) العامرة بعد الموات.

(4) الموات بعد العمران.

أما القسم الاول [أي الموات بالأصالة]
اشارة

فيقع البحث فيه من جهات.

(الجهة الاولي) في أنه هل الارض الميتة بالاصالة ملك للإمام أم لا؟

(الجهة الثانية) في أنه هل يجوز للغير أن يعمرها بعد فرض كونها للإمام أم لا؟

(الجهة الثالثة) في أنه هل الاحياء يوجب ملكيتها للمحيي، أو يثبت له حق

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (161) السطر (14).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 166

الاختصاص فقط.

(الجهة الرابعة) في انه هل الاحياء يحتاج الي اذن الامام أم لا؟

(الجهة الخامسة) في انه هل يكون الاحياء جائزا لعموم الافراد أو يختص بالمسلمين او يختص بالشيعة.

(الجهة السادسة) في ان المحيي هل يجب عليه اعطاء الخراج للأرض المحياة أم لا؟

أما (الجهة الاولي) [في أنه هل الأرض الميتة بالأصالة ملك للإمام أم لا]

فقال الشيخ (قدس سره) لا اشكال و لا خلاف منا في كونها للإمام عليه السلام، و الاجماع عليه محكي عن المختلف، و الغنية، و جامع المقاصد و المسالك، و النصوص بذلك مستفيضة، بل قيل. انها متواترة «1».

أقول: ان ادعاء التواتر في المقام يكون بعيدا جدا، و لكن دعوي الاستفاضة غير بعيدة.

و أما الاستدلال بالإجماع فمدفوع بما مر منا غير مرة أن الاجماع لا يكون حجة لا سيما اذا كان معلوم المدرك أو محتمله.

و أما التسالم الذي ادعي الشيخ (قدس سره) بقوله: لا خلاف و لا اشكال فان معلومية المدرك غير مضربه و ان كان مضرا بحجية الاجماع و ان شئت قلت: ان كون هذه الاراضي للإمام (عليه السلام) من مسلمات الفقه.

و ربما يقال: ان ادعاء الاستفاضة أيضا بعيد في المقام لاختلاف مضامين الروايات الواردة فيها، فان مضمون بعضها (ان كل أرض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه عليه السلام و هو للإمام) «2» و مضمون بعضها الاخر (كل أرض خربة باد أهلها «3». و مع اختلاف المضامين كيف يمكن ادعاء الاستفاضة.

______________________________

(1)-

المكاسب، الصفحة (161) السطر (16).

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (1).

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (4).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 167

و (الجواب عنه) ان المدعي دلالة الاخبار المستفيضة علي أنها للإمام بالعموم أو بالاطلاق، أو بالخصوص، او بالاولوية …

و الحاصل انه لم نقصد من الاخبار المستفيضة ان كلها صريحة في المدعي بالنصوصية حتي يرد ما قيل: بل المقصود انها تدل علي ذلك باحدي الدلالات المذكورة، فتحصل أن المدعي لا يتم بالإجماع التعبدي، و ان ادعينا انه من المسلمات بينهم رضوان اللّه عليهم.

و أما الروايات فهي كثيرة منها ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الانفال ما لم يوجف عليه بخيل، و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم و كل أرض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء «1».

و (منها) ما روي عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله عادي الارض للّه و لرسوله ثم هي لكم مني أيها المسلمون «2».

و (منها) مرسلة الحماد الطويلة عن العبد الصالح عليه السلام في حديث قال:

و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الاموال (الي أن قال:) و له بعد الخمس الانفال، و الانفال كل أرض خربة باد أهلها، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم علي غير قتال، و له رءوس الجبال، و بطون الاودية، و الاجام و كل أرض ميتة

لا رب لها «3»

و (منها) ما رواه الشيخ عن أبي جعفر، عن عثمان بن عيسي، عن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال.

(2)- تذكرة العلامة، الجزء (2) الصفحة (400).

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (6) من الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 168

سماعة بن مهران قال: سألته عن الانفال فقال: كل أرض خربة أو شي ء يكون للمملوك فهو خالص للإمام، و ليس للناس فيها سهم، قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب «1»

و (منها) ما رواه الشيخ، عن ابراهيم بن هاشم، عن حماد بن عيسي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سمعه يقول: ان الانفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا، و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة، أو بطون أودية فهذا كله من الفي ء، و الانفال للّه و للرسول، فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحب «2»

و (منها) ما رواه الشيخ عن ابن فضال، عن محمد بن علي، عن أبي جميلة او عن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام و قال: سألته عن الانفال فقال: ما كان الارضين باد اهلها و في غير ذلك الانفال هو لنا و قال: سورة الانفال فيها جدع الانف، و قال: (مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَليٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَليٰ مَنْ يَشٰاءُ) قال: الفي ء ما كان من أموال لم يكن فيها حراقة دم، أو قتل، و الانفال مثل ذلك هو بمنزلته.

و

(منها) ما رواه محمد بن يعقوب باسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له! ما يقول اللّه: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ) و هي كل أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب فهي نفل للّه و للرسول.

و (منها) ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سمعته.

يقول: الفي ء و الانفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء و قوم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (8)

(2)- وسائل الشيعة (الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (10)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 169

صولحوا و اعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة او بطون أودية فهو كله من الفي ء فهذا للّه و لرسوله، فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث يحب و هو بعد الرسول. «1»

و (منها) ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبيه، عن فضالة بن أيوب عن أبان بن عثمان، عن اسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال، فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للمملوك فهو للإمام، و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب لها) «2»

و (منها) ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت ابا جعفر عليه السّلام يقول! الانفال هو النفل و في سورة الانفال جدع الانف قال: و سألته عن الانفال: فقال: كل أرض خربة، أو شي ء كان يكون

للمملوك، و بطون الاودية و رءوس الجبال، و ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكل ذلك للإمام خالصا) «3»

و (منها) ما عن حريز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته او سئل عن الانفال فقال: كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل نصفها يقسم بين الناس، و نصفها للرسول صلي اللّه عليه و آله. «4»

و (منها) ما رواه عن أبي ابراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الانفال فقال: كل ما كان من أرض باد أهلها فذلك الانفال فهو لنا «5»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (10)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الأنفال، الحديث (20)

(3)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (22)

(4)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (25)

(5)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (26)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 170

و (منها) ما رواه عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لنا الانفال قلت: و ما الانفال؟ قال: منها المعادن و الاجام، و كل أرض لا رب لها و كل أرض باد أهلها فهو لنا «1»

و (منها) ما رواه عن داود بن فرقد، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث) قال: قلت: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية، و رءوس الجبال و الاجام و المعادن، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كل أرض ميتة قد جلا اهلها، و قطائع الملوك «2»

و (منها) ما رواه أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السّلام أن الارض

للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين اورثنا الارض و نحن المتقون و الارض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من أهل بيتي و له ما أكل منها … ) «3»

فيستفاد من هذه الرواية أن الارض الميتة قبل التعمير يكون للإمام، و اذا عمر احدها يجب عليه أن يؤد خراجها الي الامام.

فتلخص مما ذكرنا أن الاخبار الدالة علي كون الارض الميتة بالاصالة ملكا للإمام تبلغ حد الاستفاضة، لكن دلالة بعضها تكون بالصراحة، و أغلبها بالاولوية و بعضها بالاطلاق هذا تمام الكلام في الجهة الاولي.

و اما الجهة الثانية فهي ان الاحياء هل يحتاج الي اذن الامام أم لا

و فيه أقوال ثلاثة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (28)

(2)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (32)

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (2) من أبواب احياء الموات، الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 171

(الاول) احتياجه الي الاذن، لأنه تصرف في مال الغير و هو لا يجوز الا باذن صاحبه.

(الثاني) عدم احتياجه الي الاذن

(الثالث) التفصيل بين حضور الامام عليه السّلام، و غيابه باعتبار الاذن في الاول دون الثاني و ينبغي ان يبحث في مقامين.

(الاول) عن مقتضي القاعدة الاولية بانه هل هي حرمة التصرف، أو بطلانه، أو لا يكون شيئا منهما.

(الثاني) عن مقتضي الادلة الثانوية.

أما المقام الاول فنقول انه لا يجوز التصرف في الاراضي الميتة بلا اذن من الامام عليه السّلام، لعدم جواز التصرف في مال الغير بقوله: (لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه) «1»

هذا من ناحية التكليف، فلو عصي المتصرف و أحياها فمقتضي الاصل عدم الانتقال عن ملك الامام عليه السلام و

عدم كونه ملكا له هذا بالنظر الي الادلة الاولية.

و أما الادلة الثانوية فالحق أن يقال: بعدم الاحتياج الي اذن الامام عليه السلام لصدور الاذن منهم بجواز التصرف بالنسبة الي شيعتهم كما هو المستفاد من الروايات الواردة في المقام، كقوله عليه السلام: (من أحيا أرضا مواتا فهي له) «2» و بنفس هذه الرواية يكون المحيي مأذونا بأن يتصرف فيما أحياه، و غيرها من الروايات الواردة في باب الانفال و احياء الموات.

ان قلت: ان المستفاد من الرواية المذكورة، هو الحكم الوضعي بمعني أن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (3) من أبواب مكان المصلي، الحديث (1)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) من أبواب احياء الموات الحديث (5) و (6).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 172

من أحيا الارض فالاحياء سبب لانتقال الارض الي ملك المحيي، و أما الحكم التكليفي فالرواية ساكنة عنها، و ليست في مقام بيان هذه الجهة.

قلت: ان الجواز أيضا يستفاد من الرواية بحسب الفهم العرفي، و هذا العرف ببابك، و لذا اذا قال المولي: لعبده كل من دخل داري فاكرمه فلا يتوهم أحد أن المولي لم يبين لنا جواز الدخول، و أيضا يستفاد من بعض الروايات الاخري ان الامام (عليه السلام) أباح التصرف في الاراضي للشيعة عناية لهم و ان شئت تفصيلها فراجع الوسائل باب الانفال، و كذا تدل علي ذلك الروايات الواردة في باب التحليل.

و ربما يقال: ان هذه الرواية لا تدل علي أن الامام عليه السلام اذن لشيعته أن يتصرفوا في الاراضي الموات، لان هذه الروايات صدرت من الائمة الذين كانوا قبل مولانا الصاحب عليه السلام كالإمام الباقر و الامام الصادق عليهما السلام، و الحال أن هذه الاراضي للإمام الغائب عجل اللّه تعالي فرجه الشريف،

فلا بد أن تصدر اجازة التصرف من ناحيته لأنه زعيمها في الحال الحاضر، و هو امام العصر فلا بد أن يكون التصرفات في الامور باذنه الشريف و ليست الروايات الصادرة عنه عليه السلام دالة علي هذا كما هو واضح.

و يرد عليه نقضا و حلا أما النقض فبتحليل الخمس للشيعة فانه أيضا يكون من الصادق عليه السلام، و الحال أن أمره بيد مولانا الصاحب عليه السلام و التحليل لا بد أن يكون بأمره الشريف، لأنه صاحب العصر و زعيم الامة، فكلما أجبتم هناك نجيب عنه هنا.

و أما الحل فان الاراضي الميتة و غيرها من الامور الراجعة الي الامام عليه السّلام تكون للإمام من حيث انه له منصب الامامة، و علي هذا فالمأذون من ناحية الامام جعفر الصادق عليه السلام كالمأذون من ناحية الامام الغائب عليه السلام، لأنه تصرف

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 173

في الاراضي باذن من له منصب الامامة، و من المعلوم ان الائمة متساوون في ذلك و أضف الي ما ذكر أن المستفاد من أمثال ما نحن فيه ان الحكم الشرعي هكذا فلا مجال لهذا النحو من الاشكال، مضافا الي هذا كله يدل علي الاذن و حلية التصرف ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام الي أن قال عليه السلام (و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك الي أن يقوم قائمنا … ) «1».

و هذه الرواية بالصراحة تدل علي الجواز حتي يظهر القائم عليه السّلام.

و لو أغمضنا عن جميع ذلك و قلنا: باشتراط الاذن فنقول: ان الاجازة علي تقدير كونها مؤثرة انما تؤثر في الحكم التكليفي اعني حرمة التصرف، و

اما الحكم الوضعي فلا يحتاج الي الاجازة فتكون الارض المحياة ملكا له لعموم قوله: (من أحيا أرضا مواتا فهي له «2» فهذه الرواية تدل علي كونها للمحيي سواء كان مأذونا في الاحياء أم لا.

أضف الي ذلك قيام السيرة علي التصرف فيها من دون أن يخطر ببالهم ان ذلك يحتاج الي الاذن.

و قد ذهب بعض الي اشتراط الاذن في التصرف لعموم قوله: (لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفس منه) «3».

و يرد عليه ان بعد ما ثبت جعل الشارع، الاحياء سببا للملك فلا حاجة فيه الي اذنه، و لو التزمنا في الحكم التكليفي بذلك لكن لا نلتزم به في الحكم الوضعي لبداهة عدم اشتراط الاذن في جواز تصرف الناس في ملكهم.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (12).

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) من أبواب احياء الموات، الحديث (5).

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (3) من أبواب مكان المصلي، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 174

و ربما فصل بعض بين عصر حضور الامام و غيابه باشتراط الاذن في الاول دون الثاني لعدم امكانه.

و يرد عليه ان عدم امكان الاذن لا يوجب جواز التصرف في ملك الغير فانه ان كان من الامور التي لا يرضي الشارع بتعطيله، فلا بد أن يكون التصرف فيها باذن حاكم الشرع الاعلم كما قلنا بذلك في غيرها من الامور الحسبية كسهم الامام عليه السّلام و ان كان من الامور التي بعلم عدم رضاية الشارع، أو نحتمل عدم رضايته بالتصرف فيها فلا يجوز التصرف و علي اي حال لا وجه للتفصيل المذكور في المقام.

و ربما نسب الي كاشف الغطاء (قدس سره) القول بجواز التصرف فيها

لاستكشاف اذنه الشريف بظاهر الحال فانه لا يرضي بتعطيل الاراضي مع كثرتها و كون الناس محتاجين الي التصرف فيها.

و يرد عليه ان ما ذكر لا يوجب جواز التصرف لعموم الناس مطلقا حتي مع عدم كونه مأذونا من الامام، لاحتمال عدم رضاية الشارع مع وجود القدر المتيقن في البين و هو الفقيه الاعلم بأن يكون جواز التصرف متوقفا علي اذنه و علي هذا فما أفاده لا يساعد عليه

(الجهة الثالثة) انه هل الاحياء مملك أو موجب لحق الاختصاص؟

ذهب السيد الاستاذ دام ظله في الدورتين من درسه الي عدم كونه مملكا بل انه يوجب حق الاختصاص، و قرب ذلك بوجوه الاول ان قوله: (ما كان لنا فهو لشيعتنا «1» و كذلك قوله: (فما كان للرسول فهو لنا و شيعتنا حللناه لهم) «2». ليسا في مقام بيان ان الشيعة يملكون تلك الاراضي بل ان هذا أمر غير معقول، لان الالتزام بكونهم مالكين لها يستلزم أن تكون الشيعة كلهم مالكين لها علي نحو الإشاعة، ثم اذا مات

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (17).

(2)- مستدرك، الجزء (1) كتاب خمس، باب (4) من الانفال، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 175

احد من الشيعة فوارثه يملك هذه الارض بسببين احدهما الارث، و ثانيهما التشيع و هذا غير معقول فمفاد الروايتين انما هو اثبات حق الاختصاص لهم.

و يرد عليه بأن الرواية الاولي ضعيفة سندا و مخدوشة دلالة اما سندا فبصالح بن حمزة فانه لم يوثق عند أصحاب الرجال و اما دلالة ففيها نقضا و حلا.

أما النقض فبحق الاختصاص الذي التزم به الاستاذ فالمحذور المذكور بعينه جار هنا أيضا فانه اذا مات أحد من الشيعة فوارث هذا الشيعي له حق الاختصاص بسببين المذكورين فكلما اجاب هناك هو

الجواب هنا.

و اما الحل فان الرواية المذكورة مجملة فلا يمكن التمسك بها لعدم امكان الالتزام بمفادها فانها تدل علي كون هذه الاراضي للشيعة و لا يمكن الالتزام بكونها للشيعة لا علي نحو الملكية و لا علي نحو الاختصاص فلا بد أن يراجع الي الروايات الاخري.

و كذلك الرواية الثانية فانها أيضا ضعيفة سندا و مخدوشة دلالة، اما سندا فان فرات وقع في سندها و هو غير موثق و أما دلالة فيرد عليها مضافا الي ما اورد علي الرواية السابقة ان كلمة شيعتنا محتمل الوجهين، ان يقرء مرفوعا بأن يكون مبتدء فعلي هذا تكون راجعة الي باب التحليل، أو أن يقرء مجرورا معطوفا علي ضمير المتكلم، فاذا تكون دليلا لما نحن فيه الا أنه خلاف الظاهر فتلخص انه لا يمكن المساعدة في هذا التقريب مع السيد الاستاذ و أورد الاستاذ علي نفسه بانه يمكن أن يقال: ان الاحياء اذا لم يكن سببا للملكية، بل كان سببا لحق الاختصاص فلا يجوز أن يباع الاراضي المعمرة، لان البيع انما يقع علي الملك و المفروض عدمه.

و أجاب عنه بأن البيع عبارة عن تبديل طرفي الاضافة و هو كما يحصل في العين، كذلك يحصل في الحق.

و يرد عليه انا بينا في موضعه ان البيع عبارة عن تمليك العين، فلا بد أن يكون

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 176

العين ملكا للبائع حتي يكون قابلا للتملك فعلي القول بعدم حصول الملكية بالاحياء لا يمكن الالتزام بصحة بيع الاراضي المذكورة.

التقريب الثاني أن الاحياء اذا كان سببا لحصول الملكية فلا وجه لوجوب أداء الطسق و الخراج علي المحيي، لعدم وجوب الطسق علي أحد في ملكه الشخصي، و قد استفيد من بعض الروايات وجوب الخراج عليه،

فيستكشف ذلك عن عدم حصول الملكية به و الجواب عنه انه لا يلزم من الالتزام بالخراج في الملك محذور عقلي و لا نقلي اذا قام الدليل عليه، و المدعي في المقام أن المستفاد من الروايات حصول الملك بالاحياء و لكن المالك يجب أن يؤدي الخراج بالروايات الدالة علي الوجوب فلا نري محذورا فيه بعد قيام المقتضي له.

التقريب الثالث انه يستفاد من بعض الروايات ان الارض اذا عرض عليه الخراب و لا يعمرها من بيده و عمرها رجل آخر فالثاني أحق بها، فاذا كان الاحياء سببا لحصول الملكية و كانت الارض ملكا للمحيي الاول، فلا وجه لكون الثاني أحق بها كما لا يخفي و يرد عليه انه لا مانع من الالتزام بكون المحيي الثاني أحق بها مع كونها ملكا للمحيي الاول اذا دل الدليل عليه و لا نري منافاة بينهما بأن جعل الشارع، الملكية للمحيي اذا أحياها ما دام معمرة فاذا خربت فللثاني حق الاحياء فاذا أحياها يخرج عن ملك المحيي الاول، و يدخل في ملك الثاني، فتلخص مما ذكرنا ان التقاريب الثلاثة من السيد الاستاذ لا يمكن المساعدة عليها.

و الذي يوافق التحقيق أن يقال بحصول الملكية بسبب الاحياء كما يستفاد ذلك من الروايات الواردة في الباب.

(منها) قول أمير المؤمنين عليه السلام (من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الي الامام في حال الهدنة فاذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي أن تؤخذ منه «1».

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (13).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 177

و (منها) قوله: (من أحيا أرضا مواتا فهي له) «1».

و منها ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن سعيد، عن

صفوان عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصاري، قال: ليس به بأس الي أن قال: و أيما قوم أحيوا شيئا من الارض أو عملوه فهم أحق بها و هي لهم «2» و غير ذلك من الروايات فظاهرها تدل علي حصول الملك بالاحياء و لا وجه لرفع اليد عن ظواهر الالفاظ ما لم تقم عليه قرينة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) من أبواب احياء الموات، الحديث (5).

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) من أبواب احياء الموات، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 178

ثمرة القول بحصول الملك و عدمه أفاد السيد الاستاذ دام بقائه يظهر الفرق بين القولين في وجوب الخمس و عدمه.

فعلي القول بحصول الملك بالاحياء فالخمس يتعلق بها، و اما علي القول بحصول حق الاختصاص به فلا يتعلق الخمس برقبة الارض، لعدم كونها ملكا للمحيي و الخمس يتعلق بالملك و ما أفاده في المقام متين جدا.

الجهة الرابعة في أنه هل يجب علي المحيي أداء خراج الاراضي المحياة أم لا؟

فنقول: ان الروايات الواردة في المقام طائفتان طائفة منها تدل علي وجوب أداء الخراج و هي كثيرة و نحن نذكر بعضها.

(منها) ما رواه محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن محبوب عن هشام بن سالم، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السّلام ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الارض، و نحن المتقون و الارض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من أهل بيتي..) «1»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (3) من أبواب احياء الموات، الحديث (2)

دراساتنا من

الفقه الجعفري، ج 3، ص: 179

و (منها) قول امير المؤمنين عليه السّلام (من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الي الامام في حال الهدنة..) «1» و غير ذلك من الروايات الواردة في الباب، و ان كان بعضها ضعيفة السند الا أن في صحت بعضها غني و كفاية.

و طائفة أخري منها تدل علي عدم وجوب اداء الخراج.

(منها) ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن سعد بن عبد اللّه يعني أحمد بن محمد بن عيسي، عن العباس بن معروف. عن حماد بن عيسي عن حريز بن عبد اللّه عن أبي بصير و زرارة و محمد بن مسلم كلهم عن أبي جعفر عليه السّلام قال قال امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل «2»

و (منها) ما رواه محمد بن الحسن عن الهيثم بن أبي مسروق، عن السندي بن أحمد، عن يحيي بن عمر الزيات، عن داود بن كثير الرقي، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك) «3» و غير ذلك من الروايات و يمكن أن يجمع بين الطائفتين بوجوه ثلاثة.

الاول أن تحمل الروايات الدالة علي الوجوب علي مجرد الاستحقاق و الروايات الدالة علي عدم الوجوب علي العفو عنه، و بعبارة أخري ان الطائفة الاولي تحمل علي الحكم الوضعي و ان الخراج وضع عليها، و الطائفة الثانية تحمل علي العفو عن أدائه، و ان شئت فقل: ان للأئمة (ع) أن يطلبوا الخراج و لكنهم أباحوا للناس و عفوا عنهم لأنهم أهل

الكرامة و العفو، و بعبارة ثالثة ان الطسق مجعول بالفعل و لكنهم (ع) حللوه للناس.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (13)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (1)

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (7)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 180

الوجه الثاني- أن تحمل الروايات الدالة علي الوجوب بغير الشيعة، و أن تحمل الروايات الدالة علي عدم الوجوب بالشيعة و هذا الوجه ما اختاره السيد الاستاذ الا انه لا يمكن أن يساعد عليه لأنا استظهرنا من الروايات أن غير الشيعة لا يجوز له التصرف و لو مع أداء الخراج و سيأتي تحقيق ذلك و تفصيله في البحث الآتي.

الوجه الثالث أن تحمل الروايات الدالة علي الوجوب علي زمان الحضور و علي كونه مبسوط اليد، و أن تحمل الروايات الدالة علي عدم الوجوب علي زمان غيبته عليه السّلام أو لم تكن يده الشريفة مبسوطة. و محصل الكلام أن مقتضي الروايات وجوب الخراج وضعا و عدم وجوبه تكليفا، و ان شئت قلت أن المستفاد منها عدم الوجوب في زمان عدم بسط يد الامام يكون غائبا او حاضرا غير مبسوط اليد.

الجهة الخامسة انه هل الحكم بالاباحة يختص بالشيعة أم يعم غيرهم.

أفاد السيد الاستاذ دام ظله أن مقتضي بعض الروايات و ان كان عدم الاباحة لغير الشيعة. و لكن ما يدل علي الجواز و الاباحة أظهر مما يدل علي عدم الجواز فيقدم عليه.

فنقول: انا نذكر الروايات التي تدل علي عدم الجواز و كذا لروايات التي تدل علي الجواز حتي يتبين ما هو الحق فان الروايات الدالة علي عدم جواز تصرف غير الشيعة كثيرة.

(منها) قوله عليه السّلام: (و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الارض فهم

فيه محللون، و محلل لهم ذلك الي أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة) «1»

و (منها) قوله عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (12)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 181

إلينا حقنا، ألا و إن شيعتنا من ذلك و آبائهم في حل «1»

و (منها) قوله عليه السّلام: (الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الا انا أحللنا من ذلك) «2»

و غير ذلك من الروايات، و ان شئت التفصيل فراجع الي كتاب الوسائل، الجزء (6) كتاب الخمس، أبواب الانفال و ما يختص بالامام و أما الروايات التي تدل علي الجواز فهي أيضا كثيرة، و نحن نذكر بعضها.

منها ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه اليه أحد، أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله «3» و هذه الرواية تامة دلالة، الا انها ضعيفة بنوفلي فتكون ساقطة عن الاعتبار.

و منها ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصاري، قال ليس به بأس الي أن قال: و أيما قوم أحيوا شيئا من الارض أو عملوه فهم أحق بها و هي لهم «4»

تقريب الاستدلال بها- بانه يمكن أن يستدل بصدر الرواية لإثبات

المدعي، بتقريب أن السؤال يكون عن حكم اشتراء الارض عن اليهود و النصاري، فيكون مالكيتهم لها أمرا مفروغا عنها، الا ان هذا التقريب لا يساعد عليه، لان كونهم مالكين للأرض لا يدل علي أنهم ما لكون لها بالاحياء، لان سبب التملك لا ينحصر به، بل هو أحد اسبابه، فيمكن أن يكونوا مالكين لها بالاسباب المقررة عندهم، هذا اذا استدل

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (1)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (4) من أبواب الانفال، الحديث (7)

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) من أبواب احياء الموات.

(4)- الوسائل الجزء (17) الباب (2) الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 182

بصدر الرواية.

و يمكن أن يستدل بذيل الرواية، و هو قوله عليه السّلام: (و أيما قوم أحيوا شيئا … )

فان اطلاقه يشمل كل أحد أحيا الارض سواء كان شيعيا أو يهوديا، أو نصرانيا أو غيرهم، و هذا التقريب و ان كان تاما في حد نفسه الا أن الروايات المتقدمة الدالة علي عدم الجواز بالنسبة الي غير الشيعة تقيد الاطلاقات الدالة علي حصول الملك لغير الشيعي أيضا.

فتلخص أن غير الشيعي لا يجوز له التصرف في الاراضي الموات بالاصالة، لعدم كونهم مأذونين من ناحية الامام عليه السّلام.

[أما القسم الثاني الأراضي العامرة بالأصالة]
اشارة

ثم انه يقع الكلام في الاراضي العامرة بالاصالة، و البحث عنها أيضا تكون من جهات

[الجهة] الاولي- ان الاراضي العامرة بالاصالة ملك للإمام أم لا؟

و استدل بكونها للإمام بوجوه.

(الاول) ما أفاده المرزا النائني (قدس سره) بأن الاراضي العامرة بالاصالة، كأطراف الشطوط و سواحل البحار و الاجام و الغابات تكون للإمام عليه السّلام، و الدليل علي ذلك قوله: كل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام.

و الجواب عنه- ان الجملة المستدلة بها لم يثبت كونها من الروايات الصادرة عن المعصومين (ع)، حتي يتمسك باطلاقها بل الظاهر انها من أقوال الفقهاء فلا يعتمد عليها.

(الثاني) مرسلة حماد بن عيسي عن العبد الصالح عليه السّلام و الانفال كل أرض خربة باد أهلها، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و لكن صالحوا صلحا، و أعطوا بأيديهم علي غير قتال، و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الاجام و كل أرض ميتة لا رب لها … ) «1» و الحديث طويل قد أخذنا منه موضع الحاجة.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 183

بتقريب ان الاجام تكون من الانفال فهي للإمام عليه السّلام و كذا يستفاد ذلك من قول أبي جعفر عليه السّلام: حيث قال: لنا الانفال قلت: و ما الانفال؟ قال: منها المعادن و الاجام … ) «1»

و اورد عليه بأن كون الاجام من الانفال لا يدل علي كون الاراضي العامرة بالاصالة للإمام، لان الاجام لا تكون منها، بل هي من الاراضي الموات.

و الجواب عنه (اولا) انا لا نسلم كون الاجام بتمامها ميتة. حتي تكون خارجة عن المبحث، بل هي من المعمرات بالاصالة و ينتفع به الناس كثيرا كما هو يشاهد بالعيان.

________________________________________

قمّي، سيد تقي

طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 183

و لكن الذي يسهل الخطب أن يقال: ان الروايتين اللتين جعلت فيهما الاجام من الانفال ضعيفتان من جهة السند بالارسال و لا يمكن الاعتماد عليها.

و (ثانيا) أن الدليل أخص من المدعي. لان كون خصوص الاجام من الانفال لا يستلزم أن تكون الا راضي العامرة بالاصالة كلها له عليه السّلام لأنها ليست كلها آجاما بل قد تكون هي، و قد تكون غيرها من الاراضي فهذا الدليل لا يتم الا بعدم القول بالفصل، و لكنه ليس دليلا كما هو واضح.

(الثالث) العمومات الدالة علي أن الارض العامرة بالاصالة للإمام و هي كثيرة.

(منها) ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبيه عن فضالة بن أيوب، عن ابان بن عثمان، عن اسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال، فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا رب لها … ) «2»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (28)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (20).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 184

فهذه الرواية تشمل بعمومها علي ان كل أرض لا رب لها للإمام سواء كانت ميتة بالاصالة أو عامرة.

و (منها) ما عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام قال لنا الانفال قلت: و ما الانفال قال: منها المعادن و الاجام و كل أرض لا رب لها

«1» و هذه الرواية تامة دلالة الا أنها مرسلة فلا يعتمد عليها.

و (منها) ما رواه أبو خالد الكابلي عن ابي جعفر عليه السّلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السّلام ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و اهل بيتي الذين أورثنا الارض و نحن المتقون، و الارض كلها لنا … ) «2»

فتلخص أن المستفاد من اطلاقات الروايات كون الاراضي العامرة بالاصالة للإمام عليه السّلام، فمقام الاقتضاء يكون تاما فلا بد أن يبحث عن وجود المانع و عدمه، و اما المانع فليس في المقام الا ما نسب الي صاحب الجواهر (قدس سره) حيث ذهب ان هذه العمومات يخصص بمفهوم بعض الاخبار الدالة علي أن الارض اذا لم تكن ميتة لم يكن للإمام كمرسلة حماد بن عيسي حيث سئل عن الانفال، قال عليه السّلام:

كل ارض ميتة لا رب لها … ) «3»

و اورد عليه الشيخ بانه اذا سلمنا ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز لا نسلم مفهومه في المقام، لان الظاهر ورود الوصف مورد الغالب و الغالب في الارض التي لا مالك لها كونها مواتا و انكر السيد الاستاذ كون غالب الاراضي مواتا و لكنه غير قابل للإنكار، و الذي يسهل الخطب أن هذه الرواية مرسلة فيسقط عن الاعتبار و ان كان بعض الروايات الصحيحة الواردة في المقام بمضمونها الا انه لا يمكن

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الأنفال، الحديث (28).

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (3) من أبواب احياء الموات، الحديث (2).

(3)- وسائل الشيعة، الجزء (6) الباب (1) من أبواب الانفال، الحديث (4).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 185

الالتزام بحجية مفهوم الوصف كما حققناه في الاصول.

و أورد عليه

المرزا النائني (قدس سره) بأن الوصف و ان لم يكن واردا مورد الغالب، لكن مع ذلك ليس للتقييد مجال، لان مورد حمل المطلق علي المقيد انما هو فيما اذا ثبت وحدة المطلوب من الدليلين و ذلك عند ما اذا كان المطلوب هو صرف الوجود كما في قوله: (اعتق رقبة و اعتق رقبة مؤمنة) و أما اذا كان المطلوب علي نحو الطبيعة السارية المقتضية للعموم.

و بعبارة واضحة اذا كان المطلوب مطلق الوجود فلا موجب لتقييد اطلاقه كما في قوله: أكرم هاشميا فلا موجب لتقييد اطلاقه بقوله: (اكرم هاشميا عالما بل يؤخذ بكل منهما، و ما نحن فيه من هذا القبيل حيث لا منافاة بين كون مطلق الارض التي لا رب لها للإمام و بين كون الموات أيضا له عليه السّلام فلا وجه لحمل أحدهما علي الاخر.

و يرد عليه انه اذا فرضنا أن الوصف له مفهوم، و يكون في مقام الاحتراز فيوجد التنافي بين المطلق و المقيد، و أما ما ذهب اليه النائني فهو يرجع الي انكار مفهوم الوصف و هذا خلاف المفروض.

و أورد النائني (رحمه اللّه) ثانيا علي الشيخ بأنا لا نسلم أن وصف الميتة تكون في مقام بيان حكم أراضي الموات بالاصل، بان الغالب في الارض التي لا مالك لها تكون مواتا، بل الظاهر انه في مقام بيان حكم ما عرضه الموت بانه علي قسمين قسم له مالك معلوم، و قسم لا يعلم له صاحب، و أن حكم ما لا رب له انه للإمام عليه السّلام و حينئذ ينبغي أن يقال: ان هذا القيد أعني كونه مما لا رب لها وارد مورد الغالب، لا أن التقييد بالميتة وارد مورد الغالب اذ هو لبيان الموضوع كما

هو الظاهر.

(و يرد عليه) ان القيدين كلاهما وردا مورد الغالب و كلاهما وصفان للموضوع، و كون القيد الثاني بلا حرف عاطف لا يضر في كونه قيدا للموضوع، فتحصل أن مقتضي العمومات كون الاراضي العامرة بالاصالة للإمام عليه السّلام.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 186

الجهة الثانية انها تملك الاراضي العامرة بالحيازة أم لا؟

و استدل علي ذلك بروايات.

منها قوله عليه السلام: من سبق الي ما لا يسبقه اليه مسلم فهو أحق به «1»

و يرد عليه سندا، و دلالة، أما سندا فهي مخدوشة بارسالها، و أما دلالة فهي تدل علي كونه أحق بها، و أما الملكية فلا يستفاد منها كما هو واضح.

و (منها) قوله: (من استولي علي شي ء منه فهو له) «2» أفاد السيد الاستاذ في الدورتين من درسه أن سند هذه الرواية لا بأس به.

و يرد عليه ان علي بن حسن وقع في سندها و الظاهر انه علي بن حسن الفضال.

و سند الشيخ اليه ضعيف في كتابيه من الفهرست و المشيخة، لوقوع علي بن محمد ابن زبير في طريقه و هو ضعيف فتكون الرواية ضعيفة سندا.

و أورد السيد الاستاذ علي الدلالة بعد تصحيح سندها بأن هذه الرواية لا تدل علي حصول الملك لمن استولي علي هذه الاراضي فانها ملك للإمام، و لا يجوز التصرف في ملك الغير و لا يقاس المقام بما تقدم بأن نفس الروايات الدالة علي التملك بالاحياء كما تدل علي كون المتصرف مأذونا كذلك تدل علي أنه يجوز التصرف لمن استولي عليها و هو مالك لها.

و السر في ذلك أن حكم الاحياء و جواز التصرف تعلق بشخص ملك الامام بقوله عليه السّلام من أحيا أرضا … )

و أما المقام فليس كذلك لان الحكم بأحقية من سبق اليها تعلق ب موضوع

______________________________

(1)- مستدرك،

الجزء (3) كتاب احياء الموات، الصفحة (149)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (8) من أبواب ميراث الازواج الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 187

كلي، فالاراضي التي هي معمورة بالاصالة و ملك للإمام هل مصداق لهذا الكلي حتي يكون الاستيلاء عليها موجبة لان يكون المستولي أحق بها أم لا و هذا أول الكلام، و التمسك بالروايات لإثبات أنه مصداق له تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و يرد عليه ان الرواية لو أغمضنا عن ضعف سندها فلا مانع من دلالتها علي الحكم الوضعي كما ذكرناه سابقا فانه لا ملازمة بين الوضع و التكليف.

و التحقيق في المقام أن يقال: ان البحث قد يقع بالنظر الي القاعدة و قد يقع بالنظر الي الروايات.

أما علي القاعدة فلا يجوز التصرف في هذه الاراضي فانه حرام وضعا و تكليفا لأنها ملك للإمام عليه السّلام و لا يجوز التصرف فيه الا باذنه و أيضا بمقتضي القاعدة لا تنتقل الي ملك المتصرف لأصالة عدم الانتقال.

و أما الروايات فلا بد أن يبحث عن مقتضاها و نحن نذكرها حتي يتضح الحال.

(منها) قوله: (من استولي علي شي ء منه فهو له) «1»

و قد بينا ضعفها سندا، أما دلالة فمخدوشة أيضا لان الظاهر من قوله عليه السّلام (من استولي علي شي ء منه) ان الضمير راجع الي اثاث البيت الراجعة الي الزوج و الزوجة فلا تدل علي حصول الملكية بالاستيلاء، و هذا ليس من جهة أن المورد مخصص فانه خلاف التحقيق بل من جهة أن الرواية لا اقتضاء فيها أزيد من هذا فتكون الرواية دالة علي كون الاستيلاء امارة علي الملكية في مورد خاص.

الثانية قوله عليه السّلام: (من سبق الي ما لا يسبقه اليه مسلم فهو أحق به «2» و

هذه الرواية مرسلة كما قد بينا آنفا.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الصفحة (525) الحديث (3)

(2)- مستدرك، الجزء (3) كتاب احياء الموات، الصفحة (149)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 188

و أما الدلالة فهي لا تدل علي أزيد من ثبوت الاحقية لمن سبق مضافا بأنه لا يحل التصرف في ملك الغير.

(الثالثة) ما عن علي عليه السلام قال: (للعين ما رأت و لليد ما أخذت) «1» و هذه الرواية تارة يقع الكلام فيها من حيث السند و أخري من حيث الدلالة أما من حيث السند فهي مخدوشة من جهة وقوع نوفلي فيها، و اعتمد السيد الاستاذ علي هذه الرواية باعتبار وقوع نوفلي في اسناد كتاب كامل الزيارات و لكنا ناقشنا فيما افاده و بينا أن كون شخص في أسناد هذا الكتاب علي نحو الاطلاق لا أثر له فالرواية ساقطة من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فانه يرد علي الروايات الثلاثة بعد الاغماض عن ضعف سندها، و بعد تسليم دلالتها علي أن الاستيلاء و الاستباق أو الاخذ أسباب لحصول الملكية انها انما تكون كذلك بالنسبة الي المباحات، و أما الاستيلاء علي مال الغير فلا شبهة في أنه لا يكون مملكا، و المفروض أن الاراضي العامرة بالاصالة للإمام (عليه السلام) هذا كله بحسب الروايات، الا أن السيرة قائمة علي أن المتصرف في هذه الاراضي يكون مالكا لها من غير استنكار عند المتشرعة بل هو من مسلمات الفقه.

و أما ادعاء قيام السيرة بالنسبة الي العامة بأن يكون التصرف منهم أيضا مملكا لها فهو غير مسلم عندنا، و علي فرض قيامها تكون الروايات الواردة في المقام رادعة لها.

(الجهة الثالثة) انه هل يجب علي الشيعي اعطاء الخراج أم لا؟

أقول: ان مقتضي النصوص الدالة علي وضع الخراج علي هذه الاراضي و وجوب

دفعه علي المتصرف فيها أنه يجب علي الشيعي أيضا و لكنهم (عليهم السلام)

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (15) من أبواب اللقطة، الحديث (2).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 189

حلّلوا لشيعتهم ذلك الي أن يقوم القائم (عليه السلام) كما هو مقتضي بعض الروايات.

قال المرزا النائني (قدس سره) ان مقتضي الروايات الواردة في الباب و ان كان مختصا بخصوص الشيعة و لكنه يتمنع تخصيص الاذن بخصوص الشيعة و لذا آذنوها لكل من أحياها، فان حكمة الاذن و ان كانت مختصة بالشيعة لتطيب ولادتهم و تحل مساكنهم و مناكحهم الا أن الحكم عام لكل من أحياها لان الحليه للشيعة يتوقف علي الحلية لكل من أحياها، و الا لا يترتب عليه الغرض فان الارض التي لم يحييها الشيعة لو لم تكن ملكا لمحييها لما جاز. للشيعة أن يتصرف في غلاتها.

و يرد عليه (ان المستفاد من الادلة هو الاذن للشيعة فقط و أما غيرهم فلا تساعده الروايات.

و أما قوله: (لو لم يكن ملكا لمحييها لما جاز للشيعة أن يتصرف في غلاتها) فممنوع لان الزرع للزارع و لو كان غاصبا في المزرعة فاذا كانت للشيعة سلطة مقتدرة عليهم فلا بد أن تأخذ منهم بالقهر و الغلبة، و الا فيؤخذ منهم بالبيع الصوري.

و ملخص الكلام انه لا يترتب محذور علي عدم كون غير الشيعة مالكا للأرض لان الشيعة اذا كان قادرا علي أن يأخذ الارض من غير الشيعي يأخذها و ان لم يكن قادرا فيشتريها منه بالاشتراء الصوري هذا بالنسبة الي نفس رقبة الارض، و أما بالنسبة الي الزرع فانه للزارع و ان كان غاصبا فلا محذور في هذا الحكم و لم يتوجه حرج بالنسبة الي الشيعة.

الجهة الرابعة في أن الاراضي التي عرضها الموت بعد الاحياء و أحياها معمر آخر هل تبقي في ملك معمرها أو تخرج عن ملكه و تصير ملكا للمحيي الثاني فيه

قولان، و استدل علي

كونها للأول بوجهين.

(الاول) بقوله صلي اللّه عليه و آله: (من أحيا أرضا ميتة فهي له). «1»

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) احياء الموات، الحديث (5 و 6).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 190

و يرد عليه- بأن هذه الرواية لا دلالة فيها علي كون الارض للمحيي الاول، لان المفروض أن الثاني أيضا محيي لها فالاستدلال بالرواية لإثبات المالكية للمحيي الاول ترجيح بلا مرجح الا أن يقال: بأن المفهوم من الرواية بحسب الفهم العرفي أن الارض غير المملوكة تصير مملوكة بالاحياء.

(الثاني) بالاستصحاب بتقريب ان الملك للعامر الاول قبل عروض الموات عليها و قبل احياء الثاني لها فاذا عرض الموت عليها و صار احياء بيد الثاني فنشك بأنها خرجت عن ملك الاول أم لا؟ فتستصحب ملكية الاول.

و أورد عليه بأن الاستصحاب لا يجري في المقام لكون الشك في الموضوع فانه غير معلوم حتي يستصحب.

و يرد عليه أن الموضوع أمر معلوم و هي الارض و أما الحياة فليست حيثية تقييدية حتي يكون الموضوع مشكوكا بانتفائها.

و اورد عليه ثانيا بأن ثبوت مقتضي الملكية للمعمر الاول مشكوك فيه فيكون الشك فيه من قبيل الشك في المقتضي و معه لا يجري الاستصحاب كما حقق في محله.

و الجواب عنه اولا ان المقام ليس من قبيل الشك في المقتضي بل المقتضي موجود ان لم يمنع عنه مانع من الخارج بعبارة أخري أن الاقتضاء بالنسبة الي بعد عروض الخراب معلوم ان لم يمنع عنه احياء المعمر الثاني.

و ثانيا قد بينا في الاصول أن الاستصحاب حجة سواء كان الشك في المقتضي أو في المانع و لكن الحق عدم جريان الاستصحاب لكونه معارضا بعدم الجعل، الزائد عن المقدار المعلوم.

و التحقيق أن يقال: ان الروايات في المقام

علي طوائف ثلاث.

(الطائفة الاولي) ما دل علي وجوب رد الارض الي صاحبها و هو ما رواه سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي الارض

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 191

الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت: فان كان يعرف صاحبها، فليئود اليه حقه) «1»

الطائفة الثانية ما دل علي أن الارض للمعمر الثاني و هو ما رواه معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أيما رجل أتي خربة بائرة فاستخرجها و كري أنهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة، فان كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فان الارض للّه و لمن عمرها. «2»

الطائفة الثالثة ما دل علي أن الثاني أحق بها من الذي تركها فيما يكون ملكية الاول بالاحياء و هو ما رواه أبو خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و هو قوله عليه السّلام و الارض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليئود خراجها الي الامام من أهل بيتي و له ما أكل منها فان تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها فهو أحق بها من الذي تركها فليئود خراجها الي الامام من أهل بيتي … ) «3»

ربما يقال: بأن رواية أبي خالد مخدوشة من حيث السند لاشتراكه بين الصغير و الكبير هذا أولا.

و ثانيا انه غير موثق و سند توثيقه ضعيف.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (3) من أبواب احياء الموات، الحديث (3)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (3) من أبواب احيا الموات، الحديث (1)

(3)-

وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (3) من أبواب احيا الموات، الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 192

و الجواب أما عن الاشتراك فعلي فرض التعدد ينصرف المطلق الي الكبير كما قالوا بذلك في أبي بصير، و أما من حيث التوثيق فيكفي في توثيقه ما رواه الكشي بأنه من حواري علي بن حسين و هذا اللفظ يدل علي أن هذا الرجل كامل بل له الكمال كل الكمال الا ان في سند رواية الكشي اشكالا.

قد يقال: بان رواية سليمان بن خالد الدالة علي رد الارض الي صاحبها بقول مطلق سواء كان مالكا لها بالاحياء أو بغير الاحياء تدل علي كون الارض للعامر الاول كما أن رواية ابن وهب تدل علي كون الارض للعامر الثاني كذلك فيقع التعارض بينهما بالتباين.

و أما رواية أبي خالد فهي تدل علي كون الارض للعامر الثاني فيما يكون ملكية المالك الاول بالاحياء فتكون النسبة بينها و بين رواية سليمان بالعموم و الخصوص و مقتضي القاعدة أن العام يخصص بالخاص فتنقلب نسبة رواية مع رواية ابن وهب من التباين الي العموم المطلق فتخصص العام بالخاص فتكون النتيجة التفصيل بين أن تكون ملكية الاول بالاحياء فيكون الثاني أحق و الا فالاول.

و هذا الجمع يترتب علي صحة انقلاب النسبة كما عليه الاستاذ و استاذه النائني (قدس سره).

و اما علي المختار من عدم صحته فيسقط هذا الجمع من أصله فلا بد أن يجمع بين الروايات بوجه آخر، و هو انه اذا ورد عام و جاء بعده مخصصان نسبة أحد المخصصين الي الاخر عموم مطلق، و كلاهما خاصان بالنسبة الي العام، و ذلك كما اذا قال المولي:

اكرم العلماء و قال بعد ذلك لا تكرم الفساق منهم، و لا

تكرم شارب الخمر منهم فان كلا المخصصين راجعان الي العام فيخصص بكلا المخصصين، فتكون النتيجة حرمة اكرام شارب الخمر و مطلق الفاسق اذا عرفت ذلك فنقول:

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 193

ان ما نحن فيه من هذا القبيل فان رواية ابن خالد الدالة علي رد الارض الي صاحبها الاول مطلق، ثم لها مخصصان، احدهما صحيحة الكابلي الدالة علي أن المحيي الاول لو ملك الارض بالاحياء ثم أخربها فأحياها المحيي الثاني تكون الارض للثاني.

و ثانيها خبر ابن وهب الدال علي أن المالك الاول لو أخرب الارض فأحياها الثاني تكون الارض للمحيي الثاني و بعد ورود هذين المخصصين تكون النتيجة أن من أحيا ارضا خربة تكون له مطلقا اعم من ان تكون ملكا لأحد أم لا غاية الامر فيما كانت ملكا للغير يشترط ان يكون الخراب مستندا الي مالكها بأن يقال عرفا: انه تركها و أخربها و أما لو لم يكن خرابها مستندا اليه بل الي علة أخري لا بد من أدائها الي صاحبها هكذا ينبغي أن يجمع بين روايات الباب.

و ان أبيت عن ذلك نقول: بعد وقوع التعارض بين رواية سليمان و ابن وهب بالتباين يتساقطان بالمعارضة فتصل النوبة الي الاخذ برواية الكابلي، و مقتضاها أن يكون الاحياء موجبا للملكية فيما كان ملكية المالك الاول أيضا بالإحياء و في غير هذه الصورة لا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية.

هذا كله فيما يكون المحيي مسلما و أما لو لم يكن مسلما فان لم يكن احيائه للأرض موجبا للملكية فلا كلام فيه و أما علي تقدير كونه موجبا للملكية فتجري عليها أحكامها بحسب القاعدة المقررة.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 194

الكلام في الاراضي المفتوحة عنوة

قوله: (ثم ما ملكه الكفار من

الارض اما أن يسلم عليه طوعا … ) «1»

أقول: بعد الفراغ عن أقسام الارضين و بيان أحكامها يقع البحث في الاراضي المفتوحة عنوة و هي عبارة عن الاراضي التي فتحت بالقهر و الغلبة من المسلمين هذا بحسب الكبري.

و أما الصغري فما ثبت كونها من الاراضي المفتوحة عنوة هي أرض العراق في الجملة، و هي من المسلمات التي لا يعتريها الريب، كما هو مقتضي بعض الروايات «2»، بل أفاد المرزا (قدس سره) علي ما في التقرير أن الاخبار به متضافرة.

و لا يخفي عليك، ان الاراضي التي وقعت مورد الكلام انما هي ما كانت عامرة حال الفتح، و أما اذا كانت مواتا فهي للإمام عليه السّلام فيملكها من أحياها، و علي هذا لا يترتب علي هذا البحث ثمرة عملية لعدم احراز كون الاراضي التي بيد الناس عامرة حال الفتح حتي يترتب عليها آثارها، بل يعامل معهم معاملة الملاك بقاعدة اليد.

لا يقال: انا نعلم اجمالا بعمارة أغلب أراضي العراق حال الفتح و العلم منجز بالنسبة الي أطرافه.

لأنا نقول: ان هذا العلم لا اثر له لعدم كون جميع أطرافه محلا لابتلاء

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (162) السطر (3)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (18) من أبواب احياء الموات، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 195

لوضوح عدم كون جميع أراضي العراق محلا لابتلاء كل واحد من المكلفين.

ان قلت: انا نحكم بكون هذه الاراضي عامرة حال الفتح باجراء اصالة عدم كونها للإمام فاذا لم تكن للإمام فلازمه كونها عامرة حال الفتح فتكون للإمام عليه السلام.

قلت: اولا لا اصل في المقام يقتضي عدم كون الارض للإمام بل الارض كلها له عليه السّلام و اخراجها عن ملكه يحتاج الي دليل مخرج.

و (ثانيا) ان اصالة

عدم كونها للإمام لا تثبت المدعي الاعلي نحو الاصل المثبت و قد بينا عدم حجيته في الاصول.

و الحاصل ان الاراضي المذكورة يجوز للناس أن يتصرفوا فيها و يعاملوا معها معاملة ملكهم، فانها بجميعها ملك للأئمة عليهم السلام و لكنهم حللوا لشيعتهم.

فتلخص أن احراز الاراضي المفتوحة عنوة في الخارج و تعيين مصداقها أمر مشكل، بل يمكن أن يدعي عدم امكانه، نعم لو فرض احراز عمارة أرض خاصة حال الفتح بالوجدان أو بالاصل أو لم يحتمل عروض الموت لها أصلا، بل علم بقائها بحال الاول فتجري فيها الاقوال الآتية.

و الحاصل أن الاراضي المفتوحة عنوة لا يترتب علي البحث عنها اثر عملي بل له أثر علمي فقط، الا انا نبحث عنها تبعا للشيخ (قدس سره) و نقول: ان ما ملكه الكفار بعد سلطة المسلمين عليهم اما تكون يدهم ثابتة بصلح مع المسلمين علي أن تكون الاراضي لهم أو تكون للمسلمين و لكن تبقي تحت يدهم بأن يدفعوا اخراجها للمسلمين، و اما تكون يدهم ثابتة عليها باسلامهم، و اما لم تكن يدهم ثابتة عليها بانجلائهم، أو بموتهم بغير وارث، ففي هاتين الصورتين تكون الاراضي للإمام.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 196

و أما اذا لم تكن يدهم ثابتة بقهر من المسلمين فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة كالنخل، و الاشجار تكون للمسلمين فلا يجوز بيعه، كما يستفاد ذلك من الاخبار المستفيضة و نحن نذكر بعضها.

(منها) ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الصفار، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيي، عن أبي بردة بن رجا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام كيف تري في شراء أرض الخراج؟

قال: و من يبيع ذلك هي أرض المسلمين، قال: قلت يبيعها

الذي هي في يده، قال: و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال: لا باس اشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه، و لعله يكون أقوي عليها و أملي بخراجهم منه) «1» و هذه الرواية ضعيفة بأبي بردة بن رجا فانه غير موثق عند الاصحاب.

و (منها) مرسلة حماد بن عيسي، عن أبي الحسن عليه السّلام في حديث قال:

يؤخذ الخمس من الغنائم (الي أن قال:) و ليس لمن قاتل شي ء من الارضين و لا ما غلبوا عليه الا ما احتوي عليه العسكر، و ليس للأعراب من الغنيمة شي ء و ان قاتلوا مع الامام، لان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صالح الاعراب أن يدعهم في ديارهم و لأيها جروا علي أنه ان دهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من عدوه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم، و ليس لهم في الغنيمة نصيب، و سنته جارية فيهم و في غيرهم.

و الارضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها، و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين علي قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرهم

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (11) الباب (71) من أبواب جهاد العدو، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 197

(الي أن قال):

و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمال الارض و اكرتها فيدفع اليهم انصباؤهم علي ما صالحهم عليه، و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه علي دين اللّه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و

غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير) «1». و هذه الرواية مرسلة فلا تشملها أدلة حجية الخبر.

و (منها) ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان ابن يحيي، عن ابن مسكان، عن محمد الحلبي قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟

فقال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين.

قال: لا يصلح الا أن تشري منهم علي أن يصيرها للمسلمين فاذا شاء ولي الامر أن يأخذها أخذها قلت: فان أخذها منه.

قال: يرد عليه رأس ماله و له ما أكل من غلتها بما عمل «2».

و هذه الرواية تامة سندا و دلالة.

و (منها) ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشتري «اكتري خ ل» أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج و أهلها كارهون،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (11) الباب (41) من أبواب جهاد العدو، الحديث (2)

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب (21) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (4).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 198

و انما يقبلها من السلطان لعجز أهلها أو غير عجز.

فقال: اذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها الا ان يضاروا، و ان اعطيتهم شيئا فسخت أنفس اهلها لكم فخذوها.

قال: و سألته عن رجل اشتري ارضا من ارض الخراج فبني بها أو لم يبن غير ان اناسا من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم اجرة البيوت اذا أدوا جزية رءوسهم؟

قال يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال «1» بتقريب انه لو لا الشرط لا يحل أخذ

شي ء منهم و فيه ما لا يخفي.

و (منها) ما رواه محمد بن الحسن عن الحسن بن محبوب: عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تشتر من أرض السواد «أراضي أهل السواد» شيئا الا من كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين «2».

بتقريب أنه عليه السّلام نهي عن اشتراء أرض السواد الا ممن كانت له ذمة فيجوز الاشتراء منهم لاحتمال أن المسلمين صالحوا معهم علي أن تكون الارض لهم فتكون ملكا شخصية لهم و أما غيرهم فلا يجوز الاشتراء منهم كما هو ظاهر الرواية.

و (منها) ما رواه محمد بن شريح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الارض من أرض الخراج فكرهه، و قال: انما أرض الخراج للمسلمين، فقالوا له: فانه يشتريها الرجل و عليه خراجها فقال: لا بأس الا أن يستحيي من عيب ذلك). «3»

بتقريب ان الملك الذي أرضه غير مملوكة و يؤخذ بازائها خراج ملك

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب (21) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (10).

(2)- وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب (21) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (5).

(3)- الوسائل الجزء (12) ص 275 الحديث (9)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 199

معيوب.

هذه هي الروايات التي ذكرها الشيخ (قدس سره) لإثبات ان الاراضي المذكورة للمسلمين فلا يجوز بيعه، و بعض هذه الروايات و ان كانت مخدوشة الا أن في صحيحها غني و كفاية.

مضافا الي الروايات أن مقتضي الاصول العملية أيضا عدم جواز بيع و شراء أراضي المفتوحة عنوة كما هو واضح و أما التصرفات الاخري ففي جوازها و عدمه ستة أقوال:

(الاول) حلية التصرف فيها من دون حاجة الي اذن الامام

عليه السّلام مستندا ذلك الي ادلة أخبار تحليل الاراضي للشيعة بقوله: (ما لنا فهو لشيعتنا) فلا يحتاج الي الاذن بعد كونها محللة لهم.

و يرد عليه ان أخبار التحليل انما هي واردة في خصوص الاراضي المتعلقة للإمام لا غير، و الا يلزم جواز التصرف في أموال الناس من دورهم و دكاكينهم بدون اذنهم و هذا واضح الفساد هذا أولا.

و ثانيا أن الاراضي التي هي محللة للشيعة انما هي الاراضي التي لا يجب فيها الخراج بخلاف الاراضي الخراجية فانها تغاير الاراضي المحللة موضوعا و حكما فلا تشملها الروايات الواردة في الاراضي المحللة.

(الثاني) التفصيل بين ما بقي عامرة حال حياتها و بين ما عرض لها الموت فيجوز التصرف بالاحياء فيما عرض له الموت بدون اذنه، و في غيره بالاذن مستندا الي قوله: (من أحيا أرضا فهي له) «1».

و هذا التفصيل بمعزل عن الصواب، لان أدلة الاحياء متكفلة لبيان سببية الاحياء

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب (1) من أبواب احياء الموات، الحديث (5).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 200

لحصول الملك، و أما كونه مشروطا بشي ء و عدمه لا تتعرض الروايات لها، و بعبارة أخري أن ادلة الاحياء لا تحلل للمحيي مال الغير، لذا لا يخصص قوله (لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه فبما أن هذه الاراضي تكون للمسلمين فلا تشملها هذه الادلة.

(الثالث) جواز التصرف بشرط الاستيذان من الحاكم دون غيره من باب كونه وليا أو من باب كونه قدر متيقن، و هذا الوجه بظاهره متين جدا.

(الرابع) التفصيل بين كونهم مستحقين اجرة هذه الارض و بين غيرهم فذهبوا بجواز التصرف في الاول دون الثاني.

و فيه- ان هذا التفصيل لا وجه له لان الاجرة ليست ملكا شخصيا حتي لا يحتاج

الي الاذن لأنها تكون لعموم المسلمين بلا فرق في ذلك بين المستحقين و غيرهم.

هذا اولا.

و (ثانيا) انه لو سلم كونها ملكا شخصيا و لكنه لا ينافي اشتراط التصرف باذنه عليه السلام.

(الخامس) التفصيل بين كونها عامرة حال الفتح و بينما كانت مواتا فذهبوا الي لجواز في الصورة الثانية. لكن لو لم تكن الارض عامرة حال الفتح لكانت خارجة عن الارض المفتوحة عنوة كما لا يخفي.

(السادس) ما أفاده المرزا النائني (قدس سره) و هو التفصيل بينما اذا لزم من المراجعة الي الحاكم حرج نوعي و بينما اذا لم يلزم ذلك فعلي الاول لا يحتاج الي اذن الحاكم الشرعي لاستلزامه الحرج النوعي بل يكفي الاذن عن ولاة الجور بخلاف الثاني فانه يشترط فيه اذن الحاكم الشرعي.

و يرد عليه ان ذلك التفصيل علي تقدير تسليمه انما كان صحيحا في عصر الخلفاء فانه يمكن ان يلتزم بجواز قبول الخراج و المقاسمة من ولاة الجور لقيام ظاهر الإسلام بهم، و اما في عصرنا الحاضر لا يمكن الالتزام به و يمكن ان يطلع المتتبع علي اقوال اخر أيضا في المقام.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 201

[مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]
البحث في الوقف
اشارة

قوله: «و اعلم انه ذكر الفاضلان … » «1».

اقول: ذكر الفاضلان اي العلامة و المحقق و جمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين ان يكون طلقا بأن يكون للمالك تمام السلطنة علي الملك فيما يشاء من بيعه و اجارته و ساير تصرفاته في ذلك علي ما يشاء و كيف يشاء. و فرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثني و لا الرهن الا باذن المرتهن و لا بيع أمّ الولد الا فيما استثني.

و قد فرع عليه بعض معاصري الشيخ ازيد من عشرين من الحقوق المانعة

كالنذر المتعلق بالعين قبل البيع و الخيار المتعلق به و الارتداد و حق الشفعة و غيرها من الحقوق المانعة عن صحة البيع من أراد أن يطلع عليها فليراجع الي كلامهم.

و اورد عليه الشيخ ره ان مرجع اشتراط كون العوضين طلقا يكون الي ان المبيع يشترط فيه ان يكون جائز البيع و هذا لا محصل له لأنه من قبيل جعل الشي ء مشروطا بنفسه.

بل الظاهر ان عنوان الطلق ليس في نفسه شرطا ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف

______________________________

(1)- المكاسب صفحة (163) السطر 16 طبعة ايران.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 202

و المرهون و أمّ الولد بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق.

فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسيس شرط ليكون ما بعده متفرعا بل الامر في الفرعية و الاصالة بالعكس، فان الشرط في الحقيقة نفس انتفاء حقوق المانعة فينتزع عنه عنوان الطلق بالتبع لا ان عنوان الطلق شرط للعوضين ليتفرع عليه ما ذكر من الحقوق المانعة من البيع و غيره، هذا ملخص ما افاده الشيخ ره.

اقول ان الشرائط سواء كانت في التكليف او في الوضع ليست علي سنخ واحد و ان كان كذلك عند التسامح الا ان عند التأمل يكشف خلافه.

مثلا ان الصلاة لها شرائط فجملة منها راجعة الي مكان المصلي و اخري منها الي لباس المصلي بان لا يكون غصبيا مثلا و ثالثة الي بدن المصلي بان لا يكون نجسا مثلا فهذه الشرائط شرائط للصلاة بمعني ان وجودها مانع عن صحة الصلاة.

و الحاصل ان جميع الشرائط ترجع الي شرائط الصلاة لكن مراكز الشروط مختلفة و كذلك الامر في الوضعيات فان شرائط البيع كلها شرائط لصحة البيع و تحقق الملك

لكن ربما يكون شرطا للمتعاقدين و اخري للقصد و ثالثه للعوضين و الشرط ربما يكون بوجوده مقتضيا بحيث اذا لا يكون لم تكن المقتضي موجودا ككون البائع مالكا و ربما لا يكون كذلك بل مع عدمه يكون المقتضي موجودا لكن يشترط وجوده في تأثير المقتضي ككون البائع غير محجور عن التصرف و في المقام لا مانع ثبوتا من اشتراط المبيع بعدم كونه موردا للحق و يتفرع عليه بطلان ما يكون متعلق الحق و لا يتوجه عليه اشكال.

غاية الامر لا دليل عليه اثباتا فلا مانع ثبوتا ان يكون تلك الحقوق المانعة من التصرف في الملك مندرجة تحت جامع بان يكون بعنوانه مانعا لصحة البيع و عدمه شرطا لصحة البيع فيتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف و الرهن و نحوهما و هذا امر

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 203

معقول بالوجدان و لا ريب في امكانه ثبوتا الا انه لا دليل عليه اثباتا و لم يقم دليل معتبر علي عدم بيع العين التي تعلق بها حق الغير علي اطلاقه فان تعلق حق الشفعة علي المبيع لا يكون موجبا لبطلان البيع.

نعم للشفيع اعمال حق الشفعة و لو كان ذلك موجبا لبطلان البيع لما كان معني للأخذ بالشفعة لأنها فرع صحة البيع.

فتلخص ان عنوان الطلق يمكن ان يكون شرطا في العوضين ثبوتا الا انه لم يقم عليه دليل اثباتا فينبغي ان يستشكل بعدم صحة اخذ الطلقية شرطا من هذه الجهة التي بيناها، لا من جهة عدم كونه ممكنا ثبوتا، و كذلك لا تنافي بين ثبوت حق الخيار و صحة بيع العين الخياري لان اعمال حق الخيار لا يوجب بطلان البيع رأسا بل يرجع بدل المبيع الي بايعه.

ان قلته بعد فسخ

البائع الاول البيع و رجوع المبيع الي ملكه لا يمكن للبائع الثاني تسليم العين الي المشتري لعدم كونه مالكا لها علي الفرض.

قلت: سلمنا ان بعد فسخ البائع الاول لا يمكن للبائع الثاني تسليم العين الي المشتري الا انه يسلم بدلها كما هو كذلك في كل مبيع لا يمكن تسليمه، نعم لا يجب علي المشتري ان يرضي بذلك بل له الخيار.

و الحاصل ان الحقوق علي اطلاقها لا تنافي صحة البيع نعم ان بعض الحقوق كالوقف و الرهن و الارتداد و غيرها تنافيها فلا بد ان يذكر عدمها شرطا في صحة البيع.

و اما القول باشتراط الطلقية في العوضين بان لا يتعلق حق الغير له فعلي اطلاقه غير سديد كما عرفت، فان بعض الحقوق لا ينافي صحة البيع فلا يصح ان يشترط في صحة البيع انتفاء جميع الحقوق.

و اما القول باشتراط انتفاء الحقوق المانعة بخصوصها فهذا أيضا ممنوع لأنه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 204

يرجع الي اشتراط جواز البيع في المبيع و هو معني اشتراط الشي ء بنفسه.

و ربما يقال لا نسلم كون الشرائط للعوضين هي انتفاء الحقوق المانعة، بل الشرط انما هو عنوان جامع ينتزع عن الحقوق المانعة فان هذه الحقوق المانعة متفرعة عليه لأنه قد ثبت في الفلسفة ان الواحد لا يصدر إلا عن الواحد فان الصادر بما هو انه امر واحد و هو صحة البيع فيكشف هذا عن وحدة المؤثر و هو الجامع.

و فيه اولا ان هذا البرهان علي فرض تماميته انما يتم في الواحد الشخصي.

و اما الواحد النوعي فلا اشكال في صدوره عن الكثير فان الحرارة تصدر مرة عن الحركة و اخري عن الغضب و ثالثة عن الشهوة و رابعة عن الخجل و خامسة عن

النار و سادسة عن قوة الالكتريكية و لا جامع بينها اصلا، لأنه ثبت في محله ان الاجناس العالية لا جامع بينها بل هي من المتباينات، و هذه المذكورات ليست لها جامع نوعي كما واضح عند التأمل.

و ثانيا ان هذه القاعدة انما تكون في الامور التكوينية. و اما الامور الاعتبارية فانها تابعة لاعتبار معتبرها و هي خفيف المئونة فيمكن ان يعتبر صدور الكثير عن الواحد في عالم الاعتبار و لا يلزم اي محذور منه ابدا و ان شئت قلت انه ليس للأمر الاعتباري الا اعتبار معتبره فلا موضوع لهذا الاشكال.

مسألة [عدم جواز بيع الوقف في الجملة]
اشارة

قوله: «لا يجوز بيع الوقف اجماعا … » «1»

اقول: لا شبهة في عدم جواز بيع الوقف في الجملة و هذا امر لا ينكر و

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (163) السطر (33) طبعة ايران.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 205

يجد ربنا ان نتكلم في حقيقة الوقف قبل الخوض في اصل المقصود و ذكر الاستدلال عليه.

فنقول ان الوقف في اللغة بمعني السكون في قبال الحركة يقال وقف السفينة اي سكن و كذا لو قيل شغل زيد واقف اي ساكن و غيرهما من موارد الاستعمالات فكلها بمعني السكون، و من المعلوم ان الشارع لم يخترع اصطلاحا من عند نفسه، بل يتكلم مع الناس باصطلاحهم، فالمراد من الوقف في الاصطلاح الشرعي أيضا هو المعني اللغوي الذي عبر الفقهاء عنه. بتحبيس العين و تسبيل المنفعة و يؤيد هذا المعني رواية ابن جمهور عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله في الوقف حيث قال: حبس الاصل و سبل الثمرة. «1» هذا من حيث بيان الوقف موضوعا فنتكلم عن حكمه بحوله و قوته.

فنقول: افاد المرزا النائيني ره، و ارتضي الاستاذ ما افاده و حاصل كلامه:

ان الوقف علي قسمين وقف عام، و وقف خاص.

و الاول لا كلام في عدم جواز بيعه لان الوقف العام عبارة عن فك الملك و تحريره فالشي ء اذا لم يكن ملكا فلا مقتضي لبيعه.

و اما الوقف الخاص فان قلنا انه أيضا فك ملك فيكون عدم صحة البيع فيه أيضا من جهة عدم المقتضي.

و ان قلنا بانه باقي في ملك الواقف او في ملك الموقوف عليهم علي اختلاف في ذلك فالمقتضي للبيع موجود، فيكون بيعه صحيحا ما لم يمنع منه مانع و المانع في المقام هو عدم كونه طلقا فيكون المقام من صغريات ما لا يجوز بيعه لعدم كونه طلقا.

اقول: كلما تاملت ما وجدت وجها لما ذكره القوم بأن الوقف العام فك الملك و بهذا فرقوا بينه و بين الوقف الخاص و الظاهر ان هذا الفرق غير فارق لعدم

______________________________

(1)- مستدرك المجلد 2، الصفحة 511 باب 2

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 206

قيام دليل عليه، و الذي استقر عليه النظر ان يقال ان الوقف العام أيضا ملك فالحبر مثلا ملك للجهة الخيرية او المسجد ملك للجهة العبادية و كذا سائر الاوقاف العامة و هذا امر واضح. هذا اولا.

و ثانيا علي تسليم ان الوقف العام تحرير للملك و لكنا لا نسلم عدم المقتضي لبيعه و لم يقم دليل عليه من الاية او الرواية علي اعتبار الملك في صحة البيع و انما هو اصطلاح في السنة الفقهاء عدا قوله: صلي اللّه عليه و آله «1» لا تبع ما ليس عندك و هذا لا يدل علي اعتبار الملكية في المبيع و غاية ما يستفاد منه ان المبيع لا بد ان يكون امره و اختياره بيد البائع سواء كان ملكا له أم

لا.

فظهر لك مما ذكرنا انه لا يختص البحث في جواز البيع و عدمه بالوقف الخاص كما ذهب اليه القوم بل يجري في الوقف العام أيضا الا نحن نتبع القوم في ذلك و نجري النزاع في الوقف الخاص.

فنقول: اختلف العلماء في ان مقتضي الوقف حبس العين في ملك الواقف و تسبيل منفعته للموقوف عليهم او يخرج عن ملكه و يصير ملكا للموقوف عليه؟ و الذي يوافقه الفهم العرفي هو الثاني و كذا يستفاد ذلك من بعض الروايات حيث شبه الوقف فيها بالقي ء فان القي ء كما يخرج من الانسان و كذلك الوقف يكون مثله و ربما عبر في بعض الروايات انه منقطع عن واقفه.

و ما قيل: او يمكن ان يقال: في وجه بطلان بيع الوقف امور.
الاول- عموم قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

و قد تمسك به الاستاذ (دام بقائه).

بتقريب ان الوقف كما بينا سابقا عبارة عن سكون العين و تحبيسها في ملك الموقوف عليه فاذا حبس الواقف العين الموقوفة باجراء صيغة العقد يشمله قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا يجوز له أن يخرج العين عن الحبس بالبيع و نحوه لوجوب الوفاء بالعقود.

______________________________

(1)- خلاف طوسي ره، الصفحة (580)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 207

و يرد عليه ان القوم لم يلتزموا بالعمل به لإثبات وجوب الوفاء بمطلق العقود و لذا يوهن الاستدلال بها في المقام أيضا و توضيح المدعي بانه لو كان دليل أَوْفُوا مقتضيا لصحة العقد علي نحو الاطلاق و العموم يلزم انتقال الملك من المالك فيما يعتبر انتقاله الي غيره مع ابراز هذا الاعتبار و إنشائه بان يقول هذا الكتاب لزيد و لو لم يتعنون بعنوان من العناوين و هل يمكن الالتزام بهذا المعني.

مضافا بأن لنا اشكالا في كون دليل الوفاء ناظرا الي الامضاء، و ملخصه ان الاهمال في الواقع غير معقول فلا يعقل تعلق الوجوب

بكل عقد صحيح و فاسد كما ان التقييد بخصوص الفاسد غير معقول فلا بد من التقييد بخصوص الصحيح فلا بد من لحاظ الصحة في الرتبة السابقة.

الثاني- قوله: الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها

«1». و يرد عليه بأنها ليست ناظرة الي جواز بيع الوقف و عدمه بل هي تدل علي ان الوقوف تابعة لوقف الواقف فان وقف بحيث لا يجوز بيعه فيتبع و ان وقف بحيث يجوز بيعه فيتبع أيضا فكيفية الوقف انما هي بيد الواقف.

الثالث- قوله: (ع) لا يجوز شراء الوقوف

و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الي من اوقفت عليه قلت لا اعرف لها ربا قال تصدق بغلتها «2»

و ربما يقال: ان عدم جواز بيع الوقف يمكن ان يكون من جهة عدم معلومية الموقوف عليه فلا يدل علي عدم جواز بيع الوقف مطلقا.

و فيه اولا هذا خلاف لظاهر الرواية فان ظاهرها يدل علي عدم جواز بيع الوقف مطلقا.

و ثانيا انه (ع) لم يفصل في الجواب بينما كان الموقوف عليه معلوما او كان

______________________________

(1)- الوسائل، المجلد 13 ص 295 باب 2 حديث 1.

(2)- الوسائل المجلد 13 ص 303 باب 6 حديث 1.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 208

مجهولا فاطلاق الجواب يدل علي عدم جواز بيعه مطلقا.

الرابع- قوله (ع) لا يحل لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الاخر أن يبيعها و لا يبتاعها و لا يهبها و لا ينحلها و لا يغير شيئا مما و صفته عليها

«1» و هذه الرواية تدل بالصراحة علي ان المؤمن باللّه لا يبيع الوقوف.

و ربما استدل مع قطع النظر عن هذه الرواية بالإجماع لعدم جواز بيع الوقف و لكنه مردود للقطع بأنه مدركي و لا أقل من احتماله فيكفي ذلك في سقوط الاجماع عن الحجية.

و لكن عدم جواز بيع الوقف في الجملة يعد من ضروريات الفقه و مما تسالم عليه الفقهاء و لا يشك احد فيه.

[صورة وقف أمير المؤمنين]

و من الروايات التي استدل بها علي عدم جواز بيع الوقف ما عن ابي عبد اللّه (ع) قال تصدق امير المؤمنين بدار له في المدينة في بني رزيق فكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي ابن أبي طالب و هو حي سوي تصدق بداره التي في بني رزيق صدقة لا تباع و لا توهب، الخ «2».

فلهذه الرواية طريقان طريق للشيخ و هو يبلغ الي اسود بن ابي الاسود الدئلي و هو لم يوثق عند الاصحاب و طريق للصدوق و هو صحيح فالرواية تكون صحيحة و بهذا المضمون أيضا وردت رواية اخري عن عجلان ابي صالح قال: املي ابو عبد اللّه بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به فلان ابن فلان و هو حي سوي بداره التي في بني فلان بحدودها صدقة لا تباع؟؟؟ و لا توهب «3» فالرواية تامة سندا.

و اما الكلام من جهة الدلالة فوقع البحث في كلمتي لا تباع و لا توهب بانه

______________________________

(1)- الوسائل، المجلد 13 ص 314 حديث 5.

(2)- الوسائل، المجلد 13 ص 304 حديث 4

(3)- الوسائل، الصفحة 303 حديث 3

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 209

هل هما صفتان للنوع او صفتان لشخص الصدقة التي صدرت عنه (ع) احتمالان.

الاول- ان يكون الوصف صفة

لنوع الصدقة فيدل علي أن الصدقة علي نوعين قسم منها تباع و توهب و ذلك كالصدقات المندوبة و قسم منها لا تباع و لا توهب و هو الوقت.

الثاني- ان يكون صفة للشخص بان يكون شرطا خارجيا في هذه الصدقة الشخصية فاشتراط عدم البيع و الهبة تدل علي جواز بيعه و الا لما احتاج الي اشتراط العدم.

و الحق ان يقال: انه صفة للنوع و ذلك لوجوه.

الاول- ان كلمة صدقة في قوله (ع) صدقة لا تباع و لا توهب مفعول مطلق نوعي لقوله تصدق في قوله: هذا ما تصدق فيدل علي ان الصدقة علي نوعين قسم منها تباع و توهب و قسم منها لا تباع و لا توهب.

الثاني- ان كونه وصفا للشخص خلاف قانون الادب لأنه لو كان الوصف شرطا للصدقة الصادرة عنه (ع) لكان أليق بالقواعد العربية ان يذكره بعد تمام اركان العقد من الوقف و الموقوف عليه لا سيما انه شرط علي الموقوف عليه فذكر الشرط قبل من اشترط عليه خلاف قانون المحاورة.

الثالث- ان الاشتراط الخارجي يحتاج الي ذكر كلمة علي ان يكون او ذكر ادات الشرط و لم يذكر في المقام شي ء يدل علي ذلك فلا يمكن الالتزام به بمجرد الامكان الثبوتي ما لم يقم دليل عليه في مقام الاثبات.

و قد ذكر صاحب المقابيس وجها رابعا لإثبات ان الوصف صفة للنوع لا للشخص و هو ان الوصف لو جعل صفة للشخص لكان مقتضي اطلاق اشتراط عدم بيع هذا الشخص هو عدم جواز بيعه مطلقا سواء طرأ مجوز بيعه أم لا و لا يمكن الالتزام باطلاق هذا الشرط لكونه مخالفا للكتاب لمكان جواز بيعه عند طرو المجوز،

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 210

و الشرط المخالف

للكتاب لا يليق بان يصدر عن امير المؤمنين عليه السّلام فلا بد من ان يجعل وصفا للنوع حذرا عن ذاك المحذور.

و فيه انه عليه السّلام ما اوجب اشتراط عدم البيع حتي يكون مخالفا للكتاب و بعبارة اخري ان اشتراط الامام (ع) علي الموقوف عليه عدم بيع العين الموقوفة ليس منافيا لجواز البيع شرعا في بعض الموارد لأنه لم يشترط عليه ان لا يكون حكم الجواز اصلا حتي مع طرو المسوغ للبيع كي يكون مخالفا للكتاب.

و بعبارة واضحة فرق بين الجواز و بين الوقوع فان ايقاع الامر الجائز ليس واجبا كما لو باع داره من زيد و اشترط عليه بان لا يشرب الماء ساعة.

و اورد الشيخ ره علي صاحب المقابيس بوجوه ثلاثة.

(الاول)- ان اشتراط عدم البيع ينصرف الي ما عدي وجود مجوز البيع فلا يكون الشرط ح مخالفا للكتاب و هذا الايراد من الشيخ متين جدا.

(الثاني)- انه لو جعلنا الوصف صفة للنوع أيضا لاحتاج الي التقييد فان الوقف الذي لا يباع يصح بيعه عند طرو المجوز لبيعه فيكون اطلاق قوله لا تباع مخالفا للكتاب سواء كان وصفا للنوع او للشخص.

و فيه ان اشتراط النوع بوصف ان لا يباع لا يحتاج الي التقييد. و توضيحه.

ان الوقف كما بينا سابقا عبارة عن السكون و تحبيس العين فاذا انشأه الواقف امضاه دليل الاعتبار و هو قوله (ع) الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها الدال علي سكون العين حتي في صورة طرو المجوز لبيعه، الا ان دليل جواز البيع عند طرو المجوز يكون مقيدا لإطلاق دليل الامضاء بانه يختص فيما اذا لا يطرء مجوز البيع و الا يجوز تحركه عن مكانه الاول بالبيع و الاجارة و غيرهما و اما إنشاء

الواقف فليس فيه تقييد كما هو واضح.

(الثالث) انه يحتمل ان يكون صحة اطلاق الاشتراط في المقام لأجل علمه (ع)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 211

بعدم طرو مجوز بيع وقفه فلا يكون مخالفا للكتاب.

و فيه انه قد تقدم منا مرارا ان الاهمال في الواقعيات غير معقول فانه اما مطلق فعليه يرد الاشكال بانه مخالف مع الكتاب و اما مقيد فلم يذكر قيده مع ان المتكلم اذا كان مقصوده ان يقيد الكلام فلا بد ان يذكر قيده.

فالحق في الجواب ما ذكرنا- و الجواب الاول الذي افاده الشيخ و اما الجوابان الآخران من الشيخ فلا ينبغي أن يساعد عليهما كما ان ما افاده صاحب المقابيس لا يكون تاما.

[المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة]
اشارة

قال الشيخ ره و مما ذكرنا ظهران المانع عن بيع الوقف امور ثلاثة … ) «1»

اقول: لم يظهر هذه الامور الثلاثة من كلام الشيخ لان ما تقدم منه ليس الا الروايات و لا تعرض فيها بما كان الوقف مورد حق الواقف او الموقوف عليه او حق اللّه تعالي نعم بنحو الاجمال قد مر الاشارة منه بالنسبة الي بعض الحقوق المانعة. و لكنا نبحث عن هذه الامور الثلاثة مفصلا فنقول:

اما منافات بيع الوقف لحق الواقف

فلان بيعه ينافي حقه لأنه يريدان تكون العين باقية لينتفع عنه الموقوف عليه فينتفع الواقف بالفيوضات الفائضة منه تعالي و يثاب ما دام العين باقية و بيعها يوجب انتفاء تلك الفيوضات لانتفاء موضوعه و هو العين الموقوفة.

و فيه (اولا) ان هذا يكون فيما اذا كان الواقف قاصدا لذلك و اما اذا كان غافلا عنه بل قصد مطلق الثواب عن الوقف فلا يجري هذا الاستدلال فيكون الدليل اخص من المدعي.

(و ثانيا) ان انتفاء الموضوع يلزم اذا بيع العين و اكل ثمنه و اما اذا بيع ليبدل بالعين الاخري كما اذا كان الوقف كتابا فيباع ليشتري ثمنه حصيرا ليوقف للمسجد فلا يرد ما ذكرتم لان الموضوع لا ينتفي في هذه الصورة فان العين باقية و اما خصوص

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (164) السطر (10) طبعة ايران

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 212

العين التي وقع عليه إنشاء الوقف لا مدخلية في بقائه و ان المقصود من بقائها انتفاع الواقف بالفيوضات الفائضة منه تعالي و هو يحصل و لو بتبديل العين.

(و ثالثا) نفرض ان غرض الواقف يكون بقاء العين لان يثاب به ما دام باقيا لكن لا دليل في المقام يلزمنا بتأمين غرضه و تفويت غرض الواقف ليس كتفويت الحق منافيا للبيع.

ان

قلت- ان رعاية غرض الواقف لازم علينا بدليل قوله- ع- (الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها) فانه يدل علي مضي هذا المقصود في نظر الشارع أيضا.

قلت- قوله (الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها) لا يدل علي اعتبار الحق زيادة علي نفوذ الوقف فان غاية ما يستفاد منه انما هو نفوذ الوقف فقط و اما رعاية غرض الواقف زيادة علي هذا لا يستفاد من هذه الرواية هذا تمام الكلام في حق الواقف.

و اما حق اللّه تعالي باعتبار انه حقه سبحانه و تعالي و صدقة في سبيله و لذا يعتبر فيه قصد القربة فاذا كان الشي ء للّه تعالي فكيف يجوز بيعه.

و فيه- اولا نقضا بالصدقات المستحبة فانه أيضا للّه تعالي و يعتبر فيه قصد القربة و مع ذلك يجوز بيعه بل الصدقة الواجبة كذلك.

و ثانيا- حلا بعدم تسليم اعتبار قصد القربة في الوقف و هو اول الكلام و سنتكلم فيه إن شاء اللّه.

و ثالثا- ان المستفاد من الرواية عدم جواز الوقف و هذا الحكم لا شبهة فيه لكن لا بد ان لا يختلط بين الحق و الحكم فان الحكم الشرعي عدم الجواز و اما ثبوت الحق له تعالي فلا دليل عليه.

و اما حق الموقوف عليه

فان البطن اللاحق من الموقوف عليه فله ان يتلقي الوقف عن البطن السابق فبيع العين يوجب زوال حق بطون اللاحقة و هو لا يجوز.

و فيه (اولا)- ان الدليل اخص من المدعي لان البيع قد يكون لأجل التبديل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 213

بالعين الاخري فعليه ان البيع علي اطلاقه لا يوجب زوال حق البطون اللاحقة.

(و ثانيا)- ان حق تلقي الوقف للبطون اللاحقة انما يكون علي فرض وجود الموضوع و المفروض ان الموضوع ينتفي بعد بيعه الا

ان يقال ان للبطن السابق ملكية مقيدة بحيث لا يجوز له البيع فلا يجوز له ان يبيعه لعدم الملكية المطلقة له بحيث يفعل بها كيف يشاء.

و بعبارة اخري ان الواقف لم يجعل الملكية المطلقة للبطن السابق بل هي له ما دام حيا لكن نقول و ان سلمنا عدم الملكية المطلقة للبطون السابقه فان مالكيتهم للوقف يكون موقتا و لكنه لا مانع عن بيع هذا الملك الموقت.

ان قلت- ان بيع الملك الموقت ليس معهودا عند العرف فلا يشمله الادلة.

قلت- فليكن كذلك و لكنه يصدق عليه البيع و هذا كاف لشمول الادلة له.

ان قلت ان بيع الملك الموقت يكون غرريا للجهل به لأنه لا يعلم مقدار عمره.

قلت- سلمنا كونه غرريا فلا يجوز بيعه الا ان يعامل معه نتيجة البيع كالصلح مثلا فان كونه غرريا لا يضر به.

[هل الوقف بنفس البيع أو بجوازه]
اشارة

قال الشيخ ره ثم ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف الي ان يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه. «1»

اقول: قد وقع الخلاف بين الفقهاء بأن الوقف هل يبطل بالبيع او بمجرد طرو مجوزه. ذهب الي الثاني كاشف الغطاء في شرحه علي القواعد و صاحب الجواهر و السيد الاستاذ و اختار الشيخ و المرز النائيني ره القول الاول و هو المختار عندنا.

و افاد الشيخ في وجه هذا القول بانه نظير العقود الجائزة كالهبة غير المعوضة فكما ان مجرد جواز الرجوع فيها لا يكون موجبا لبطلان الهبة ما دام لا يعمل الخيار و لكنها يكون باطلا باعمال الخيار و هو انتزاعه عن يد المتهب فكذلك في المقام فان

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (164) السطر (12)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 214

مجرد طرو المجوز ما دام لم يصر فعليا لا يوجب بطلان البيع

ما دام لا يبلغ الي حد العمل و هو نفس البيع.

و فيه- انا و ان وافقنا الشيخ ره في اصل المدعي و قلنا بأن مجرد طرو مجوز البيع لا يوجب بطلان الوقف ما لم يرد عليه البيع، و لكنه لا يمكن المساعدة عليه في تنزيل المقام منزلة الهبة لان عدم جواز الرجوع لا يكون مندرجا في مفهوم الهبة بخلاف المقام فان مفهوم الوقف ينافي جواز الرجوع فان البابين ليسا من باب واحد حتي ينزل احدها منزلة الاخر، بل يكون هذا كإذن المرتهن في بيعه فان نفس اذن المرتهن لا يوجب خروج العين عن الرهن فكذلك في المقام.

فما يمكن ان يقال في وجه ما ذهب اليه كاشف الغطاء و من وافقه ان جواز البيع يتوقف علي ان يكون موضوعه طلقا حتي يقع عليه البيع و من الظاهر ان العرض وجودا متأخر عن وجود معروضه فلا بد ان يفرض وجود المعروض في الرتبة السابقة حتي يعرض عليه العرض.

و بعبارة اخري ان الوقفية مانعة عن البيع فلا بد ان يكون مرفوعة قبل البيع و الا يلزم ان يكون الممنوع بنفسه رافعا للمانع و هو غير معقول.

و بعبارة ثالثة ان بقاء الوقف مع جواز البيع متنافيان فلا بد ان يعتبر بطلان الوقف بمجرد طرو المجوز للبيع حتي يكون بيعه صحيحا.

و فيه ان الواقف انشأ ايقاف العين و سكونه في محله من غير ان ينتقل عنه حتي عند عروض مجوز البيع له و الشارع أيضا امضاه كذلك بقوله: الوقوف علي حسب ما يوقفها اهلها الا انه خصص مورد وقوع البيع مع وجود المجوز فغاية الامر يلزم ان يكون العين المبيعة غير طلق عند البيع و هو غير قادح اذا قام

الدليل عليه. و مما ذكرنا ظهر الجواب عن التنافي المدعي في المقام اذ لا تنافي بين كون شي ء وقفا و بين جواز بيعه فاذا بيع بطل الوقف فتحصل مما ذكرنا ان الوقف يبطل بنفس البيع لا بمجرد طرو مجوزه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 215

تنبيه هل يترتب علي هذين القولين «اي القول بأن الوقف يبطل بنفس العقد او بمجرد طرو مجوز البيع» ثمرة عملية او الثمرة بينهما علمية فقط.

وجهان بل قولان-

فقد ذهب بعض الي ترتب الثمرة علي القولين و انكرها السيد الاستاذ و هو- المختار و الثمرة في المقام كما قيل ان الوقف اذا بطل بطرو المجوز للبيع فان قلنا ببطلان الوقف فبعد زوال ما يوجب جواز البيع لا موجب لحرمة البيع لعدم كون العين وقفا و اما لو قلنا بعدم بطلان الوقف فيقع النزاع في ان المرجع استصحاب الحكم المخصص او عموم العام فعلي القول بان العام له عموم الزماني يكون العام هو المرجع و ان لم نقل به يكون المرجع استصحاب الحكم المخصص.

و فيه اولا- ان هذا مبني علي جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية و لا نقول به لتعارض استصحاب عدم المجعول مع استصحاب عدم الجعل دائما.

و ثانيا- ان المرجع هو عموم العام علي كل تقدير اعم من القول بالعموم الزماني في العام و عدمه فان المستفاد من العام عدم جواز البيع مطلقا و قد خرج منه مقدار و لا وجه لرفع اليد عن الدليل اللفظي الا بالمقدار المعلوم. و ما ذكرنا في فرض عدم البطلان ظاهر و مع القول بالبطلان نقول ان العين وقف الي الابد و في مقدار من الزمان زال عنها الصفة الوقفية و لا وجه لرفع اليد عن عموم دليل الوقف بالنسبة الي الباقي.

اضف الي جميع ذلك ان استصحاب جواز البيع بعد زوال المجوز يكون من الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول به.

دراساتنا

من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 216

و ملخص الكلام انه اذا قلنا ان طرو المجوز لا يبطل الوقف بل يكون الوقف بذلك جائز البيع فاذا انتفي المجوز للبيع يقع النزاع بان استصحاب حكم المخصص محكم في المقام بأن نقول بجواز بيعه حتي بعد زوال المجوز او يكون عموم العام محكما بان لا يجوز بيعه بعد انتفاء المجوز.

فيمكن ان يقال ان في المقام عموم العام محكم علي استصحاب حكم المخصص لعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فهذه ثمرة يترتب علي القول بأن طرو المجوز لا يكون مبطلا للوقف.

و فيه- انه لا وجه لهذه الثمرة سواء قلنا بأن طرو المجوز مبطل للوقف أم لا. اما علي القول بانه لا يبطل الوقف فظاهر فان الاستصحاب اذا لم يكن جاريا في الاحكام الكلية لكون الاستصحاب الجاري في ناحية المجعول معارضا مع استصحاب الجاري في ناحية الجعل. فالمرجع هو العموم.

و علي فرض تسليم جريانه في الاحكام الكلية أيضا لا يكون استصحاب حكم المخصص محكما بل يقدم عليه عموم العام لأنه دليل اجتهادي و معه لا تصل النوبة الي الاصل و ان شئت فقل ان العموم سواء كان عموما استغراقيا او عموما مجموعيا يكون من الامارات فيقدم علي الاستصحاب لتقدم الامارات علي الاصول بالحكومة كما بين في محله فالنتيجة ان الوقف لا يكون بيعه جائزا بعد انتفاء المجوز.

و اما اذا قلنا بان طرو المجوز يبطل الوقف لعدم امضاء الشارع له بهذا المقدار فنقول بجواز بيعه و ببطلان الوقف بمقدار طرو المجوز فان الضرورات تتقدر بقدرها فاذا انتفي المجوز فيشمله عموم العام الدال علي عدم جواز بيعه فالحق كما ذهب اليه السيد الاستاذ من ان عموم العام مقدم علي استصحاب حكم المخصص فعليه

لا يترتب علي القولين ثمرة عملية لأنه لا يجوز بيع الوقف بعد انتفاء المجوز سواء قلنا بأن

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 217

طرو المجوز مبطل للبيع أم لا.

[الأقوال في الخروج عن عموم منع بيع الوقف]
اشارة

قال: الشيخ ره (فاعلم ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة اقوالا … ) «1».

اقول: بعد ما ذكر (قدس سره) ان مقتضي العمومات في الوقف عدم جواز بيع الوقف قال: اعلم ان في المسألة اقوالا.

منها القول بعدم جواز بيعه و عدم الخروج عن الوقف اصلا

و هو الظاهر من كلام الحلي و ادعي في السرائر عدم الخلاف في عدم جواز البيع في الوقف المؤبد و تبعه الاسكافي في الجملة.

و منها التفصيل بين الوقف المنقطع و المؤبد

فذهبوا الي جواز بيعه في المنقطع دون المؤبد و هذا القول نسب الي القاضي.

و منها التفصيل بين وقف المنقطع و المؤبد

فذهبوا بالجواز في الثاني دون الاول كما ذهب اليه الشيخ و سلار بدعوي ان العين الموقوفة بعد الانقطاع يرجع الي ملك ورثة الواقف.

[الكلام تارة في الوقف المؤبد و أخري في المنقطع]
[أما الوقف المؤبد]
اشارة

قال: الشيخ ره ما حاصله «2» ان الوقف اما مؤبد او منقطع و الوقف المؤبد اما يكون ملكا للموقوف عليهم فلهم استيجاره و اخذ الاجرة و غير ذلك من التصرفات الجائزة.

اولا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير كالمساجد و المدارس فانه ليس قابلا للبيع لعدم كونه ملكا و لا خلاف في ذلك فان محل الكلام في جواز بيعه انما هو القسم الاول نعم لو خرب المسجد يمكن ان يوجر ارضه للزراعة مع المحافظة علي الآداب اللازمة كما ذكره بعض الاساطين.

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (164) السطر (26).

(2)- المكاسب، الصفحة (166) السطر (32).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 218

[الكلام فيما يكون ملكا للموقوف عليهم]
اشارة

اقول: و ينبغي ان يقع البحث في مقامات.

(الاول)- هل يخرج العين الموقوفة عن ملك الواقف بمجرد صدور الانشاء منه أم لا.

(الثاني)- انه علي فرض خروجه عن ملكه بانشاء الصيغة هل يدخل في الموقوف عليه أم لا.

(الثالث)- انه هل يدخل في ملكه تعالي أم لا (الرابع التفصيل بين الوقف العام و الخاص

اما المقام الاول [هل يخرج العين الموقوفة عن ملك الواقف بمجرد صدور الانشاء منه أم لا]

فانه ربما يقال بعدم خروجه عن ملك الواقف لأنه عبارة عن تحبيس العين و تسبيل الثمرة كما روي عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله انه قال: حبس الاصل و سبل الثمرة «1». و الظاهر من الحبس ان يبقي الشي ء في حاله و في ملك مالكه.

و فيه- ان الحبس كما بينا عبارة عن ايقاف العين و جعله مقطوعا من التحرك و هذا لا ينافي خروجه عن ملك الواقف و يكون محبوسا في ملك الموقوف عليه.

و ثانيا- ان معني الحبس كون الشي ء مقطوع اليدين بأن لا يتحرك بالحركة الاعتبارية ببيع و اجارة و صلح و غيره و لا يلازم هذا المعني ان يكون في ملك احد كالمسجد فانه لا يكون ملك احد مع انه محبوس فالحبس لا يكون ملازما مع البقاء في ملك الواقف بل لا يكون ملازما مع اصل الملك كما اوضحناه فان المسجد و لو لم يكن من اقسام الوقف كما هو الحق لكن لا شبهة في كونه محبوسا عن الحركة.

و ربما يقال: بخروجه عن ملك الواقف لان اعتبار الملك للواقف مع كونه ممنوعا عن التصرفات الناقلة في العين و رجوع منافعها الي الموقوف عليه لغو.

و فيه- نقضا و حلا اما النقض فبالرهن فان الراهن ممنوع من التصرف فيكون اعتبار ملكيته لغوا.

______________________________

(1)- مستدرك، الجزء (2) الصفحة (511) الباب (2).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3،

ص: 219

و اما الحل فبعدم قيام الدليل علي كون اللغوية من الاسباب المخرجة للعين عن ملك صاحبه و علي فرض كونه لغوا فلا يترتب عليه محذور كيف و نظائره كثيرة في الفقه كما اذا سقط مرجان من يد شخص بقعر البحر فانه ملكه و لكنه لا يترتب عليه اثر.

و بعبارة واضحة ان اعتبار الملكية لا بد ان يكون له منشأ عقلائي و العين من حين صيرورته ملكا للواقف كان له منشأ عقلائي كبقية الاملاك لملاكهم و بعد الوقف ليس له اعتبار جديد كي يقال بأنه لغو بل اعتبار عدمه يحتاج الي وجه.

و الذي ينبغي ان يقال في وجه خروج العين عن ملك واقفه امران.

(الاول)- الفهم العرفي فان المتفاهم عند العرف ان الموقوفات منقطعات عن واقفيها و مسلوبات عن ملاكهم و ادعاء الواقف كونه مالكا امر مستنكر عندهم.

الثاني- ان الروايات تدل علي خروجها عن ملك الواقف كما يستفاد ذلك من قوله (ع) و هو صحيح صدقة بتّا بتلا مبتوتا لا رجعة فيها «1» و حيث نزل (ع) العين الموقوفة بمنزلة «2» القي كما انه انقطع عن الشخص و حصل الانفصال و كذلك الوقف فانه منفصل عن الواقف و منقطع عنه. هذا تمام الكلام في المقام الاول.

المقام الثاني- انه استدل علي دخوله في ملك الموقوف عليه بوجوه.
(الاول)- ان المتلف للعين الموقوفة يضمنها للموقوف عليه

فيستكشف عنه انه مالك له و الا فلا وجه للضمان له مع عدم كونه مالكا لها.

و اورد عليه بأن الضمان لا يستدعي الملك فربما يكون الشخص ضامنا للشي ء مع انه لا مالك له كفرش المسجد.

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (10) من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث (5)

(2)- الوسائل، الجزء (13) الباب (11) من ابواب كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 220

اقول: انه لا نسلم

عدم المالك له بل انه ملك للمسجد فيكون ضامنا للمسجد و لا مانع في الالتزام بكون المسجد و غيره من غير ذوي العقول مالكا للشي ء اذا قام الدليل عليه.

و التحقيق ان يقال اولا ان تلف العين الموقوفة هل يوجب ضمان المتلف لها أم لا و هو محل كلام بين الاعلام فعلي القول بعدم الضمان لا يتم ما ذكره الخصم.

و علي هذا الاختلاف فرع السيد الاستاذ ثمرة و هي ان الثمرة بين القول بالملك في العين الموقوفة و عدمه ان علي فرض كونها ملكا يضمن المتلف و علي فرض عدمه لا يكون ضامنا له فالضمان ليس امرا مسلما حتي يجعل دليلا لإثبات الملكية للموقوف عليه بل هو مختلف فيه فلا يصح الاستدلال به.

و (ثانيا)- ان الضمان لا يستدعي الملك بل مجرد اضافة التالف الي المضمون له يكفي في الضمان و لذا اذا اضر شخص بشخص آخر يكون المضر ضامنا له و ان لم يكن المضمون له مالكا لشي ء اصلا.

و بعبارة اخري دليل الضمان انما هي السيرة العقلائية و من الظاهر عدم الفرق فيها بين الموارد و الذي يقتضي الضمان ان يتلف الضامن ما يكون راجعا الي الغير اما بكونه مالكا للعين او بكونه مالكا للمنفعة و اما بكونه مالكا للانتفاع.

(الثاني) ان الموقوف عليه يكون مالكا للمنافع بلا خلاف فيه

و حيث ان المنافع تابعة للعين فيستكشف من ذلك بالدليل الإني انه مالك للعين أيضا.

و فيه- ان الظاهر من قوله (ع)، (حبس الاصل و سبل الثمرة) التفكيك بين المنافع و العين و انه لا ملازمة بين العين و المنفعة في تمام الجهات فان ملك المنافع يكشف عن ملك العين اذا كان بتبع ملك العين و لذا ان المستأجر يملك المنفعة مع عدم كونه مالكا للعين.

الثالث- ان الموقوف عليه من اركان العقد

فلا بد ان يكون الوقف ملكا له حتي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 221

يصدق عليه انه من اركانه.

و فيه- انه لا يلزم في كونه ركنا ان يكون مالكا العين بل يكفي في ذلك كونه مالكا للمنفعة أو يكون طرفا للعقد و الوقف و هو حاصل في المقام.

الرابع- ان الوقف عقد يتقوم بايجاب و قبول

و لو لم يكن مفيدا للملك بل كان فك الملك لما تقوم بايجاب و قبول كالعتق.

و فيه اولا ان الوقف لا يحتاج الي القبول كما صرح به السيد الاستاذ.

و ثانيا- علي فرض احتياجه الي القبول لا يحتاج الي كونه مالكا لها بل يكفي في ذلك مجرد اضافته اليه بكون منافعه عائدا له.

(المقام الثالث)- في انه هل يكون ملكا للّه سبحانه و تعالي؟
اشارة

و استدل علي ذلك بوجهين.

(الاول)- ان الوقف عبارة عن ازالة الملك عن الواقف كالعتق

فانه تحرير و نوع صدقة يتقرب به الي اللّه تعالي فكما ان العتق يوجب عدم دخول العبد في ملك احد فكذلك الوقف فانه نظيره في ذلك.

و فيه- اولا انا لا نسلم اعتبار قصد القربة في صحة الوقف و علي فرض اعتباره لا مدخلية له في المبحث فاذا قام الدليل علي كونه ملكا فيلتزم بها سواء اعتبر فيه قصد القربة أم لا و اذا لم يقم الدليل علي ذلك فلا يكون ملكا لأحد سواء اعتبر فيه قصد القربة أيضا أم لا.

و ثانيا- انه لا وجه لتنزيل الوقف منزلة العتق لان العتق عبارة عن فك الملك و تحريره و يترتب عليه عدم دخوله في ملك احد، و لو في ملك اللّه تعالي بالملك الاعتباري الذي هو محل البحث و ان كان كل شي ء ملكا له تعالي بالملكية الحقيقية و الاضافة الاشراقية الا انه خارج عن المبحث.

و اما الوقف فانه عبارة عن حبس الملك، فلا ينافي كونه ملكا للموقوف عليه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 222

مثلا فان البابين ليسا من باب واحد فينزل احدهما منزلة الاخر.

(الثاني) ان الوقف عبارة عن تحبيس العين و ايقافه في مكان واحد و يترتب عليه عدم جواز بيعه

فمن ذلك يستكشف عدم كونه ملكا لأحد فيكون ملكا له تعالي و الا لا وجه لعدم جواز بيع المالك اياه مع ان مقتضي كون تسلط الناس علي اموالهم ان للمالك التصرف في ماله كيف يشاء.

و يرد عليه (اولا) انا نلتزم بجواز بيعه في الجملة كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالي.

(و ثانيا) لا تلازم بين جواز البيع و الملكية فربما يكون الشي ء ملكا و لا يجوز بيعه كالعين المرهونة و أم ولد و غيرهما.

و (ثالثا) انه لا يكشف عدم كونه ملكا لأحد انه ملك له تعالي فان هذا المعني يحتاج الي دليل.

المقام الرابع التفصيل بين الوقف العام و الخاص

بأن يكون الخاص ملكا للموقوف عليهم بخلاف العام فانه ملك له تعالي، لان الموقوف عليهم اما يملكون العين الموقوفة بنحو العموم الاستغراقي بأن يكون كل واحد من البطون اللاحقة و السابقة مالكا لها بالاستقلال فهذا امر غير معقول، و اما يملكون البعض منهم دون البعض الاخر فهذا ترجيح بلا مرجح، و اما يملكون المجموع من حيث المجموع و هذا ينافي اختصاص الحاضرين بالانتفاع فلا بد ان يقال: انه ملك لله تعالي.

و فيه (اولا) انه ملك للجامع منهم و لا يلزم شي ء من المحذورات المذكورة في المقام كما التزمنا ذلك في الزكاة حيث انها ملك لجامع الفقراء و الخمس فانه ملك لجامع السادات لا لأفرادهم حتي يلزم ما ذكر من المحذور.

و (ثانيا) لا يلزم من عدم المالك للعين الموقوفة ان يكون للّه تعالي لعدم المحذور من الالتزام بعدم المالكية فلقائل ان يقول: انها ليست ملكا لأحد، و مع ذلك لا يكون ملكا للّه تعالي أيضا فلا ملازمة بين الامرين.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 223

ان قلت: اذا لم تكن العين الموقوفة ملكا لأحد و لا

ملكا للّه سبحانه و تعالي، فيكون من المباحات الاصلية التي يجوز لكل شخص ان يتصرف فيها.

قلت: لا نسلم ان تكون من المباحات الاصلية لان دليل الوقف اعني به قوله:

(حبس العين و سبل الثمرة) يمنع عن التصرفات، و الحاصل ان العين الموقوفة و ان لم يكن ملكا لأحد و مع ذلك لا يكون من المباحات حتي يجوز فيه تصرف كل فرد من المسلمين و لذا لا يجوز لغير الموقوف عليهم ان يتصرف فيها.

[الكلام فيما لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير]
و التحقيق ان يقال: ان الوقف علي اقسام.
القسم الاول ما يكون عنوانه التحرير كالمساجد

فانها ليست بملك بل انه عبارة عن فك الملك فانه انما يجوز الانتفاع به بحكم الشارع لا بتسليط الواقف، و لذا ليس له ان يقول: وقفته للمصلين او علي الصلاة لأنه علي هذا يكون وقفا خاصا و ليس بمسجد فانه لم يقصد به الا كونه مسجدا.

و اما جواز الصلاة فهو من احكامه المترتبة عليه، بل افاد السيد الاستاذ لو جعل الارض وقفا للصلاة فلا يترتب عليها احكام المسجد.

القسم الثاني ما يملك منفعته علي نحو خاص،

كالأوقاف العامة من قبيل المدارس، و الخانات المعدة لنزول المسافرين فانها ملك للجامع و لكنها ليست ملكا طلقا كي يجوز أن يتصرفوا فيها كيفما شاءوا بل ملكية مقيدة بحيث لا يجوز للموقوف عليه الايجار، فلا يجوز لطالب العلم ان يوجر حجرة المدرسة مثلا بل انه يملك الجلوس فيها و غيره و لذا لو اتلف منها شيئا يكون المتلف ضامنا.

و بعبارة اخري يملك الجلوس في الحجرة و لا يملك اجلاس الغير قال السيد الاستاذ في مقام اثبات عدم الملكية ان قوله: وقفت المدرسة مثلا علي الطلبة يدل علي عدم كون المدرسة ملكا للموقوف عليه لان كلمة علي للضرر و لو كانت المدرسة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 224

ملكا للطلاب لا بد: ان يعبر بكلمة لام بأن يقول وقفت للطلبة و الحاصل انه يستفاد من هذا التعبير كون المنفعة ملكا لهم و عدم جواز نقلها الي الغير.

و فيه ان كلمة علي لا تستعمل في معني الضرر دائما بل قد يستعمل فيه و قد يستعمل في غيره هذا اولا.

و (ثانيا) ان المستفاد من كلمة علي عدم جواز نقل المتفعة و اما انها ملك له أم لا فلا يستفاد منها كما هو واضح.

[القسم] (الثالث) ما يكون وقفا للجهة الخاصة

كالحمام مثلا اذا وقف للطلبة فانهم ليسوا مالكين للمنفعة، و لا مالكين لانتفاع بل يملكون العين و لكن المالك ليس كل فرد فرد منهم بل الجامع بينهم مالك لذلك فان لولي الامر عليهم ان يوجر الحمام و يصرف منافعه للجهة الكلية لهم.

[القسم] (الرابع) ما يكون وقفا لعدة معينة و يسمي بالوقف الخاص

فان الموقوف عليهم يملكونه علي نحو الاشاعة.

[القسم] (الخامس) ما يكون وقفا لغير ذوي الشعور كالأعيان الموقوفة للمسجد و نحوه

فان المسجد و نحوه أيضا يكون مالكا للموقوفات و لا بأس بالالتزام به قال السيد الاستاذ: ان المشاهد المشرفة أيضا تكون كالمسجد في الاحكام المذكورة و لكنه لا يمكن المساعدة عليه لأنه يجوز للواقف ان اوقع إنشاء الوقف للمشاهد بقوله وقفت للزيارة او للصلاة، و الحال انا بينا عدم جواز إنشاء وقف المسجد بمثل ذلك.

و أيضا قال السيد الاستاذ و المرزا النائني رحمة اللّه عليه ان المسجد نفس الفضاء المعبر عنه بمقولة الاين و اما السقف و الجدران، و الارض فانها ليست من المسجد لأنه اشترط في الوقف ان يكون باقيا مؤبدا و هذه المذكورات ليست لها بقاء حتي يوقف بل انها يكون كالآلات التي وقفت للمسجد من الحصير و السراج و غيرهما

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 225

[في بيان ما يكون عنوانه كالتحرير]
اشارة

اذا عرفت هذه الاقسام الاربعة فنقول: أما القسم الاول من الوقف فيقع الكلام في تحقيق حكمه

ربما يستدل بعدم جواز بيعه بوجهين.
الوجه الاول انه ليس بمال و يشترط في المبيع أن يكون مالا.

و فيه انا بينا غير مرة عدم اشتراط المالية في المبيع لان البيع عبارة عن التبديل غير المجاني سواء كان مالا أم لا هذا اولا.

و (ثانيا) لا نسلم عدم مالية المسجد بل انه مال، و لذا يبذل المال في مقابله كما هو واضح، فلو لم يكن مالا لم يشتريه احد و لم يبذل في مقابله مال.

الوجه الثاني انه ليس بملك و اشترط في صحة البيع ان يكون المبيع ملكا للبائع

كما يدل علي ذلك قوله: صلي اللّه عليه و آله لا بيع الا فيما تملكه و قوله:

لا بيع الا فيما تملك. «1»

و فيه ان الروايات المذكورة في المستدرك ضعيفة لا يمكن ان يتمسك برواياته.

و أيضا استدل علي اشتراط الملكية بقوله عليه السلام و لا يجوز بيع ما ليس يملك و غيره من الروايات الموافقه للرواية المنقولة في المستدرك.

و اجاب السيد الاستاذ ان هذه الروايات تدل علي عدم جواز بيع مالا يملك لنفسه، و اما بيعه لمالكه فلا تدل علي عدم جوازه.

و فيه ان المعيار في الاستدلال اطلاق جواب الامام عليه السلام و هو باطلاقه يشمل كلتا الصورتين سواء باع البائع لنفسه او لغيره.

و الذي يقتضيه التحقيق ان يقال: ان المستفاد من الروايات ان الاجنبي ليس له ان يبيع ملك الغير بل لا بد ان يكون بيع المملوك بيد مالكه، و اما اشتراط الملكية في المبيع و عدمه فالرواية اجنبية عنه.

و ان شئت قلت ان القدر المستفاد من الادلة ان الانسان ليس له ان يبيع ما

______________________________

(1)- مستدرك، الجزء (2) ص 460

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 226

يكون ملكا لغيره، و اما اشتراط المبيع بكونه مملوكا فهو امر آخر اجنبي عن هذا المطلب، و تظهر الثمرة فيما لو جاز بحسب الادلة الشرعية جواز بيع شي ء لشخص كجواز بيع الوقف للمتولي لا

يمكننا الحكم بأن الوقف لا بد ان يكون مملوكا اذ لم يثبت اشتراط الملكية في المبيع، فتحصل ان الوجهين المذكورين لعدم جواز بيع ما يكون محررا كالمساجد لا يمكن المساعدة عليه.

و الذي يصح ان يقال في المقام: ان المساجد اذا قلنا بأنها خارجة عن حقيقة الوقف فلا تشملها الادلة المانعة عن بيع الموقوفات كما انا قلنا بذلك و اشرنا الي وجهه، الا ان الذي يسهل الخطب ان يقال في وجه عدم جواز بيع المساجد قيام الضرورة بذلك و تسالم الفقهاء عليه.

و ربما يتراءي عن بعض الكلمات في وجه عدم جواز بيعها بأن عنوان المسجدية الذي وقع إنشاء الوقف عليه قائم علي شخص هذه الهيئة فاذا جاز بيعها يوجب ان ينتفي هذا العنوان و بعبارة اخري ان بوقوع البيع علي المسجد ينتقل المبيع معنونا بهذا العنوان الي المشتري او بلا هذا العنوان، اما علي الاول فيلزم ترتب احكام المسجد عليه حتي بعد البيع و هو كما تري، و اما علي الثاني فيلزم ان يكون المنتقل الي الغير غير ما وقع عليه البيع.

و يرد عليه (اولا) ان هذا ينتقض بموارد جواز بيع الوقف كحصير المسجد مثلا فان الترديد المذكور يجري فيه بعينه و الجواب هو الجواب و ثانيا ان الوجه المذكور وجه عدم جواز بيع المساجد انما هو امر ذوقي لا يمكن الاستدلال به لإثبات المدعي.

و (ثالثا) أن مجرد بقاء عنوان المسجدية لا يوجب عدم جواز بيعها اذا قام الدليل علي جواز البيع و نلتزم بعدم ترتب الاحكام عليه بعد البيع و الحاصل ان الميزان اتباع الدليل المعتبر فاذا قام علي جواز البيع فلا بد ان يلتزم به بلا فرق في ذلك بين بقاء عنوان المسجد أم

لا فتحصل ان هذا الوجه الذي افيد لعدم جواز بيع المساجد غير-

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 227

تام، و الوجه التام لعدم جواز البيع هو ما قدمنا من تسالم الفقهاء و قيام الضرورة علي ذلك.

[في صورة اليأس عن الانتفاع بالمسجد للجهة المقصودة هل تصح إجارتها للزراعة أم لا]

قوله: (مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة يوجر للزراعة) «1»

أقول: اذا ثبت عدم جواز بيع المساجد يقع البحث بأنه مع اليأس عن الانتفاع منها للجهة المقصودة هل تصح اجارتها للزراعة أم لا. و الظاهر انه لا مانع عنها مع المحافظة علي الآداب اللازمة في المساجد.

ثم انه ينبغي أن يرسل عنان الكلام الي بيان حكم التصرف في المسجد
اشارة

فنقول:

يقع الكلام في موضعين أحدهما في المسجد العامر ثانيهما فيما عرض عليه الخراب

أما الموضع الثاني [فيما عرض عليه الخراب]

فان بعض التصرفات كالزراعة جائز فيه مع مراعاة الشرائط المقررة كما بيناه آنفا.

و أما التصرفات الاخري غير الزراعة فان علم جوازه بقيام السيرة أو بدليل آخر فهو، و أما اذا شك فيه فنتعرض لتوضيحه في البحث عن الموضع الاول من المبحث، و هو المسجد العامر

[أما الموضع الأول أي المسجد العامر]

و نقول: ان بعض التصرفات قد قامت السيرة علي جوازه كالتصرفات التي كانت في عصر النّبيّ صلي اللّه عليه و آله و الائمة (ع) من اجتماعاتهم في المساجد فانها لم يكن لأجل الامور الاخروية دائما بل قد كان للأمور الدنيوية أيضا كما هو واضح.

و بعبارة ملخصة لا شبهة في جواز التصرف و الانتفاع من المسجد بنحو الموجبة الجزئية كما يستفاد ذلك من الاخبار الواردة في أحكام المساجد و هذا من الامور التي لا يخفي علي المتأمل.

و أما التصرفات المزاحمة للجهة التي يكون المسجد معدا لها فلا يجوز بلا شبهة اذ يلزم الخلف، و اما التصرفات التي لم تقم السيرة علي جوازها و لا تكون مزاحمة

______________________________

(1)- المكاسب ص 167 السطر (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 228

مع تلك الجهة فهل يمكن أن نتمسك فيها بأصالة الاباحة أم لا.

و التحقيق أن يقال: انا لو قلنا بأن المسجد خارج عن حقيقة الوقف فلا مانع من اجراء اصالة البراءة و أما لو قلنا بأنه فك ملك علي أنه داخل في الوقف فلا يجوز ذلك لان مقتضي الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها اختصاص التصرفات بما يكون المسجد موقوفا لها، و أما لو قلنا بأنه ملك خاص للجهة الخاصة فلا يجوز التمسك باصالة الاباحة لعدم جواز التصرف في ملك الغير و ليس للمتولي أن يأذن بذلك فتأمل.

و ربما يستدل علي عدم جواز التصرف بعد زوال

الانتفاع به باستصحاب الحرمة السابقة.

و فيه ان الاستصحاب لا يجري في الشبهات الحكمية الكلية لتعارض استصحاب المجعول مع الاستصحاب الجاري في ناحية الجعل دائما.

و ثانيا ان المسجد لا يخرج عن كونه مسجدا بطرو الخراب له حتي يحتاج الي الاستصحاب هذا تمام الكلام في حكم المسجد من حيث نفسه.

و أما آلات المسجد كالحصير و غيره، و القناطر الموقوفة و غير ذلك من الموقوفات العامة «علي تقدير كون الوقف فك ملك» هل يضمن المتلف أم لا؟

قال الشيخ (قدس سره) ان للضمان وجهان، من أن مقتضي عموم علي اليد هو الضمان الي آخر كلامه

و استدل علي عدم الضمان بوجوه.

الوجه الاول ان الضمان انما يكون فيما أن يكون المتلف ضامنا للمنفعة أيضا، و حيث انه لم يكن ضامنا لها لعدم وجود مالك لها حتي يكون التالف ضامنا له، فلا يكون ضامنا للعين أيضا لان مالا ضمان لمنفعته لا ضمان لعينه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 229

و فيه انه لا يلزم في الضمان أن يكون المضمون ملكا لأحد بل يكفي فيه ضمانه للجهة التي وقفت هذه الموقوفات لها أو للجامع الذي يكون موقوفا عليه، و بعبارة أخري اذا كان الشي ء راجعا الي ناحية أو أحد يصح الضمان له.

الوجه الثاني أن معني الضمان اشتغال ذمة المتلف للمضمون له أعني المالك، و المفروض في المقام عدم المالك فعليه لا معني للقول بالضمان.

و فيه قد بينا عدم التلازم بين الضمان و وجود المالك بل يكون ضامنا لمن يرجع اليه النفع.

الوجه الثالث ان قوله: علي اليد يجبر المتلف ان يؤدي العين التالفة الي صاحبه، فغاية علي اليد انما هي التأدية، فمع عدم وجود المؤدي اليه لا يتحقق التأدية حتي تصير ذمته فارغة عن ما

تقتضيه قاعدة علي اليد.

و فيه أولا لا نسلم عدم وجود المؤدي اليه بل انا بينا آنفا انه يؤدي الي من يكون له و اما كون المضمون له مالكا حتما فلا دليل عليه.

و ثانيا ان الدليل ليس قوله: علي اليد، لضعف سنده بل الدليل عندنا السيرة القائمة علي ذلك الموافق لمضمون علي اليد و لا يرد عليه ما قيل.

و الذي يسهل الخطب ان يقال: ان هذه الموقوفات ما عدي المسجد اعيان مضمونة و المتلف يكون ضامنا لمالكها سواء كان المالك من ذوي الشعور أم لا فانا قد بينا ان غير ذوي الشعور أيضا يمكن ان يكون مالكا، فان الضمان علي هذا يكون علي القاعدة.

و اما المسجد فانه علي القول بعدم ملكيته و بانه لا يدخل في حقيقة الوقف لا تشمله الادلة المذكورة الا انا في سعة من ذلك فانه لا فرق في السيرة العقلائية بين المملوك و غيره و حيث ان المسجد امر راجع نفعه الي المسلمين فمقتضي القاعدة الضمان.

قوله «ثم انه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز البيع القسم الثاني من-

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 230

الوقف … ) «1»

اقول: لما انجر الكلام الي هنا لا بأس بالتعرض للبحث عن ثوب الكعبة

فنقول: ذهب بعض الي بقائه في ملك الواقف و يلزم علي هذا ان ينتقل الي ورثته اذا مات و كذا يلزم ان يكون امره بيد الحاكم اذا كان الواقف محجورا عنه بجنون او بغيره و لم يلتزم به احد.

و ذهب السيد الاستاذ الي ان هذا الثوب لم يبق في ملك واقفه و لا يكون وقفا بل انه نتيجة الوقف لأنه علي ما نقل ان في مصر موقوفة للأستاذ فيباع منافعها و يشتري ثوب الكعبة فليس نفس الثوب وقفا بل هو نتيجة الوقف.

و ربما يقال:

انه لا محذور في كون ثوب الكعبة أيضا من الموقوفات، و لكن مع ذلك يجوز بيعه للنص الخاص كرواية عبد اللّه ابن عتبة قال: سألت ابا عبد اللّه (ع) عما يصل إلينا من ثياب الكعبة، هل يصلح لنا ان نلبس منها شيئا؟ قال: يصلح للصبيان و المصاحف و المخدة يبتغي بذلك البركة ان شاء اللّه «2» الا ان عبد اللّه ابن عتبة لم يوثق.

و رواه الصدوق باسناده عن عبد الملك بن عتبة و هو صحيح فالرواية صحيحة من حيث السند الا انها لا تدل علي جواز البيع كما تري.

و في المقام رواية أخري و هي رواية مروان بن عبد الملك قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن رجل اشتري من كسوة الكعبة شيئا فاقتضي ببعضه حاجته، و بقي بعضه في يده هل يصلح بيعه؟

قال: يبيع ما أراد و يهب ما لم يرد، و يستنفع به و يطلب بركته قلت: أ يكفن

______________________________

(1)- المكاسب، الصفحة (167) السطر (13)

(2)- الوسائل، الجزء (9) الباب (26) من ابواب مقدمات الطواف.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 231

به الميت؟ قال: لا «1» و هي و ان كانت ظاهرة في جواز البيع و لكنها مخدوشة سندا فلا يعتمد عليها.

قوله: (قيل بل لكل أحد حيازته) «2»

أقول: بعد الفراغ عن حكم المسجد يقع الكلام في أحكام أجزاء المسجد كجزوع سقفه و اجره من حائطه المنهدم فهل يملك بالحيازة أم لا؟

قال الشيخ: و فيه نظر، و لعل وجهه أن معني الوقف تحبيس العين فلا ينتقل بالحيازة و غيره، و لا تشمله أدلة من سبق لان المفروض أن ما نحن فيه سبقته يد أخري، و أما قوله: من حاز شيئا فملك فلا سند له، و الاصل عدم

دخوله في ملك الغير بالحيازة.

[الكلام في جواز بيع الوقف و عدمه]
اشارة

قوله: (فاعلم أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور الاولي أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالحيوان المذبوح و الجذع البالي و الحصير الخلق و الاقوي جواز بيعه لعدم جريان ادلة المنع، أما الاجماع فواضح.

و أما قوله: (لا يجوز شراء الوقف فلانصرافه الي غير هذه الحالة، و أما قوله:

الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها فلا يدل علي المنع هنا لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف و ليس منها عدم بيعه، بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف. «3»

أقول: أما قوله: (أما الاجماع فواضح) فيمكن أن يكون وضوحه من جهة أن مع

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (9) الباب (26) من أبواب مقدمات الطواف، الحديث (3).

(2)- المكاسب، ص 167 السطر (32).

(3)- المكاسب، الصفحة (168) السطر (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 232

وجود المخالف لا ينعقد الاجماع، و قد ذهب بعض الي جواز بيعه في المقام فكيف يتحقق الاجماع؟ هذا أولا.

و (ثانيا) انه علي فرض تحققه لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام لان مدركه هي الوجوه التي أقيمت في وجه المنع و لا أقل من احتماله، و هذا كاف في اسقاط الاجماع عن الحجية.

و أما قوله: (ان قوله لا يجوز شراء الوقف منصرف عن المقام) فيمكن أن يكون الوجه في الانصراف عن المقام ندرة وجوده.

و فيه اولا ان كثرة الوجود لا يكون منشأ للانصراف بحيث يوجب انصراف المطلق عن الفرد النادر، نعم أن المطلق لا ينصرف الي الفرد النادر، و أما انصرافه عنه الي غيره فممنوع جدا.

و ثانيا لا نسلم قلة وجود الموقوفة المخروبة بل هي أيضا كثيرة في الخارج.

و

(ثالثا) نفرض أن قوله: لا يجوز بيع الوقف منصرف عنه الا انه لا مانع من شمول قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي أنه دليل الامضاء أيضا كما عليه الشيخ و بناء علي توقف الوقف علي القبول، أو نلتزم بصدق العقد علي مجرد الايجاب، و كذلك لا مانع من شمول قوله: تجارة عن تراض و قوله: المؤمنون عند شروطهم بالتقريب الانف.

و اما قوله: الوقوف علي حسب ما يوقفها أهلها فانه لا يدل علي المنع هنا لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف و ليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف.

ففيه اولا أن ما أفاده هنا بأن عدم جواز بيعه ليس من كيفيات الوقف ينتقض بما ذهب (قدس سره) الي أن جواز البيع ينافي حقيقة الوقف لأنه عبارة عن ايقاف العين، و البيع ينافيه، لأنه عبارة عن النقل، و الانتقال فاذا كان عدم جواز البيع من أحكامه لا من كيفياته فلا وجه للتنافي المدعي بينهما.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 233

و (ثانيا) ان الوقف كما بينا سابقا عبارة عن تحبيس العين و تسبيل الثمرة، و أمضاه الشارع بما له من المفهوم، و يفهم من هذا أن عدم جواز بيعه أيضا من الكيفيات المرسومة في إنشاء الوقف فلا بد من مراعاتها.

ان قلت: ان إنشاء الوقف لا يشمل لما اذا خرب الوقف بحيث أن لا يمكن الانتفاع به، اذ المقصود من الوقف الانتفاع به و المفروض تعذره في المقام.

قلت: ان الظاهر من اطلاق إنشاء الوقف شموله حتي مورد طرو الخراب له لان معني كون الوقف مؤبدا كونه باقيا في الوقف و لو بعد كونه منقطعا عن الانتفاع به.

و (ثانيا) علي فرض تسليم ان

الاطلاق لا يشمل لما اذا خرب الوقف يكون الوقف موقتا فلا بد أن يرجع العين الي واقفه كما هو معني الوقف الموقت و أما جواز بيعه فلا وجه له.

ان قلت: ان الوقف من الواقف تعلق بعنوان الدار مثلا فاذا خربت الدار لا يبقي موضوع للوقف فيبطل بانبطال موضوعه.

قلت: ان الميزان في جواز بيعه في محل البحث هو عدم الانتفاع به و هذا المعني أعم من الخراب بحيث ينتفي موضوعه، بل النسبة بينهما بالعموم من وجه.

و ثانيا ان العناوين لا موضوعية لها في المعاملات بل هي مشيرة الي الذوات فان في قوله: بعتك الدار مثلا يكون عنوان الدار مشيرا الي الوجود الخارجي لا أن له موضوعية في البيع، و الا ليلزم أن ترجع العين الي ملك بايعه بعد عروض الخراب للدار و لم يلتزم به أحد، فكذلك المقام فان العنوان لا دخل له في الموضوع حتي يقال بانتفائه ينتفي الوقف.

و ثالثا علي تقدير تسليم أن العنوان له دخل في الموضوع فنقول: ان هذا لا يدل علي جواز بيعه، بل اذا بطل الوقف بانتفاء العنوان مثلا ترجع العين الي ملك واقفه،

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 234

و اما جواز بيعه فلا مقتضي له أصلا.

ان قلت: ان الوقف كما بين في محله عبارة عن تحبيس العين و تسبيل الثمرة فالانتفاع به يكون من مقومات الوقف، فاذا انتفت الثمرة و لم يمكن الانتفاع به ينتفي ما هو كان مقوما للوقف و بانتفائه ينتفي الوقف طبعا لان الشي ء يزول بزوال مقومه.

قلت ان عدم الانتفاع و بطلان الوقف لا يوجب جواز بيعه بل يرجع الي ملك واقفه بعد بطلان الوقف كما مر.

و ثانيا انه بعد عروض الخراب له أيضا يمكن أن

يستفاد منها بنحو آخر كما لو خربت الدار يمكن أن يوجر للزراعة مثلا.

[فيما أفاد الشيخ رحمه الله في جواز بيع الوقف]
اشارة

قوله: (و الحاصل ان الامر … ) «1»

اقول: استدل الشيخ قدس سره أيضا علي جواز بيع الوقف بقوله: ان الامر دائر بين تعطيل الموقوفة حتي يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالاتلاف و بين تبديله بما يبقي و ينتفع به البطون اللاحقة، و الاول تضييع مناف لحق اللّه و حق الوقف و حق الموقوف عليه، و لا مجال لجريان استصحاب حرمة البيع بعد ارتفاع انتفاع البطون عن العين الموقوفة.

أقول: و فيما أفاده (قدس سره) مواضع للنظر
(الاول) ان قوله: ان الاول اي تعطيله حتي يتلف ينافي حق اللّه و تضييع له مدفوع

بانه ما المراد من حق اللّه فان كان المراد انه حرام لكونه تضييعا للمال و اسرافا فعلي هذا يكون المراد من الحق هو الحكم، و هو علي تقدير الاغماض عن كونه خلاف الظاهر ان الدليل أخص عن المدعي لأنه قد لا يصدق التضييع و الاسراف علي تعطيله لا مكان الاستفادة منه بأن يؤكل الحيوان المذبوح، و علي فرض عدم امكان الاستفادة منه نقول: ان بين اسراف الشي ء، و عدم انقاذه فرق غير خفي علي المتأمل، و ان الحرام المسلم انما هو الاول و اما الثاني

______________________________

(1)- المكاسب ص 168 السطر (9)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 235

فلا دليل عليه الا في موارد مهمة علي كلام.

و (ثالثا) انه لا نسلم حرمة الاسراف مطلقا بل قد يكون ممضي لمصالح قوية معلومة عند الشارع و ان يصدق عليه عنوان الاسراف كذبح الشياة في المني في عصرنا الحاضر و هل يمكن لأحد أن يلتزم بانه حرام مع أنه اسراف بالوجدان هذا كله فيما اذا كان المراد من حق اللّه هي الحرمة.

و أما ان كان المراد من قوله: (انه مناف لحق اللّه تعالي هو الحق الاصطلاحي الذي اشرب فيه معني الملكية و يدعي ان هذا الحق يقتضي أن تباع العين

التي لا يمكن الانتفاع بها كي يتبدل بعوض أخر فهذه مصادرة بالمطلوب و لا بد من ذكر الدليل عليه.

الثاني أن قوله: انه مناف لحق الواقف يرد فيه أيضا

انا بينا سابقا ان العين تخرج بالوقف عن ملك الواقف و لا حق له في العين الموقوفة حتي ينافي بيعها بعد خروج اصل العين عن ملكه هذا اولا.

و ثانيا انه علي فرض بقاء العين في ملكه أيضا لا يكون له حق في العين الموقوفة حتي يكون ابقائه منافيا له.

لا يقال: ان غرض الواقف من الوقف بقاء العين الموقوفة ليثاب بها ما دام هي باقية.

قلت: نفرض أن غرض الواقف يكون كذلك و لكنا لسنا بملتزمين أن نأتي بمقتضي غرضه ما دام لم يدل الدليل عليه و المفروض أنه مفقود في المقام.

(الثالث) ان قوله: (مناف لحق الموقوف عليه) أيضا مدفوع

بأن حين البيع لا يكون لهم حق كي ينافيه البيع فان ثبوت الحق لهم يتوقف علي بقاء العين و انقطاع البطون السابقة.

و بعبارة اخري أن للبطون اللاحقة حق شأني و لا يكون فعليا الا بوجود

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 236

موضوعه، فاذا لم يبق له موضوع ببيع الوقف أو تلفه فلا يتحقق لهم حق مناف للبيع و ان شئت قلت: عدم جواز البيع يتوقف علي ثبوت حق لهم و ثبوت الحق لهم يتوقف علي عدم جواز البيع.

الرابع انه (قدس سره) منع من جريان استصحاب الحرمة في المقام

و يمكن منعه لأحد الوجهين، اما من باب تبدل الموضوع بتخيل ان انتفاء قابلية العين للانتفاع بها يوجب التبدل في الموضوع، و اما من باب ان الاستصحاب في المورد يكون من قبيل جريان الاستصحاب الكلي من القسم الثالث.

اقول: ان كان الوجه هو الاول ان كون الانتفاع به و عدمه من حالات الموضوع و قد برهن في موضعه أن اختلاف الاحوال و الطوارئ لا يوجب تبدل الموضوع.. و ان كان الوجه هو الثاني نمنع كون المقام من قبيل جريان الاستصحاب من القسم الثالث من الاستصحاب الكلي لعدم علمنا بارتفاع الحكم الشرعي الذي كان عند وجود الانتفاع كما هو المعيار في الاستصحاب المذكور اذ نحتمل بقاء تلك الحرمة الثابتة سابقا، فلا مانع من جريان الاستصحاب في المقام علي مبني الشيخ.

و لكن لنا أن نمنع من جريان الاستصحاب في المقام لا لما ذكره الشيخ، بل السرّ فيه ان جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية الالهية متعارضة باستصحاب عدم الجعل الزائد دائما.

و اذا أغمضنا عن ذلك أيضا فنقول ان كان الاستصحاب متكفلا لإثبات الحرمة التكليفية فانا نعلم ان مجرد إنشاء البيع لا حرمة له، و ان كان متكفلا لإثبات الحرمة الوضعية فهذا يرجع

الي الاستصحاب التعليقي لأنه يقال: ان عقد البيع لو كان واقعا مع وجود الانتفاع لم يكن صحيحا فاذا وقع في الحال الذي ارتفع الانتفاع فكذلك، و قد حقق في محله عدم حجية الاستصحاب التعليقي، أضف الي ذلك أن مع وجود الامارة لا تصل النوبة الي الاستصحاب، فان قوله: لا يجوز بيع الوقف لو فرض

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 237

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 237

شموله للمقام أيضا فلا احتياج الي الاصل العملي كما هو ظاهر.

فتلخص ان الوجوه التي قيل أو يمكن أن يقال: في وجه عدم جواز بيع الوقف فيما اذا خرب بحيث لا يمكن الانتفاع به لا يمكن المساعدة عليها.

و التحقيق في المقام ان يقال: ان الارتكازيات المعتبرة عند العقلاء من الادلة، و لذا يتمسكون لإثبات خيار الغبن بارتكاز العقلاء و كذا في غيره من الموارد اذا عرفت ذلك فنقول.

ان الواقف و ان لم يصرح ببيع العين الوقوفة، و تبديلها بعين اخري اذا سقطت عن الانتفاع بها الا ان هذا أمر ارتكازي له بحيث لو توجه ليصرح به فاذا ثبت هذا بالارتكاز يشمله قوله الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها، فان الواقف أنشأ صيغة الوقف للعين الموقوفة ما دام لا يسقط عن الانتفاع به فعلي هذا لا يبقي مجال لأدلة عدم جواز بيع الوقف.

و ربما يرد في المقام أن قوله: (صلي اللّه عليه و آله): (الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها، و ان كان مقتضيا لجواز البيع اذا لم يمكن الانتفاع به و لكنه معارض بقوله (صلي اللّه عليه و آله): (لا يجوز شراء

الوقف) فانه يدل علي عدم جواز بيعه فيتساقطان بالتعارض، فيرجع الي دليل آخر، و مقتضي الاصل العملي عدم جواز بيعه، بمعني أن الاصل عدم الانتقال بالبيع.

و فيه انا لا نسلم في المقام أن تصل النوبة الي الاصل العملي، لوجود الدليل اللفظي في المقام، و هو قوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). توضيحه انه ان قلنا باعتبار القبول في الوقف فالامر واضح فانه أيضا عقد من العقود فيشمله دليل وجوب الوفاء.

و ان قلنا بعدم اشتراطه فيه و قلنا بصدق عنوان العقد عليه بلا احتياج في ذلك الي القبول كما عليه بعض فالامر أيضا واضح لأنه عقد يشمله دليل وجوب الوفاء و اما اذا قلنا باشتراط القبول فيه و قلنا بعدم صدق عنوان العقد عليه بدونه فلا يمكن الاستدلال

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 238

بقوله أَوْفُوا

مضافا بأن التمسك بقوله تعالي أَوْفُوا يتوقف علي امكان جعله دليلا للصحة و اما لو قلنا: انه دليل اللزوم، و لا يمكن ان يكون دليلا للصحة فلا مجال للأخذ به، و العمدة انه لا نسلم تعارض قوله: لا يجوز شراء الوقف مع قوله: (الوقوف علي حسب … ) لعدم توارد هما في مورد واحد حتي يقع التعارض بينهما و ذلك لوجوه.

(الاول) ان قوله: (لا يجوز شراء الوقف منصرف عن المقام لكونه ناظرا الي المورد الذي يمكن ان يستفاد عن العين و اما اذا لم يمكن الانتفاع بها فلا يشمله الدليل المانع، و بعبارة اخري انا بينا سابقا ان الواقف يريد بقاء مالية العين بالارتكاز، فبتناسب الحكم و الموضوع ينصرف الدليل المانع عن المقام الذي لا يمكن الانتفاع به.

(الثاني) ان موضوع الحكم لا بد ان يتحقق قبله ليقع عليه الحكم، فان قوله:

(لا يجوز شراء الوقف) لا

يمكن ان يكون دليلا للوقف لان الحكم لا يكون محققا لموضوعه فلا بد من تحقق الموضوع بطريق آخر، و لا طريق لإثبات الوقفية، الا- قوله: (الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها) و معه كيف يمكن وقوع التعارض بين هذين الدليلين مع ان احدهما في رتبة الموضوع للاخر و ان شئت قلت يلزم من شمول دليل لا يجوز و تحققه عدمه و ما يلزم من وجوده العدم محال.

(الثالث) انه سلمنا ان قوله: (الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها) يسقط بالمعارضة مع قوله: «لا يجوز … » و لكنا نقول: ما المانع من البيع بعد وجود المقتضي له و هو قوله: (احل اللّه البيع) فللمتولي ان يبيعه و ان لم يكن مالكا للمبيع لعدم قيام دليل يدل علي اشتراط كون المبيع ملكا للبائع في صحة البيع، بل الدليل قائم علي خلافه اذ تصرف الولي و الوكيل جائز و بيع الاولياء و الوكلاء جوازه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 239

كالنار علي المنار، و الحال انهم ليسوا مالكين للمبيع.

لا يقال: ان قوله: (لا تبع ما ليس لك عندك) يدل علي ان البائع لا بد ان يكون مالكا للمبيع و الا لا يكون بيعه صحيحا.

لأنا نقول: غاية ما يستفاد من هذه الرواية بمعونة ساير الروايات ان امر المبيع لا بد ان يكون بيد البائع بان لا يكون بيعه فضوليا و اما اشتراط كون البائع مالكا للمبيع فلا يستفاد منه، مضافا بانه سلمنا هذا المعني لكن كما مر آنفا انه لا شبهة في بطلان هذه الكلية نعم لو لم يكن الشخص مالكا و لا وكيلا و لا وليا لا يجوز بيعه.

قوله: نعم يمكن ان يقال: «1»

اقول: ان هذا استدراك عما ذهب

اليه من عدم جواز بيع الوقف لمنافاته مع حق ساير البطون، و استثني صورة واحدة، و هي ما اذا كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده الي آخر البطون فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقي لهم بل يجوز بيعه و صرف ثمنه للبطن الموجود.

و اورد عليه بان ملك الموجودين لم يكن بطلق كي يجوز بيعه لتعلق حق البطون اللاحقة به فاذا لا يجوز بيعه لاشتراط الطلقية في المبيع.

و (فيه) انا لا نسلم عدم كون المبيع طلقا في المقام لعدم الملك للمعدومين لا فعلا و لا شأنا، لان مالكيتهم للعين الموقوفة مبتنية علي بقاء العين، و المفروض عدم بقائه الي زمانهم.

و الحق في الجواب أن يقال: ان حقيقة الوقف عبارة عن تحبيس الاصل و تسبيل الثمرة، فان تسبيل الثمرة موسع لدائرة الحبس (توضيحه) ان غرض الواقف و لو بحسب الارتكاز. ليس الانتفاع بشخص المال بل غرضه حفظه و لو بالتبديل الي ما يماثله في المالية فان التبديل من أنحاء حفظ المال عند العقلاء، و هذا الغرض

______________________________

(1)- المكاسب، ص 168 السطر (12)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 240

يكون ممضي عند الشارع لقوله: (الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها) فعليه لا مجال لجواز بيعه، و اختصاص ثمنه بالبطن الموجود و ان كان الوقف مما لا يبقي بحسب استعداده العادي الي آخر البطون، و لا يتوهم أحد أنا قدعي بأن الغرض له مدخلية في الامر كي يقال: بأنه لا اعتبار بالاغراض بل ندعي كما تقدم انه ينشئ بهذا النحو و لو بالارتكاز.

[وقع الكلام في أن الثمن علي تقدير جواز بيع الوقف هل يختص بالبطن الموجود أم يعم المعدومين؟]

قوله: و مما ذكرنا يظهر أن الثمن علي تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود … ) «1»

أقول: وقع البحث في أن الثمن علي تقدير جواز بيع

الوقف هل يختص بالبطن الموجود أم يعم المعدومين؟ قال الشيخ: ان الثمن لا يخص به البطن الموجود فان المبيع اذا كان ملكا للموجودين بالفعل، و للمعدومين بالقوة، كان الثمن كذلك، و افاد الشهيد بان الثمن يصير مملوكا علي حد الملك الاول، اذ يستحيل أن يملك لا علي حده.

(توضيحه) ان الثمن لا بد أن يدخل في محل خرج منه المبيع فلو جاز أن تخرج العين الموقوفة الي ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك الموجودين بذلك النحو الذي كان المعوض لهم جاز أن تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجودين، و الحال أن التالي باطل فكذا المقدم.

و ربما يجاب عن الشهيد بانا لا نسلم مالكية لبطون اللاحقة للثمن لأنهم معدومون في الحال و ملكية المعدوم أمر غير معقول.

و الجواب عنه (اولا) ينتقض هذا بالعين الموقوفة، بانها باي نحو يكون المعدومون مالكا لها، و الجواب هو الجواب.

و (ثانيا) حلا بأن نسأل ما المراد من ان مالكية المعدوم غير معقول، فان كان المراد انهم لا يعقل أن يكونوا مالكين لشي ء في عرض البطون الموجودة، فهو

______________________________

(1)- المكاسب ص 168 السطر (14)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 241

صحيح، الا انه أمر خارج عن محل البحث و ان كان المراد غير معقوليتها، و لو في طول مالكية الموجودين فلا وجه له، لان الملكية أمر اعتباري تابع لاعتبار المعتبر و له أن يعتبر ملكية المعدومين اذا رتب عليه اثر، و بعبارة أخري أن الملكية خفيفة المئونة قابلة لان يكون معتبرة للمعدومين أيضا من دون أن يكون في ذلك محذور أصلا.

و (ثالثا) أن ملكية المعدومين انما هي الملكية الشأنية و هي لا تزاحم الملكية الفعلية، و ان تحققت في عرضها.

و (بعبارة واضحة) انا

نقول: ان المعدومين ثبتت لهم الملكية الشأنية، في- عرض ثبوت الملكية الفعلية للبطن الموجود، و هذا أمر معقول، و لا تزاحم بينهما أصلا، و هذا مبني علي التنزل، و الا فمقتضي التحقيق كون المعدوم مالكا بالفعل غاية الامر بنحو الطولية، و سيجي ء زيادة توضيح للمدعي.

و لكن المحقق نزل المقام منزلة دية العبد الموقوف المقتول بان الدية يكون للبطن الموجود، فان تعلق حق البطون اللاحقة بعين العبد لا يستلزم تعلقه بالثمن أيضا، و كذلك المقام فان الوقف ملك للبطن الموجود غاية الامر تعلق حق البطون اللاحقة بالعين فاذا فرض جواز بيعه انتقل الثمن الي من هو مالك له فعلا، و لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن.

و ان شئت فعبر بأن بدلية الثمن للعين الموقوفة لا يثبت بدليل لفظي حتي يتمسك بعمومه أو اطلاقه لإثبات ترتب جميع اللوازم الثابتة للمبدل علي البدل أيضا، و مجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم كما هو واضح.

و (فيه) انه لا وجه لتنزيل ثمن العين الموقوفة منزلة دية العبد الموقوف للفرق الواضح بين المقامين، فان دية العبد يتحقق بحكم الشارع بعد تلف العبد فاذا قتل العبد خطأ يحكم الشارع بوجوب الدية علي القاتل، و لا محذور في أن يحكم باختصاص الدية بالموجودين عقلا هناك، و هذا بخلاف المقام اذ بمجرد خروج الوقف

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 242

عن ملك الموقوف عليهم علي وجه المعاوضة المعاملية يدخل الثمن في ملكهم فلا يعقل اختصاص الثمن بالموجودين مع خروج الملك عن ملكهم و ملك المعدومين، و المقصود من عدم المعقولية ان المبادلة بطبعها يقتضي هذا المعني، نعم يمكن التبديل بنحو آخر بالعناية الخاصة كما لو اشتري بدرهم زيد شيئا لنفسه.

و ثانيا

انا لا نسلم كون الدية للبطن الموجود مطلقا بل نقول: ان جعل الدية ان كان حكما تعبديا فلهذا الكلام مجال بان يقال ان الدية تكون للبطن الموجود.

و ان كان بدلا عن المقتول كما هو الظاهر فلا وجه للقول باختصاصه للبطن الموجود فيكون المعدومون أيضا مشتركين معهم بملاك اشتراكهم في المبدل، و الحاصل انه لا وجه لاختصاص الثمن بالبطن الموجود كيف و الحال انهم حكموا بأن بدل الرهن يكون رهنا، و المقام أولي بالحكم منه، لان حق الرهنية متعلق بالعين من حيث انه ملك لمالكه، فاذا ارتفع هذه الملكية ببيع العين فلك أن تقول:

ان حق الرهنية ارتفع بارتفاع العين المرهونة و لا وجه لكون بدله أيضا مرهونا و الحال أنهم حكموا بكونه رهنا و أما في المقام فان المعدومين يكونون مالكين للعين الموقوفة علي نهج مالكية الموجودين لها غاية الامر ان الموجودين يملكونها بالملكية الفعلية، و المعدومين بالملكية الشأنية.

فاذا كان الحكم في العين المرهونة بتعلق حق الرهنية علي بدلها أيضا يكون الحكم في المقام بتعلق حق المعدومين ببدل العين الموقوفة بطريق أولي.

قوله: (و من هنا يظهر عدم الحاجة الي صيغة الوقف في البدل … ) «1»

أقول: ان بدل العين الموقوفة اما يدخل في ملك الموقوف عليهم مطلقا أعم من الموجود و المعدوم فعلا كما كان المبدل كذلك أو يدخل في ملك الموجودين فقط، أو يدخل في ملك الواقف أو يكون كإحدي المباحات الاصلية.

______________________________

(1)- المكاسب، ص 168 السطر (30)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 243

فان كان داخلا في ملك الموقوف عليهم سواء كان الموجودين منهم أو أعم منهم و من المعدومين علي نحو دخول المبدل في ملكهم، فلا احتياج الي إنشاء الوقف بعد دخوله في ملكهم باقتضاء

قانون البدلية بل الالتزام بلزومه التزام بلزوم تحصيل الحاصل، و ان كان داخلا في ملك الموجودين فقط علي نحو الملكية الطلقية فلا مجال حينئذ للبحث بأن البدل يحتاج الي إنشاء الوقف أم لا لان البدل ملك طلق لهم علي الفرض فيجوز أن يتصرفوا فيها كيف يشاءون، و الالتزام بلزوم الصيغة في هذه الصورة كالالتزام في لزومها في جواز تصرف الانسان في ماله الشخصي.

و ان كان داخلا في ملك الواقف فلا يكون وقفا لكونه خارجا عن موضوع الوقف كي يبحث عن احتياجه الي إنشاء الوقف و عدمه.

و ان كان داخلا في المباحات فالامر فيه أوضح من سابقيه لعدم مالك له، و لا يكون وقفا حتي يحتاج الي الانشاء، بل يجوز لكل شخص أن يتصرف فيها كما بيناه في البحث عن المباحات الاصلية و يترتب عليه احكامه فتلخص مما ذكرنا ان البدل لا يحتاج الي إنشاء صيغة الوقف في جميع التقادير المذكورة.

و لا يخفي عليك انا قد ذكرنا سابقا ان العين الموقوفة تخرج عن ملك الواقف بانشاء صيغة الوقف و تدخل في ملك الموقوف عليهم، و كذلك نقول: في بدلها فانه أيضا يدخل في ملك الموقوف عليهم لا علي نحو الملكية الطلقية، بل علي نحو الملكية الموقتة ما دام انهم موجودين كما قلنا ذلك في المبدل.

لا يقال: ان لم تكن البطون الموجودة مالكين للعين بالملكية الطلقية فكيف يبيعون العين الموقوفة مع عدم كونهم مالكين لها علي الاطلاق.

لأنا نقول: لا يشترط في البيع أن يكون البائع مالكا للمبيع الي الابد بل يصدق البيع علي ما اذا باعه في المدة التي يكون مالكا له كما أن يبيعه مثلا بمدة عشر سنواة فاذا صدق عليه البيع العرفي تشمله ادلة البيع.

دراساتنا

من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 244

و لو تنزلنا و قلنا: بان البيع تمليك العين بالملكية الدائمية لكن مع ذلك نقول:

بصحة البيع اذا لموقوف عليه يملك العين علي الدوام، و لا يحتاج البيع الي أن يكون البائع مالكا للعين الي الابد، و العمدة ملاحظة القواعد المقررة.

(لا يقال) ان الملكية امر بسيط و هو لا يكون قابلا للتجزية كي يصح أن يقال:

انه باع مدة معينة فاما أن يباع الي الابد أو لا يباع أصلا و التجزية غير معقول.

و فيه (اولا) انه ينتقض بالاجارة فان الدار مثلا يمكن أن يوجر في أن واحد من أفراد عديدة بأن يكون كل واحد منهم مالكا للمنفعة في وقته، كما اذا آجر الدار مثلا من عمرو و في مدة شهر آخر من زيد و هكذا، و كان وقوع الاجارة بيوم واحد، هل يمكن لأحد أن ينكر صحة هذه الاجارة بتوهم ان ملكية المنفعة أمر بسيط لا بد اما أن يوجر الي الابد، اولا يوجر اصلا.

و (ثانيا) ان البساطة و التركيب يكونان في الامور الواقعية فان الشي ء البسيط فيها لا يكون قابلا للتجزية، و اما الملكية فليست منها بل هي من الامور الاعتبارية، فللمعتبر أن يعتبر الملكية عشر سنوات مثلا لزيد و عشر سنوات لعمرو و هكذا، و لا محذور فيه ثبوتا و نلتزم به لو ساعدنا الدليل.

و (ثالثا) نفرض ان الملكية أمر بسيط و ليست قابلة للتجزية الا أنها قابلة للتعدد بلحاظ الاعتبار، فان للواقف أن ينشئ الوقت بأن يكون للبطن الاول ما دام موجودا و للبطن الثاني كذا.

ان قلت: انا لا نسلم جواز بيع العين الموقوفة، لان البائع اما أن يبيعها علي نحو الاطلاق، و المفروض انه ليس مالكا مطلقا لها

لتعلق البطون اللاحقة و اما أن يبيعها بنحو التقييد فيلزم منه أن تعود العين الي ملك البطن اللاحق بعد موت البائع.

قلت: ان البائع للعين الموقوفة اما أن يكون متوليا للوقف فله أن يبيعها علي الاطلاق لأنه كما يكون متوليا للوقف بالنسبة الي الموجودين كذلك متوليا بالنسبة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 245

الي المعدومين أيضا و لا مجال لتوهم ان ليس له بيع ذلك لعدم كونه مالكا لأنا بينا سابقا عدم اشتراط كون المبيع ملكا لبايعه بل يكفي فيه أن يكون أمره بيده فان العين الموقوفة يكون أمرها بيد المتولي فله أن يبيعها هذا اذا كان البائع متوليا للوقف.

و اما اذا كان البائع هو البطن الموجود فبأدلة جواز بيع الوقف في المقام يعلم أن له الولاية علي البطون اللاحقة، فيكون بيعه صحيحا، و لا يرد عليه الايراد المذكور.

[هل جائز بيع الوقف و إبداله بعين أخري بحسب المصلحة أم لا]
اشارة

قوله: (ثم ان هذا العين حيث صارت ملكا للبطون فلهم أو لوليهم أن ينظر فيه و يتصرف فيه بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالابدال بعين أخري أصلح لهم بل قد يجب اذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق و ليس مثل الاصل ممنوعا عن بيعه الا لعذر … «1»

و افاد السيد الاستاذ في توجيه كلام الشيخ ان نظر الواقف انما يكون حفظ مالية العين فاذا كان بقاء العين موجبا لتضييع المالية فلهم تبديلها بعين أخري حفظا لبقاء المالية،

و افاد السيد اليزدي ان الوقف اذا بيع او اتلفه متلف فعوضه وقف لكن هل حكمه حكم مبدله في عدم جواز تبديله اولا نقول ان بيع بما لا يصح وقفه كالنقدين او بغير المماثل و قلنا بوجوب شراء المماثل جاز تبديله بالمماثل و اما ان بيع بالمماثل او بغيره و لم

يشترط المماثل ففي جواز تبديله و عدمه و جهان من ان مقتضي البدلية جريان حكم مبدله و من امكان دعوي اختصاص عدم جواز التبديل بالوقف الابتدائي كما اختاره المحقق الانصاري الي أن قال و الاحوط اعتبار المماثل كما ان الاحوط عدم التبديل لقاعدة البدلية.

أقول: لنا أن نبحث في مقامين،
اشارة

الاول عن وجود المقتضي لجواز بيع بدل الوقف، و الثاني عن وجود المانع،

اما المقام الاول [عن وجود المقتضي لجواز بيع بدل الوقف]

فالظاهر ان المقتضي لجواز

______________________________

(1)- المكاسب ص 168 السطر (32)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 246

البيع موجود كما يظهر بالتأمّل غاية الامر يلزم أن يكون المتصدي للبيع المتولي ان كان و الحاكم ان لم يكن.

و اما المقام الثاني [عن وجود المانع]

فالمانع المذكور للجواز أمران.

(الاول) إنشاء الواقف.

(الثاني) قوله لا يجوز شراء الواقف).. «1» فنقول اما المانع الاول فتقريبه ان الواقف جعل بانشائه العين الموقوفة مقطوع الرجلين عن الانتقال مطلقا و أمضاه الشارع بقوله الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها «2».

و توضيح المرام يحتاج الي بسط الكلام فنقول ان الواقف اما جعل الوقف مقطوع الرجلين في جميع مراتبه حتي في مرتبة تبدله بعين اخري و اما أوقف العين الموقوفة عن الحركة الخاصة بأن يتصرف فيه كبقية الاموال، و أما بالنسبة الي بدله فلم ينشئ هذا المعني.

و بعبارة اخري ان ايقافه لا يشمل تبديله بعين اخري تكون وقفا أيضا، فاذا علمنا في مقام الاثبات أن غرض الواقف يكون هو القسم الاول بمعني انه أوقف العين عن التحرك في جميع مراتبه و في جميع سلاسل متلاحقة و أمضاه الشارع أيضا كذلك بقوله: (الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها) فلا بد أن نلتزم بعدم جواز بيع الوقف و لو بتبديلها بعين أخري الابطر و المجوز له، و هو خارج عن محل الكلام و علي هذا فلا وجه لكلام الشيخ حيث قال: فاللازم ملاحظة مصلحة الموقوف عليهم لما عرفت مما ذكرنا عدم جواز بيعه و ان كان خلاف مصلحتهم و لعل السيد اليزدي اشار الي ما ذكرنا بقوله: محل تأمل.

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (6) من أبواب احكام الوقوف، الحديث (1)

(2)- الوسائل، الجزء (13) الباب (2) من أبواب احكام الوقوف (الحديث) (1 و 2)

دراساتنا من الفقه الجعفري،

ج 3، ص: 247

و كذا لا وجه لما ذهب اليه السيد الاستاذ بأن العين لا مدخلية لها بل الغرض حفظ المالية فيجوز تبديلها بعين اخري حفظا لها لأنك علمت ان الواقف أوقف العين بجميع مراتبها عن التحرك فلا يجوز بيعها.

و اما اذا علمنا بان مراده كان ايقاف العين الاولي فقط و حفظ ماليتها بأن لا يكون مانع من التبديل و يكون غرضه حفظ الوقف في السلسلة المتلاحقة، فلا بأس ببيعها بان تبدل بعين أخري، هذا اذا كان غرض الواقف معلوما.

و اما اذا لم يكشف لنا غرض الواقف في مقام الاثبات و الدلالة بانه هل قصد القسم الاول أو الثاني فتصل النوبة الي مقام الثبوت و حيث ان التقابل بين الاطلاق و التقييد تقابل الضدين ثبوتا و ان كان من تقابل الملكة و عدمها اثباتا لأنه كما ان التقييد يحتاج الي لحاظ كونه ضيقا فكذلك الاطلاق يحتاج الي لحاظ كونه عاريا عن القيود فانه عبارة عن رفض القيود. و نحن نشك بأن الواقف هل انشأ صيغة الوقف بقصد وقف العين علي النحو الاول او علي النحو الثاني.

و حيث ان اصالة عدم تقييد معارضة باصالة عدم الاطلاق فلا يثبت باصالة عدم التقييد الاطلاق الاعلي النحو المثبت هذا تمام الكلام في المانع الاول.

و اما المانع الثاني، فهو قوله: (لا يجوز شراء الوقف)، و لا تدخل الغلة في ملكك «1» بتقريب ان الرواية باطلاقها تدل علي عدم جواز بيع الوقف عينا كانت أو بدلها.

و ربما يقال: بانصراف الرواية عن البدل فانها تدل علي عدم جواز بيع الوقف الابتدائي الذي وقع إنشاء الواقف عليه، و أما بدل العين الموقوفة فلا تشمل الرواية له فلا مانع من بيعه فيحكم علي صحته بالعمومات

الدالة علي صحة البيع كقوله:

(أحل اللّه البيع و تجارة عن تراض).

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (6) من ابواب أحكام الوقوف الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 248

و يرد عليه ان الواقف أو المتولي يجوز له البيع اذا لم تكن العين الموقوفة في نظر الواقف مقطوعة عن التحرك في جميع مراتبها و الا فلا يجوز، و بعبارة اخري الشك في موضوع دليل الحل و الحكم لا يتعرض لوجود موضوعه و اصالة عدم تضييق الواقف معارضة باصالة عدم توسعته فتكون النتيجة عدم جواز بيعه وضعا.

قال الشيخ: قال العلامة في محكي تذكرته كل مورد جوزنا بيع الوقف فانه يباع و يصرف الثمن الي جهة الوقف فان أمكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به كان أولي و الإجازة شراء كل ما يصح وقفه و إلا صرف الثمن الي الموقوف عليه ثم بعد ذكر عبارة العلامة بتمامها قال: و لا يخفي عليك مواقع الرد و القبول في كلامه «1».

أقول: أما موقع قبول الشيخ فهو جواز بيع اصل العين و تبديلها بعين اخري، و اما موقع الرد فهو وجوب مراعاة المماثلة فان الشيخ يجوز اشتراء كل ما يصح وقفه ماثل الاصل أو خالف و كذا موقع الرد صرف الثمن للموقوف عليهم مع تعذر شراء عين اخري مكانه فان الشيخ يري وجوب حفظ الثمن حتي يتمكن من شراء ما يصح وقفه.

[إن المتولي للبيع هل هو البطن الموجود بالاستقلال أو يشترط ضميمة الحاكم إليه]

قال الشيخ: ثم ان المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم «2»

أقول: حاصل ما يستفاد من كلامه ان المتولي للبيع هل هو البطن الموجود بالاستقلال أو يشترط ضميمة الحاكم اليه، تردد الشيخ في اشتراط ضميمة الحاكم القيم، و احتمل ان القيم منصوب للنظارة بالنسبة الي اصل العين و

اما البدل فان وظيفته المجعولة منصرفة عنه، و احتمل أن يكون ناظرا بالنسبة الي البدل أيضا كما كان ناظرا في أصل الوقف لتعلق حقه بالعين الموقوفة فيتعلق ببدلها و اختار الاول من الاحتمالين.

و فيه انه لا وجه لادعاء الانصراف عن البدل فكما أنه يكون ناظرا الي أصل

______________________________

(1)- المكاسب ص 169 السطر (6)

(2)- المكاسب ص 169 السطر (12)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 249

العين كذلك يكون ناظرا الي البدل أيضا.

و التحقيق أن يقال: ان العين الموقوفة اما أن يجعل الواقف متوليا لها أم لا و علي الاول فكما انه متولي للعين كذلك متولي للبدل أيضا لأنه مقتضي اطلاق التولية و أما علي الثاني و هي صورة عدم جعل القيم للعين الموقوفة فيكون المتصدي نفس الموقوف عليهم أو الحاكم بلا فرق في ذلك بين أصل العين و بدلها.

و أفاد السيد الاستاذ في بيان جواز بيع البطن الموجود بلا احتياج الي ضم الحاكم انه لو فرض عدم المتولي للوقف ان المالك للعين هو البطن الموجود، و أما البطن المعدوم فليس مالكا فلا مجال لان يقال: ان البطن الموجود بالنسبة الي حقه يتصدي للبيع و الحاكم بالنسبة الي حق البطن المعدوم يشترط نظره.

و فيه (اولا) انا بينا انهم ما لكون للعين الموقوفة في طول مالكية البطون الموجودة الا ان مالكية الموجودين تكون بالملكية الفعلية في رتبة متقدمة، و مالكية المعدومين تكون بالملكية الشأنية.

و (ثانيا) سلمنا أنهم لا يكونون مالكين بالفعل الا ان الاستاذ اشترط في صحة المعاوضة ان يكون المبيع مملوكا طلقا، و عليه نسأل بانه ان كان البطن الموجود يبيع الوقف علي اطلاقه فلا حق له بهذا النحو لتعلق حق البطون اللاحقة به أيضا، و ان كان يبيع

بالملكية المقيدة فمثل هذا البيع لا يكون معهودا في العرف حتي تشمله الادلة الدالة علي صحة البيع، اللهم الا أن يقال: عدم اعتبار كونه معهودا عند العرف بعد صدق البيع له فتشمله الادلة.

[في صورة التي لا يمكن شراء البدل هل يوضع الثمن عند الأمين]
اشارة

(مسألة) اذا لا يمكن شراء البدل فيما اذا بيع العين الموقوفة و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين هل يوضع الثمن عند الامين حتي يتمكن من شراء ما ينتفع به كما قال به الشيخ أو اذا طالب البطون هل يجب رده اليهم و جهان.

قال الاستاذ: اذا طالب البطون الموجودة وجب تسليمه اليهم لوجوب تسليم

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 250

الملك الي مالكه خلافا للعلامة و لتوجيه هذه المقالة يمكن أن يقال: اذا فرض ان ثمن العين الموقوفة لا ينتفع به أصلا كما هو المفروض سقط عن كونه وقفا لان الوقف كما بينا سابقا عبارة عن تحبيس الاصل و تسبيل الثمرة، و المفروض في المقام عدم وجود الثمرة في الثمن فيبطل الوقف بارتفاع موضوعه فعليه فلا وجه لقول الشيخ حيث قال: لا يجوز دفعه الي البطن الموجود لكونه مشتركا بين جميع البطون فبعد بطلان الوقف بانتفاء موضوعه لا حق للبطون اللاحقة حتي يكون مانعا عن جواز دفعه الي الموجودين، و ان كان الموجودون أيضا لا حق لهم في الثمن بعد بطلان الوقف كما لا يخفي.

و لذا قال الاستاذ ان الثمن لا يكون وقفا بل طريق لتبديل العين الموقوفة بعين أخري، و لعل نظره ان الثمن اذا لم يمكن الانتفاع به سقط عن كونه وقفا.

هذا غاية ما يمكن أن يوجه به هذا المدعي و لكنه فيه اشكال فانه لا وجه للبطلان و معني تسبيل الثمرة في الوقف ان الثمرة ليست

كالأصل محبوسة بل مرسلة العنان فلا يترتب عليه بطلان الوقف.

مضافا بأن الثمن قابل لان ينتفع به و الانتفاع به أن يشتري شيئا قابلا لان يكون وقفا في أو انه فانقدح بما ذكرنا ان الحق ما افاده الشيخ بانه يلزم أن يوضع عند امين كي يشتري به شيئا لان الواقف و لو بالارتكاز لا يرضي بتضييع المالية في العين الموقوفة فاذا لا يمكن حفظه الا بالتبديل بالنقدين فلا بأس بتبديلها بالثمن.

قال الشيخ (قدس سره) و لا يعطل الثمن حتي يوجد ما يشتري به من غير خيار بل اذا أمكن شراء ما ينتفع به و لو مع الخيار الي مدة لجاز ذلك.

«1» و يمكن ان يورد عليه بأن شراء الشي ء مع الخيار لا يمكن ان يجعل وقفا لأنه من الممكن ان يعمل حق الخيار فيأخذ العين و يلزم منه ان يكون الوقف موقتا بالمدة

______________________________

(1)- المكاسب ص 169 السطر (16)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 251

التي لم يعمل ذو الخيار خياره و معناه ان يكون وقفا موقتا.

اقول: ان الخيار اما يكون للبائع او للمشتري فعلي كلا التقديرين لا يتوجه الاشكال اذ لو كان الخيار منافيا و فرضنا كونه من ناحية المشتري و المتولي للوقف فيلزم ان لا يجعل الخيار لفرض منافاته للوقف و اما في صورة ان البائع لا يبيع إلا مع الخيار فايضا لا محذور اذ غاية ما قيل في وجه الاشكال انه من الوقف المنقطع و بطلانه علي نحو الاطلاق اول الكلام.

و (ثانيا) لو سلم ان الخيار يوجب بطلان الوقف بالنسبة الي العين الموقوفة لكن بالنسبة الي بدله لا دليل عليه، و بعبارة اخري لا اطلاق في دليل المنع كي يشمل البدل أيضا.

و ثالثا انه يمكن

ان يقال: بانه حبس و الحبس امر جائز شرعا فهو محبوس ما لم يعمل الخيار.

فرعان
(الاول) انه لو اتجر بثمن العين الموقوفة فان الربح هل يملكه الموجودون فقط او يشتركهم المعدومون أيضا

فيه وجهان. الحق ان يقال: انه لا يختص بالبطون الموجودة بل للمعدومين أيضا فيه حق لكون الربح تابعا للأصل، فكما ان الاصل لا يختص به البطن الموجود فكذلك فرعه هذا اذا خرب العين الموقوفة بكلها.

(الثاني) انه لو عرض الخراب للوقف بالنسبة الي بعض اجزائه فيباع البعض المخروب

فهل يصرف ثمنه لعمارة الباقي، او يصرف في وقف آخر عليهم علي نحو هذا الوقف، او يشتري به المماثل و جهان، و المتيقن عدم جواز صرفه في وقف آخر

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 252

لهم خصوصا اذا كان واقفه شخصا آخر، و الوجه فيه ما بينا من انه لا بد ان يبدل بالمماثل لا بغيره، فلا بد من التبديل بالمماثل هذا تمام الكلام في الصورة الاولي.

(قوله قدس سره) الصورة الثانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه كدار انهدمت فصارت عرصة توجر للانتفاع باجرة لا تكون معتدا بها «1»

أقول: الظاهر انه لا وجه لذكر هذه الصورة وجها مستقلا و صورة اخري، لان المنفعة ان بلغت في قلته حدا يعد معدوما في نظر العرف فهذه الصورة تدخل في الصورة الاولي، و ان لم تبلغ بهذه المرتبة في القلة، و لا يعد معدوما في نظر العرف فتدخل في الصورة الثالثة، و علي اي حال لا وجه لذكر هذه الصورة صورة مستقلة.

و كيف كان فعلي فرض سقوط الوقف عن الانتفاع المعتد به هل يجوز بيعه أم لا فتارتا يبحث عن وجود المقتضي، و اخري عن وجود المانع اما الكلام من حيث المقتضي فالظاهر جواز بيعه كما مر في الصورة الاولي و اما الكلام من حيث المانع فوجوه.

(الاول) ان الاجماع قائم علي عدم جواز بيع الوقف.

و فيه اولا ان مع وجود هذه الاختلاف البين كيف يمكن

ادعاء تحقق الاجماع.

و (ثانيا) علي تقدير تحققه لا يكون حجة لكونه معلوم المدرك و لا أقلّ من- احتماله بان يكون الوجوه الآتية المذكورة للمانعية مدرك الاجماع فلا يكون اجماعا تعبديا.

(الثاني) قوله: (لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملك) و (ربما يتوهم) ان الرواية بقرينة قوله: لا تدخل الغلة في ملك، تكون فيما اذا كان للوقف

______________________________

(1)- المكاسب ص 169 السطر (23)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 253

منفعة و غلة معتدة بها فعليه تكون الرواية أجنبية عن المقام.

و فيه ان الجملة الثانية جملة مستقلة لا ربط لها بالجملة الاولي و لا تصلح أن تكون قرينة لها كي تقيد اطلاقها فلا مانع من شمول اطلاقها للمقام أيضا.

لا يقال: ان قوله: لا يجوز شراء الوقف منصرف عن المقام لأنه ناظر الي ما تكون للوقف منفعة معتدة بها.

لأنا نقول. لا وجه لهذا الانصراف لان منشأه ان كان قلة وجوده بالنسبة الي الوقف الذي له منفعة معتدة بها فيرد عليه (اولا) انا لا نسلم قلة وجوده بل هو أيضا كثير في حد نفسه.

و (ثانيا) لا يكون قلة الوجود منشأ للانصراف.

ان قلت ان مقتضي الاصل عدم الاطلاق في متعلق إنشاء الواقف فلا تكون العين بعد قلة المنفعة وقفا، قلت يعارض هذا الاصل اصالة عدم التضييق، مضافا بانه مثبت.

ان قلت مقتضي الاستصحاب عدم جواز بيعها و فيه و ان كان المراد منه استصحاب الحرمة السابقة فان كان المراد منه الحرمة التكليفية فيعارضه استصحاب عدم جعل الزائد.

و ان كان المراد الحرمة الوضعية يكون من الاستصحاب التعليقي نعم مقتضي اصالة عدم الانتقال الي الغير فساد البيع.

و الذي يقتضيه التحقيق أن يقال: ان حقيقة الوقف كما بينا سابقا عبارة عن تحبيس الاصل، و

تسبيل الثمرة، فاذا سقط الوقف عن الانتفاع المعتد به بحيث يسقط عن الانتفاع عند العرف لا يكون له ثمرة كي يصدق عليها عنوان التسبيل و عليه فيكون بيعه جائزا هذا كله اذا سقط الوقف عن الانتفاع عرفا و اما اذا لم يبلغ بهذه المرتبة، بل كان

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 254

له ثمرة عند العرف الا انها لا تكون ثمرة معتدة بها فلا وجه لجواز بيعه، و غاية الامر يشك في جوازه، و المرجع هو اصالة عدم الجواز.

[كلام صاحب الجواهر في أن جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف و رد الشيخ عليه]

قوله: (ثم انك قد عرفت فيما سبق ذكر بعض ان جواز بيع الوقف لا يكون الا مع بطلان الوقف. «1»

اقول: ان المراد من البعض هو صاحب الجواهر (قدس سره) و قد عرفت النزاع الذي كان بينه و بين الشيخ حيث قال صاحب الجواهر انه بطرو مجوز البيع يكون الوقف باطلا، و انكره الشيخ فانه ذهب الي بطلان الوقف بوقوع البيع، و اما مجرد طرو المجوز فلا يكون موجبا لبطلانه كما بينا تفصيله سابقا.

قوله: ثم وجه (صاحب الجواهر) بطلان الوقف في الصورة الاولي «2» (اعني صورة خراب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به).

أقول: حاصل كلامه في وجه بطلان الوقف هو ان حقيقة الوقف تقوم بامرين احدهما حبس الاصل و الاخر تسبيل الثمرة و من المعلوم ان مفهوم التسبيل لا يكون من غير ثمرة فلا يعقل تحقق حقيقة الوقف الا عند الثمرة للعين الموقوفة من غير فرق في ذلك بين ابتداء الوقف و استدامته، فبانتفاء الثمرة ينتفي الوقف لان المركب كما ينتفي بانتفاء جميع اجزائه كذلك ينتفي بانتفاء بعض اجزائه و اورد عليه الشيخ بوجوه.

(الاول) انه لا وجه لبطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا في الوقف المؤبد.

(الثاني) انه لا دليل

علي بطلانه بعد انعقاده صحيحا.

الثالث ان كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها و ان كان شرطا في الوقف ابتداء الا انه لا دليل علي اشتراط الشرط المذكور فيه استدامة فان الشرط في العقود

______________________________

(1)- المكاسب ص 170 السطر (3)

(2)- المكاسب ص 174، السطر (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 255

الناقلة يكفي وجودها حين النقل فانه قد يخرج المبيع عن المالية، و لا يخرج بذلك عن ملك المشتري بالاتفاق.

(الرابع) ان جواز بيع الوقف لا يوجب الحكم بالبطلان بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم الي الجواز.

و يرد فيما افاده (اولا) ان قوله (لا وجه لبطلان الوقف لا يمكن المساعدة عليه بل الوجه فيه ظاهر علي مبني صاحب الجواهر لأنه يدعي ان تسبيل الثمرة داخل في حقيقة الوقف و يكون من مقوماته، فمع انتفاء الثمرة ينتفي حقيقة الوقف لان الشي ء ينتفي بانتفائه مقومه.

و فيما افاده (ثانيا) ان قوله: لا دليل عليه بعد قوله: لا وجه عليه لا يكون اشكالا مستقلا و ذكره وجها مستقلا لا يعرف وجهه فانه ان كان علي البطلان دليل كان هو الوجه كما انه ان لم يكن له وجه لا يعقل ان يكون دليل عليه.

و فيما افاده ثالثا ان قياس المقام بالبيع (حيث قال: قد يخرج المبيع عن المالية، و لا يخرج بذلك عن ملك المشتري) قياس مع الفارق، لأنه علي فرض اشتراط المالية في المبيع تكون شرطا للبيع بمعني المصدري، و اما البيع بمعني اسم المصدر فانه لا يعتبر فيه المالية اي يعتبر المالية في المبيع عند حدوث البيع من البائع، و اما بقاء المالية في المبيع ما دام المبيع باقيا فلا دليل عليه بخلاف المقام فان كون الشي ء وقفا يلازم كونه

ذا ثمرة و منفعة.

و فيما افاده رابعا ان قوله: (ان جواز بيع الوقف لا يوجب بطلانه) مردود بانه اذا فرض أن تسبيل الثمرة مقوم للوقف كما هو مدعي صاحب الجواهر فانتفاء المقوم يقتضي انتفاء الوقف فلا يدفع اشكال صاحب الجواهر بما ذكره الشيخ.

و الحق في الجواب ان يقال ان الوقف كما ذكرنا سابقا تحبيس العين و تسبيل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 256

الثمرة ما دامت الثمرة موجودة فكما ان الوقف لا يبطل بانعدام العنوان كذلك لا وجه لبطلانه بنفاد الثمرة بل لا بد من تبديله بغيره.

قوله: (ثم ذكر انه قد يقال: بالبطلان أيضا … ) «1»

أقول: حاصل ما ذكره صاحب الجواهر انه قد يلاحظ الواقف وقوع صيغة الوقف علي عنوان الشي ء كما اذا قال وقفت بستانا مثلا ملاحظا في وقفه عنوان البستانية، و اخري لم يلاحظ عنوانا للوقف بل كان المراد هو الانتفاع به في كل وقت علي حسب ما يقبله، اما الصورة الاولي فيبطل الوقف بانعدام عنوان البستانية فانه و ان لم تبطل منفعتها أصلا لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا لكن ليس عنوان الوقف محفوظا.

ثم أورد علي نفسه بانه يمكن أن يقال: ببقاء العرصة علي الوقفية باعتبار أنها جزء من الوقف و هي باقية، فعليه لا يكون الوقف باطلا بانتفاء عنوان البستانية مثلا.

و اجاب عنه بأن العرصة ليست جزء للبستان الموقوف مطلقا بل كانت جزء من الموقوف من حيث كونه بستانا فاذا انتفي عنوان البستانية لا يبقي موضوع للوقف، ثم أيد المقام بما ذكروا في باب الوصية، من انه لو أوصي بدار و اندمت قبل موت الوصي بطلت الوصية، و وجه التأييد أنّ الوقف المتعلق بالعنوان كالوصية المتعلقة بالعنوان فكما ان زوال العنوان يبطل

الوصية كذلك يبطل الوقف.

و استشكل الشيخ (قدس سره) عليه بانه ما لمراد من انعدام العنوان فان اريد بالعنوان ما جعل مفعولا لقوله: وقفت هذا البستان، فلا شك في انه ليس الا كقوله:

بعت هذا البستان، فكما ان انتفاء عنوان البستانية لا يوجب بطلان البيع كذلك

______________________________

(1)- المكاسب ص 170 السطر (7)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 257

لا يوجب بطلان الوقف و ان اريد غير ذلك فلا بد من بيان المراد منه حتي يتضح الحال، و اما تأييده بالوصية فغير صحيح لان المناسب ان يقاس المقام بالوصية بالبستان بعد تمامها و بعد خروج البستان عن ملك الموصي فهل يرضي أحد ان يلتزم ببطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة نعم ان الوصية قبل تمامها محل كلام في بقائها و بطلانها من جهات اخري غير انعدام العنوان كما تعرضوا لها في باب الوصية.

و أفاد المحقق النائني ره بأن العنوان الذي جعل مفعولا لقوله: وقفت هذا البستان ان كان من الصور النوعية العرفية للوقف فيبطل الوقف بانتفائه كما قال به صاحب الجواهر، و ان لم يكن من الصور النوعية فالحق كما ذهب اليه الشيخ من عدم بطلانه بانتفائه.

و افاد السيد الاستاذ أن الحق ما ذهب اليه الشيخ لعدم كون مثل هذه العناوين من الصور النوعية بل يكون مشيرا الي ذات المعنون الذي هو المقصود بالاصالة للواقف، فلا يكون الوقف باطلا بانتفاء العناوين هذا اولا.

و ثانيا ان الوقف لو كان متعلقا بالعنوان، و لم يتعلق بالعين الخارجية لا وجه لخروجه عن ملك الواقف.

و فيه انه لا محذور في الالتزام بعدم خروج الوقف عن ملك واقفه كما عليه السيد اليزدي و عليه لا وجه لما افاده السيد الاستاذ بانه لو لم يتعلق الوقف بالعين

الخارجية لا وجه لخروج الوقف عن ملك واقفه.

لا يقال: فعلي هذا لا يبقي فرق بين الوقف و الحبس، و الحال انهما ليسا أمرا واحدا لان الوقف يخرج عن ملك الواقف بخلاف الحبس فانه لا يخرج عن ملكه و بهذا فرقوا بينهما.

لأنه يقال انا لا نسلم الفرق المذكور بل الفرق بينهما ما أفاده السيد اليزدي في مقام بيان الفرق بين الوقف و الحبس بان الوقف يكون مؤبدا بخلاف الحبس، و ان

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 258

شئت فقل ان الحبس علي قسمين مؤبد، و موقت، و الاول في الاصطلاح يسمي وقفا و الثاني حبسا هذا اولا.

و ثانيا لا نسلم عدم خروج الوقف عن ملك واقفه علي فرض تعلق الوقف بالعنوان، بل نقول: ان الوقف يخرج عن ملك الواقف و لو بعنوان الدارية مثلا فما دام تكون دارا تكون خارجة عن ملك الواقف و التحقيق أن يقال: ان قول الواقف وقفت الدار ان كان عنوانا مشيرا الي الذات المعنونة بذاك العنوان و كان مقصوده الاصلي هو الذات فاذا خربت الدار لا يبطل الوقف.

لكن لا يخفي عليك ان هذه الصورة تتصور بنحوين، أحدهما أن يكون مقصود الواقف انتفاع الموقوف عليه انتفاعا خاصا و هو انتفاع الدارية ففي هذه الصورة يجب تبديله و تعويضه بدار جديدة.

و اما لو لم يكن في نظره نفع خاص و بعد الخراب يكون قابلا للمنافع الاخري فلا مقتضي لبيعها، و اما اذا كان الذات وقفا بشرط العنوان بأن يكون تمام الموضوع او جزء للموضوع فبانتفاء العنوان كالدارية مثلا يبطل الوقف، و كان الملك باقيا في ملك واقفه.

و لا أقول ان الملك يدخل في ملك الواقف بعد خروجه عنه بالوقف حتي يحتاج عوده الي دليل

بل أقول: ان الواقف لم يخرج العين الموقوفة عن ملكه ازيد من هذه المدة التي كان عنوان الدارية باقية و المتيقن خروجه عن ملكه ما دام كان معنونا بعنوان الدارية و أما ما زاد عليه فلم يدل دليل عليه بل باق في ملك الواقف.

و اما اذا شك في ذلك فباستصحاب بقاء ملكه يحكم بكون العين لواقفه، فلو علم ما قصده الواقف و اعتبره في مقام الاثبات فيعمل علي طبقه، و اما لو شك فاستصحاب عدم التقيد لا يثبت الاطلاق الا بالاصل المثبت مضافا بانه يعارضه استصحاب عدم الاطلاق في الوقف و مقتضي استصحاب عدم خروج الملك عن ملكية الواقف في المقدار

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 259

الزائد علي المقدار المعلوم، عدم انتقال العين في ملك الموقوف عليه.

ان قلت: ان هذا هو الوقف المنقطع الذي قام الدليل علي بطلانه.

قلت: لم يقم الدليل اللفظي و لا العقلي علي بطلان الوقف المنقطع علي اطلاقه، بل انما ثبت ذلك في بعض الموارد بالإجماع و القدر المتيقن منه غير هذه الصورة فلا يشمل المقام الذي يكون ابدية الوقف ببقاء عنوان الدارية مثلا فينتفي بانتفائه، هذا تمام الكلام في الصورة الثانية.

و أما الصورة الثالثة و هي أن تخرب العين الموقوفة بحيث نقل منفعته لكن لا الي حد يلحق بالمعدوم بل ان له بعد الخراب منفعة معتدة بحيث تقوم بها ماليته لكن تكون هذه المنفعة علي خلاف الوجه الذي عينه الواقف صرفها فيه كما اذا وقف النخلة لأجل تسبيل ثمرتها علي الموقوف عليه فصارت يابسة و لا تكون لها ثمرة تصرف في جهة الوقف لكن يمكن صرفها جذعا للسقف، و المسألة محل خلاف بين الاعلام، فذهب بعض الي جواز بيعه كالشيخ لعدم

امكان الانتفاع بها الا علي هذا الوجه، و منعه آخرون كالحلي مستدلا بان الوقف يكون الانتفاع به ممكنا ككونه جذعا للسقف فيجب بقاء الوقف علي حاله.

و قال قوم ثالث ان النزاع بين الفريقين لفظي لان القائل بجواز البيع لا يري هذه المنفعة منفعة للنخلة بل يريها مسلوبة المنفعة و القائل بعدم الجواز يعدها منفعة لها و لذا يقول: بعدم جوازه و كل منهم يعترف بأن في صورة وجود المنفعة للوقف لا يجوز بيعه، و في صورة عدم وجودها يجوز فمورد الاثبات غير مورد النفي و هذا معني النزاع اللفظي.

قوله: و قيل يمكن بناء نزاعهما علي رعاية المنفعة المعد لها الوقف … ) «1»

______________________________

(1)- المكاسب ص 170 السطر (26)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 260

اقول ان القائل هو صاحب المقابيس و حاصل كلامه انه ان بقيت المنفعة المعد لها الوقف بحيث يمكن الانتفاع منه و لو قليلا فلا يجوز بيعه للزوم رعاية المنفعة المعدة لها الوقف و ان لم تبق له المنفعة كما اذا وقف الدار مثلا و كانت المنفعة المعدة لها الجلوس فخربت الدار بحيث لا يمكن الجلوس فيها الا انه يمكن استفادة منفعة اخري منها كإيجارها للزراعة مثلا فيجوز بيعها فاذا كانت المنفعة المعدة لها الوقف موجودة فلا يجوز بيعه علي كلا القولين و اما اذا لم تكن المنفعة باقية فيجوز بيعه كذلك فيكون النزاع بينهما لفظيا.

اقول ان حكم المسألة قد ظهر مما سبق بانه اذا علم ان الواقف وقف النخلة مثلا لان يستفيد الموقوف عليهم ثمرتها و كان مقصوده حفظ هذه الحيثية فيجوز بيعها و تبديلها بنخلة أخري، و اما اذا وقف عنوان الشجرة المثمرة، و قد جعل في متعلق وقفه عنوان النخلة

فاذا صارت يابسة لا يسمي نخلة بل يسمي خشبا فيبطل الوقف لانتفاء موضوعه فيكون الخشب داخلا في ملك واقفه.

[فيما يكون بيع الوقف أنفع و اعود للموقوف عليه]

قوله: الصورة الرابعة و هي أن يكون بيع الوقف انفع و أعود للموقوف عليه … ) «1»

أقول: ان زيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة الي البطن الموجود و قد تلاحظ بالنسبة الي جميع البطون، و علي كلا التقديرين كون بيع الوقف انفع لا يوجب جواز بيعه، و ان نسب الي المفيد جوازه و لكن كلامه مئول فعدم جواز البيع اتفاقي.

و العمدة في المقام أن ينظر في الادلة بانه هل يستفاد منها عدم جواز البيع أم لا فيتبع ذلك، و الظاهر من الادلة ان كون الشي ء أعود للموقوف عليه لا يوجب جواز البيع كما يدل علي ذلك اطلاق قوله: الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها و قوله:

______________________________

(1)- المكاسب ص 170 السطر (28)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 261

لا يجوز شراء الوقف و عموم قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء علي كونه دليلا للمقام.

و أما المقتضي للجواز فربما يتمسك بروايتين إحداهما رواية جعفر ابن حنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال نعم اذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا. «1»

فيستفاد منها ان البيع لو كان خيرا لهم يجوز بيعه و هذه الرواية ضعيفة بجعفر فانه لم يوثق عند اصحاب الرجال.

ان قلت: ان المشهور عملوا بهذه الرواية و عملهم يكون جابرا لها.

قلت: اولا انا بينا في الاصول ان عمل المشهور لا يكون جابرا لضعف الرواية كما أن اعراضهم عنها لا يوجب و هنها.

و ثانيا علي فرض تسليم انجبار الرواية بعمل المشهور لا نسلم كونه جابرا في المقام لان المشهور قائلون بعدم جواز البيع فكيف يجوز القول بانجبارها

بعملهم.

و اما ما ادعي من أن حسن ابن محبوب يكون من أصحاب الاجماع فوقوعه في سند الرواية يوجب أن يكون العمل بها جائزا لأنه لا يروي إلا عن ثقة مخدوش عندنا و لا يترتب الاثر علي مثل هذه المقالات و بينا فسادها في محله.

و المتحصل ان الرواية ساقطة عن الحجية فلا يمكن العمل بها و اذا لا مجال للبحث عن دلالتها بعد سقوطها عنها لعدم ترتب الثمرة العملية عليه بعد سقوطها عن الحجية.

ثانيتهما الرواية المروية عن الاحتجاج بان الحميري كتب الي صاحب الزمان انه روي عن الصادق عليه السّلام خبر مأثور اذا كان الوقف علي قوم باعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف علي بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشتري عن بعضهم ان لم يجتمعوا كلهم علي البيع أم لا يجوز الا ان يجتمعوا كلهم

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (6) من أبواب احكام الوقوف، الحديث (8)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 262

علي البيع أم لا يجوز الا أن يجتمعوا كلهم علي ذلك و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه فاجاب عليه السّلام اذا كان الوقف علي امام المسلمين فلا يجوز بيعه و اذا كان علي قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و متفرقين إن شاء اللّه تعالي «1»

و اورد السيد الاستاذ دام ظله ان الرواية ليست في مقام بيان ما يكون محلا للكلام فان السائل فرض جواز البيع بمقتضي ذلك الخبر الماثور و يسئل أن ما يجوز بيعه هل يجوز اشتراء عن واحد منهم مقدار حصته أم لا.

و ملخص الكلام ليست الرواية في مقام بيان جواز بيع الوقف حتي يؤخذ باطلاقه بل فرض جواز البيع

في غير هذه الرواية هذا ملخص الاشكال.

و يرد عليه ان الميزان باطلاق الجواب لا بخصوص السؤال و لا نري مانعا عن الاطلاق في الجواب.

و اورد عليه أيضا ان الثمن طلق للبطن الموجود و من الظاهر انه مع هذا الفرض يكون البيع انفع للموجودين اذ المفروض أن أمرهم دائر بين أن يبيعوا و يأخذوا الثمن و بين أن يصبروا و ينتفعوا بالمنافع، و الاول انفع فيلزم أن يكون البيع جائزا دائما و يعارضها ما تقدم من الروايات الدالة علي عدم الجواز. و الترجيح مع تلك الروايات لأنها مشهورة، و مع الغض عن ذلك أيضا لا بد من تقديمها لان تلك الروايات مخصصة بصورة عروض الخراب. و بعبارة اخري خرج عن مطلقات المنع ما عرض عليه الخراب و صار بحيث لا ينتفع به، فالنسبة تنقلب الي العموم المطلق، و تخصص هذه الروايات بتلك الروايات فيخصص الجواز بهذا القسم الخاص.

و فيه اولا لا نسلم ان يكون بيعه انفع دائما بل يختلف ذلك باختلاف الاحوال.

و (ثانيا) ان ما ذكره الاستاذ مبني علي صحة انقلاب النسبة و هو مخدوش عندنا، فعليه

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (13) ص 306 الحديث (9)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 263

لا بد من تخصيص تلك العمومات بهذه الرواية، و هذه الرواية قد ضعفها السيد اليزدي و كذلك السيد الاستاذ و لكنه لا يمكن للمساعدة معهما فان صاحب الوسائل له طريق معتبر الي كتاب الاحتجاج للطبرسي هذا من ناحية و من ناحية اخري نحتمل ان الطبرسي وصل اليه كتاب قرب الاسناد بطريق معتبر، و مع هذا الاحتمال لا وجه لطرح الرواية و علي هذا فالرواية معتبرة من حيث السند.

ان قلت ان المشهور أعرضوا عن هذه الرواية فعلي فرض

صحة سندها أيضا لا يمكن العمل بها لان اعراضهم يوجب الوهن فيها قلت انا بينا مرارا ان اعراض المشهور لا يوجب الوهن في الرواية كما أن عملهم لا يجبر ضعفها و ان شئت التفصيل فراجع ما بيناه في محاضراتنا الاصولية.

و قال المرز النائني ره ان نسبة هذه الرواية الدالة علي جواز بيع الوقف مع قوله لا يجوز شراء الوقف يكون بالتباين فيقع التعارض بينهما، و اذا تعارضا تساقطا فتصل النوبة الي الاصل العملي المقتضي لعدم جواز البيع.

و فيه اولا انا لا نسلم كون النسبة بينهما بالتباين بل ان قوله لا يجوز شراء الوقف مطلق فباطلاقه يحكم بعدم جواز بيعه سواء كان الوقف علي امام المسلمين او علي قوم منهم او غيرها من غير ذوي الشعور كالمسجد و اما هذه الرواية المفصلة بين امام المسلمين و غيره دالة علي جواز بيع الوقف اذا كان علي قوم من المسلمين فتكون الرواية مخصصة لقوله لا يجوز شراء الوقف.

و ثانيا لو سلمنا ان النسبة بين الروايتين يكون بالتباين لكنه لا تصل النوبة الي التساقط لوجود المرجح في المقام للرواية الدالة علي الجواز و هو كونه موافقا للكتاب.

و ثالثا نفرض ان كلتا الروايتين متساويتان، و لا مرجح لأحديهما علي الاخري لكن لا تصل النوبة الي الاصل العملي بعد التساقط لوجود الدليل اللفظي في المقام و هو قوله تعالي: (أحل اللّه البيع) اذا لم نقل بالتخيير و الا فللفقيه يمكن الاخذ بالرواية الدالة علي الجواز.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 264

و لكنه مع هذا لا يمكن أن يقال: بجواز بيعه في هذه الصورة لان بيع الوقف يكون أمرا منكرا عند المتشرعة فلا يمكن الالتزام به الا ما خرج عنه بعض الموارد

الذي قام الدليل القطعي علي جواز بيعه.

قال الشيخ (قدس سره) ما حاصله ان الروايتين الدالتين علي جواز البيع يكون مخالفا للقواعد لان مقتضي الروايتين جواز تصرف البطن الموجود في الثمن كيف شاءوا و الحال ان مقتضي كون العين مشتركة بين البطون كون بدله أيضا كذلك لاستحالة كون المبيع للبطون جميعا و كون الثمن مختصا بالبطن الموجود فقط «1».

و فيه ان ما يستفاد من الرواية جواز بيع الوقف و أما ثمنه فهل يختص بالبطن الموجود أم يشترك فيه المعدومون أيضا فالرواية لا تدل عليه.

و ثانيا انا بينا في موضعه ان خروج المثمن من مكان لا يستلزم دخول الثمن فيه و لم يقم عليه دليل من العقل، و النقل، و الحق هو ما ذكرنا بأن ذهن المتشرعة يستنكر هذا البيع، و لذا لم يلتزم به أحد من العلماء غير ما نسب الي المفيد، و ان كان مقتضي القاعدة هو الجواز هذا تمام الكلام في الصورة الرابعة.

و أما الصورة الخامسة، فهي أن يلحق بالموقوف عليه ضرورة شديدة فهل يجوز بيع الوقف في هذه الصورة أم لا، ما يمكن أن يتمسك به في المقام للجواز امور

الاول رواية جعفر ابن حنان المتقدمة الدالة علي جواز بيعه.

و فيه قد بينا آنفا ان في سندها جعفر بن حنان و هو غير موثق عند اصحاب الرجال.

الثاني قيام الاجماع عليه كما حكي ذلك عن الانتصار و الغنية و فيه اولا قد مر ان الجماع ليس بحجة.

______________________________

(1)- المكاسب ص 171 السطر (18)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 265

و ثانيا علي فرض تسليم الحجية ففي خصوص المقام لا يمكن الاعتماد عليه لاحتمال كونه مدركيا.

و (ثالثا) انه معارض بالإجماع الاخر المدعي في السرائر علي عدم جواز بيعه.

الثالث

انه بلحوق الضرورة الشديدة يكون الموقوف عليه مضطرا الي بيعه فيكون البيع جائزا لدليل رفع الاضطرار.

و يرد عليه اولا ان رفع الاضطرار انما حكم امتناني علي الامة فلا يجري في المقام لكونه خلاف الامتنان بالنسبة الي البطون اللاحقة و لا يخفي ان هذا جواب جدلي بيناه الزاما للخصم علي طبق مبناه و الا فقد بينا في الاصول بأن الامتنان لا يلزم ان يكون عاما و بعبارة اخري: انه يكفي الامتنان بالنسبة الي من يجري في حقه حديث الرفع و لا يلزم ان يكون علي الغير امتنانا.

و ثانيا ان دليل رفع الاضطرار معارض بدليل نفي الضرر فان جواز البيع ضرر علي البطون اللاحقة.

و ثالثا ان دليل رفع الاضطرار علي حسب التحقيق يكون نافيا للحكم و اما اثبات جواز البيع فليس من شأنه كما لا يخفي.

لكن يرد عليه انه حيث لا يمكن الاهمال في الواقع فلو حكمنا بمقتضي رفع الاضطرار برفع الحرمة الوضعية تكون النتيجة هو الجواز الوضعي و لكن لو انفتح هذا الباب يمكن ان يقال بأنه يجوز بيع اموال الناس عند الاضطرار فانه ما الفرق بين الوقف و غيره اذ كما ان مقتضي عدم حلية جواز التصرف في مال الغير عدم صحة بيع مال الغير كذلك مقتضي عدم جواز بيع الوقف كذلك و لا يخفي ان في اصل الاستدلال اشكالا و المتحصل مما ذكرناه عدم قيام الدليل علي جواز البيع في الصورة الخامسة.

الصورة السادسة ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة او اذا كان فيه مصلحة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 266

للبطن الموجود او جميع البطون او عند مصلحة خاصة علي حسب ما يشترط الواقف فهنا محل خلاف بين العلماء فذهب بعض الي جواز بيعه و

الاخر الي منعه و المنقول من الارشاد هو الجواز و قال العلامة في القواعد- و لو اشترط بيعه عند الضرورة ففي صحة الشرط اشكال و مع بطلان الشرط ففي بطلان الوقف نظر.

اقول: لعل وجه النظر ان الشرط الفاسد لا يكون مفسدا علي ما سيجي ء تحقيقه في محله- و المذكور في الايضاح في وجه الجواز ان رواية جعفر بن حنان المتقدمة دالة علي جواز بيعه بغير شرط فدلالتها عليه مع اشتراط الوقف بيعه تكون بالفحوي هذا ما ذكر في وجه الجواز و اما ما ذكر في وجه المنع ان الوقف يكون للتأييد و البيع ينافيه قال المحقق الكركي كل موضع قلنا: بجواز بيع الواقف فيه يجوز اشتراط بيعه لكون هذا الشرط مؤكدا له، و لعدم منافاته للتأبيد المعتبر في الوقف، و كل موضع قلنا: بعدم جواز بيعه نقول فيه أيضا بعدم جواز اشتراط بيعه لكون اشتراط بيعه منافيا للتأييد المعتبر في الوقف.

[هل يجوز أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة]
اشارة

قوله: (يمكن أن يقال: بعد التمسك في الجواز) … «1»

أقول حاصل ما أفاده بتوضيح منا ان المقتضي للجواز موجود و المانع مفقود، اما المقتضي فهو عموم قوله: الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها و قوله المؤمنون عند شروطهم، و اما المانع فربما يتوهم انه مناف للتأييد المعتبر في الوقف و لكنه ليس كذلك لعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضي الوقف و لذا يجتمع معه عند طرو مسوغاته، ثم علي فرض تسليم منافات البيع مع الوقف فانه يكون فيما اذا بيع الوقف للبطن الموجود و صرف ثمنه و أما البيع لتبديله بوقف آخر فلا منافاة بينه و بين مفهوم الوقف، بل يكون المنافاة بينه و بين اطلاق الوقف.

اقول ينبغي أن نبحث في مقامين الاول

ان مقتضي القواعد الاولية هل هو جواز

______________________________

(1)- المكاسب ص 172 السطر (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 267

اشتراط بيع الوقف أم عدم الجواز.

الثاني البحث عما يقتضيه النص الوارد في المقام،

أما المقام الاول [مقتضي القواعد الأولية]

فربما يقال:

ان مقتضي القواعد عدم جواز اشتراط بيع الوقف و يقرب ذلك بوجوه ثلاثة.

الاول ان اشتراط البيع مناف للتأييد المعتبر في الوقف باعتبار ان انشأ الوقف مع اشتراط جواز بيعه يعد من المتنافيين لان الوقف عبارة عن ايقاف العين و جعله ساكنا عن التحرك و الانتقال و اشتراط البيع عبارة عن اشتراط انتقاله و عدم سكونه و تقابل هذين الامرين أوضح من أن يخفي.

الثاني ان قوله: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملك تدل بالالتزام علي عدم اعتبار اشتراط الجواز لان المستفاد من الرواية هو عدم جواز شراء الوقف سواء اشترط البيع أم لا.

الثالث ان بيع الوقف باطل فاشتراط بيعه يخالف السنة فيبطل الشرط ثم يقع النزاع في انه بعد فرض بطلانه يبطل العقد أم لا و افاد السيد الاستاذ ان المانع الذي يتخيل مانعيته لجواز اشتراط بيع الوقف أمر ان الاول انه مناف لقصد الواقف حيث قصد التأبيد في الوقف و اشتراط البيع مناف لما قصده.

الثاني انه مخالف للسنة و اذا ارتفع مانعية هذين الامرين لا يري مانع لجواز الاشتراط، و قد تصدي دام ظله لبيان رفع المانعين المذكورين بما حاصله ان الواقف اما قصد بيع الوقف عند الحاجة بان يكون ثمنه كالمثمن في تعلق حق البطون كلهم من الموجودين و معدومين به أم لا.

و بعبارة اخري ان قصد الواقف اما يكون حفظ مالية العين الموقوفة في جميع سلاسل متلاحقة، و اما تعلق قصده بيع الوقف بان يكون ثمنه ملكا طلقا

للبطون الموجودة و لهم أن يتصرفوا فيه كيف يشاءون فان كان قصده القسم الاول فلا تنافي بين اشتراط البيع و بين قصد الواقف لأنه لا يريد بهذا الشرط اسقاط التأبيد المعتبر في الوقف بل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 268

يريد به بقاء مالية الوقف في جميع المراتب اللاحقة، و لو بتبديله بالعين الاخري خصوصا اذا كانت في التبديل مصلحة للبطون كما هو المفروض في المقام فاشتراط جواز بيعه انما يكون مؤكدا لقصد الواقف لا منافيا له، و ان كان قصده القسم الثاني و هي صورة قصد الواقف ان الثمن بعد بيع الوقف يكون ملكا طلقا للبطن الموجود فاشتراط جواز البيع مشكل لكونه مخالفا لقانون البدلية.

و توضيحه ان قانون المعاوضة يقتضي دخول الثمن في المكان الذي يخرج عنه المثمن، و المفروض ان الثمن خرج عن ملك جميع البطون من الموجودين و المعدومين فلا بد أن يدخل الثمن أيضا في ملكهم، و علي هذا لا وجه لكون الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود لتعلق حق البطون اللاحقة به، و كذا لا وجه لجواز اشتراط بيع الوقف للبطن الموجود لعدم كونه ملكا طلقا له حتي يجوز شرائه له.

و لكن الذي يسهل الخطب ان يقال: ان الواقف اذا وقف الدار مثلا للموقوف عليه، و جعل الخيار للبطن الموجود بان لهم أن يفسحوا الوقف فبيعوا عند اقتضاء المصلحة له، فان العين الموقوفة و ان لم تكن ملكا طلقا للبطن الموجود الا ان له حق الخيار فباعماله يبطل الوقف و يكون العين ملكا شخصيا للبطن الموجود فان البيع يقع علي ماله الشخصي، و لا يجي ء هنا المحذور المتقدم و هو عدم مراعاة قانون البدلية لأنه بعد اعمال حق الخيار يخرج المثمن عن

ملك الموقوف عليه، و يدخل في ملك البطن الموجود، كما أن الثمن أيضا يدخل في ملكه اذ المبدل دخل في ملكه باعمال الخيار.

ان قلت: ان هذا انما هو الوقف المنقطع و هو باطل لا يمكن الالتزام به.

قلت: ان انقطاع الوقف يكون علي أقسام ثلاثة.

الاول ان الواقف ينشئ الوقف بقوله: اني وقفت الدار مثلا الي ثلاث سنواة أو اربع سنواة فهذا القسم من الوقف المنقطع باطل لكونه معقد الاجماع بل الضرورة.

القسم الثاني أن ينشئ الوقف بقوله: اني وقفت الدار لأولاد الحسن عليه السّلام مثلا

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 269

و يكون قصده أن يتصرف هذه البطون بحيث ينتهي و ينقرض بانقراضهم و في هذا القسم خلاف في صحة الوقف و بطلانه.

و اختار شيخنا الاستاذ عدم بطلانه، لان دليل البطلان ليس دليلا لفظيا حتي يتمسك باطلاقه في جميع موارد الانقطاع بل هو دليل لبي يؤخذ فيه بالقدر المتيقن منه و هو القسم الاول فقط.

الثالث أن ينشئ الوقف علي نحو التأبيد، و لكنه جعل للموقوف عليهم حق الخيار بأنهم اذا ارادوا أن يفسخوا و فلهم ذلك فيكون أمد الوقف عند التحليل الي قوله:

فسخت فان دليل بطلان الوقف المنقطع لا تشمل المقام لما قدمناه آنفا من أن دليله لبي فالقدر المتيقن منه هو القسم الاول هذا تمام الكلام في رفع المانع الاول.

و أما المانع الثاني و هو كون اشتراط البيع مخالفا للسنة فنقول ان دليل حرمة بيع الوقف دليل امضائي ليس تأسيسيا حتي يكون اشتراط بيعه مخالفا له- و بعبارة اخري ان دليل حرمة بيع الوقف ليس دليلا تعبديا ليكون اشتراط بيعه مخالفا له بل انما هو امضاء لما قصده الواقف.

و ثانيا انه علي فرض تسليم ان اشتراط بيع

الوقف مخالف للسنة لا يكون بيعه حراما لأنه مع اعمال حق الخيار لا يبقي موضوع للوقف حتي لا يجوز بيعه- و بعبارة اخري نفرض ان اشتراط بيع الوقف مناف للسنة الا انه بعد اعمال الخيار ليس المبيع وقفا حتي يصدق عليه بيع الوقف.

أقول: و في ما أفاده مواضع للنظر، الاول ان قوله: (ان قانون المعاوضة يقتضي دخول الثمن فيما خرج عنه المثمن) لا يمكن المساعدة عليه لعدم قيام دليل عقلي و لا نقلي عليه كما بينا تفصيله في محله.

الثاني ان قوله: (ان الواقف جعل الخيار للبطن الموجود) لم يفهم مقصوده دام ظله فان كان مراده ان الوقف يكون للموقوف عليهم الي قولهم فسخت كما هو مسلكه في البيع الخياري حيث كان يقول: معني جعل الخيار تمليك العين الي قول

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 270

ذي الخيار فسخت فيبقي العين في ملك واقفه لان المتيقن من خروجه عن ملك الواقف ما دام يكون الوقف باقيا و اما بعد انقضائه فلا مقتضي لخروجه عن ملكه.

فيرد عليه ان لازم ذلك ان جعل الواقف بانشائه حقين للموقوف عليهم، حق الفسخ، و حق ادخال العين في ملكهم و بيعه لأنفسهم حتي ينطبق عليه قانون المعاوضة علي نحو الوكالة ان كان حيا و علي نحو الوصاية ان كان ميتا حين الفسخ فلا بد من مراعات أحكام الوكالة و الوصاية فاذا مات الواقف قبل فسخ الموقوف عليهم لا ينتقل العين اليهم أزيد من ثلثه.

و ملخص الكلام انه لو قلنا: بان العين لم تخرج من ملك الواقف الا مقدارا خاصا من الزمان فيرجع الامر اما الي الوكالة و اما الي الوصية و ان كان المراد ان الواقف انشأ بصيغة الوقف الملكية المطلقة الابدية

لجميع البطون الا انه جعل حق الخيار للبطن الموجود بان لكل منهم أن يفسخ الوقف و الفسخ يرفع الملكية الموجودة كما ان الطلاق يعدم الزوجية الدائمة.

ففيه اولا ان الواقف قد جعل العين الموقوفة ملكا دائميا للموقوف عليهم و اما جعل الخيار لهم بأن يفسخوا الوقف حيث شاءوا يحتاج الي دليل و علي الاستاذ اقامته.

و ثانيا انه بعد فسخ الوقف مقتضي القاعدة دخوله في ملك الواقف و لا دليل علي خروجه منه، و دخوله في ملك الموقوف عليه الموجود.

و ثالثا انه علي فرض دخوله في ملك الموقوف عليه يعود الاشكال الا في مكهم اذ لا يدخل بالوكالة علي فرض، و الوصاية علي فرض آخر و هذا و ان كان ممكنا في عالم الثبوت الا انه لا دليل في مقام الإثبات كما ذكرناه آنفا، أضف الي ذلك انه يلزم أن لا يدخل في ملك الموقوف عليهم، و من المعلوم ان الاستاذ لا يرضي بهذا اللازم.

و رابعا ان ما أفاده من أن دليل حرمة بيع الوقف دليل امضائي لا تأسيسي ففيه ان قوله عليه السّلام (الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها) و ان كان دليلا امضائيا الا أن الدليل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 271

لا ينحصر به لان قوله: لا يجوز شراء الوقف دليل تعبدي فاشتراط جواز البيع ينافيه فيعود المحذور فتلخص أن ما ذكره الاستاذ في دفع المانعين المذكورين لجواز الاشتراط لا يمكن المساعدة عليه.

و الحق أن يقال: في المقام ان الواقف اما جعل الثمن في حكم المثمن في تعلق حق جميع البطون به، و اما جعله ملكا لهم، اما الصورة الاولي و هي صورة جعل الثمن في حكم المثمن فلا تكون مجال للمانعين المذكورين اصلا.

اما المانع

الاول و هو كونه منافيا لقصد الواقف التأبيد ففيه انه ليس منافيا له لان المفروض ان الواقف قصد ان الوقفية يتدرج في السلسلة المتلاحقة و تكون ماليته محفوظة في جميع المراتب فعليه ان اشتراط بيعه ليتبدل بالعين الاخري التي يكون نفعها اكثر مؤكد لبقاء ماليته، و لا ينافيه، و اما المانع الثاني و هو كون الاشتراط مخالفا للسنة فنقول: ان قوله: الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها لا يقتضي المنع عن اشتراط البيع، لأنه أمضي كل ما أوقفه الواقف و قصده، و المفروض انه قصد حفظ ماليته و لو ببيعه و تبديله بعين اخري، و اما قوله: لا يجوز شراء الوقف أيضا لا يصلح للمانعية لجواز أن يقال: انه منصرف عن صورة اشتراط الواقف بيعه.

و ان أبيت عن ذلك فنقول: ان دليل عدم جواز شراء الوقف لا يكون محققا لموضوعه فلا بد أن تكون الوقفية مفروغة عنها في الرتبة السابقة حتي يتعلق بموضوعها عدم جواز بيعه، و المفروض ان الموضوع انما يتحقق بقوله: (الوقوف علي حسب … )

فهو محقق للموضوع فكيف يعارضه دليل عدم جواز شراء الوقف.

و ان أبيت عن ذلك أيضا فيقع التعارض بين الروايتين و بعد التساقط يكون المرجع هو قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال علي صحة بيعه ان لم نرجح دليل الجواز بموافقة الكتاب، و من ذلك ظهر عدم صلاحية المانع الثاني للمانعية بعد سقوط

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 272

قوله: لا يجوز شراء الوقف بالمعارضة، و أيضا ظهر مما ذكرنا انه لا بأس باشتراط البيع في صورة ذكر المعلق عليه بل شرط البيع علي نحو المطلق لا مانع منه أيضا هذا اذا علم ان الواقف قصد كون الوقفية متدرجة في سلسلة متلاحقة

و يحفظ ماليته في جميع المراتب.

و اما اذا كان قصده أن يكون الثمن ملكا طلقا للموقوف عليهم فهذا يتصور علي قسمين فتارة أن ينشئ الوقف بقصد أن تكون العين وقفا دائميا لجميع البطون الي أن يرث اللّه و مع ذلك يشترط جواز بيعه فهذا لا يجوز لأنه خلاف السنة فالشرط باطل و يشمله قوله: لا يجوز شراء الوقف.

و اما اذا لم يقصد أن تكون العين وقفا دائميا بل كان غرضه وقف الدار مثلا الي ان يريد و ابيعها فامد الوقف ينقضي بارادتهم البيع فيجوز اشتراط بيعه فينتقل العين الي الموقوف عليهم علي نحو الوكالة او الوصاية و اما الاعتراض بانه وقف منقطع فقد بينا جوابه فلا نعيد هذا تمام الكلام بالنسبة الي القاعدة الاولية.

[أما المقام الثاني البحث عما يقتضيه النص الوارد في المقام]

و يقع الكلام بالنظر الي القاعدة الثانوية اي النص الخاص في المقام و هي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال بعث الي بهذه الوصية أبو ابراهيم عليه السّلام هذا ما أوصي به و قضي به في ماله عبد اللّه علي ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و يصرف النار عني يوم تبيض وجوه و تسود وجوه ان ما كان لي من مال بينبع يعرف لي فيها و ما حولها صدقة و رقيقها غير أبي رياح و أبي نيزر و جبير عتقاء ليس لأحد عليهم سبيل فهم موالي يعملون في المال خمس حجج و منه نفقتهم و رزقهم و رزق أهاليهم.

و مع ذلك ما كان لي بوادي القري كله مال بني فاطمة و رقيقها صدقة، و ما كان لي بذعة و أهلها صدقة غير أن رقيقها لهم مثل ما كتبت لأصحابهم و ما كان لي بأذينة و

أهلها صدقة و القصيرة كما قد علمتم صدقة في سبيل الله و ان الذي كتبت من أموالي هذه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 273

صدقة واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا ينفق في كل نفقة ابتغي بها وجه اللّه في سبيل اللّه و وجهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب و القريب و انه يقوم علي ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد اللّه في حل محلل لا حرج عليه فيه.

فان اراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل ان شاء لا حرج عليه فيه و ان شاء جعله شروي «سري خ» الملك و ان ولد علي و اموالهم الي الحسن بن علي و ان كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه … ) «1»

و ان هذه الرواية بظاهرها تدل علي جواز اشتراط البيع في الوقف كما ان الصناعة العلمية تقتضي الجواز و الحق أن يقال كما قال الشيخ ان تأويل الرواية مشكل و العمل به اشكل و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

[حكم الصورة التي يؤدي بقائه إلي خرابه علما أو ظنا]
اشارة

الصورة السابعة ان يؤدي بقائه الي خرابه علما او ظنا و هو المعبر عنه بخوف الخراب،

و الاداء الي الخراب قد يكون للخلف بين اربابه و اخري لوجه آخر و أيضا ادائه الي الخراب قد يكون بحيث يسقط الوقف عن الانتفاع، و اخري ينقص عن منفعته اما لو فرض سقوطه عن الانتفاع الموقوف و لكن قابل لانتفاع آخر فهو محل للنزاع بين الشيخ و صاحب الجواهر و قد مر منا التفصيل.

و ملخص الكلام في المقام انه ذهب بعض الي جواز البيع في صورة الاداء الي الخراب

بشرط أن يكون السبب خلاف اصحابه و ذهب بعض الي الجواز مطلقا و يمكن أن يقال بان الوجه للجواز ما مر من الوجه في الصورة الاولي و فيه انه فرق بين تحقق عنوان بالفعل و بين أن يتحقق بعد ذلك فلا يقاس احد المقامين بالاخر اذا عرفت ذلك

فنقول ما يمكن أن يقال: في وجه الجواز امور.
الاول ان بقاء الوقف مع العلم أو الظن بان بقائه يؤدي الي الخراب تضييع للمال و هو حرام

______________________________

(1)- الوسائل الباب (10) من أبواب احكام الوقوف الحديث (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 274

فلا بد من بيعه حذرا عن ارتكاب الحرام، و لا يخفي عليك ان هذا الاستدلال علي فرض تماميته يدل علي جواز بيع الوقف سواء كان بقائه مؤديا الي الخراب باختلاف اربابه أو بسبب غيره.

و فيه اولا انه لا دليل علي حرمة تضييع المال مطلقا بل قد يكون واجبا بأمر الشارع بمصلحة مهمة قد خفيت علينا كوجوب ذبح الشياة في المني المستلزم لضياع المال أحيانا.

و ثانيا انه فرق بين تضييع المال، و دفع الضياع عنه، و علي فرض تسليم حرمة تضييع المال لا دليل علي وجوب حفظ المال عن الضياع نعم قد علم من الشرع وجوب حفظ المال في موارد خاصة علي ما يتراءي من كلامهم، و لكن هذا المقدار لا يكفي كلية.

و ثالثا ان حرمة تضييع المال لا يكون مجوزا لبيع الوقف كما انه اذا فرض أن الحنطة مثلا يفسد اذا لم يجعله مالكه في معرض البيع، و لم يمكن حفظه الا بالبيع الفاسد لكونه غرريا هل يتوهم أحد ان هذا يوجب صحة بيعها غرريا كلا.

الثاني ان غرض الواقف تعلق بحفظ مالية عين الموقوفة، و انتفاع الموقوف عليهم عنها

فبقاء العين مع العلم بانه يؤدي الي الخراب مناف لغرض الواقف فلا بد أن يباع كي يبدل بعين اخري حفظا لغرضه.

و يرد عليه ان غرض الواقف انما تعلق ابتداء بنفس العين الموقوفة، و المفروض ايفاء غرض الواقف بالعين الموقوفة فعلا لقابليتها للانتفاع، و انما جاز بيعه حفظا لماليتها عند طرو الخراب له لا من حين حصول العلم بكونها خرابا بعد شهرين مثلا.

الثالث ما افاده المرزا النائني (قدس سره) بان العلم أو الظن بتأديته الي الخراب المعبر عنه بخوف الخراب طريق عقلائي اليه،

و بعبارة اخري اذا احتمل احتمالا عقلائيا تأديته الي الخراب علي نحو لو كان فعلا خرابا لجاز بيعه فحكم الاحتمال حكم

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 275

نفس الخراب و لكن من حيث كونه طريقا لان بعد اعتبار هذا الاحتمال عند العقلاء فكأنه صار خرابا فعلا.

و يرد عليه انه لو كان خوف الخراب متعلقا بالخراب الفعلي يكون الخوف طريقا الي تحقق الخراب و ان الخراب المتحقق في المستقبل لا يكون موضوعا لجوار البيع فعلا فلا اثر للخوف بل لا أثر للقطع بالخراب الاستقبالي.

الرابع ان المقتضي للجواز موجود، و المانع عنه مفقود

اما المقتضي فتام من جهة كونه مالا و مملوكا فيشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و اما المانع فليس الا ما يتوهم انه مناف لحق الواقف، و حق الموقوف عليه و حق اللّه سبحانه و تعالي و لكنك اذا تأملت ان البيع لا ينافي هذه الحقوق الثلاثة اما عدم منافاته لحق الواقف فظاهر لان غرض الواقف الانتفاع بالعين و حفظ ماليتها، و لو بالتبديل بالعين الاخري فبيعها للتبديل موجب لان يحفظ ماليته و كيف ينافي غرضه و اما عدم منافاته لحق الموقوف عليهم فظاهر لأنهم يريدون الانتفاع سواء كان هذا من نفس العين الموقوفة أم من بدلها و اما عدم منافاته لحق اللّه لان دليل حرمة شراء الوقف منصرف عن المقام لكونه ناظرا الي صورة عدم خرابه.

و يرد عليه انه لا نسلم عدم منافاته لحق الواقف لان غرضه تعلق ببقاء العين فيما اذا كان قابلا للانتفاع و اما كونه منافيا لحق الموقوف عليهم و عدم كونه منافيا فليس دخيلا في المطلوب لأنا نتبع الدليل فان قام الدليل علي جواز بيعه نلتزم به و ان لم يقم الدليل عليه

فلا نلتزم به سوا كان منافيا لحق الموقوف عليهم أم لا.

و بعبارة اخري لا حق لهم الا ما جعله الواقف، و امضاه الشارع، و اما عدم كونه منافيا لحق اللّه فممنوع لعدم تسليم انصراف دليل حرمة الوقف عن المقام لأنه لا نري وجها للانصراف فالاطلاق محكم.

الخامس مكاتبة ابن مهزيار

قال: و كتبت اليه ان الرجل ذكر ان بين من وقف

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 276

عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و انه ليس يا من أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فان كان تري أن يبيع هذا الوقف و يدفع الي كل انسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته، فكتب اليه بخطه و أعمله أن رأي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال و النفوس «1».

و يقع الكلام فيها تارة من جهة السند، و اخري من جهة الدلالة اما السند فان الشيخ رواها بثلاثة أسانيد اثنان منها صحيحان، و رواه الصدوق بسنده الي عباس ابن معروف عن علي بن مهزيار و هو أيضا صحيح فالرواية لا شبهة فيها سندا.

و اما من ناحية الدلالة فلا قصور فيها من هذه الجهة أيضا اذ يستفاد منها انه ان وقع الاختلاف بين ارباب الوقف و يكون البيع أمثل يباع فانه ربما يتفق تلف الاموال و النفوس.

و ربما يقال: ان الظاهر المستفاد من الرواية أن يشترط في جواز البيع تلف الاموال و كذلك تلف النفوس و أيضا يلزم أن يكون الشرط بنحو الانضمام و الاجتماع بحيث يتلف عدة أموال و عدة نفوس و الا لا يترتب الحكم، و لا شبهة ان هذا النحو من الاستفادة خروج عن جادة الصواب

في باب الاستفادة من الظهورات فان ما يستفاد من الرواية بحسب الظهور العرفي و لو بمئونة تناسب الحكم و الموضوع انه لو انجر الخلاف الي تلف المال أو النفس يكون البيع جائزا.

و بعبارة اخري لو كان الوقف موردا لمثل هذا الاختلاف يكون البيع أمثل اذ ربما جاء في اثر الخلاف تلف المال أو النفس بلا فرق بين أن يكون خطر الخراب متوجها الي العين الموقوفة و بين أن يكون متوجها الي مال آخر، و لا يخفي أنه يفهم من قوله: (ربما … ) انه بنحو الحكمة فلو وقع الخلاف من اثر الوقف بين أربابه

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (6) من أبواب أحكام الوقوف، الحديث (6)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 277

و يعلم انه لا يترتب المحذور علي هذا الخلاف يجوز البيع بمقتضي هذه الرواية فالرواية تامة من ناحية الاقتضاء فلو كنا نحن و هذه الرواية لم يكن مانع أمامنا من أن نفتي بجواز البيع و ربما يتوجه علي الرواية امور.

الاول ان المشهور لم يعملوا بمفاد الرواية فتسقط عن الحجية.

و يرد عليه اولا قد بينا انا لا نعلم أن المشهور لم يعملوا بها بل نعلم عملهم بها فان الشيخ (قدس سره) يقول: عدي المكاتبة المشهورة التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه الصورة فيها.

و ثانيا علي فرض تسليم اعراضهم فقد مر انه غير مضر مضافا بانه يمكن ان يكون الاعراض عن الدلالة.

الثاني ان المستفاد من الرواية ان الامام عليه السّلام أمر ببيع حصته من الضيعة الموقوفة بقوله اني امره ببيع حصتي و الحال ان الوقف لا يجوز بيعه.

و فيه او لا يحتمل أن يكون المراد ان الامام عليه السّلام أمر ببيع خمس المال الموقوف له

بعنوان الخمس فيبيعه باذنه من جهة كونه ملكا له لا من جهة كونه وقفا له فلا يأمر ببيع خمس الوقف حتي يرد ما قيل.

و ثانيا انه علي فرض تسليم أن صدر الرواية المتضمن لبيع الخمس ظاهره في بيع خمس الوقف فنقول: يمكن أن يكون ذلك من جهة طر واحد مسوغات البيع في الوقف من كون بقائه مادة للفساد و غير ذلك من مسوغات البيع.

و ثالثا انه علي فرض تسليم أن هذه الجملة لا يمكن الالتزام بها فغاية الامر تكون مجملة و هذا لا يوجب سقوط اصل الرواية عن الحجية بل لا بد من أن يعمل بالجملات الباقية.

الثالث ان الرواية لم تذكر فيها الاعقاب فتكون دالة علي جواز بيع الوقف المنقطع، و الاصحاب قائلون بجوازه في الوقف المؤبد دون المنقطع.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 278

و يرد عليه اولا ان الوقف المنقطع اما يكون أمرا مشروعا فالمحذور الذي يتوهم في الوقف الدائم يجري بعينه في الوقف المنقطع لان المناط هو عدم جواز بيع الوقف لكونه منافيا للحقوق الثلاثة، فعلي فرض الصحة لا فرق بين الدائم و المنقطع، و اما يكون أمرا غير مشروع فيكون السؤال في الرواية عن جواز بيع الوقف المؤبد لأن المفروض أن المنقطع ليس بوقف مشروع في الشريعة الاسلامية حتي يسئل عن حكمه.

و ثانيا سلمنا ان السؤال انما كان عن حكم الوقف المنقطع و لكن جوابه عليه السّلام مطلق فيؤخذ باطلاق جوابه و يحكم بجواز البيع منقطعا كان او دائميا لان المناط باطلاق الجواب لا بخصوص السؤال.

ان قلت: لا يمكن الالتزام باطلاق الرواية لاعراض المشهور عن العمل به قلت قد مر ان الاعراض عن السند لا يضر فكيف عن الدلالة.

الرابع ان المستفاد من

الرواية ان الوقف لم يقبضه الموقوف عليهم حيث ان العين كان بيد مالكها و جعلها وقفا ثم وقع الخلاف قبل القبض و الحال ان القبض شرط لتحقق الوقف فجواز بيعه في المقام لا يدل علي جواز بيع الوقف.

و فيه ان السؤال و جوابه كان عن حكم الوقف و كان الوقف متحققا بتحقق جميع اجزائه و شرائطه كما هو ظاهر الرواية. و لو لم يكن الوقف محققا بعدم تحقق اقباضه فلا بد للإمام عليه السّلام أن يتعرض لذلك لكونه في مقام البيان و حيث انه عليه السّلام أجاب عن حكم الوقف من دون أن يتعرض بذلك يستكشف تحقق الوقف في المقام هذا اولا.

و ثانيا لو لم يتحقق الوقف فلا معني لتقسيم الثمن بين الموقوف عليهم لكون العين باقية في ملك الواقف فلا بد ان يكون الثمن أيضا مختصا به كما هو واضح.

الخامس ان مقتضي الرواية تقسيم الثمن بين البطن الموجود، و الحال أن البطون اللاحقة أيضا يستحقون له كما أنهم يستحقون العين الموقوفة في طول

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 279

البطن الموجود و ان الفقهاء لم يفتوا بهذا النحو بل ذهبوا الي تعلق حق البطون اللاحقة أيضا بالثمن.

و يرد عليه اولا انه قيل بان الاكثر عملوا بها و أفتوا بمضمونها.

و ثانيا ان عدم عملهم لا يوجب أن يرفع اليد عن دلالتها.

و ثالثا ان السرّ في تقسيم الثمن بين البطن الموجود يمكن أن يكون من جهة كون أمد الوقف منتهيا و لذا حكم الامام عليه السّلام بتوزيع الثمن بين البطن الموجود اذ لم يكن للبطون اللاحقة حق فيه لانتهاء أمد الوقف بالبطن الموجود و خامسا لو تسلم الخصم دلالة الرواية فلا وجه للإيراد عليها بل لا بد

من التسليم في مقابلها و قبول مفادها بالتعبد

ان قلت: اذا كان الوقف منقطعا فلا بد أن يكون العين باقية في ملك الواقف بعد انقطاع الوقف فلا وجه للتقسيم بين الموقوف عليهم.

قلت: ان الوقف المنقطع علي قسمين القسم الاول ما يعتبر الواقف بقاء العين في ملكه بعد انقطاع الوقف، القسم الثاني ما يعتبر بقاء العين الموقوفة في ملك البطن الاخير.

و بعبارة واضحة تارة يجعل الواقف العين الموقوفة ملكا للموقوف عليه مدة و الزائد علي تلك المدة يبقي في ملكه و بعد انتهاء أمد الوقف يكون الوقف ملكا للواقف و اخري يقف مدة و يجعل العين في ملك الطبقة الاخيرة الي الابد و في هذه الصورة خرج الوقف عن ملك الواقف فلا مقتضي لدخوله ثانيا لان الوقوف علي حسب ما أوقفها اهلها.

السادس ان المستفاد من ظاهر الرواية ان الامام عليه السّلام أمر الاجنبي ببيع الوقف و الحال انه علي فرض جواز بيعه لا بد ان يقع البيع من الموقوف عليهم، و اما الاجنبي فاجنبي عنه.

و الجواب عنه ان ابن مهزيار يسئل جواز بيع الوقف عن الامام من قبل الواقف

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 280

فيمكن انه كان متوليا للوقف أيضا فعليه لا مجال لهذا النحو من الاشكال.

السابع ان قوله ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال ظاهر في أن احتمال تلف الاموال و النفوس كاف في جواز بيعه و هذا لم يلتزم به أحد لان القائلين بجواز البيع انما يقولون به في مورد العلم بادائه الي الخراب أو الظن به و اما مجرد الاحتمال فلا يترتب الاثر عليه.

و الجواب عنه اولا ان اعراضهم لا يوجب و هنا في دلالة الرواية الا في صورة القطع بخلافها.

و ثانيا نفرض ان

الجملة المذكورة لا يمكن الالتزام بها لتسالم الفقهاء علي خلافها لكن لا موجب لرفع اليد عن باقي جملات الرواية و ان شئت قلت: اذا لم يمكن أن نعمل باطلاقها لكن نعمل بالمقدار الممكن و نرفع اليد عن المقدار غير الممكن.

الثامن ان الظاهر من قوله: «فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال و النفوس» هو التعليل بما ان العلة تعمم و تخصص كما في قولك لا تاكل الرمان فانه حامض فيكون جواز البيع مقيدا بالاختلاف الخاص و هو الذي لا يؤمن معه تلف الاموال و النفوس، فيكون الدليل أخص من المدعي لان المدعي جواز بيع الوقف في صورة الاختلاف سواء جاء منه تلف الاموال و النفوس أم لا، و المستفاد من الرواية اختصاص جواز البيع بما اذا جاء من الاختلاف تلف الاموال و النفوس، و هو موجب لجواز البيع و ان لم يكن الوقف منشأ للنزاع.

و الجواب عنه انا لا نسلم كون الجملة المذكورة من الرواية ظاهرة في العلية حتي يقال: ان المستفاد من الرواية ان الاختلاف الخاص مجوز للبيع فيكون الدليل أخص من المدعي بل هي ظاهرة في الحكمة عند العرف فعليه لا يرد عليها ما قيل.

و بعبارة ملخصة ان مجي ء تلف الاموال و الانفس من الاختلاف حكمة للحكم لا علة حتي تعمم و تخصص لأنه كما بين في محله ان الحكم ليس دائرا مدار الحكمة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 281

في الوجود و العدم كما يكون ذلك في العلة فان الحكم الذي يكون معلولا لها يدور مدارها وجودا و عدما.

و اما الحكمة فليست كذلك مثلا ان اختلاط المياه الموجب لاشتباه النسل حكمة لوجوب العدة علي المرأة و ليس هذا الوجوب دائرا مداره و لذا

تجب العدة علي المرأة و ان كانت عقيمة و كذلك في المقام فان تلف الاموال و النفوس حكمة لمشروعية جواز البيع فيلتزم به بمجرد الاختلاف الناشئ عن الوقف و ان لم يلزم منه تلف الاموال

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان في المقام صورا.
الصورة الاولي و هي صورة خراب العين بحيث لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينه كالحيوان المذبوح

فالمختار في هذه الصورة من الوقف جواز بيعه لما قدمنا ان غرض الواقف انما كان حفظ مالية العين و هو لا يحصل الا ببيعها بأن يشتري العين الاخري قابلا للانتفاع بها.

الصورة الثانية و هي صورة خراب العين بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه كدار انهدمت فصارت عرصة

و قد بينا ان هذه الصورة لا ينبغي أن يبحث عنها استقلالا لان سقوطها عن الانتفاع بها اما يكون بحيث تلحق بالعدم عرفا فتدخل في الصورة الاولي فيجري فيها ما يجري فيها، و اما لا يلحق بالعدم فتدخل في الصورة الثالثة فيجري فيها حكم تلك الصورة و علي اي تقدير لا وجه لذكرها استقلالا.

الصورة الثالثة أن يخرب الوقف بحيث تقل منفعته، و لكن لا تبلغ الي حد العدم عند العرف،

فالحق فيها عدم جواز بيعه، لوجود المانع من ناحية الشرع و من ناحية الواقف، اما شرعا فلشمول الادلة المانعة و هي كقوله: لا يجوز شراء الوقف و قد بينا تفصيله فراجع، و اما من ناحية الواقف فلقوله: الوقوف علي حسب ما اوقفها أهلها.

الصورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أعود للموقوف عليهم

و قد التزمنا

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 282

بعدم جواز بيعه بالنظر الي القاعدة الاولية الا ان مكاتبة «1» الحميري تدل علي جواز بيعه كما بينا.

الصورة الخامسة أن يستدعي بيعه الضرورة الشديدة اللاحقة علي الموقوف عليهم،

و قد بينا عدم جواز بيعه بالنظر الي القاعدة الاولية الا ان مكاتبة الحميري «2» تدل علي الجواز.

الصورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة

فانه تارة يعلق البيع علي أمر و اخري يشترط البيع و يفتح للموقوف عليه باب النقل و الانتقال بنحو الاطلاق، و قد بينا ما هو مقتضي النص الخاص و لا وجه للإعادة فراجع.

الصورة السابعة أن يؤدي بقائه الي خرابه علما أو ظنا،

و قد بينا أنه لا يجوز بيعه بالنظر الي القاعدة لعدم المقتضي له قبل طرو المجوز فمجرد العلم بأنه سيطرأ المجوز لبيعه لا يفيد لجواز بيعه فعلا، و أما بالنظر الي النص الخاص فانه يدل علي جواز بيعه اذا كان الوقف مادة للفساد.

الصورة الثامنة أن يقع الاختلاف بين الموقوف عليهم بحيث لا يؤمن معه تلف المال و النفس

و ان لم يعلم أو يظن بذلك فمقتضي القاعدة الاولية أعني دليل حرمة بيع الوقف عدم الجواز و لذا لا مجري لاستصحاب الحرمة مضافا بانه تعليقي نعم مقتضي أصالة عدم انتقال المال الي من انتقل اليه بالعقد هو عدم الجواز الا ان الرواية الواردة تدل علي جواز بيعه لان المستفاد منها الحكمة فنلتزم به الا أن يقوم الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم علي عدم الجواز.

الصورة التاسعة أن يؤدي الاختلاف الي ضرر عظيم من دون تقييد بكون الضرر خراب الوقف

______________________________

(1)- الوسائل الشيعة، الجزء (13) الباب (6) من أبواب الوقوف الحديث (9).

(2)- الوسائل الجزء (13) الباب (6) من ابواب الوقوف الحديث (9).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 283

فلا بد من أن يقصد بانه ان كان الضرر هو الضرر النفسي أو المالي فيجوز بيعه و الا فبمجرد الضرر لا يحكم بجواز البيع الا أن يقال: بعد البناء علي أن المستفاد من النص الحكمة في الجعل لا العلة كما مر يجوز البيع فان موضوعه وجود الاختلاف الناشي عن الوقف.

الصورة العاشرة أن يلزم من بقائه فساد يستباح منه الانفس

فمقتضي القاعدة عدم الجواز الا ان النص الوارد في المقام يدل علي جوازه.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا ان كل مورد ثبت مقتض للبيع من ناحية الواقف او الشارع فنلتزم به و نقول: بجواز بيعه، و اما اذا شككنا في جواز بيعه و عدمه فربما يتمسك باستصحاب عدم جواز بيعه و لكنه ممنوع لوجود الدليل اللفظي في المقام و هو قوله لا يجوز شراء الوقف فاذا فرض عدم شموله للمقام للانصراف أو بالمعارضة فالمرجع حينئذ عموم قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الدال علي جواز بيعه علي القول بانه دليل الصحة اضافة علي اللزوم و أيضا لا مانع من التمسك باطلاق حلية التجارة و لتوضيح الحال نقول: ان المقتضي لجواز البيع موجود فان المفروض ان البطن الموجود مالك للعين و المفروض أيضا عدم المانع.

اضف الي ذلك كله أن استصحاب عدم جواز البيع يكون تعليقيا لان مرجعه يكون الي انا نعلم بأن بيع الوقف قبل طرو الخراب لا يكون ممضي عند الشارع قطعا فبعد طروه نشك في أنه ممضي عنده أم لا فيستصحب عدم كونه ممضي عنده و هذا هو الاستصحاب التعليقي و بعبارة واضحة ان جريان الاستصحاب بأن هذا العين قبل عروض

العارض الفلاني كان بحيث لو بيع لم يكن جائزا و الان كما كان.

(فرعان)
الاول انه لا وجه للترديد في جواز بيع الوقف بعد طرو المجوز لبيعه

بانه يكون ضررا علي البطون اللاحقة علي فرض أن يكون الثمن للبطن الموجود، و علي فرض وضع الثمن عند الامين حتي يستفيد منه البطون اللاحقة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 284

فالبطن الموجود يكون متضررا و لو بيع و يشتري به بدل فأيضا يمكن أن لا يكون جائزا لاحتمال كون البدل أقل منفعة من الاصل و لكنك اذا تأملت فيما تقدم تعلم أنه لا وجه للترديد لان مع طرو مجوز البيع لا شبهة في الجواز و ان كان البطون متضررين و مع عدمه لا يجوز بيعه فالجواز و عدمه دائر مدار وجود المجوز و عدمه و اما كون البطون متضررين أم لا فلا يكون دخيلا في المطلوب.

الثاني انه اذا دار الامر بين صرف المنفعة في عمران العين و بين اعطائه ها الموقوف عليهم حتي يصرفوا في مصارفهم فما هي الوظيفة

الظاهر ان الواقف اذا اشترط و لو ارتكازا أن يصرف الثمن في عمران الموقوفة فليعمل به و الا لا عطي الموقوف عليهم.

ان قلت اذا لم يصرف المنفعة في عمران الموقوفة فهي تسقط عن الانتفاع بل تخرب رأسا قلت ان حفظ الوقف عن الخراب لا يكون واجبا علي الموقوف عليهم بل يجوز لهم البيع أن يصرفوا ثمنها لأنفسهم بعد فرض عدم اشتراط الوقف صرف الثمن في حفظ العين الموقوفة. هذا تمام الكلام في الوقف المؤبد.

و يقع الكلام في الوقف المنقطع
اشارة

و الذي ينبغي في المقام ان يقع الكلام في مقامين، الاول في صحة الوقف المنقطع و عدمها، الثاني في جواز بيعه و عدمه، و لا يخفي ان البحث في المقام الثاني متفرع علي اثبات صحة الوقف المنقطع و اما علي القول ببطلانه فلا مجال للبحث الثاني أصلا.

اما المقام الاول [في صحة الوقف المنقطع و عدمها]

فما قيل أو يمكن أن يقال في وجه بطلان الوقف المنقطع أمور.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 285

الامر الاول قيام الاجماع علي بطلانه.

و الجواب عنه ان الاجماع لا يكون حجة لا سيما في المقام لكونه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعه.

الامر الثاني ان الوقوف الصادرة من الائمة كانت أبدية فعليه لا يصح الوقف المنقطع لكونه علي خلاف فعل المعصوم عليه السّلام.

و فيه اولا انا لا نسلم كون الوقوف الصادرة عن المعصومين عليهم السلام كلها ابدية و عدم صدور الوقف المنقطع منهم فدون اثباته خرط القتاد، و بعبارة اخري غاية ما في الباب عدم العلم بصدور الوقف المنقطع منهم و عدم العلم اعم من- المدعي.

و ثانيا ان صدور الوقف الدائمي منهم (ع) لا يكون دليلا علي عدم جواز غيره فلا بد من ملاحظة عموم اقتضاء دليل الصحة و خصوصه.

الامر الثالث ان التأبيد اشرب في حقيقة الوقف فالانقطاع خارج عن حقيقته فلا يمكن الالتزام به.

و فيه انا قد بينا ان الوقف عبارة عن تحبيس العين و تسبيل الثمرة و ان شئت فعبر انه عبارة عن ايقاف العين عن الحركة الاعتبارية و اما التأبيد او الانقطاع فكلاهما خارجان عن حقيقته فتحصل أن الوجوه التي ذكروها لبطلان الوقف المنقطع لا يمكن المساعدة عليها، و لا بدلنا أن نبحث من الدليل في المقام فاذا كان الدليل قائما علي صحته يلتزم به و لا

يلزم منه محذور ابدا، فنقول ان الوقف المنقطع علي قسمين.

الاول ان الواقف يقف الدار مثلا للموقوف عليه المعين بمدة عشر سنواة مثلا.

الثاني أن يقف علي من يعلم انقراضهم بعد مدة، اما القسم الاول فالذي يظهر من كلمات الفقهاء انهم تسالموا علي بطلانه قال السيد في ملحقات العروة هو المدعي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 286

عليه الاجماع في كلمات جماعة و لا خلاف بينهم في بطلانه كما عن ظاهر جامع المقاصد و المسالك و عن الغنية و المختلف و السرائر و الجواهر دعوي الاجماع عليه الي غير ذلك من الكلمات فراجع و هذه الاجماعات محل نقاش و هذا القسم خارج عن محل البحث.

و اما القسم الثاني و هو الوقف علي من ينقرض فمقتضي التحقيق ان يقال:

بصحة هذا القسم من الوقف المنقطع لعدم ثبوت التسالم من الفقهاء علي خلافه و شمول ادلة الوقف بالنسبة اليه بعد فرض أن الواقف انشأ الوقف بهذا النحو فلا مقتضي للقول: بانه لا يكون وقفا بل يكون حبسا لأنه لم يكن مقصودا للواقف و لم ينشئه، و بانشاء صيغة الوقف لا يمكن اثبات الحبس اذ الوقف و الحبس أمر ان متغايران من حيث الماهية فان الوقف عبارة عن تمليك العين علي الوجه المخصوص، و اما الحبس فهو عبارة عن تمليك المنفعة فالفرق بينهما كالفرق بين البيع و الاجارة هذا اولا.

و ثانيا انه تدل الروايات الخاصة علي صحته كما يظهر ذلك من روايتين الاولي ما رواه علي بن مهزيار قال: قلت: له روي بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام) ان كل وقف الي وقت معلوم فهو واجب علي الورثة و كل وقف الي غير وقت جهل مجهول فهو باطل علي الورثة و انت

أعلم بقول آبائك (ع) فكتب عليه السّلام هكذا هو عندي «1»

و هذه الرواية تدل علي أن كل وقف الي وقت معلوم فهو واجب و صحيح و من الواضح أن أمد الوقف يكون بانقراض الورثة فهو معلوم بعنوانه.

(الثاني) مكاتبة محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الي أبي محمد عليه السّلام اسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو فقد روي ان الوقف اذا كان غير موقت فهو

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (7) من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 287

باطل مردود علي الورثة، و اذا كان موقتا فهو صحيح ممضي قال قوم: ان الموقت هو الذي يذكر فيه انه وقف علي فلان و عقبه فاذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين الي أن يرث اللّه الارض و من عليها و قال آخرون هذا موقت اذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين الي ان يرث اللّه الارض و من عليها و الذي هو غير موقت أن يقول هذا وقف و لم يذكر أحدا فما الذي يصح من ذلك و ما الذي يبطل فوقع عليه السّلام الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه «1».

و لا يخفي ان سند الشيخ الي الصفار في المشيخة ضعيف، و لكن لا يبعد أن يكون معتبرا في الفهرست فانه يروي عن المفيد عن الصدوق عن محمد بن حسن الوليد عن الصفار و المستفاد منها ان الواقف كان اختيار الوقف بيده فله أن يقف العين علي نحو التأبيد و له أن يقف علي نحو الانقطاع و يكون ممضاة عند الشارع مطلقا.

فتلخص مما ذكرنا صحة الوقف المنقطع بالمعني الثاني

[المقام الثاني في جواز بيعه و عدمه]

و بعد الفراغ عن

صحة هذا القسم يقع الكلام في جواز بيعه و عدمه.

فنقول: ان الواقف تارة يبقي العين الموقوفة باقية في ملكه بانه لا يخرجها عن ملكه إلا مدة الوقف و أما ما زاد عنها فيبقيها في ملكه، و اخري يملكها للموقوف عليهم ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم الي ورثتهم عند انقراضهم، فعلي الاول تارة يكون متصدي البيع الموقوف عليهم و اخري يكون المتصدي هو نفس الواقف فان كان المتصدي هو الموقوف عليهم فلا يجوز بيعه لعدم المقتضي اولا لأنه يشترط في صحة البيع أن يكون أمر المبيع بيد البائع، و ليس في المقام كذلك لان المفروض بقاء العين في ملك الواقف بعد انقراض الموقوف عليهم فلا مقتض لصحة البيع.

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (13) الباب (7) من احكام الوقوف و الصدقات، الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 288

و ثانيا لوجود المانع لان الادلة المانعة عن شراء الوقف تشمل المقام أيضا كقوله: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملك هذا اذا كان البائع الموقوف عليهم.

و اما اذا كان متصدي البيع هو الواقف فايضا نقول: بعدم جواز بيعه، أما اولا فلشمول قوله عليه السّلام لا يجوز شراء الوقف فانه باطلاقه يدل علي عدم جواز بيع الوقف حتي في صورة كون البائع نفس الواقف.

و ثانيا ان كان مراده من قوله: بعت هذا الدار مثلا وقوع البيع في الحال الحاضر فيلزم منه بيع ملك الغير لعدم كون الواقف مالكا له قبل انقراض الموقوف عليهم و ان كان مراده وقوع البيع بعد انقراضهم فهذا تعليق في البيع و يكون مبطلا بالإجماع فتحصل ان البيع لا يجوز في هذه الصورة.

و ربما يستدل علي عدم جواز بيع الواقف بلزوم الغرر لعدم العلم

بانقراض الموقوف عليهم فيكون وقت استحقاق التسليم مجهولا و اما بطلان البيع الغرري فهو أمر واضح.

و فيه اولا لقائل أن يقول: ان المراد من البيع الغرري معناه الاسم المصدري بمعني أن المبيع اذا كان غرريا فيكون البيع باطلا و في المقام ان المبيع لا يكون غرريا لكونه معلوما للطرفين و انما المجهول وقت استحقاق التسليم التام علي وجه ينتفع به.

و ثانيا ان أبيت عن ذلك و قلت ان العرف يري هذا البيع غرريا فنقول: ان الدليل أخص من المدعي لإمكان العلم بانقراضهم في بعض الموارد عادة كالعلم بان الموقوف عليه يكون عقيما فلا يكون وقت التسليم مجهولا علي الاطلاق حتي يقال انه غرري دائما نعم في بعض الموارد يكون غرريا و لكن المدعي اعم من ذلك و الاخص لا يكون دليلا للأعم.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 289

و ثالثا ان الغرر انما يكون بمعني الخطر و اذا علم المشتري بان العين متي وصل اليه يكون رابحا و ان لم يعلم وقت وصوله تعيينا فلا يصدق عليه انه خطري.

و رابعا انه لا دليل علي بطلان البيع الغرري لان ما يدل عليه ما رواه الصدوق و قد نهي رسول اللّه عن بيع المضطر و عن بيع الغرر «1»

و هذه الرواية لها طرق ثلاثة، و هذه الطرق و الاسانيد مذكورة في باب اسباب الوضوء من كتاب طهارة الوسائل فراجع، الا ان كلها مخدوش لان في بعض الطرق احمد بن عامر و في بعض آخر ابراهيم بن هاون و في بعض آخر داود بن سليمان فلا يمكن الاستدلال بهذه الرواية لسقوطها عن الحجية فلا يكون دليلا علي بطلان البيع الغرري هذا تمام الكلام الي هنا.

و اما علي الثاني و

هي صورة تمليك الواقف العين الموقوفة من ورثة الموقوف عليهم بعد انقراضهم فتارة يكون المتصدي للبيع الطبقة الاولي او الوسطي، و اخري يكون المتصدي الطبقة الاخيرة و علي كلتا الصورتين فمقتضي القاعدة الاولية عدم الجواز لعموم قوله: عليه السّلام لا يجوز شراء الوقف و لكونه منافيا لجعل الواقف لأنه جعله واقفا عن الحركة الاعتبارية، و الشارع أيضا امضاه و البيع ينافيه.

و ربما استدل علي جواز البيع بصحيحة ابن نعيم عن أبي الحسن موسي (ع) قال سألته عن رجل جعل دار سكني لرجل أيام حياته او جعلها له و لعقبه من بعده هل هي له و لعقبه من بعده كما شرط قال نعم قلت له فان احتاج يبيعها قال: نعم قلت فينقض بيع الدار السكني قال لا ينقض البيع كذلك سمعت أبي يقول. قال ابو جعفر قال لا ينقض البيع الاجارة و لا السكني و لكن تبيعه علي ان الذي اشتراه لا يملك ما اشتري حتي تنقضي السكني كما شرط و كذا

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (40) من أبواب آداب التجارة، الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 290

الاجارة قلت فان رد علي المستأجر ماله و جميع ما لزمه من النفقة و العمارة فيما استأجر قال علي طيبة النفس و رضا المستأجر بذلك لا باس «1»

و التأمل في الرواية يقتضي أن يقال بأنها أجنبية عن الدلالة علي جواز بيع الوقف لأنها تدل علي جواز بيع الدار التي جعلت للسكني و هو عنوان مستقل في الفقه و لا ربط له بباب الوقف اصلا هذا تمام الكلام في الوقف الحمد للّه اولا و آخر.

[الكلام في بيع الرهن]
[الكلام في ما يرجع إلي بيع الراهن]
[الكلام في الأدلة التي أقيمت علي صحة بيع الراهن العين المرهونة]

هل يجوز بيع الرهن للراهن بالاستقلال من دون ان يكون محتاجا الي الاجازة المتأخرة

اولا يجوز بيعه اصلا فيقع باطلا من اصله و لا تكون الاجازة المتأخرة موجبة لصحة ما هو باطل او يكون جواز بيعه متوقفا علي الاجازة المتأخرة بان يكون له صحة تأهليه فبلحوق الاجازة يكون مؤثرا في النقل و الانتقال و المسألة خلافية بين الاعلام.

و الذي يوافق التحقيق هو القول الاول لوجود المقتضي لان امر المبيع انما يكون بيد الراهن لكونه مالكا له فيشمله ادلة امضاء البيع كقوله احل اللّه البيع و غيره من العمومات و الاطلاقات و اما المانع فربما ذكر في المقام وجوه الا انها لا تصلح للمانعية و ستطلع عليها إن شاء اللّه و نحن نذكرها و نجيب بعون اللّه و توفيقه فنقول.

الاول انه ربما استدل بقيام الاجماع علي عدم جواز بيع المرهون و فيه اولا انا قد بينا في الاصول عدم قيام الدليل علي حجية اجماع المنقول. و اما المحصل منه فغير حاصل.

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (3) الباب (24) من أبواب احكام الاجارة، الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 291

و ثانيا انه علي تسليم حجيته لا يكون حجة في المقام لكونه محتمل المدرك ان لم يكن مدركه معلوما او مظنونا.

الثاني ما ارسل «1» عن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله الراهن و المرهون ممنوعان عن التصرف و هكذا ذكر في المستدرك و لعله سهو من الناسخ و الصحيح ان يقال و المرتهن أو المرهون عنده و هذه الرواية لإرسالها غير قابلة للاستناد لا يقال ان النبوي و ان كان ضعيفا بارساله الا ان المشهور عملوا بمضمونه لأنا نقول قد سبق منا غير مرة ان عمل المشهور لا يكون جابرا لضعف الرواية كما ان اعراضهم لا يوجب و هنها.

الثالث انه غرري لا

مكان عدم اقدار الراهن اداء دينه مثلا فيبيع المرتهن العين المرهونة. و يكون البيع الغرري باطلا. و فيه انه قد ذكرنا سابقا عدم الدليل علي بطلان البيع الغرري هذا اولا.

و ثانيا انه لا يلزم منه الغرر لان للمشتري أن يأخذ حقه عن البائع في صورة بيع المرتهن العين المرهونة.

ان قلت انه لا شبهة في كون المبيع علي هذه الكيفية المخصوصة مع ما فيه من النزاع عادة ناقصا.

قلت و لو سلمنا ذلك و لكنا لا نسلم بطلانه بل نقول ان كان المشتري عالما بذلك و أقدم عليه عالما به فلا بد ان يلتزم بلوازمه و ان كان جاهلا به فله الخيار.

فتخلص ان المقتضي للصحة موجود و الموانع المذكورة لا تصلح للمانعية فيكون بيعه جائزا و اذا أغمضنا عن القول الاول و قلنا بعدم جواز بيعه استقلالا تمسكا بقوله: الراهن و المرتهن ممنوعان عن التصرف او من جهة اخري من الوجوه المذكورة هل يكون بيعه باطلا من أصله و لا يكون الاجازة اللاحقة مؤثرة في صحته كما هو القول الثاني اوله صحة تأهلية فيكون مؤثرا بلحوق الاجازة به كما هو القول الثالث، الحق هو التفصيل فان المدرك للبطلان ان كان هو النبوي فلا اثر للإجازة

______________________________

(1)- مستدرك الجزء (2) ص 496

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 292

فيكون البيع باطلا لان المستفاد منه بطلان بيع العين المرهونة لممنوعية تصرف الراهن و المرتهن فيه و بعد وقوعه باطلا لا ينقلب الي الصحة باجازة متأخرة لان الشي لا ينقلب عما هو عليه.

ان قلت أ ليس الفضولي ممنوعا من التصرف بمقتضي قوله: لا تبع ما ليس عندك و الحال انه ذهب القوم الي تأثير الاجازة اللاحقة فيه.

قلت انه اولا انا ناقشنا في

صحة البيع الفضولي أيضا و قلنا بعدم قيام الدليل علي صحته.

و ثانيا ان قياس المقام بالفضولي قياس مع الفارق لان معني قوله لا تبع ما ليس عندك عدم جواز بيع غير المالك لنفسه، و اما البيع للمالك فلا يشمله هذا الدليل كما عليه الاستاذ و المدعي ان المجيز باجازته ينسب البيع الواقع الي نفسه فالبائع هو المالك بلا محذور في بيعه و كان بيع الفضولي بعد الاجازة يكون بمنزلة قول البائع بعت داري من زمان العقد فان المالك باجازته العقد الصادر من الفضولي باع ملكه من حين العقد و لذا ذهب جماعة الي الكشف الحكمي و جماعة الي الكشف الانقلابي.

ان قلت لو اغمض عن الرواية و قيل بان مقتضي الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم بطلان البيع قبل صدور الاجازة، فكيف يكون صحيحا بعده فاذا شككنا بعد حصول الاجازة في صحته يستصحب المتيقن السابق و هو بطلان البيع، و بعبارة اخري لا يمكن الالتزام بالصحة مع الاجازة حتي علي فرض الاغماض عما ذكر اذ بعد قيام الاجماع علي البطلان قبل الاجازة يكون المرجع بعد الاجازة استصحاب حكم المخصص فلا اثر لدليل صحة البيع اطلاقا و عموما.

قلت: ان المقام في صورة الشك بعد حصول الاجازة يكون من صغريات النزاع المعروف بين الاصوليين بان المحكم هو عموم العام او استصحاب حكم المخصص و قد اخترنا في محله و اشبعنا الكلام فيه ان عموم العام سواء كان عمومه

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 293

مجموعيا او استغراقيا محكم و لا مجال لاستصحاب الحكم المخصص فعليه اذا علمنا بالإجماع خروج صحة البيع عن عموم الادلة قبل اجازة المرتهن فانه باطل قطعا و شككنا في ذلك بعد حصول الاجازة يكون عموم

العام مقدما علي استصحاب الحكم المخصص فيكون البيع صحيحا بالادلة الدالة علي صحة البيع كقوله: أحل اللّه البيع و تجارة عن تراض.

فالعمدة في مدرك البطلان اطلاق دليل المنع المستفاد من الرواية لكن الاشكال في سندها، و كذلك لو كان المدرك حديث نفي الغرر، و اما ان كان المدرك للفساد الاجماع فالحق الصحة بعد الاجازة اذا لقدر المتيقن من الاجماع ما قبل الاجازة، و استدل علي صحة بيع العين المرهونة بوجوه.

الاول انه يستفاد صحة بيع العين المرهونة من صحة البيع الفضولي بالاولوية لان بيع الفضولي يكون صادرا عن غير مالكه و في المقام صدر البيع عن المالك فاذا كان البيع الصادر عن غير مالكه بالاجازة صحيحا يكون بيع المالك العين المرهونة صحيحا بطريق أولي لصدوره عمن بيده الامر، و اورد عليه المحقق الايرواني بانا لا نسلم الاولوية في المقام لقيام احتمال أن يكون حق المرتهن كحق أم الولد موجبا لفساد البيع، و مجرد الملك هنا دون الفضولي لا يوجب أولوية المقام بالصحة فلعل تعلق حق الغير يكون مانعا عن صحته.

و يرد عليه انه لا يحتمل أن يكون حق المرتهن كحق أمّ الولد للعلم بان حق أمّ الولد حكم الهي مانع عن صحة البيع فلا يكون صحيحا بعد بطلانه بالاجازة، و لا مورد للإجازة كما هو ظاهر، بخلاف حق المرتهن فان مانعيته تسقط باجازته، و لذا لو أجاز قبل البيع او حينه كان صحيحا بالاتفاق.

و التحقيق أن يقال: ان الفضولي اما صح بيعه بالادلة العامة كقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيره من العمومات فعليه لا مجال لدعوي الاولوية في المقام لان المقتضي للصحة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 294

موجود في الفضولي و المانع مفقود بعد اجازة المالك.

و بعبارة

اخري يصدق علي اجازة المالك عنوان البيع و العقد و التجارة و اما في المقام فحق المرتهن مانع عن صحة بيع الراهن الذي هو البائع فلا يجوز قياس أحدهما بالاخر، هذا علي مسلك القوم من صحة الفضولي.

و أما علي مسلكنا من عدم صحته فلا موضوع للأولوية و عدمها كما هو ظاهر و اما بالادلة الخاصة كرواية عروة البارقي و غيرها فقد ناقشنا فيها مفصلا هذا بالنسبة الي الادلة العامة، و أما الروايات الواردة في النكاح فقد عرفت ما قلنا فيها بان النكاح فيمكن ان يكون له خصوصية و هو عدم رضاء الشارع باشاعة الفحشاء، و اهتمامه بالاعراض فانه يقتضي أن يحكم بصحة ما وقع من النكاح و لا وجه للتعدي منه الي مقام آخر لمنع الاولوية المدعاة كما قدمنا تفصيله سابقا في باب ولاية الاب و الجد.

الثاني ان ظاهر عطف المرتهن علي الراهن في قوله صلي اللّه عليه و آله: (الراهن و المرهون كلاهما ممنوعان عن التصرف، يدل علي صحة بيع العين المرهونة، توضيحه ان بيع المرتهن يكون جائزا باجازة الراهن بالاتفاق فظاهر وحدة السياق و عطف المرتهن علي الراهن يقتضي جواز بيع الراهن أيضا.

و يرد عليه- ان النبوي اما يسقط عن الحجية لإرساله كما هو الحق فيكون بيع العين المرهونة صحيحا علي القاعدة كما مر، و اما لا يسقط عنها كما ذهب اليه المشهور من جبران ضعف الرواية بعمل المشهور فلا وجه للجواز، و مجرد العلم بان المرتهن يجوز بيعه مع الاجازة لا يكون دليلا لان يكون بيع الراهن أيضا كذلك فاطلاق الرواية يدل علي عدم جواز بيعها مطلقا، الا أنه يرفع اليد عن اطلاق الرواية بالنسبة الي المرتهن لكون جواز بيعه من الواضحات،

و مجرد اتحاد السياق ما لم يبلغ الي حد الظهور لا يوجب رفع اليد عن الاطلاق.

لا يقال ان الجمهور من المتأخرين لم يعلموا بهذه الرواية فتكون موهونة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 295

بمصيرهم الي خلافها.

لأنا نقول: لو اغمضنا عن ضعف الرواية لكونها مرسلة لا يبقي مجال لهذا الاشكال لان اعراض القدماء لا يكون موهنا لحجية الرواية بعد شمول ادلة الحجية فضلا عن اعراض المتأخرين، مع أن القائلين بان عمل المشهور جابر، لضعف الرواية أو اعراضهم يكون موهنا لها يعنون به عمل مشهور القدماء و اعراضهم و اما عمل المتاخرين و اعراضهم فلا اثر لهما.

الثالث ان قوله: الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف ناظر الي المنع عن التصرف الاستقلالي، و اما التصرف الذي تليه الاجازة فلا تشمله الرواية المانعة.

و فيه انه لا وجه لرفع اليد عن اطلاق الرواية فانه يشمل التصرف الاستقلالي و غيره أيضا نعم ثبت من الخارج ان المرتهن يجوز بيعه بالاجازة الا انه لا يوجب رفع اليد عن اطلاق الرواية بالنسبة الي الراهن كما قدمنا آنفا.

الرابع ما رواه في الوسائل باب نكاح العبيد و الاماء حيث حكم عليه السّلام بصحة نكاح العبد بالاجازة معللا بانه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا اجازه فهو له جائز «1» و من المعلوم ان المراد من العصيان مخالفة الحكم الوضعي فالمستفاد منه ان كل عقد كان النهي عنه لحق الادمي يرتفع المنع بحصول الاجازة، و اما اذا كان النهي لحق اللّه تعالي لا يصح العقد بارتفاع المانع كما لو ارتفع الغرر عن العقد الغرري بعد البيع، فيدل عموم التعليل المذكور في الرواية علي صحة كل معاملة متوقفة علي اجازة آخر عند تعقبها باجازة من يعتبر

اجازته.

و اورد عليه صاحب المقابيس بان التعليل المستفاد من الرواية جار فيمن لم يكن مالكا لان العبد المملوك لا يقدر علي شي ء بل كل علي مولاه فاذا كان العقد صادرا ممن ليس الامر بيده و لم يكن فيه عصيان اللّه فهو يصح بلحوق الاجازة المتأخرة،

______________________________

(1)- وسائل الشيعة، الجزء (14) من ابواب نكاح العبيد و الاماء

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 296

و لا يمكن تسريته الي ما كان أمر البيع بيده كما في المقام فان الراهن يكون مالكا للمبيع.

و يرد عليه ان الظاهر المستفاد من الرواية ان منشأ الفساد عصيانه تعالي، و اذا لم يكن فيه ذلك يصح البيع بلا فرق في ذلك بين مورد يكون أمر المبيع بيد البائع أم لا.

و التفصيل بينهما علي ما ذهب اليه صاحب المقابيس يكون علي خلاف اطلاق الرواية.

و الذي يقتضيه التحقيق ان يقال: ان التعدي بعموم العلة لا بد فيه من التحفظ علي الموضوع فانه اذا قال المولي: لا يجوز للمحرم أن يلبس قلنسوة لأنه مخيط يفهم من هذا عدم جواز لبس المخيط للمحرم قلنسوة كانت او غيرها، و اما غيره فهل يجوز له لبس المخيط أم لا فلا يستفاد من عموم العلة عدم جوازه لأنه لم يتحفظ علي الموضوع و كذلك لو قال: لا تأكل الرمان فانه حامض يحكم بعموم العلة علي عدم جواز أكل الحامض مطلقا رمانا كان او غيره، و لكنه لا يستفاد منه عدم جوار التدهين بالحامض أيضا.

اذا عرفت ذلك فنقول: ان الحكم المذكور في الرواية نفوذ نكاح العبد باذن سيده، و العلة المذكورة للنفوذ عصيان العبد سيده، و عدم عصيانه للّه سبحانه و تعالي فيكون مرجع القضية الي ان العبد اذا نكح بلا اذن

مولاه فنفوذ نكاحه يتوقف علي اذن مولاه، فاذا أجاز المولي يصح العقد، لأنه لم يعص اللّه حتي لا يكون اجازة المولي مؤثرة في صحة عقده، فالموضوع في القضية ليس العصيان المطلق حتي يدل علي صحة ما صدر عن غير العبد بحيث يؤثر العلة كلما تحققت، بل المستفاد من القضية ان العبد كلما يصدر عنه مما يحتاج الي اجازة سيده سواء كان نكاحا او غيره فهو صحيح باجازة السيد.

و ان أبيت عن هذا الاستظهار فلا أقلّ من الاجمال و عدم الجزم بالاطلاق فلا وجه للجزم بكون العلة للبطلان مجرد معصية اللّه، و الموجب للصحة مجرد كونه حقا الهيا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 297

هذا تمام الكلام في الادلة التي اقيمت علي صحة بيع الراهن العين المرهونة،

[الكلام في الأدلة التي اقيمت علي عدم صحة بيع الراهن العين المرهونة]

و ربما استدل علي بطلان البيع، و عدم تصحيحه بالاجازة المتأخرة و لا يخفي ان كلا الوجهين مبنيان علي القول بالكشف في باب الاجازة.

(الوجه الاول) ان الاجازة المتأخرة اذا كانت مؤثرة في صحة البيع للزم انتقال المبيع الي المشتري حال كونه متعلقا لرهن المرتهن فيلزم أن يكون مال غير الراهن و هو المشتري رهنا للمرتهن، و هذا خلاف الفرض.

الوجه الثاني ان البائع لم يكن له أن يبيع العين المرهونة قبل اجازة المرتهن و انما له ذلك بعد الاجازة فعلي القول بالصحة يدخل المقام في باب من باع شيئا ثم ملك.

اقول: اما الجواب عن الوجه الاول فعلي ما سلكناه و قلنا بصحة البيع من دون أن يكون متوقفا علي الاجازة فالامر واضح لأنه علي هذا لا مجال لهذا البحث أصلا، و اما اذا قلنا بعدم صحة البيع تمسكا بقوله الراهن و المرتهن كلاهما ممنوعان و أغمضنا النظر عن ضعف الرواية فالاجازة

لا تكون مصححة له بعد بطلانه كما هو واضح.

و اما اذا قلنا بالصحة التأهلية للبيع و عليه فان اخترنا في باب الفضولي كون الاجازة ناقلا كما هو المختار فالامر واضح، لأنه علي هذا تكون العين منتقلة الي ملك المشتري حين الاجازة منفكة عن الرهنية فلا يلزم أن يكون مال المشتري رهنا للمرتهن.

و اما اذا قلنا بالكشف الحقيقي في الفضولي فنقول ان الاجازة المتأخرة تكشف عن بطلان الرهن حين صدور العقد من البائع فلا يلزم محذور علي هذا أيضا.

اضف الي ذلك كله ان هذا ليس اشكالا مختصا بالمقام بل هو عين الاشكال الوارد علي القول بالكشف الحقيقي الا انا في فسحة من ذلك حيث انكرنا كون الاجازة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 298

كاشفة حقيقة بل قلنا: - فيه بالنقل كما مر تفصيله.

و اما الجواب عن الوجه الثاني و هو قوله: ان المقام يندرج في باب من باع ثم ملك ففيه اولا انا لا نسلم كون المقام داخلا في القاعدة المذكورة لكون البائع مالكا للمبيع حين البيع و انما يمنعه عن البيع تعلق حق المرتهن به بخلاف مورد القاعدة فانها تنطبق علي من باع الشي ء الذي لم يكن مالكا حين البيع و انما صار مالكا له بعد ذلك فالفرق بين المقامين أوضح من أن يخفي.

و ثانيا أن اندراج بيع الراهن في باب من باع شيئا ثم ملك انما يتم اذا تعقب البيع بفك الرهانة او باسقاط المرتهن حقه او بأداء الراهن دينه فانه يدخل في باب من باع شيئا ثم ملك، و اما المقام فليس كذلك لان الكلام في اجازة المرتهن بعد بيع الراهن العين المرهونة، و هذا (نظير البيع الصادر عن الفضولي الذي اجازة المالك، و

الفرق بين اجازة المرتهن بيع الراهن و بين اسقاط حقه واضح اذ الاول اجازة منه لبيع الراهن المستلزم لسقوط حقه و اما الثاني فاسقاط لحقه فيكون من قبيل من باع شيئا ثم ملك هذا تمام الكلام في الجهة الاولي و هي ما يرجع الي بيع الراهن

و اما اجازة المرتهن فيقع الكلام فيها من جهات.
الجهة الاولي ان الاجارة سواء كانت ناقلة، او كاشفه هل هي شرط لنفوذ عقد الراهن

ليترتب عليه سقوط حقه او أنه اسقاط لحقه قولان:

و لقائل أن يقول بعدم تأثير الاجازة في بيع الراهن لا كشفا و لا نقلا بل مرجع اجازته الي اسقاط حقه لان الاجازة تؤثر فيما كان المجيز بعد الاجازة ممن كان مخاطبا بخطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و هذا المعني انما يتحقق فيما اذا كان المجيز اما مالكا او كان ممن بيده الامر فيما ان امر المبيع بيده و هو مختار في الرد و الاجازة فبعد اجازته يكون ممن خوطب بخطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و يكون العقد منتسبا اليه و اما المرتهن فليس الامر بيده و لا يكون مالكا له فاذا اجاز لا يصير عقد الراهن منتسبا اليه باجازته

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 299

نعم انما المبيع متعلق حقه فله اسقاط حقه، و اما تنفيذ العقد فليس له ذلك.

و لا يخفي عليك ان هذا القول مبني علي مذاق القوم القائلين بالصحة التأهلية في العقد و احتياجه الي الاجازة، و اما علي المختار فالعقد اما باطل رأسا او صحيح فلا احتياج بالاجازة كما عرفت و عليه فلا يسع المجال لهذا البحث لكن مع التنزل عن المسلك نقول: يرد فيه نقضا و حلا.

اما النقض فبما اذا اجاز المرتهن حين العقد أ فلا تؤثر هذه الاجازة في نفوذ العقد و لم يذهب احد بان الاجازة حين العقد يكون اسقاطا لحق الرهانة و لذا لو اجاز المرتهن بيع

المرهون فصار الراهن منصرفا عن بيعه بعد الاذن هل يتوهم احد بطلان الرهن في هذه الصورة، و الحال انه لو كان مرجع اجازته الي اسقاط حقه فللخصم أن يلتزم ببطلان الرهن باجازة البيع و لو انصرف عن بيعه بعد الاجازة و هو لا يرضي بهذا اللازم.

و ثانيا انه لم يقم دليل من الاية او الرواية او غيرهما علي ان الاجازة لا بد أن تصدر ممن يكون مخاطبا بخطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل يتوقف صحة العقد علي اجازة من يكون اجازته دخيلة باي وجه كان و الحق أن يقال: ان اجازة المرتهن تنفيذ لعقد الراهن فيترتب عليها سقوط حقه، و لا يعثنأ بقول: من التزم بانحصار الاجازة بالمالك و بمن كان مخاطبا بخطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

الجهة الثانية انه هل الاجازة كاشفة او ناقلة

لا يخفي انه لو قلنا بالنقل في الفضولي لنقول به في المقام أيضا بلا فرق في ذلك بين المقامين.

و اما اذا قلنا بالكشف فتارة نقول به علي القاعدة بان يكون المستفاد من القاعدة الاولية هو الكشف فأيضا لا فرق بين المقامين.

و اما اذا قلنا بان مقتضي القاعدة الاولية هو النقل الا ان الكشف يستفاد من النصوص الخاصة فلا يمكن التعدي الي المقام خلافا للشيخ (قدس سره) حيث أفاد

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 300

ما حاصله بانه لو قلنا بالكشف في الفضولي كما هو ظاهر بعض الاخبار الواردة في نكاح الصغير لنقول به في المقام بالاولوية لانهدام ركن العقد في الفضولي لان من صدر عنه العقد و هو البائع لم يكن مالكا للمبيع فاذا حكم الشارع هناك بالكاشفية مع عدم المقتضي يحكم عليها هنا بالفحوي لان المقتضي موجود في المقام و انما الاجازة تكون من قبيل رفع المانع.

و يرد عليه اولا انه لو

كان الفضولي باطلا علي القاعدة و انما خرجنا عنها في بعض الموارد بالنصوص فلا يمكن التعدي الي غيرها، فان الرواية الدالة علي صحة نكاح صغيرين يمكن أن يكون الوجه فيه وجود خصوصية في النكاح من اهتمام الشارع به تقليلا للفحشاء فلا يمكن التعدي عن مورده الي مقام آخر كما عرفت.

و ثانيا انا لا نسلم الاولوية المدعاة في المقام لان العقد الفضولي صدر عن الاجنبي كمسألة نكاح العبد، و اما مسئلة بيع الراهن فان العقد صدر من البائع فلا وجه لتسرية الحكم الثابت في موضوع الي موضوع آخر لاشتراط اتحاد الموضوع في مفهوم الموافقة و ليس في المقام كذلك.

ان قلت اذا حكم الشارع بكاشفية الاجازة في مورد عدم المقتضي ليحكم بها في صورة وجوده بطريق اولي كما ان الامر كذلك في العلل التكوينية قلت لا يقاس الاسباب الشرعية بالاسباب الخارجية لعدم كونها مقتضيات واقعا أو موانع بل يعبر عنها بها مسامحة، فلا بد لنا النظر في مقتضي الدليل و شموله لعدم احاطة علمنا بملاكات الاحكام فيمكن أن يكون حكمه بالكاشفية هناك لجهة قد خفيت علينا و تلك الجهة يمكن أن لا تكون موجودة في المقام.

و اما ما أفاده قدس سره مؤيدا لكلامه من أن الفقهاء التزموا بجواز عتق الراهن مع اجازة المرتهن و الحال انهم لم يلتزموا بجريان الفضولي في الايقاعات، و لا مجال للاعتذار عنهم بانه من باب انه بناء العتق علي التغليب اذ هذا لاعتذار ينافي تمسكهم

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 301

في العتق بعمومات العتق، فيرد فيه انه يمكن أن يكون الوجه فيه اجماعهم علي عدم صحة الفضولي في الايقاع فيما يصدر عن غير المالك و اما مع صدوره عن المالك فلا اجماع

فالاطلاقات تكفي هنا اذا علمنا من القاعدة او الروايات كون الاجازة كاشفة أو ناقلة، و اما اذا شككنا فيهما فتصل النوبة الي الاصل العملي. و مقتضاه النقل بلا فرق في ذلك بين المقام و باب الفضولي لان مقتضي الاصل عدم انتقال العين الي المشتري الا بعد الاجازة.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 301

الجهة الثالثة انه لا ريب و لا اشكال في انه لا ينفع الرد بعد الاجازة،

و انما يقع البحث في الاجازة بعد الرد بأنها هل تؤثر في العقد بناء علي الصحة التأهلية له أم لا تردد الشيخ في المقام و قال: فيه و جهان، و الحق أن يقال: انه علي فرض تسليم كون الاجازة مؤثرة في صحة العقد لا فرق في حصولها قبل الرد و بعده و الفرق بينهما بلا فارق الا أن يدعي قيام اجماع قطعي كاشف عن رأي المعصوم علي خلافه كما يدعي ذلك في البيع الفضولي بان الاجازة بعد الرد لا اثر لها و حيث انه في المقام لا ينعقد الاجماع علي خلافه فمقتضي القاعدة عدم الفرق في تأثيرها قبل الرد و بعده، و كذلك الامر في القبول بعد الرد في انه يؤثر أثره.

و فرق المرزا النائني (قدس سره) بين حلول أجل الدين و عدمه فان الردان كان قبل حلول اجل الدين فلا اثر له، و الاجازة الواصلة بعده تؤثر في صحة العقد، و اما اذا كان بعد حلول الاجل فلا يبقي محل للإجازة بدعوي ان رده عبارة عن استيفائه و لو لا رجوعه الي الاستيفاء لا يتصور للرد معني.

و (فيه) ان التفصيل الذي أفاده (قدس سره) غير صحيح لان مسئلة حلول الدين و عدمه

مطلب، و مسألة ان الاجازة بعد الرد تؤثر في العقد أم لا مطلب آخر، و لا ربط له بحلول الدين و عدمه، و بعبارة اخري يتصور في حق المرتهن الرد و الاجازة و لا يرجع الرد الي الاستيفاء.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 302

فان كان الرد مانعا عن الاجازة فلا اثر لها و لو قبل الحلول و ان لم يكن مانعا فتؤثر مطلقا بل القبول بعد الرد من القابل يؤثر في العقود نعم الرد من الموجب قبل قبول القابل يوجب فساد القبول لانهدام العقد.

الجهة الرابعة انه لو لم يجز المرتهن البيع، و لم يرده أيضا،

و لكنه فك الرهن بعد البيع باداء دين أو باسقاط حقه أو بغيرهما فهل يصح البيع أم لا، و بعبارة واضحة كما ان الاجازة كانت مؤثرة في صحة العقد يكون فك الرهن أيضا كالإجازة أم لا فيه خلاف.

أقول: أما علي المختار من عدم احتياج البيع الي الاجازة لكونه صحيحا لعدم منافاة بينه و بين الرهن كما فصلناه لا تصل النوبة الي هذا البحث و كذلك علي القول بالبطلان كما هو المختار بعد الاغماض عن الاول فانه لا مجال لهذا البحث أيضا.

و أما علي القول بالصحة التأهلية للعقد المتوقف تأثيره علي الاجازة يقع البحث في أن فك الرهن بعد بيعه بمنزلة الاجازة بأن يكون البيع الواقع قبله صحيحا أم لا، اختار الشيخ الاول اي الصحة، لان عدم تأثير بيع المالك في زمانه ليس لقصور المقتضي بل من جهة وجود المانع.

و هو تعلق حق المرتهن به فاذا زال المانع لأثر المقتضي في الصحة، و بعبارة اخري ان ادلة صحة البيع ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و الناس مسلطون علي أموالهم لها عموم و انما خرج عن هذا

العموم زمان الرهن لكونه مزاحما لحق المرتهن الذي هو أسبق زمانا.

فاذا زال المانع وجب تأثير المقتضي و المقام من باب وجوب العمل بعموم العام لا من باب استصحاب الحكم المخصص كما لا يخفي.

و لا يقاس المقام بنكاح العبد بدون اذن مولاه لقصور المقتضي هناك لا لمزاحمة حق السيد له اذ لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا بخلاف المقام فان المقتضي تام.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 303

و انما المزاحم له في التأثير تعلق حق المرتهن به فاذا ارتفع المانع لكان المقتضي مؤثرا فيه.

أقول: ان ما ذكره (قدس سره) و ان كان متينا بالنسبة الي العلل و الاسباب الخارجية فان المقتضي يكون مؤثرا بارتفاع المانع الا ان الاسباب الشرعية لا تقاس بالامور التكوينية لان العمومات كقوله.

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيره لا يكون مقتضيا و سببا حقيقيا للصحة، و كذلك تعلق حق المرتهن ليس مانعا حقيقيا لتأثير المقتضي و انما التعبير بالسبب و المسبب و المانع انما هو يكون بالتسامح فلا يقاس أحدهما بالاخر.

و الذي يهمنا في المقام أن ننظر في الادلة الواردة في الباب بان يلاحظ مفادها بانه هل يستفاد منها مانعية حق المرتهن عن البيع أم لا فاذا التزمنا بصحة سند قوله:

الراهن و المرتهن كلاهما ممنوعان فلا يكون العقد نافذا لان العقد وقع باطلا حين صدوره و فك الرهن لا يوجب أن ينقلب ما هو وقع باطلا من حين صدوره الي الصحة لاستحالة انقلاب الشي ء عما هو عليه و ان ناقشنا في سنده يكون العقد صحيحا كما هو المختار.

و اذا فرض قيام الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم بعدم تأثير بيع الراهن في زمن تعلق حق المرتهن فنرفع اليد عن العمومات الدالة علي صحة

البيع بهذا المقدار.

و اما اذا فك الرهن باسقاط أو ابراء أو بغيرهما فتشمله الادلة الدالة علي صحة البيع فيكون المقام من باب التمسك بعموم العام لا باستصحاب الحكم المخصص اعني الاجماع فما أفاده في المقام لا بد أن يفصل بما ذكرنا.

و اما قوله: ان عدم الاثر ليس لقصور المقتضي، و انما هو من جهة المانع فاذا زال أثر المقتضي.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 304

(ففيه) انه اذا وقع البيع باطلا من حين صدوره فلا يوجب انتفاء المانع صحته لان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه هذا اولا.

و ثانيا انه لو كان ارتفاع المانع بقاء موجبا لصحة البيع الفاسد فلا بد أن يكون البيع الغرري صحيحا اذا فرض انتفاء الغرر بقاء و لم يلتزم به أحد، و كذلك لا بد أن يقع صحيحا بيع المحجور و السفيه اذا انتفيا بقاء.

ان قلت: لو لم ينفع ارتفاع الموانع بقاء في صحة البيع للزم أن لا يكون اجازة المرتهن المتعلقة ببيع الراهن مؤثرة.

قلت اولا لا نلتزم بالصحة هناك أيضا و نقول ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه هذا علي المختار و اما علي مذاق القوم القائلين بصحة بيع الراهن مع لحوق الاجازة به فنقول ان القول بالصحة هناك لا يستلزم القول بالصحة هنا للفرق الواضح بين البابين لان القائل بصحة البيع بلحوق الاجازة المتأخرة له انما يقول به لوجهين.

الاول ان الاجازة أمر تعلقي يمكن أن يتعلق بالامر المتقدم و كذا يمكن أن يتعلق بالامر المتأخر أو المقارن فاذا وقع العقد و تعلق به الرضا يكون العقد مستندا الي من بيده الامر بقاء فيكون صحيحا.

الثاني ان استفادة ذلك من الاخبار الواردة في باب نكاح العبد بدون اذن سيده و

لا يجي ء هذان الوجهان في المقام لان فك الرهن ليس باجازة حتي يتعلق بالعقد السابق و يكون العقد بذلك مستندا الي من بيده الامر، و أيضا ان الخبر الوارد في نكاح العبد بدون اذن سيده يدل علي صحة النكاح باجازة سيده، و علي فرض جواز تعديه الي غير مورد النكاح انما يتعدي اذا لحقته الاجازة.

و اما الفك فانه ليس باجازة و لا يكون العقد به منتسبا الي من بيده الامر و لا يعقل لأنه تحصيل للحاصل، و لذا لو تصرف العبد بدون اذن سيده ببيع أو غيره ثم انعتق لم ينفع في صحة تصرفه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 305

فتحصل مما ذكرنا انه ان لم نناقش في دليل المنع و لم نقل بالصحة فلا مجال للتمسك بادلة الصحة عموما، و اطلاقا، و لكن مع ذلك لا مجال باستصحاب حكم المخصص اذا طلاق دليل المنع محكم، و مع الاصل اللفظي لا تصل النوبة الي الاصل العملي.

و استشكل السيد الاستاذ علي جريان الاستصحاب بوجهين الاول بعدم بقاء الموضوع للاستصحاب بعد فك الرهن لان المتيقن الذي كان سابقا هو عدم جواز بيع الراهن، و اما بعد الفك فلا يكون البائع راهنا حتي يستصحب الممنوعية الثابتة لبيعه.

و ثانيا ان جريان استصحاب الحكم المخصص اعني ممنوعية بيع الراهن يكون من قبيل جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلية الالهية و هو لا يجري فيها لان استصحاب المجعول معارض لاستصحاب عدم جعل الزائد دائما.

و فيه انا لا نسلم عدم بقاء الموضوع للاستصحاب. بل الموضوع باق بحاله فان الموضوع لعدم الصحة بيع الراهن و من الظاهر ان البيع حين صدوره كان بيع الراهن و في البقاء لم يتحقق بيع آخر فنحن نشك ان

بيع الراهن الذي لم يكن صحيحا باق علي عدم الصحة أم انقلب الي الصحة مقتضي الاستصحاب بقائه علي الحالة السابقة، فاين انتفاء الموضوع.

و بعبارة ظاهرة ان الموضوع للأصل عنوان بيع الراهن و هذا العنوان لم يتغير لاستحالة انقلاب الشي ء عما هو عليه لأوله الي التناقض هذا اولا.

و ثانيا ان تعارض الاصلين في ناحية الجعل و المجعول لا ينطبق في المقام لان الاصل جار في الامر العدمي و هو عدم الصحة، و من الظاهر ان لازم التعارض ان يتعلق الاصل بالامر المجعول كي يعارض بعدم الجعل، و اما استصحاب العدم فخارج عن هذا الكلي تخصصا و بعبارة اخري مقتضي الاصل عدم الانتقال.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 306

و ما أفاده المحقق الهمداني بان البيع يصح بعد فك الرهن لصدوره من أهله و وقوعه في محله، و لا يقاس المقام بباب من باع شيئا ثم ملك حيث قلنا هناك بعدم صحة البيع لان حين البيع لم يكن مالكا للمبيع و حين كونه مالكا له لم يكن مقتض للصحة، و اما المقام فليس من هذا القبيل لأنه صدر من أهله و وقع في محله.

و فيه انه لو قلنا بتمامية دليل المنع فلا مجال لهذا الكلام الذي افاده قدس سره لان البيع لا يخرج عن كونه بيع الراهن و ان لم نقل بتماميته فلا مانع من الصحة من اول الامر.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما قيل بان البائع بعد بيعه بخطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيجب عليه التماس فك الرهن من المرتهن باداء دينه حتي يسلمه الي المشتري وجه الفساد انا لا نسلم ان يكون مفاد أَوْفُوا الحكم التكليفي بل مفاده اللزوم هذا اولا.

و ثانيا سلمنا كون مفاده الحكم التكليفي لكن

نقول: بان العقد ان كان صحيحا فلا مانع من تأثيره، و ان كان باطلا فلا مقتضي لتوجه خطاب أَوْفُوا.

و افاد المحقق النائني ان المقام ليس من قبيل من باع شيئا ثم ملك كي يقع الكلام بانه باطل مطلقا أو صحيح كذلك أو يصح مع الاجازة من المالك البائع لان المفروض في المقام ان البائع هو مالك العين الا ان تعلق حق الغير يمنعه عن البيع، و بعبارة اخري يكون ملكه مركبا لحق و مانع و تعلق حق الغير أوقف المركب عن الحركة، و مع سقوطه يتحرك المركب في سيره بلا رادع.

و (فيه) انه و ان كان ما أفاده من عدم كون المقام من قبيل من باع شيئا ثم ملك متينا لصدور البيع من مالكه الا انا لا نلتزم بصحة كل عقد صدر من مالكه فان البيع الصادر من السفيه باطل مع أنه صدر من مالكه، و كذا البيع الغرري فانه باطل و ان كان صادرا من مالكه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 307

فتلخص من جميع ما ذكرنا الي هنا انا لو قلنا بكون الاجازة مؤثرة في صحة العقد الواقع لا نقول به في فك الرهن بالابراء و غيره، ثم انه لو تنزلنا و قلنا بصحة البيع بافتكاك الرهن باحد الاسباب من اسقاط الحق أو اداء الدين فهل يكون مقتضي القاعدة النقل أو الكشف، الظاهر هو الاول، و لو لم نقل بالنقل في الفضولي، لان الكشف اما حقيقي، و اما حكمي أو بنص خاص.

اما الحقيقي فقد مر في بحث الفضولي انه و ان كان ممكنا تصورا ببعض الوجوه كما لو قلنا بان الموضوع للصحة هو العقد الذي يتعقبه الاجازة الا انه لم يقم عليه دليل اثباتا.

و

اما الكشف الحكمي فاما من باب تعلق الرضاء المتأخر بالايجاب المتقدم، و بعبارة اخري يسند العقد الي المجيز حين الاجازة نظير من باع داره من أمس فهذا لا يجري في المقام لأنه كان العقد مستندا الي المالك من الاول، و اما يكون الكشف بنص خاص كالروايات الواردة في نكاح العبيد و الاماء، و في تزويج الصغيرة، و هذا أيضا لا يجري في المقام لأنه حكم ثبت في مورد خاص بالنص و تسريته الي المقام لا وجه له.

فالحق أن يقال: ان المقتضي للانتقال موجود في المقام و هي العمومات الدالة عليه كقوله: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و اما تعلق حق الغير فانه مانع عن تأثيره و أوقف المركب عن الحركة و مع سقوطه يتحرك المركب في سيره و يؤثر المقتضي اثره كما في كلام بعض الاعاظم، و من الظاهر ان اثر المقتضي يكون من حين رفع المانع.

و ان شئت قلت ان دليل الصحة لم يكن قابلا لشمول بيع الراهن قبل الافتكاك و انما شمله بعد افتكاكه من الرهن فيكون الانتقال حاصلا من حين رفع المانع اي حق الرهانة.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 308

و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه لما أفاده الشيخ من ان لازم الكشف كما عرفت في مسئلة الفضولي لزوم العقد قبل اجازة المرتهن من طرف الراهن فلا يجوز له فسخه بل و لا ابطاله بالاذن للمرتهن في البيع لوجوب الوفاء بالعقد توضيح كلامه قدس سره بان الاذن و ان لم يكن فسخا للعقد و ضدا للوفاء، و كذا تصرف المرتهن ليس ضدا للوفاء اذ لا عقد له حتي يكون مأمورا بالوفاء الا ان التصرف التسبيبي المتحقق

من الراهن باذنه كتصرفه المباشري ضد للوفاء المأمور به فلا يجوز منه وجه الظهور.

اولا ان المقام ليس داخلا في مسئلة الكشف و ليس عليه دليل و عليه فلا موضوع لما أفاده قدس سره.

و ثانيا انه لو تنزلنا عن ذلك و التزمنا بالكشف و لكن نقول لا وجه لتوجه خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الي الراهن، فانه اولا انا قلنا في مفاد وجوب الوفاء المستفاد من قوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ان مفاده اللزوم الذي يكون عبارة عن الحكم الوضعي لا الحكم التكليفي اعني وجوب ترتيب الآثار علي مقتضي العقود، و من الظاهر ان وجوب الوفاء بهذا المعني من أحكام الصحة فما دام لا يكون العقد صحيحا كيف يمكن أن يكون لازما.

و بعبارة اخري ان اللزوم المستفاد من قوله أَوْفُوا فرع صحة العقد، و المفروض عدمها لكونه مقرونا بالمانع و معه كيف يتعلق به خطاب وجوب الوفاء بالمعني الذي بيناه و اخترناه.

و ثانيا انه لو تنزلنا عن ذلك و قلنا ان مفاد وجوب الوفاء بالعقود عبارة عن الوجوب التكليفي لكن نقول: لا مجال أيضا للتمسك بدليل وجوب الوفاء بالعقود لان الوفاء بالعقد انما يكون واجبا اذا كان العقد وقع في الخارج تاما.

و بعبارة واضحة أن العقد التام يجب شرعا ترتيب الآثار عليه، و المفروض في المقام ان العقد غير تام فكيف يكون الوفاء به واجبا، فالحق في المقام أن يقال

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 309

ان له ابطال البيع بل الامر كذلك حتي علي القول بالكشف الحقيقي الذي لا دليل عليه اذ قد بينا في محله ان الاجازة أو ما يقوم مقامها انما تؤثر في مورد قابل للتأثر و كان العقد تاما من سائر الجهات و اما مع ابطال الراهن

البيع قبل زمان وقوع الاجازة فلا يبقي مجال للتأثير.

ثم انه مع التنزل عن هذا و الالتزام بوجوب الوفاء بالعقد هل يجب علي الراهن فك الرهن من مال آخر و لو باداء دينه وفاء للعقد او لا يجب عليه هذا المقدار.

افاد الشيخ الانصاري قدس سره بقوله

(و يمكن أن يقال انه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعني عدم جواز نقضه، و اما دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب و لذا لا يجب علي من باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه و يدفعه اليه «1» بناء علي لزوم العقد بذلك.

و أيده السيد الاستاذ بان المقدار الواجب عليه أن لا يبطل العقد و أما وجوب فك الرهن فلا دليل عليه، و لا يستفاد هذا من وجوب الوفاء بالعقد.

و لكن التحقيق لا يساعد ما ذهب اليه الشيخ و الاستاذ فانا لو قلنا بعدم شمول وجوب الوفاء بالعقد للمقام لعدم صحة العقد في نفسه كما نقول بذلك فلا وجه للقول بوجوب فك الرهن من مال آخر.

و اما لو تنزلنا عن ذلك و قلنا بأن وجوب الوفاء بالعقد يشمله فيكون خطاب أَوْفُوا متوجها اليه فعلي هذا يجب عليه جميع الآثار المترتبة علي العقد حتي فك الرهن و لا يمكن الوفاء بالعقد الثاني الا بذلك فيجب عليه فك الرهن من ماله الاخر لتسليم العين الي المشتري، و كذا لو قلنا بجواز بيع الفضولي لنفسه فنقول يجب عليه أن يشتري العين من المالك للتسليم الي من اشتراه ثم علي تقدير وجوب فك الرهن من مال آخر لو امتنع من ذلك يجبره الحاكم علي فكه لو كان له مال جمعا بين الحقين

______________________________

(1)- المكاسب ص 183 السطر 30.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 310

حق

المرتهن و حق المشتري لأنه ولي كل ممتنع.

و اما اذا لم يكن له مال آخر فان كان له عمل يكون اجرته وافية لحق المشتري فللحاكم أيضا ان يجبره بذلك.

و اما اذا لم يكن له مال و لا شغل واف اجرته لأداء الدين فيدور الامر بين تقديم حق المرتهن و حق المشتري فلا اشكال في تقديم حق المرتهن عليه لكونه اسبق زمانا و لا يبقي مجال لملاحظة حق المشتري. هذا تمام الكلام في بيع الرهن و له الحمد.

الكلام في ان القدرة علي التسليم شرط في العوضين؟
اشارة

«قوله الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم … » «1»

أقول: و من شروط العوضين القدرة علي التسليم فلا يجوز بيع السمك في الماء و لا الطير في الهواء.

و ما قيل او يمكن أن يقال في وجه اشتراط القدرة علي التسليم امور
الاول قيام الاجماع علي اشتراطها.

و فيه ان الاجماع لا يكون حجة علي ما بينا في الاصول و ثانيا علي فرض حجيته في سائر الموارد لا يكون حجة في المقام لكونه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعه.

الثاني النبوي المعروف بين الفريقين باختلاف التعبير في النقل و هو نهيه صلي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر «2»
و يقع الكلام في النبوي تارة من حيث السند و اخري من حيث الدلالة
اما من ناحية السند

فلا يعتمد عليه لإرساله و اما انجباره بعمل المشهور فمخدوش فانا بينا ان عمل المشهور لا يجبر ضعف السند كما أن اعراضهم لا يوهن اعتباره بعد شمول ادلة الحجية له.

______________________________

(1)- المكاسب ص 185 السطر 1.

(2)- الوسائل الجزء 12 الباب 4 من ابواب آداب التجارة الحديث (3) المستدرك الباب (31) من أبواب آداب التجارة حديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 311

و اما من حيث الدلالة

فما يستفاد من كلمات اهل اللغة و غيرهم ان للغرر معان مختلفة و المناسب منها للمقام معنيان الاول الخديعة و الثاني الخطر و الثاني بحسب المراد اعم من الاول اذ كل خديعة يستلزم خطرا لكن يمكن أن يتصور الخطر بلا خديعة كما لو أقدم الشخص بمعاملة فيها الخطر بلا انخداع من أحد و عليه يمكن ان يكون المراد من الغرر الخطر و يمكن أن يكون المراد منه الخديعة و حيث ان احدهما اعم من الاخر فالقدر المتيقن ما فيه الخدعة الموجبة للخطر.

و افاد السيد الاستاد ان للغرر معنيين الخديعة و الخطر فالامر دائر بين هذين المعنيين و نعلم اجمالا ان احدهما منهي و حيث ان الخديعة حرام قطعا فلا يكون العلم الإجمالي الحاصل من الرواية منجزا فيكون جريان الاصل في الطرف الاخر بلا معارض فلا تدل الرواية علي كون الغرر مبطلا للبيع.

و فيه اولا انه علي ما ذكرنا لا يكون المقام من موارد دوران الامر بين الامرين حتي يصل المجال الي البحث بان العلم الإجمالي منجز أم لا بل الامر في المقام كما ذكرنا دائر بين الاقل و الاكثر لكون أحدهما و هو الخطر أعم من الاخر و هو الخديعة فتدل الرواية علي حرمة الخديعة الموجبة للخطر قطعا لكونه قدر متيقن من معني الغرر.

و

ثانيا لو كان المستفاد من النهي الحكم التكليفي لكان لما افاده دام ظله مجال و اما لو كان المستفاد من النهي الحكم الوضعي كما فهمه المشهور فيعلم اجمالا بان أحد الامرين مانع عن الصحة اما الخدعة، و اما الخطر، و مقتضي هذا العلم الإجمالي الفساد في كلا الموردين لأنهما يتساقطان بعد التعارض فتصل النوبة الي الاصل العملي و هو اصالة الفساد في المعاملات هذا تمام الكلام في معني الغرر.

و اما الحكم المستفاد من الرواية فالظاهر ان المستفاد منها الحكم التكليفي كما اشبعنا الكلام فيه في الاوامر و النواهي، و لا نرفع اليد عن هذا الظهور الا بقرينة حالية أو مقالية.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 312

ثم انه افاد المرزا النائني قدس سره بان مقتضي الظاهر في النهي و ان كان الحرمة التكليفية الا ان فهم الاصحاب الحكم الوضعي من الرواية يدل علي أنه كان هناك قرينة علي الجهة الوضعية فلا يكون من باب حجية فهم المشهور معني الرواية حتي يرد عليه بأن فهمهم لا يكون دليلا لنا لعدم كوننا مقلدين لهم، بل يكون من باب كشف اتفاقهم علي المعني الوضعي مستندا بالنبوي عن قرينة دالة علي هذا المعني من الحالية او المقالية.

و يرد عليه انه يمكن أن يكون الوجه في استفادتهم هذا المعني من الرواية ما اشتهر فيما بينهم بان النهي في المعاملات ظاهر في الفساد مع أنه لا أصل لهذا المدعي، و قد بينا في الاصول في باب النواهي ظهور النهي في الحرمة التكليفية، و لا دليل علي كونه في المعاملات للإرشاد و عليه يكون النهي في المقام ظاهرا في الحرمة التكليفية، فلا وجه لرفع اليد عن هذا الظهور الا بالقرينة، و المفروض عدمها

في المقام و اذا احتمل مدرك لعمل المشهور لا يكون عملهم كاشفا عن القرينة الدالة علي خلاف ظاهره فيكون المراد من النهي حرمة الخديعة في البيع تكليفا و لا يكون دالا علي الفساد و مع الاغماض عن هذه الجهة لا تصل النوبة الي ترتيب تنجيز العلم الإجمالي و ذلك لان الحرمة التكليفية بالنسبة الي الخديعة مسلمة فلا يكون العلم الإجمالي منجزا.

و ان أبيت عن ذلك و قلت بان حرمة الخديعة تكليفا محل اشكال و ليس عليها دليل نقول: علي فرض عدم تحقق حرمتها فانا نلتزم بالحلية لمقتضي الاصل فيما لا يكون الدليل اللفظي دالا علي حرمتها و عليه مقتضي اطلاق دليل صحة البيع حرمة الغرر لان الامارة تثبت لوازمها.

و بعبارة أخري بعد ما تردد الامر بين الحرمة التكليفية و الفساد الوضعي فمقتضي صحة البيع الغرري بمقتضي الاطلاق المستفاد من حلية البيع تعيين المعلوم بالاجمال

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 313

في الطرف الاخر و هو حرمة الخديعة تكليفا فتكون النتيجة ان الخديعة حرام تكليفا و البيع صحيح وضعا.

و ان أبيت عن ذلك أيضا و قلت بان النهي في المعاملة ظاهر في الفساد الوضعي نقول بمقتضي ما ذكرنا في معني الغرر ان الحرام الوضعي لا يتعلق بمطلق البيع الغرري بل انما تعلق بالبيع الغرري الذي ينشأ الغرر فيه عن الخديعة في البيع فاذن لا يدل النبوي علي فساد البيع فيما لا يكون البائع قادرا علي التسليم مطلقا اذ ربما لا تكون خدعة في بيعه فيكون الدليل أخص من المدعي.

فانقدح مما ذكرنا ان الرواية لا تكون قابله لإثبات المدعي لا من حيث السند و لا من حيث الدلالة نعم نقل عن ابن مسعود عن النّبيّ صلي اللّه عليه

و آله انه قال لا تشتر السمك في الماء لأنه غرر فان هذه الرواية لو كانت معتبرة من حيث السند لكانت مرجعا للمدعي و لكن الاشكال كل الاشكال في سندها مضافا بان دلالة النهي في المعاملات علي الحرمة محل اشكال

ثم انه علي تقدير القول: بانه غرر و باطل هل يمكن ان يرفع الغرر باشتراط الخيار ليكون البيع صحيحا

بدعوي ان جعل الخيار يرفع الغرر فيكون البيع صحيحا.

و ربما يقال كما قيل ان صحة الشرط متوقفة علي صحة العقد فكيف يمكن أن يكون صحة العقد متوقفة علي الشرط فانه دور باطل.

لكن يرد عليه ان فساد البيع متوقف علي تحقق الغرر فلو كان الشرط بوجوده رافعا للغرر فلا يبقي موضوع لمنشإ الفساد فلا مجال لان يقال ان صحة العقد تتوقف علي صحة الشرط بل هي متوقفة علي انتفاء عنوان الغرر الذي هو موضوع للفساد فصحة الشرط متوقفة علي صحة العقد و لكن صحة العقد ليست متوقفة علي صحة الشرط بل هي تتوقف علي انتفاء الغرر فبانتفائه لا يبقي موضوع للفساد.

و بعبارة اخري ان الاشتباه ناش من أن الشرط متأخر عن العقد فيتخيل ان هذا

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 314

التأخر تأخر خارجي زماني و لا يكون المتاخر زمانا مؤثرا في المتقدم.

و بعبارة واضحة ان الشرط و العقد يوجدان في آن واحد و حين الوجود يلزم أن لا يكون العقد فاسدا، و المفروض انه لا يكون فاسدا حين تحققه و وجوده لانتفاء موضوع الفساد اعني به الغرر بتحقق الشرط فيشمله دليل صحة العقد كقوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و دليل صحة الشرط كقوله: المؤمنون عند شروطهم فتلخص ان اشتراط الخيار رافع للغرر فيكون البيع صحيحا و مما ذكرنا يعلم ان العقد صحيح و لو لم يشترط الخيار صريحا اذ بمقتضي الارتكاز. يجعل الخيار فلا غرر و لا يرد

عليه ما أورد آنفا من اشكال الدور اذ الجواب هنا كالجواب هناك و لا وجه للإعادة.

ان قلت: اذا كان الخيار و لو بالارتكاز رافعا للغرر فاين يتحقق الغرر لان في كل مورد يحتمل فيه الغرر يرفعه الخيار تارة بالصراحة، و أخري بالارتكاز.

قلت يتحقق الغرر فيما يباع باسقاط الخيار و عدم اشتراطه و لو ضمنا فالغرر و الخطر موجود ان لعدم الخيار. لإسقاطه بالشرط.

و ربما يقال بان الغرر يرفع بتقريب انه لا يلزم من عدم القدرة علي التسليم غرر حتي مع عدم الخيار او مع القول بان الخيار لا يرفع الغرر لان البائع اذا لم يكن قادرا علي تسليم المبيع فلا يخلوا الحال من صورتين، الاولي وصوله الي المشتري و ان لم يكن وصوله مترقبا، الثانية عدم وصوله اليه أصلا فيكون التعذر باقيا الي الابد اما الصورة الاولي فحصل المقصود بلا كلام فيه.

و اما الصورة الثانية فهو مع تعذره و عدم تسلمه من قبل المشتري يدخل في المتعذر و يصدق عليه التالف فينفسخ البيع بقانون كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه فلا خطر فلا وجه لبطلان البيع حتي في هذا الفرض.

و فيه اولا ان هذا مبني علي كون هذا الحكم متحققا حتي علي القول بان البيع ينفسخ مع بناء المتعاملين علي خلافه، و اما لو قلنا بعدم انفساخه فيما اذا كان بناء المتعاملين

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 315

بعدم الفسخ او اشترطا ذلك في ضمن العقد فلا يتم هذا البيان كما هو معلوم هذا اولا.

و ثانيا انه لا ملازمة بين التعذر و التلف فان المبيع.

لو كان مغصوبا من ناحية غاصب و لا يمكن الاستنقاذ منه فانه متعذر و لكنه ليس بتالف كما هو

ظاهر عند التأمل.

و ثالثا ان قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه قاعدة شرعية تعبدية مجعولة في البيع الصحيح فيلزم ان يكون البيع صحيحا في حد نفسه كي يترتب عليه هذا الحكم فلو فرض الفساد من ناحية الغرر كما هو مدعي الخصم كيف يمكن ان يكون محكوما فيه لهذا الحكم.

و بعبارة اخري لا يعقل ان يكون الحكم محققا لموضوع نفسه فان الموضوع شرط للحكم فكيف يكون الحكم من مقدمات وجود الموضوع و هذا واضح.

ان قلت بان القدرة علي التسليم مما هو شرط بين المتعاملين فمع عدم وصول المبيع الي المشتري له أيضا ان لا يسلم الثمن الي البائع فلا يلزم منه الغرر الموجب لبطلان المبيع.

قلت اولا يمكن ان يشترط البائع في ضمن العقد تسليم الثمن فعليه لا يبقي موضوع لهذا البيان.

و ثانيا ما الفائدة في عدم التسليم و الحال انه ملك للبائع و مجرد كون مال احد عند شخص لا يكون جابرا للضرر مع عدم جواز تصرفه فيه كما في المقام فان مجرد كون الثمن عند المشتري مع عدم جواز تصرفه فيه لكونه مالا للبائع لا يوجب رفع الغرر.

و ربما يقال بان الغرر المتوجه من ناحية المعاملة لا يرتفع الا بالخيار و لا بالانفساخ اذ الغرر من حيث الغرض المعاملي محفوظ و غير قابل للارتفاع.

و لكن هذا الوجه غير تام لأنه ما المراد من الغرض المعاملي فان المشتري لو كان له غرض

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 316

خاص في هذه العين المخصوصة و لا يمكن ان يحصل له الغرض مع عدم قدرة البائع علي تسليم المبيع فهذا اي عدم وصول المشتري الي غرضه الخاص ليس خطرا متوجها اليه من ناحية البيع كما

هو ظاهر.

و ان كان غرضه قائما بالجامع بين هذا العين و بين غيره فليس في عدم الوصول اليه خطر الا الخطر من ناحية توجه ضرر مالي اليه و المفروض انه يرتفع بالخيار فانقدح ان هذا الوجه أيضا لا يفيد لإثبات المدعي.

الوجه

الثالث مما استدل به لاشتراط القدرة علي التسليم في المبيع ما افاده الميرزا النائني ره

علي ما نقله السيد الاستاذ في البحث و حاصله انه يشترط في المبيع ان يكون مالا و ما لا يقدر علي تسليمه لا ماليته له فيكون البيع باطلا من هذه الناحية.

ثم اورد قدس سره علي نفسه بانه اذا كان عدم القدرة علي التسليم مسقطا للعين عن المالية فعليه يلزم منه انه لو كان عدم القدرة علي التسليم طارئا يلزم ان يدخل العين في قاعدة التلف قبل القبض فهو من مال بايعه و الحال ان الفقهاء لم يلتزموا بهذا اللازم بل قالوا بثبوت الخيار للمشتري فقط.

ثم اجاب قدس سره عن هذا الايراد بقوله بان انتفاء المالية عن الشي ء لا يوجب كونه تالفا فلا يصدق عليه عنوان تلف المبيع قبل القبض حتي يدخل تحت القاعدة المذكورة هذا ملخص ما افاده قدس سره في المقام.

و فيه اولا انه قد مر منا مرارا عدم اشتراط المالية في المبيع فانه لم يدل عليه آية و لا رواية و لا اجماع تعبدي غاية ما في الباب توهم انه بيع سفهائي و هو باطل لكن يمكن رفع كونه سفهائيا بترتب غرض عقلائي عليه مضافا بانه لا دليل علي بطلان البيع السفهائي.

و ثانيا لا وجه لسقوط المالية بتعذر الوصول و عدم القدرة علي التسليم الا تري ان الغاصب لو غصب شيئا ثمينا له مالية خطيرة هل يمكن الالتزام بعدم كونه مالا بدعوي تعذر وصوله و عدم القدرة علي تسليمه و اذا كان

الامر كذلك فلما ذا يقع

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 317

التشاجر و التخاصم و صرف الاموال للوصول اليه و أيضا لا ريب في ترتب آثار المالية عليه كجواز عتقه و غير ذلك من الآثار المترتبة علي المال و الحاصل ان ادعاء كون تعذر الوصول مسقطا للمال عن المالية لا يمكن الالتزام به.

الوجه

الرابع مما استدل به لاشتراط القدرة علي التسليم النبوي المعروف بين الفريقين

و هو قوله صلي اللّه عليه و آله لا تبع ما ليس عندك. «1»

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند، و اخري من حيث الدلالة اما من حيث السند فالظاهر أنه لا بأس به و لا اشكال من هذه الناحية و اما من حيث الدلالة ففيها احتمالات:

الاول ان يكون المراد من كلمة عندك الحضور الخارجي بحيث لو لم يكن المبيع حاضرا عند البائع لا يكون بيعه جائزا و قال الشيخ (قدس سره) ان هذا الاحتمال لا يمكن ترتيب الاثر عليه لصحة بيع الغائب اجماعا.

و فيه ان مجرد قيام الاجماع علي جواز بيع الغائب لا يكون دليلا علي عدم قابلية اللفظ للمعني المذكور.

(الثاني) أن يكون المراد منها الملكية الاعتبارية، و أورد عليه الشيخ (قدس سره) بقوله فاذا كان المراد من لفظة عندك هذا المعني فالمناسب ان يذكرها بكلمة لام و يقول: لا تبع ما ليس لك لا بلفظ عند.

و يرد عليه انه لا يمكن المساعدة علي ما ذهب اليه فان الامر ليس كذلك لوضوح ان قوله لا تبع ما ليس عندك كثيرا ما يراد منه الملكية الاعتبارية بل المتداول عند جملة من الاعراب استعمال هذه الكلمة في الملكية الاعتبارية، بل قد قيل ان المنهي في نهي النّبيّ صلي اللّه عليه و آله كان حكيم بن حزام فانه كان يبيع الشي ء قبل أن

يكون مالكا ثم يشتريه فيسلمه فنهي النّبيّ عن مثل هذا البيع.

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب احكام العقود، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 318

الثالث أن يكون المراد منه السلطنة الخارجية و القدرة علي التسليم.

و قد اورد عليه الشيخ بأن الفقهاء يتمسكون بهذه الرواية لفساد بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها خصوصا اذا كان وكيلا عنه في بيعه و لو من نفسه فان السلطنة و القدرة علي التسليم حاصلة هنا مع أنه مورد الرواية عند الفقهاء فليست الرواية ناظرة الي خصوص ما ليس فيه السلطنة الخارجية و القدرة علي التسليم.

و (فيه) ان مجرد فهم الفقهاء معني من لفظ لا يوجب حمله علي ذلك المعني بل المتبع الظهور و مع عدمه يكون مجملا.

الرابع ان يكون المراد منه السلطنة المطلقة الشرعية و الخارجية فلا يجوز بيع غير المملوك و بيع ما يكون محجورا فيه بأحد اسباب الحجر لعدم السلطنة الشرعية المعتبرة في البيع كما انه لا يجوز بيع ما ليس مقدور التسليم عقلا و خارجا و هذا الاحتمال مختار الشيخ (قدس سره).

و يرد عليه اولا انه ذكر هذه الرواية في باب الفضولي في مقام بيان استدلال المبطلين لم يناقش في معني لفظ عندك كما ناقش في المقام و ان أجاب عن أصل الاشكال.

و ثانيا ان لفظة عند اما يراد منه المعني الاصالي اي الحاضر الخارجي و اما يراد منه المعني الكنائي اي الملكية و شي ء من المعنيين لا يرتبط بالمقام فان مجرد حضور شي ء عند الانسان لا يلازم القدرة عليه و لو أغمضنا عن ذلك و قلنا ان المراد من هذا اللفظ السلطنة المطلقة الشرعية فهو أيضا لا يفيد لأنها لا

تلازم القدرة علي التسليم خارجا كما هو ظاهر و مع الاغماض أيضا فلا أقلّ من الاجمال و لا يمكن الجزم بالظهور فيكون اطلاق دليل الصحة او عمومه محكما فيفهم منهما ان القدرة الخارجية علي التسليم ليس شرطا للصحة كما هو مقتضي حجية لوازم الامارات.

فانقدح مما ذكرنا ان هذا الوجه أيضا لا يمكن المساعدة عليه.

الوجه

الخامس مما استدل به علي اشتراط القدرة علي التسليم هو ان مقتضي قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هو وجوب الوفاء بالعقد و تسليم العين من لوازم العقد

فلو لم

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 319

يقدر علي التسليم يلزم اما ان يكون غير المقدور واجبا و الحال انه محال و اما ان لا يكون التسليم واجبا فيلزم الانفكاك بين الملزوم و اللازم و هو أيضا محال فاللازم ان يكون القدرة علي التسليم شرطا و الا لم يجب الوفاء بالعقد.

و فيه اولا انا بينا ان الوجوب المستفاد من قوله أَوْفُوا ليس وجوبا تكليفيا بل وجوبا وضعيا ارشاديا الي اللزوم.

و ثانيا انه علي تقدير تسليم دلالته علي الوجوب التكليفي لا يدل في المقام علي المدعي فانه لا ريب و لا اشكال في ان القدرة من الشرائط العامة للتكليف لكن نقول بان الوفاء بالعقد ليس واجبا علي الاطلاق كي يستكشف من عدم القدرة علي الوفاء عدم صحة العقد بل نقول بانه يجب علي فرض القدرة و ملخص الكلام في المقام انه لو ادعي ان العقد معلق علي القدرة و مع عدمها ليبطل.

ففيه اولا انه خلاف المفروض لان المفروض عدم تعليق العقد بشي ء.

و ثانيا انه اخص من المدعي اذ ربما يصدر عنه العقد بلا تعليق فيه و ثالثا ان التعليق يوجب البطلان و ان ادعي ان لازم العقد الصحيح وجوب التسليم علي نحو الاطلاق فالمدعي بلا دليل فعلي المدعي ان يقيم الدليل عليه و ان ادعي لزوم التسليم عند القدرة عليه فهذا لا

يقتضي فساد البيع عند عدم القدرة بوجه من الوجوه اذ المفروض انه يجب عند القدرة.

الوجه

السادس مما استدل به علي اشتراط القدرة علي التسليم ان الغرض من المعاملة الانتفاع من العين و مع عدم تسلم العين لا يتحقق هذا الغرض

فيكون القدرة علي التسليم شرطا.

و فيه اولا انا لا نسلم ان الغرض من المعاملة الانتفاع من العين دائما بل يمكن أن لا يكون الغرض الانتفاع بل الغرض انتفاع البائع بالثمن.

و ثانيا ان تخلف الاغراض و الدواعي لا يوجب فساد البيع.

و ثالثا انه يمكن الانتفاع بالعين و لو لم يكن البائع قادرا علي التسليم فان الجهات الاعتبارية تتحقق احيانا و لو مع عدم القدرة علي التسليم.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 320

و رابعا انه ربما يكون احتمال الوصول و امكان الانتفاع غرضا من المعاملة، و هذا الغرض يترتب عليها كما هو ظاهر فتلخص ان هذا الوجه أيضا لا يمكن المساعدة عليه كسوابقه.

الوجه

السابع مما استدل به علي اشتراط القدرة علي التسليم ان المعاملة علي شي ء مع عدم القدرة علي تسليمه يكون سفهائيا.

و فيه اولا انا لا نسلم كونه سفهائيا مطلقا بل يمكن تصور كونه عقلائيا كما هو واضح.

و ثانيا انه علي فرض كونه سفهائيا لا دليل علي بطلان البيع السفهائي بل الباطل انما هو بيع السفيه.

الوجه الثامن مما استدل به علي اشتراط القدرة علي التسليم أن بيع الشي ء بدون القدرة علي تسليمه يكون اكل ثمنه أكل المال بالباطل

و هو لا يجوز لكونه منهيا عنه بقوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.

و فيه اولا انه يمكن تصوير عدم كونه اكل المال بالباطل كما اذا يرجي وصوله لو كان ذا مالية خطيرة في مقابل شي ء قليل فانه لا يعد من اكل المال بالباطل.

و ثانيا ان الباء في لفظة بالباطل لا تكون للمقابلة حتي يتمسك الخصم بها لإثبات المدعي بل الباء فيها سببية فيكون المعني لا تأكلوا أموالكم بالسبب الباطل و من المعلوم ان أكل المال في المقام ليس بسبب باطل بل يكون بالبيع و هو من الاسباب الشرعية لجواز الاكل.

[الكلام في أن القدرة شرط أو العجز مانع]

قوله: فقد استظهر بعض من تلك العبارة ان العجز مانع لا أن القدرة شرط … ) «1»

أقول: ثم انه وقع الكلام بين الاعلام في أن القدرة شرط او العجز مانع أفاد الشيخ بان صاحب الجواهر استظهر من كلامهم ان العجز مانع لا ان القدرة شرط، و قال (صاحب الجواهر) انه تظهر الثمرة بين القولين، فيما اذا تردد الامر

______________________________

(1)- المكاسب ص 186 السطر 28.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 321

بين شرطية احد الضدين و مانعية الضد الاخر فعلي القول بشرطية القدرة يعتبر احرازها اذا شك وجودها لأنه يلزم احراز الشرط، و علي القول بمانعية العجز يكفي الشك فيه في الحكم بالصحة لان العقد يقتضي الصحة ما لم يمنع مانع فاذا شك في المانع يحكم بعدمه بالاصل و اورد الشيخ علي صاحب الجواهر بوجوه.

الاول ان القول بمانعية العجز يخالف مع تصريح العلماء حيث عرفت من أن صريح معاقد الاجماع خصوصا عبارة الغنية المتاكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هي شرطية القدرة.

الثاني ان العجز أمر عدمي لأنه عبارة عن عدم القدرة عمن من شأنه أن يقدر فكيف يكون

مانعا و الحال ان المانع لا بد أن يكون أمرا وجوديا حتي يكون مانعا و دافعا لتأثير المقتضي.

الثالث انه علي فرض تسليم اطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في صورة الشك الموضوعي و لا في الحكمي و لا في غيرهما فانا اذا شككا في القدرة و عدمها فمع كون الحال في السابق القدرة تستصحب و مع عدمها يستصحب أيضا و مع الشك الزائد علي القدر المعلوم يتمسك باطلاق دليل الصحة.

أقول: اما ما أفاده من ان المانع يلزم أن يكون أمرا وجوديا فهو صحيح في التكوينيات، و اما الاحكام الشرعية فلا مانع من أن يجعل العدم مانعا كما انه لو جعل العمي مانعا عن الصحة في امام الجماعة.

و اما ما أفاده من عدم الثمرة بين القولين ففيه بانه يمكن أن يكون نظر صاحب الجواهر بان الثمرة تظهر فيما اذا لم تكن الحالة السابقة معلومة كما في توارد الحالتين فعلي القول بشرطية العجز لا يمكن احراز الصحة و لا يمكن التمسك باطلاق دليلها لأنه يكون من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و اما لو كان العجز مانعا فيمكن احرازها باصالة عدم المانع، و لكن مع هذا لا يمكن المساعدة مع صاحب الجواهر أيضا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 322

لان قاعدة اصالة عدم المانع مع قطع النظر عن الاستصحاب ليس لها مدرك الا قاعدة المقتضي و المانع و هي لا اعتبار بها لعدم دليل يدل عليها و اذا فكلام صاحب الجواهر غير سديد من هذه الجهة هذا اولا.

و ثانيا ان هذه القاعدة علي فرض صحتها لا تفيد في المقام و ذلك لان الغرر الموجب لبطلان البيع متقوم بالشك و مع عدم احراز الحالة السابقة يكون الغرر

محرزا و لا مجال لجريان قاعدة عدم المانع حتي تظهر الثمرة و مع احراز الحالة السابقة و هي القدرة فجريان الاستصحاب في بقاء القدرة و عدمه مبني علي قيام الاصول المحرزة مقام القطع فيما لا يترتب الاثر علي الواقع لو لا الاحراز و عدمه.

فان قلنا بقيامه مقامه في مثل هذه الموارد كما عليه الشيخ يجري الاستصحاب. و ان قلنا بعدم قيامه مقامه كما عليه صاحب الكفاية فلا يجري بل لنا ان نقول بعدم جريان الاستصحاب حتي علي مسلك الشيخ قدس سره لان الغرر المانع للصحة يتقوم بالاحتمال و الاحتمال موجود حتي بعد جريان الاستصحاب و لا يحكم بعدم الاحتمال الاعلي القول بالاصل المثبت.

و بعبارة أخري و ان كان الواقع يحرز بالاصل التنزيلي لكن احتمال وجود الواقع وجدانا موجود و لا ينتفي هذا الاحتمال بالاستصحاب و المفروض ان نفس احتمال الغرر يوجب البطلان. لكن حيث ان الاحتمال بعنوان المصادفة مع الواقع و امكان مطابقته يفسد فلو دل دليل علي عدم المصادفة و كون الاحتمال لغوا يرتفع المانع. فعليه لو قام الامارة علي القدرة يرفع المانع اذ الامارة ناظرة الي لوازم المؤدي أيضا فيدل علي لغوية الاحتمال فلا مانع من القول بالصحة و اما الاستصحاب فليس كذلك كما مر آنفا.

و انقدح من جميع ما ذكرنا ان المدرك اما يكون حديث نفي الغرر و اما حديث لا تبع ما ليس عندك و علي كلا التقديرين اما يكون الشبهة مصداقية او يكون مفهومية فعلي تقدير كون المدرك حديث نفي الغرر و كان الشبهة مصداقية فالحق

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 323

هو البطلان بلا فرق بين القولين اي بلا فرق بين القول بان القدرة شرط و بين القول بان العجز

مانع و كذا بلا فرق بين مسلك الشيخ و صاحب الكفاية لوجود الاحتمال لتحقق عنوان الغرر المفسد للبيع.

و اما لو كان الشبهة مفهومية فالمرجع فيما زاد علي المقدار المعلوم عموم دليل الصحة او اطلاقه و أيضا بلا فرق بين ذلك بين القولين و مسلكين اذ المفروض ان المخصص المنفصل لا يسري اجماله الي العام كما هو بين في محله.

و اما لو كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك و كانت الشبهة مفهومية فالكلام هو الكلام بعينه.

و اما لو كانت الشبهة مصداقية فمع احراز الحالة السابقة يستصحب البقاء بلا فرق بين ان يكون القدرة شرطا او العجز مانعة و مع عدم احراز الحالة السابقة فان كان منشأه توارد الحالتين فلا مجال للأخذ بدليل الصحة لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فالمحكم هو اصل الفساد. و ان كان المنشأ، الجهل بتحقق القدرة و ذلك كما لو تولد حيوان و لا يدري ان القدرة عليه تحققت أم لا. فان مقتضي الاستصحاب الازلي عدم تحقق القدرة فيحكم بالفساد بلا فرق فيما ذكر كله بين القولين كما هو ظاهر.

[الكلام في أن العبرة بالقدرة في زمان الاستحقاق لا حال العقد]

قوله: ان العبرة في الشرط المذكور انما هو زمان استحقاق التسليم فلا ينفع وجودها حال العقد اذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم كما يقدح عدمها قبل الاستحقاق و لو حين العقد و يتفرع علي ذلك انه لا يشترط القدرة اذا فرض كون العين في يد المشتري. «1»

و الحق في المقام ان يقال: ان المدرك ان كان حديث نفي الغرر فالامر كما افاده قدس سره اذ علي هذا لا يتوجه غرر الي المشتري مع عدم القدرة حين العقد. و لو كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فيشكل الامر

فيما لا يكون قادرا علي

______________________________

(1)- المكاسب ص 187 السطر (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 324

التسليم حين العقد و لو كان قادرا عليه حين الاستحقاق لان المستفاد من الدليل علي هذا الفرض انه يشترط في صحة البيع القدرة علي التسليم فكما انه لو لم يكن مالكا يكون البيع فاسدا كذلك في المقام.

و اما ما أفاده السيد الاستاذ من ان العرف يفهم من هذا ان القدرة شرط حين الاستحقاق لا قبله فليس كما افاد فتلخص ان المبيع لو كان في يد المشتري لا يبطل البيع ان كان المدرك حديث نفي غرر و يبطل لو كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فان البائع اذا لم يكن قادرا فالشرط مفقود فيبطل البيع.

[لا يشترط في البيع القدرة علي التسليم اذا كان البيع ممن ينعتق علي المشتري]

قوله: و فيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا كما يشتري من ينعتق عليه «1»

اقول حاصل كلامه (قدس سره) انه لا يشترط في البيع القدرة علي التسليم اذا كان البيع ممن ينعتق علي المشتري بدعوي انه لا يعتبر فيه التسليم كي يضر عدم القدرة عليه.

و فيه- ان المدرك في اشتراط القدرة اما يكون حديث نفي الغرر و اما يكون حديث لا تبع. اما علي الاول فان الانعتاق يتفرع علي صحة البيع و المفروض ان صحة البيع يتوقف علي نفي لغرر فلو رفع الغرر بالحكم بالانعتاق يلزم الدور.

و اما علي الثاني فان البيع باطل مع عدم القدرة و المفروض عدمها و اذا كان البيع باطلا لا تصل النوبة الي الانعتاق.

و افاد السيد الاستاذ دام ظله ان البيع صحيح علي كلا التقديرين اما علي فرض كون المدرك حديث نفي الغرر فلان الاحكام تترتب علي الموضوعات الفعلية لا التقديرية و حيث ان الغرر في المقام تقديري لا تحقيقي

فلا يترتب عليه البطلان بل يصح لعدم الغرر بلحاظ حكم الشارع.

و اما علي فرض كون المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فلان الشرط، القدرة علي التسليم الي المشتري فلو لم يكن قابلا للتسليم فلا معني لهذا الاشتراط

______________________________

(1)- المكاسب ص 187 السطر (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 325

و المقام من هذا القبيل فانه ينعتق عليه بمجرد العقد فلا يكون قابلا للتسليم فيكون البيع صحيحا بلا احتياج الي اشتراط القدرة.

و فيه نظر اما علي تقدير كون المدرك حديث نفي الغرر فلان حكم الانعتاق يترتب علي البيع الصحيح في حد نفسه فيلزم ان يتحقق الانتقال كي يحكم بالانعتاق و مع عدم اجتماع شرائط الصحة لا يتحقق الصحة فلا تصل النوبة الي الانعتاق.

و اما علي تقدير كون المدرك لا تبع ما ليس عندك فايضا الامر كذلك فان الصحة تتوقف علي القدرة علي التسليم فما دام لا تكون القدرة موجودة لا يصح العقد و مع عدم الصحة لا تصل النوبة الي اجراء حكم العقد الصحيح. و مما ذكرنا علم حكم ما لو اشترط تاخير التسليم فلا يستحق التسليم بمجرد العقد فيكون العقد صحيحا اذ ظهر انه لو كان المدرك حديث نفي الغرر يصح العقد لعدم الغرر علي الفرض فانه قبل زمان الاستحقاق لا مقتضي لتسليم العين و في زمان الاستحقاق القدرة علي التسليم موجودة

و ان شئت قلت: حين الاستحقاق لا غرر و حين عدم القدرة لا استحقاق.

و اما لو كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فيكون العقد باطلا لفقدان شرطه فالحق هو التفصيل الذي ذكرنا في المقام حيث قلنا بالصحة في الاول و الفساد في الثاني لا ما ذهب اليه الشيخ حيث ذهب الي الصحة مطلقا.

[لا يعتبر القدرة علي التسليم في الفضولي إلا بعد إجازة المالك]

قوله: و اما لتزلزل العقد كما اذا اشتري فضولا فانه لا يستحق التسليم الا بعد اجازة المالك فلا يعتبر القدرة علي التسليم قبلها لكن يشكل علي الكشف من كونه لازما من طرف الاصيل فيتحقق الغرر بالنسبة اليه «1».

اقول: و مما ذكرنا ظهر الحال في الفضولي فلو قلنا: بان الفضولي لا مدخلية له في الصحة و الفساد و لا بد ان يلاحظ الامر مع المالك المجيز فالميزان بزمان الاجازة.

فعدم امكان التسليم من طرف المشتري و عدم امكان التسليم من ناحية الفضولي لا يضر

______________________________

(1)- المكاسب ص 187 السطر (5)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 326

بصحة العقد اذ المدار يكون علي زمان الاجازة بلا فرق بين النقل و الكشف هذا ان قلنا:

بان الفضولي لا مدخلية له في الصحة و اما لو قلنا: بان البيع يتحقق بفعل الفضولي و لا بد من ان يتحقق جميع ما يعتبر في العقد حين وجوده كي يصير قابلا للحوق الاجازة فلا بد من فرض تمكن الفضولي علي التسليم.

[مثل بيع الفضولي في عدم اعتبار القدرة علي التسليم بيع الراهن قبل اجازة المرتهن.]

قوله ره: و مثله بيع الرهن … «1»

اقول: يعني مثل بيع الفضولي في عدم اعتبار القدرة علي التسليم بيع الراهن قبل اجازة المرتهن.

التحقيق ان يقال انه لو ثبت من الدليل الخاص جواز البيع بإجازة المرتهن او بفك الرهن فلا كلام.

و اما لو لم يقم الدليل الخاص علي جواز بيعه و قلنا: ان القاعدة تقتضي صحته مع الاجازة فان كان المدرك حديث نفي الغرر فاذا امكن ارتفاع الغرر كما لو علم بان المرتهن يجيز و اشترط مع المشتري ان يصبر حتي يجيز المرتهن فلا اشكال أيضا اذ الغرر ينتفي بذلك. بل يمكن ان يقال: بالصحة مطلقا سواء علم باجازة المرتهن أم لا، لان المشتري يعلم بانه

ما دام لم يجز المرتهن لا حق له في المبيع و له ان يتصرف في الثمن كيف يشاء و بعد اجازته له المبيع و للبائع الثمن و علي كل حال الميزان بصدق الغرر و عدمه في صحة البيع و عدمها هذا اذا كان المدرك حديث نفي الغرر. و اما لو كان المدرك حديث لا تبع فالحق هو البطلان كما هو واضح.

[في اعتبار القدرة في الصرف و السلم حين العقد]

قوله: و كذا لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم لان تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف علي تحققه فلا يلزم غرر «2».

اقول: قد ظهر لك مما ذكرنا انه يعتبر القدرة في الصرف و السلم أيضا حين العقد و لا مجال لان يقال ان الانتقال يتحقق بالقبض فالقدرة حين القبض كافية في

______________________________

(1)- المكاسب ص 187 السطر (6)

(2)- المكاسب ص 187 السطر (7)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 327

صحته، لأنا ذكرنا ان الحكم الشرعي من آثار العقد الصحيح الجامع للشرائط فلا يمكن ان يكون ترتب الحكم موجبا للصحة فان موضوع الحكم الشرعي لا بد ان يكون محققا في الرتبة السابقة حتي يترتب عليه الحكم و لا يكون الحكم محققا لموضوعه و ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين ان يكون التسليم من الاحكام او من شروط الانتقال.

ثم انه افاد المحقق الايرواني قدس سره في مقام بيان وجه الصحة ان الغرر انما يكون موجبا للبطلان فيما يكون العقد صحيحا لو لا الغرر و في المقام ليس الامر كذلك، فانه لو لا الغرر لا يكون العقد صحيحا لاشتراط القبض في صحة العقد.

هذا البيان أيضا غير تام لان كل مانع يلاحظ في حد نفسه و لا ربط بين بعضها مع الاخر و هذا التقييد ينافي الاطلاق المستفاد

من دليل اشتراط نفي الغرر.

و بعبارة واضحة انه لا بد ان يتم العقد بجميع اجزائه و شرائطه حسب دلالة الدليل.

و ربما يقال: بان اعتبار القبض من قبل الشارع يكون حاكما علي دليل نفي الغرر و يقتضي ان يكون العقد خاليا عن الغرر و فساد هذا التقريب اوضح من ان يخفي اذ لا يتعرض هذا الدليل لذلك الدليل باي وجه من التعرض.

و الحاصل انه لا يفهم العرف ارتباطا بين الدليلين و من الظاهر ان الحاكم متعرض للمحكوم و ان شئت قلت: ان دليل الحاكم يضيق موضوع المحكوم او يجعل فيه توسعة.

ثم ان الشيخ رجع عما افاده في وجه الصحة و قوي البطلان بما يقرب من بياننا في وجه الفساد. لكن بعد ذلك استدرك و افاد بأن العرف لو اطلع علي ان الشارع لا يحكم بالانتقال الا بعد القبض فلا يكون غرريا عنده. و هذا البيان غير تام اذ كما ذكرنا ان الموضوع في حد نفسه لا بد ان لا يكون غرريا كي يترتب عليه حكم الشارع و الا يلزم الدور.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 328

ثم انه قدس سره أيد كلامه بجواز الايجاب اذا لم يكن قادرا لكن يعلم بحدوثه بعد القبول بدعوي ان الميزان بزمان الانتقال و هذا التأييد في غير محله اذ يمكن ان يقال: بان خروج هذا الفرد بالدليل الخاص سيما اذا كان المدرك للحكم حديث لا تبع ما ليس عندك فانه لا يمكن الالتزام بجواز بيع الوارث مال مورثه فيما ينتقل اليه بالموت بمجرد القبول اذ البيع الواقع علي مال الغير باطل و المفروض انه وقع علي مال الغير.

ثم انه افاد: بان القبض مثل الاجازة بناء علي النقل و اولي منها بناء

علي الكشف.

و اورد عليه الميرزا النائيني ره بأن المقام لا يقاس بباب الفضولي فان العقد في الفضولي لا يتم الا بالاجازة و في المقام تام و لذا يجب ترتيب الاثر عليه و من هذه الجهة ورد في النص فان نزي علي الحائط فانز معه «1» الوارد فيمن تفرق بدون رضا صاحبه فالقياس مع الفارق.

و يرد علي الميرزا بان المقام أيضا لا يجب علي العاقد ترتيب الاثر عليه فان دليل الاثر ان كان ما ورد في النص فهو غير دال عليه بل ارشاد الي ان الافتراق يضر قبل القبض و الصحة تتوقف علي القبض في المجلس و ليس وجوبا تكليفيا.

و ان كان المتوهم من الدليل قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيرد فيه اولا ان الوجوب المستفاد منه وضعي لا تكليفي.

و ثانيا علي فرض كونه تكليفيا انما يكون الواجب ترتيب الاثر علي العقد الصحيح لا كل عقد و العقد في المقام غير صحيح.

و قد افاد الاستاذ في المقام كلامه السابق بان المدرك اما حديث نفي الغرر و اما حديث لا تبع ما ليس عندك فان المدرك لو كان حديث نفي الغرر فلا غرر للمشتري

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (2) من ابواب الصرف، الحديث (8)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 329

اذ ما دام لم يحصل القبض فلا انتقال و بعد القبض فالعين واصلة اليه.

و ان كان المدرك حديث لا تبع و قلنا ان الحكم بلحاظ وصول العين الي المشتري فلا مانع من الصحة اذ المفروض ان الغرض حاصل في المقام.

و فيه ما مر آنفا و لا وجه للإعادة فراجع.

[القدرة علي التسليم شرط بالتبع و المقصد الأصلي هو التسلم]

ثم افاد قدس سره بأن القدرة علي التسليم ليست مقصودة بالاصالة بل تكون بالتبع فلو لم يكن البائع قادرا علي

التسليم و لكن المشتري كان قادرا علي التسلم يكون العقد صحيحا هذا ملخص كلامه.

اقول: و لا بد في المقام من التفصيل في مدرك الحكم فان المدرك لو كان حديث نفي الغرر فالكلام كما افاده. و اما لو كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فلا وجه للصحة الا ان يثبت اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام كما افيد بأن جواز بيع الآبق مما انفردت به الامامية و اني لنا باثبات اجماع تعبدي.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما لا يكون البائع و المشتري قادرين و لكنهما يعلمان عادة بوصول العين الي يد احد هما وقت استحقاق المشتري للتسلم كالطير المعتاد للعود بعد ايام فان الحكم جوازا و منعا يختلف حسب اختلاف المدرك فان كان المدرك حديث نفي الغرر يكون البيع صحيحا و ان كان المدرك حديث لا تبع يكون باطلا.

ثم انه لو تعذر التسليم و لم يقدر عليه الا بعد مدة لا يتسامح فيها فالتحقيق ان يقال: ان كان المدرك حديث نفي الغرر فلا وجه للبطلان لعدم صدق الغرر عليه. و ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك يكون البيع باطلا.

[في أن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين]

قوله ره: ثم ان الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين لان الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية و لو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع و تجددها بعد ذلك صح و لو لم يتجدد بطل. «1»

______________________________

(1)- المكاسب ص 187 السطر (34)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 330

تحقيق المقام يقتضي التعرض للصور المفروضة و بيان حكم كل واحدة منها.

الصورة الاولي ان تكون القدرة موجودة في الواقع و معلومة لهما و هذه الصورة هو القدر المتيقن من الصحة كما هو

ظاهر.

الصورة الثانية عكس هذه الصورة و هي ان لا تكون القدرة موجودة في الواقع و هما لا يعتقدان وجودها و هذه الصورة باطلة قطعا.

الصورة الثالثة- ان تكون القدرة موجودة في الواقع و هما لا يعلمان بها ففي هذه الصورة لا بد من التفصيل في مدرك الحكم فان المدرك لو كان حديث لا تبع ما ليس عندك فالعقد صحيح لتمامية الشرط. و ان كان حديث نفي الغرر فالعقد باطل لأنه مع الجهل يصدق الغرر.

الصورة الرابعة- أن لا تكون القدرة موجودة في الواقع و هما يعتقدان وجودها، فلو قلنا: بان المدرك حديث لا تبع فالعقد صحيح لوجود الشرط و هي الملكية و ان كان المدرك حديث نفي الغرر فان قلنا: بان احتمال الغرر تمام الموضوع للفساد بحيث لا يكون للواقع دخل فيه يكون العقد صحيحا.

و اما ان قلنا بان احتمال الخطر يكون موضوعا للفساد بما انه يطابق الواقع بان يكون الخطر متوجها حسب الموازين فالعقد باطل.

و الظاهر هو الثاني فعليه لا بد من البناء علي الفساد في هذه الصورة و البناء علي الصحة فيما لو احتمل الخطر و في الواقع لا يكون خطر حسب الموازين و بان لهما عدمه بعد العقد فلو عقدا و الحال هذه ثم بان عدم الخطر في الواقع يكشف عن عدم كونه خطريا.

ثم انه لا يخفي ان الميزان للفساد ان يصدق بيع الغرر فانه لو صدق هذا العنوان

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 331

لحكم بفساده اعم من ان يكون المتعاقدان متوجهين او لم يتوجها او اختلفا في التوجه و عدمه.

و الحاصل انه لو قلنا: بان الخطر عبارة عن المعرضية للخطر فالميزان للفساد تحقق هذا المعني. فكل من يعتقد تحققه يحكم بالفساد و كل

من يعتقد عدمه يحكم بالصحة.

و مما ذكرنا علم انه لا بد ان يفصل المقام بهذا الوجه الذي فصلناه لا بما فصله الشيخ قدس سره.

ثم انه ظهر مما مر ان الرافع للغرر هو العلم الوجداني قطعا كان او علما عاديا كالظن المعتبر و اما الظن غير المعتبر و كذلك الاصول التنزيلية لا تفيد حيث ان الاحتمال الموجب لصدق الغرر موجود.

[هل العبرة بقدرة الموكل أو الوكيل]

ثم إنه لو اوقع العقد الوكيل فان كان وكيلا في مجرد اجراء الصيغة فالاعتبار بقدرة الموكل. و اما لو كان وكيلا في جميع الجهات فلا شبهة في كفاية قدرته و ان لم يكن الموكل قادرا عليه.

و اما اذا فرض عدم قدرة الوكيل فيما اذا كان وكيلا في جميع الجهات و لكن الموكل كان قادرا فهل يكون العقد صحيحا؟ الظاهر انه لا مانع من الصحة لان الوكيل وجود تنزيلي للموكل و مع تحقق القدرة في الوجود الحقيقي لا احتياج بقدرة الوجود التنزيلي كما هو اوضح من ان يخفي.

و ربما يقال: بالبطلان لان العقد الصادر من الوكيل اذا كان صحيحا يقع موضوعا لترتيب الآثار و المفروض انه فاسد لعدم قدرته علي التسليم.

و فساد هذا البيان اوضح من ان يخفي فانه لا مقتضي لاشتراط القدرة في الوكيل فان ما يوجب الفساد عبارة عن الخطر و مع قدرة الموكل لا خطر في المعاملة و هذا ظاهر.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 332

و ربما يظهر من صاحب الجواهر علي احتمال و من صاحب المصابيح علي احتمال آخر انه يكفي قدرة المالك بشرط رضي المشتري بتسليم الموكل و رضي الموكل بالرجوع اليه، و فرع علي ذلك بطلان بيع الفضولي لان العاقد و هو الفضولي غير قادر علي التسليم و قدرة المالك لا

أثر لها لان العقد لم يتحقق مبنيا عليها و البناء علي القدرة الواقعية لا أثر له لان الشرط هي القدرة المعلومة لا الواقعية.

ثم اورد علي نفسه بانه لا يمكن احراز القدرة بالوثوق بها و اجاب عن ذلك بكفاية الوثوق في احراز القدرة.

و بعبارة واضحة لو حصل الوثوق برضي المالك و ان الفضولي يقدر علي ارضاء المالك يخرج الفضولي عن كونه فضوليا و ثانيا ان القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون الحكم علي هذا الفرض.

ثم ان الشيخ اورد علي اصل المبني بان رضي المشتري لا يوجب الصحة فان رضائه لا يخرج العقد عن كونه غرريا و علي فرض التنزل فلا يقاس الفضولي بالمقام اذ في الفضولي قبل الاجازة لم يتحقق عقد موضوع للأثر الشرعي و علي فرض التنزل فما اجاب به غير تام اذ الرضا التقديري الذي يحصل بعد المراجعة لا يخرجه عن العقد الفضولي. و علي فرض التنزل فما دام لا يكون الرضا مبرزا بمبرز لا يكون اذنا فلا يكون خارجا عن الفضولية.

و اما الجواب الثاني فلم يظهر وجه اشكاله.

اقول: ما افاده قدس سره بان رضي المشتري لا اثر له متين اذ علي فرض البناء علي كفاية قدرة الموكل كما هو الحق فلا غرر و علي تقدير كونه غرريا فلا أثر لرضاء المشتري فانه في قوة أن يقال: الغرر لا يكون مبطلا للبيع مع رضا المشتري به فهو كما تري.

و اما ما افاده من بطلان قياس المقام بباب الفضولي فهو صحيح أيضا لو قلنا:

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 333

بان العقد الصادر من الفضولي لا أثر له و المناط بزمان الاجازة فلا موضوع للغرر قبل الإجارة.

و اما لو قلنا: بان العقد الفضولي لا بد ان يكون

واجدا للشرائط المعتبرة كي يكون قابلا لان يلحقه الاجازة فالقدرة المشروطة فيه هي قدرة الفضولي.

و اما ما أجاب عنه اولا بأن العلم بتحقق الرضا من المالك لا يخرج العقد عن الفضولي فليس صحيحا لان الميزان بالرضا الفعلي فاذا تحقق الرضا الفعلي فالحق كفايته كما بنينا عليه في بحث الفضولي. و اما الرضا التقديري فلا يفيد شيئا كما افاده.

و مما يدل علي كفاية رضاه ما رواه الشيخ قدس سره باسناده عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث قال: سأله رجل من اهل النيل عن أرض اشتراها بفهم النيل و اهل الارض يقولون:

هي أرضهم و اهل الاسنان يقولون: هي من أرضنا فقال: لا تشترها الا برضا اهلها «1».

بتقريب انه عليه السّلام اشترط جواز الاشتراء برضاية اهلها و يمكن أن يجاب عنها بانه يستفاد منها ان رضي الاهل شرط لجواز الاشتراء و لا ينافي ان يكون شي ء آخر أيضا شرطا ككون البائع مالكا.

لكن يكفي في اثبات المدعي مكاتبة الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السّلام ان بعض اصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما زرعوا و تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعة و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة.

و هو يتجرح من شرائها لأنه يقال: ان هذه الصحة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا له و صلاحا له

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (12) الباب (1) من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (3)

دراساتنا من الفقه

الجعفري، ج 3، ص: 334

و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة يفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع اولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه فاجابه عليه السّلام الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها او بامره او رضي منه «1».

فان هذه الرواية صريحة في خروج العقد عن الفضولية برضا المالك.

و اما وجه تأمله في جوابه الثاني فلم يظهر وجهه فان ما افاده المستكمل متين جدا اذ الحكم بصحة الفضولي لا يختص بهذه الصورة فالملاك للصحة شي ء آخر.

ثم انه علي تقدير القول باشتراط عدم الغرر في البيع فهل يلحق الصلح بالبيع في هذا الشرط او لا يلحق فنقول: ان الصلح اما يكون مبنيا علي المسامحة و اما لا يكون كذلك فعلي الاول لا يصدق عليه الغرر كما لو صولح عن أموال خطيرة في مقابل درهم فانه يمكن أن يقال: بانه لا خطر في هذا الفرض فيصح الصلح.

و اما فيما يصدق عليه الغرر فاما يكون المدرك لاشتراط القدرة علي التسليم النهي عن بيع ما لا يملك و اما يكون المدرك حديث نفي الغرر فعلي الاول لا وجه لتسريته الي غيره لاختصاص النص بالبيع، و أما علي الثاني فأفاد الاستاذ انه يستفاد من النهي عن الغرر عدم اختصاصه بالبيع بل الميزان صدق الغرر و عدمه، و لكن لا يمكن المساعدة عليه لان الاحكام الشرعية تعبدية لا يمكن التعدي الي غير مورده الا بالدليل.

و الذي يسهل الخطب ان المدرك ان كان حديث نفي الغرر فهو ضعيف و معه لا مجال للبحث عن الدلالة و لا موضوع لهذا البحث الطويل الا انا تعرضنا له تبعا للقوم و ان

كان المدرك تلك الرواية الدالة علي عدم جواز بيع ما لا يكون عنده فقد مر الكلام فيه.

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (12) الباب (1) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (8)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 335

[من شروط العوضين العلم بقدر الثمن]
اشارة

مسألة- قوله: المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا … «1»

اقول: المشهور بين العلماء انه لا بد من العلم بمقدار الثمن و لا يجوز البيع بحكم أحدهما، و ما يمكن أن يكون وجها لهذا الشرط أمور.

الاول الاجماع،

و فيه انه لم يثبت حجية الاجماع لا سيما في المقام لكونه محتمل المدرك ان لم يكن معلوما.

الثاني حديث نفي الغرر،

و فيه ما مر اولا من انه لا دليل علي اشتراط نفي الغرر في المعاملات.

و ثانيا انه لا تلازم بين البيع بحكم أحدهما و تحقق الغرر فان البائع يمكن أن يبيع بحكم المشتري مع علمه بانه لا يحكم باقل من القيمة السوقية فلا غرر بالنسبة اليه، و اما بالنسبة الي المشتري فلا غرر لأنه عالم بعمل نفسه و كذلك الحال فيما باع بحكم البائع.

الثالث الروايات الواردة في المقام

(منها) ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد ابن يحيي عن بعض أصحابه عن الحسين بن الحسن عن حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم «2» و لكنها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الي أجل قال فاسد فلعل الدينار يصير بدرهم «3» فانها أيضا ضعيفة ببنان بن محمد فانه غير موثق.

و منها ما رواه وهب عن جعفر عليه السلام عن أبيه انه كره أن يشتري الرجل بدينار الا درهم و الا درهمين نسية و لكن يجعل ذلك بدينار الا ثلثا و الاربعا

______________________________

(1)- المكاسب ص 189 السطر (2)

(2)- الوسائل، الجزء (12) الباب (23) من ابواب احكام العقود الحديث (1)

(3)- الوسائل، الجزء (12) الباب (23) من ابواب احكام العقود، الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 336

و إلا سدسا او شيئا يكون جزء من الدينار «1» و هذه الرواية ضعيفة بوهب فانه مردد بين الموثق و المطعون و المرمي بالكذب حتي قيل في حقه انه كذاب.

و منهي ما رواه حماد عن جعفر عن أبيه عليه السّلام انه كره أن

يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم. «2»

و هذه الرواية مخدوشة سندا بحسين بن الحسن الضرير هذا كله من ناحية السند.

و اما الدلالة ففي دلالة بعض منها أيضا للمناقشة مجال كرواية حماد فان الكراهة في قوله: عليه السلام (كره ان يشتري الثوب بدينار غير درهم) لا تدل علي الفساد فانه يمكن أن يكون هذا القسم من المعاملة مكروها عند الشارع.

و يمكن أن يستدل علي الجواز برواية اخري و هي ما رواه رفاعة النخاس قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه علي ذلك ثم بعثت اليه بالف درهم فقلت هذه الف درهم حكمي عليك أن تقبلها فأبي أن يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل أن أبعث اليه بالثمن.

فقال أري أن تقوم الجارية قيمة عادلة فان كان قيمتها اكثر مما بعثت اليه كان عليك أن ترد عليه ما نقص من القيمة و ان كان ثمنها أقل مما بعثت اليه فهو له قلت جعلت فداك ان وجدت عيبا بعد ما مسستها قال ليس لك أن تردها و لك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب منه «3».

و هذه الرواية و ان كانت صحيحة من حيث السند و لكنها لا تنطبق علي الموازين و القواعد الفقهية و لذا وقع محل الكلام فلا بد أن يرد علمها الي أهلها هذا تمام الكلام

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (2) الباب احكام العقود، الحديث (3)

(2)- الوسائل الجزء (12) الباب (23) من ابواب أحكام العقود، الحديث (4)

(3)- الوسائل، الجزء (12) الباب (18) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 337

في اشتراط العلم بمقدار الثمن.

[من شروط العوضين العلم بقدر المثمن]
اشارة

مسألة قوله:

العلم بقدر المثمن كالثمن شرط … ) «1»

اقول ما يمكن ان يستدل علي اشتراط العلم بمقدار المثمن امور.
(الاول)، الاجماع.

و فيه ما يرد في غيره من الاجماعات من أن المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل مضافا الي انه مدركي و لا أقل من احتماله فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

(الثاني) حديث نفي الغرر،

و فيه اولا بضعف سنده و ثانيا بكونه أخص من المدعي كما هو واضح.

(الثالث) الروايات الواردة الدالة علي اشتراط العلم في المكيل و الموزون و المعدود

و هذه الروايات و ان كان بعضها مخدوشا سندا و بعضها الاخر مخدوشا دلالة لكن بعضها تام سندا و دلالة و هو ما رواه محمد بن علي بن الحسين باسناده عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة «2».

و كذا ما رواه سماعة قال سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن؟ فقال اما أن تأتي رجلا في طعام قد كيل و وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه اذا كان المشتري الاول قد أخذه بكيل أو وزن.

و قلت له عند البيع اني أربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «3».

______________________________

(1)- المكاسب ص 190 السطر (6).

(2)- الوسائل، الجزء (12) الباب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1)

(3)- الوسائل، الجزء (12) الباب (5) من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث (7)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 338

هذا في الموزون و المكيل و اما اشتراط العلم في المعدود فيمكن ان يستفاد مما رواه الحلبي عن هشام بن سالم و علي بن نعمان عن ابن مسكان جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال لا بأس به «1».

فالحكم المذكور اعني اشتراط العلم في المكيل و الموزون و المعدود مستفاد من النصوص و اما في غيرها فمع

انتفاء الغرر لا شبهة في الجواز.

و اما مع كون المعاملة غررية فلو قلنا ببطلان البيع الغرري فهو، و الا فاطلاق دليل الصحة محكم.

ثم ان في المقام فروعا لا بأس بالتعرض لها.
(الاول) انه هل يكفي مجرد عدم الغرر في المكيل و الموزون أو لا بد من الوزن و الكيل

الظاهر هو الثاني فان الدليل هي الروايات و مقتضاها لزوم التعيين، و لو مع عدم الغرر، و عليه لا يجوز بيع مقدار من الموزون بمثله أو بغيره اذا كانا متساويين في المالية بلا تميز مقدارهما بأن يجعل احد الجنسين في احدي كفتي الميزان، و يجعل الاخر في الاخري.

الثاني انه يشترط الكيل و الوزن فيما يكال و يوزن

و اما ما لا يكال بالكيل و الوزن اما لقلته كحبة من الحنطة او لكثرته كزبرة الحديد فلا يشترط فيه الكيل و الوزن.

الثالث انه لا يشترط في المكيل و الموزون المعرفة بهما دقيقا

بان يعلم ان المن من الحمص مثلا يعادل اي مقدار من المثقال، و هو يعادل أي مقدار من المن فانه لو اشترط في صحة المعاملة هذا المقدار من التميز يلزم بطلان جل المعاملات لو لا الكل.

الرابع انه هل يشترط الزرع في المزروع أم لا،

و التحقيق أن يقال يختلف الحكم حسب اختلاف المبني فان قلنا بان الغرر يوجب البطلان، او قلنا بان المستفاد من الروايات اشتراط العلم في المبيع يلزم رفع الغرر و الا فلا و اثبات احد الامرين

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (7) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 339

في غاية الاشكال.

[يقع الكلام في جواز بيع المكيل وزنا و الموزون كيلا]
اشارة

قوله (قدس سره) فنقول اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا و بالعكس و عدمه علي اقوال «1».

اقول يقع الكلام في جواز بيع المكيل وزنا و الموزون كيلا.

و في المسألة اقوال خمسة:
الاول- جواز بيعه مطلقا سواء كان بيع المكيل بالوزن او بالعكس.

بتقريب ان المقتضي للصحة موجود و هو قوله تعالي: أحل اللّه البيع و غيره من العمومات او الاطلاقات الدالة علي صحة البيع عرفا فيما اذا صدق البيع عرفا.

و اما المانع المتوهم في المقام فاظهر ما في الباب و هو ذيل صحيحة الحلبي و هو قوله عليه السّلام: و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة و هذا مما يكره من بيع الطعام «2».

اقول: ان هذه الرواية اما مجملة لتعارض قوله: لا يصلح مع قوله: مما يكره فعلي هذا فالامر ظاهر من عدم صلاحيتها للمانعية عن بيع المكيل بالوزن و عكسه.

و اما ليست بمجملة و علي هذا التقدير يستفاد منها ان بيع ما يوكل ان كان مجازفة يكون باطلا و هذا المعني و ان كان متينا الا ان المقام ليس من صغرياته لعدم كونه مجازفة لان بيع المكيل بالوزن مثلا ليس بيعا جزافيا كما هو الواضح.

اضف الي ذلك رواية وهب عن جعفر عن ابيه عن علي صلوات اللّه عليهم اجمعين قال: لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن «3» حيث ان المستفاد منها صحة بيع المكيل وزنا و بالعكس هذا تمام الكلام في هذا الاستدلال.

______________________________

(1)- المكاسب ص 191 السطر (12).

(2)- الوسائل، الجزء (12) الباب (4) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

(3)- الوسائل المجلد 13 باب (1) من ابواب السلف الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 340

و فيه- انا نسلم ان المقتضي للصحة موجود كما ذكره الخصم الا

ان- المقتضي انما يؤثر اذا لم يكن مانع عن تأثيره فبما ان المانع موجود في المقام لا يمكن الالتزام بالصحة- توضيحه- ان صحيحة الحلبي المذكورة في الباب مانعة عن تأثير المقتضي حيث تدل علي عدم بيعه جزافا.

و اما القول: بان بيع المكيل وزنا او عكسه لا يكون جزافا فممنوع، لان المشتري بعد كيل الموزون لا يعلم مقدار ما اشتراه من المبيع لكون الكيل مجهولا عنده و لا نعني من الجزاف الا هذا هذا. اولا.

و ثانيا ان في موثقة سماعة قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شرائه بغير كيل و لا وزن فقال: اما ان تاتي رجلا في طعام قد كيل و وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه اذا كان المشتري الاول قد أخذه بكيل او وزن و قلت له عند البيع: اني اربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «1» فيستفاد من هذه الرواية بمفهومها انه اذا لم يأخذ المشتري الاول بكيل او وزن و لم يقل عند البيع: اني اربحك الخ، فلا يجوز وزنا و عكسا.

و اما رواية وهب «2» التي تمسك بها ففيها اشكال من جهتين سندا و دلالة، اما من جهة السند فهي ضعيفة بوهب ابن وهب فانه لم يوثق عند الرجاليين.

و اما من جهة الدلالة فان الرواية كما أفاده الشيخ ره ظاهرة في جواز اسلاف الموزون في المكيل و بالعكس يعني احد العوضين في باب السلم من الموزون و الاخر من المكيل.

و يظهر هذا المعني الذي نقول من التعبير بقوله (ع) فيما يكال و فيما يوزن «3»

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب

(5) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث

(2)- الوسائل، جلد 13 باب (7) من ابواب السلف، الحديث (1)

(3)- الوسائل جلد 13 باب (7) من ابواب السلف، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 341

فلو كان المراد منها جواز صحة بيع المكيل وزنا او عكسه لكان حق التعبير أن يقول لا بأس بسلف ما يكال بما يوزن و يؤيد المدعي ان الشيخ ذكر الرواية في باب اسلاف الزيت في السمن.

و ثالثا انه مع الاغماض عن الايراد في السند و الدلالة نقول ان الرواية وردت في مورد خاص و هو مورد السلف و التعدي من موردها لا دليل عليه هذا تمام الكلام في القول الاول.

الثاني عدم جواز بيع المكيل وزنا و عكسه مطلقا

بتقريب ان المستفاد من رواية سماعة «1» ان ما يوزن لا بد ان يباع بالوزن و ما يوكل بالكيل و فيه ان الظاهر منها عدم موضوعية بيع المكيل بالكيل و كذلك الموزون بالوزن و بعبارة أخري- ان الحكم في عدم جواز التقدير بغير ما يتعارف به التقدير ليس حكما تعبديا بل انه يكون من باب الطريقية بأن يكون مقدار المبيع معينا حتي لا يكون البيع جزافيا- فعليه اذا كان في بيع المكيل وزنا او في عكسه مقدار المبيع معلوما بحيث لا يكون بيعه جزافا لا يبعد عدم شمول منع الروايات له.

الثالث- جواز بيع المكيل وزنا دون العكس

لان الوزن اصل الكيل و أضبط عنه و انما عدل اليه في المكيلات تسهيلا للأمر.

و يرد عليه انه ان كان المدار ارتفاع الغرر فيمكن رفعه بلا وزن و لا كيل و ان كان من باب التعبد ففيه انه خلاف ظاهر رواية السماعة فان المستفاد منها عدم جواز بيع المكيل وزنا.

نعم قد ذكرنا انه لا موضوعية للوزن بما هو وزن بل الوزن طريق الي العلم بالمقدار الخارجي فلو حصل العلم بطريق كفي كما هو ظاهر مما ذكر ان وزن الكيل

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (5) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (7).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 342

بما هو بلا أن يكون الوزن طريقا الي الكيل و كذلك كيل الوزن بما هو بلا كونه طريقا الي الوزن لا يصحح و لا يمكن الالتزام بالجواز فانه جزاف و منهي عنه.

الرابع- ان يجعل كل من الكيل و الوزن طريقا الي الاخر مع التفاوت لكن بمقدار يتسامح فيه عرفا

اذ لا يعد مثله جزافا فيجوز.

و ربما يستدل علي ذلك بما رواه عبد الملك بن عمرو قال: قلت: لأبي عبد اللّه (ع): اشتري مأئة رواية من زيت فاعترض رواية او اثنتين فأتزنهما ثم أخذ سايره علي قدر ذلك قال: لا بأس «1» لكن الرواية ضعيفة السند الا ان اثبات المرام في المقام لا يحتاج الي الرواية اذ الميزان في الصحة عدم صدق الجزاف و مع التسامح العرفي لا يصدق الجزاف و لا فرق في جوازه بين صورة التعذر و عدمه لعين الملاك.

و ربما يقال: بانه يستفاد من الرواية الواردة في الجواز اختصاص الجواز بصورة التعذر و هي ما رواه ابن مسكان عن ابي عبد اللّه (ع) انه سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب

ذلك العدد قال:

لا بأس به «2».

لكن الانصاف انه لا يستفاد من الرواية و لو بمقتضي التقرير اختصاص الجواز بصورة التعذر، بل يفهم منها ان للعد طريقين احدهما الكيل بهذا النحو و ان ابيت عن ذلك فلا أقلّ من عدم دلالتها علي عدم الجواز عند عدم التعذر فيكفي علي طبق القاعدة.

الخامس- ان يتفاوت احد التقديرين عن الاخر بما لا يتسامح فيه

افاد الشيخ

______________________________

(1)- الوسائل المجلد 12 باب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

(2)- الوسائل الجزء (12) الباب (7) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 343

بأنه لا بأس به ان كان البناء المعاملي علي ذلك المقدار بحيث يكون التقدير امارة و طريقا الي الحد المعين.

و الظاهر ان ما افاده صحيح، اذ الميزان في الفساد تحقق الجزاف و التقدير بهذا النحو يخرج العقد عن كونه جزافا نظير البيع بالمشاهدة غايته لو لم يكن بهذا الحد يثبت الخيار للمشتري و عليه لنا أن نقول: بانه يجوز بيع صبرة من الحنطة مرددة بين كونها مأئة من او الف من و يجوز بيعها بعنوان كل من منها بكذا فانه يخرجه عن الجزافية.

فانقدح مما ذكرنا انه لا يجوز الجزاف في المكيل و الموزون و المعدود و انه يجوز بيع كل منها بالاخر فيما يكون طريقا و لم يتفاوت بما لا يتسامح فيه و اما جعله اصالة فلا يجوز حتي فيما يجعل الوزن طريقا للعدو كون الوزن اصلا له لا يفيد كما مر.

ثم انه وقع الكلام بين الاعلام في تعيين ما هو المكيل و الموزون و لا يخفي انه ليس هذا خلافا في هذين المفهومين بل المقصود ان الحكم تابع لموضوعه كبقية الاحكام ففي كل مورد تحقق الموضوع ترتب عليه الحكم و الا

فلا او ان الميزان علي زمان النّبيّ صلي اللّه عليه و آله اولا و حكم الباقي في البلد ان ما هو المتعارف فيها ثانيا و بما يكون من احدهما في كل بلدة ثالثا.

فقد نسب صاحب الحدائق هذا المعني الي الاصحاب و انكره صاحب الجواهر، و يكون الشيخ في مقام اثبات ما ادعاه صاحب الحدائق و اطال في المقام بما لعله يوجب الملال مع ان هذه التطويلات لا تثمر و لا تغني كما هو ظاهر فان كلمات العلماء ان حصل منها الاجماع التعبدي الكاشف فهو و إلا فأي فائدة في استقصائها و نقلها.

و كيف كان الحق في المقام ان يقال: ان مدرك الحكم ان كان حديث نفي الغرر فلا بد من لحاظ تحققه و عدمه و ان كان الميزان كون الشي ء مكيلا او موزونا او معدودا كما هو ظاهر من تلك الروايات الخاصة المشار اليها فلا بد من تحقق هذه العناوين

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 344

ففي كل مورد تحقق يترتب عليه الحكم و الا فلا كبقية القضايا الحقيقة فهل يمكن ان يقول احد: بأن حرمة المسكر تختص بما كان مسكرا في زمن الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم بحيث لو وجد مسكر جديد بحسب الصناعة لا يحكم عليه بالحرمة؟

او لو كان الشي ء الفلاني مسكرا في زمنه و في هذا العصر لا يكون مسكرا فان أثار الاشياء تختلف باختلاف الأزمان فيمكن ان يقال: بانه حرام مع انه ليس بمسكر و الظاهر انه خلاف الصناعة العلمية.

و المقام كذلك فانه في كل مورد يكون الشي ء مكيلا او موزونا او معدودا لا يجوز بيعه جزافا و لو لم يكن في زمن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله

كذلك بان كان و لم يكن بهذا الوصف او لم يكن اصلا، كما انه لو كان شي ء في زمانه من الموزونات و في هذا الزمان لا يعتبر فيه الوزن بل اعتبر فيه الكيل اولا يعتبر فيه شي ء من المقادير فالمتبع هو الموضوع الفعلي و هذا امر واضح لا يكاد يخفي لمن تأمل في امثال المقام

و ما استدل به او يمكن ان يستدل بأن الميزان بما كان موزونا في زمن النّبيّ صلي اللّه عليه و آله وجوه.
الاول الاجماع

و فيه ان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه ليس بحجة و علي فرض حصوله لا يكون حجة لكونه معلوم المدرك و لا أقلّ من محتمله مضافا الي انه ليس في المقام اجماع اصلا نعم ادعي عدم الخلاف في المسألة و الفرق بينهما واضح.

الثاني- ان المراد بالعناوين المصداق الموجود في زمن المتكلم.

و فيه- ان ذلك انما يكون اذا كان الاحكام من قبيل القضايا الخارجية و اما اذا كانت من قبيل القضايا الحقيقية ينافي ان يكون الميزان ما هو في عصر المتكلم بل الحكم تابع لتحقق موضوعه فاي وقت يوجد يتبعه الحكم.

الثالث- انه يلزم حمل اللفظ علي المعني المتعارف عند الشارع

للزوم اخذ

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 345

الموضوع من الشارع كأخذ الحكم عنه.

و فيه- ان الموضوع العرفي لا بد ان يؤخذ من العرف و ليس الموضوع من الماهيات المخترعة الشرعية كي يلزم اخذ حدودها من الشرع- و اما فيما لم يثبت كونه منه فالميزان بما اتفق عليه البلدان و ما يمكن ان يستدل باعتباره امور.

الاول الاجماع- و فيه ما مر منا مرارا.

الثاني- ان الحقيقة العرفية لا بد أن تؤخذ من العرف و فيه انه مسلم أيضا فان المفاهيم تؤخذ من العرف لكن لا يثبت بهذا المدعي فان الحكم تابع للموضوع العرفي ففي كل مورد تحقق الموضوع العرفي يترتب عليه حكمه.

الثالث- استدل بمقطوعة ابن هاشم عن رجاله ذكره في حديث طويل قال:

و لا ينظر فيما يكال و يوزن الا الي العامة و لا يؤخذ فيه بالخاصة فان كان قوم يكيلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم لان اصل اللحم ان يوزن و اصل الجوز ان يعد «1»

و فيها اولا انه لا اعتبار بسندها و ثانيا في دلالتها لأنه لا يستفاد منها ما اريد فانه يستفاد من الرواية انه لا بد من لحاظ الاصل و عليه لو بيع اللحم عند المعاملة بالكيل لا يجوز لان الاصل في اللحم الوزن و الميزان في كون شي ء موزونا او مكيلا او معدودا المكان الذي يتعاملان فيه فانه مقتضي كون القضية حقيقية فلو عقدا في برية ليس لها اهل فالظاهر

ان الحكم تابع لنظر المتعاملين و لو اختلفا فلا يصدق علي مورد العقد احد العنوانين فلا يشترط فيه شي ء و لكن مقتضي الاحتياط ان يتعاملا بنحو المصالحة او الهبة المعوضة و اما بنحو البيع المعاطاتي كما في بعض الكلمات فغير سديد لان المعاطات كالبيع العقدي نوع من البيع و يشترط فيه ما يشترط في البيع

مسئلة قوله:

لو اخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه علي المشهور «2».

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب 6 من ابواب الربا الحديث 6.

(2)- المكاسب الصفحة 194 السطر (10)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 346

اقول يجوز بيع الموزون و غيره باخبار البائع بالمقدار و هذا الحكم علي القاعدة لان المانع اما الغرر و اما الجزاف و الظاهر انه يرفع عنوان الغرر و الجزاف بان يخبر البائع و يقع المبيع علي ذلك العنوان و اما رواية الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري:

ابتع مني من هذا العدل الاخر بغير كيل فان فيه مثل ما في الاخر الذي ابتعت قال:

لا يصلح إلا بكيل و قال: و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام «1» فاما تحمل علي ما اذا أخبر البائع بالمقدار حدسا و اما علي مورد لا يقع البيع علي ذلك العنوان المعين بل يقع جزافا.

و اما يقيد برواية محمد ابن حمران قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و اخذناه بكيله فقال: لا بأس فقلت: أ يجوز ان أبيعه كما اشتريته بغير كيل قال: لا أما انت فلا تبعه حتي تكيله

«2».

فان هذه الرواية تدل علي الجواز فيما كاله البائع فيقيد رواية الحلبي بهذه الرواية بأن نقول في صورة اخبار البائع بالمقدار مستندا بالتقدير الحسي يجوز الاعتماد بقوله.

مضافا بانه لو وقع التعارض بين الروايتين يكون الترجيح مع رواية الجواز لموافقته مع الكتاب اضف الي ذلك كله ان الرواية الحلبي ناقشنا فيها من جهة الدلالة من حيث انها بواسطة وقوع كلمة (هذا مما يكره) فتكون مجملة و غير قابلة للاعتماد عليها.

فتحصل انه لا مانع من ايقاع البيع علي العنوان فانه لو باع الحنطة بعنوان كل من بكذا فلا يكون جزافا لكن لا يبعد ان يستفاد من موثقة سماعة عدم الجواز إلا مع

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 حديث 2 من باب 4 من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2)- الوسائل ج 12 حديث 4 من باب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 347

العلم بالوزن حيث قال سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شرائه بغير كيل و لا وزن فقال: اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل و وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه اذا كان المشتري الاول قد أخذه بكيل او وزن و قلت له عند البيع: اني اربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «1»

بتقريب ان يقال بمقتضي مفهوم الشرط: انه لو كان موزونا يجوز الاشتراء بلا وزن و الا لم يجز باي نحو كان حتي في صورة التقدير بان يشتري كل من بكذا، لكن لا يبعد ان يكون الجواب ناظرا الي سؤال السائل حيث سئل عن الاشتراء بلا وزن اي الاشتراء جزافا؟

فأجاب (ع) بانه في صورة عدم الوزن عند الاشتراء لا يجوز و بعبارة اخري لا يبعد ان لا يكون الرواية ناظرة الي صورة التقدير بان يباع كل من بكذا فلاحظ.

ثم انه لو باع مستندا باخبار البائع عشرة امنان فمع عدم التخلف لا يترتب عليه شي ء كما هو واضح و اما مع التخلف فاما يكون بالنقيصة و اما بالزيادة اما مع النقيصة فالبيع صحيح فان هذا التخلف ليس كتخلف العناوين النوعية العرفية فلا وجه للبطلان و علي الصحة هل يكون العقد لازما او جائزا؟

الحق هو الثاني اذ القصد تعلق باشتراء العشرة و ما وقع عليه القصد ناقص فيكون للمشتري الخيار لكن هذا الخيار اي قسم من الخيار خيار الغبن او خيار تخلف الوصف و هو تخلف شي ء يكون وجوده و عدمه دخيلا في مقدار الثمن و عليه لا يكون في المقام تخلف الوصف اذ كل من له قيمته معينة كالكتابة في العبد فانها تؤثر وجودا و عدما في قيمة العبد او خيار تبعض الصفقة اما خيار الغبن فليس اذ المفروض انه لم يغبن و أيضا ليس خيار تخلف الوصف لما ذكرنا.

و اما خيار تبعض الصفقة فموجود فله ان يرد المبيع و له ان يمسك و يرد الزائد

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 باب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (7)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 348

من الثمن هذا في طرف النقيصة.

و اما لو زاد فيمكن القول بالخيار للمشتري للاشتراك و اما البائع فلو اشترط ان المبيع يبقي علي حالته الاولي فطبعا يثبت له الخيار و الا فلا لكن تحقق هذا الشرط من قبل البائع محل اشكال و بعيد عن الانظار.

ثم ان الحكم فيما يجعل طريقا الي

المقدار كما يجعل أحد المقادير طريقا للمقدار الاخر كاخبار البائع بالمقدار في الآثار و الاحكام فانه يحكم بالصحة و بثبوت خيار تبعض الصفقة.

ثم انه هل يلزم حصول الظن من الطريق أم لا مقتضي رواية «1» ابي العطارد لزوم حصول الوثوق من الطرق لكن الرواية ضعيفة السند.

و مقتضي رواية «2» ابن حمران قال قلت لأبي عبد اللّه اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس عدم لزوم حصول الظن بل البناء علي قوله يكفي فلا وجه لاعتبار حصول الظن و لو نوعيا مضافا الي ذلك فان الظن لا يغني من الحق شيئا فلو قام دليل علي جواز الاعتماد لقول البائع فالمتبع اطلاقه و مع عدم الدلالة لو قلنا بان العقد علي المقدار يوجب الصحة كما هو قريب جدا اذ يخرج بذلك عن كونه جزافا فلا يلزم حصول الظن.

و اما ما أفاده السيد الاستاذ دام ظله في المقام من عدم الخلاف في بطلان البيع فيما يكون جاهلا بالمقدار و تعاقد مبنيا علي المقدار الخاص.

ففيه ان المعاقدة مبنيا علي المقدار الخاص لا يصدق عليها الجزاف مع قيام الطريق عليها، و علي فرض التشكيك في كون مثله جزافا فالمرجع اطلاق دليل

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (5) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (6).

(2)- الباب (5) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 349

الصحة. لاستصحاب عدم كونه جزافا لجريان الاصل في الشبهات المفهومية علي مسلكنا، و التحقيق موكول الي محل آخر.

[الكلام في بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء كصاع من صبرة]
اشارة

قوله: (قدس سره) مسألة بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان او متفرقتها او ذراع من كرباس او عبد من عبدين و شبه

ذلك يتصور علي وجوه «1»

اقول بيع الصبرة يتصور علي اقسام.
منها ان يباع بعنوان الكسر المشاع
اشارة

و هذا لا اشكال فيه و انما الكلام في كيفية الاشتراك افاد الاستاذ في مسئلة بيع نصف الدار بأنه لا يمكن الالتزام في الاشاعة بأن كل واحد من المالكين يملك مقدارا من المملوك بل لا بد ان يقال بأن المالكين بمنزلة المالك الواحد و استدل علي ما رامه بوجوه.

الوجه الاول ان الجسم و ان كان بحسب البرهان لا يصل الي حد لا يكون قابلا للتجزية

و لذا عللوا بأن الجوهر الفرد مما لا يتعقل وجوده و لكن بنظر العرف يصل الي حد لا يكون قابلا للتقسيم فلو قسم الجسم الي هذا الحد بحيث لا يكون قابلا للقسمة فنسأل ان هذا الذي لا يكون قابلا للقسمة ملك لأحدهما المعين او ملك لكليهما او خارج عن ملكهما اما علي الاول فيلزم الترجيح بلا مرجح و علي الثاني لا يكون قابلا للقسمة كي يكون مشاعا بينهما و علي الثالث يلزم ان لا يكون ملكا لهما مع انه ملك لما حسب القواعد كما بقي من مورثهما مثلا.

و يرد عليه اولا بالنقض بأن الملك الشخصي لأحد لو انقسم الي حد لا يكون قابلا للقسمة فلو فرض تقسيمها الي قسمين نسأل من ان كل جزء ملك لمن؟ فانه ان كان ملكا لمالكه فيلزم الخلف اذ المفروض ان نصفه ليس قابلا للملوكية و ان قلنا انه بلا مالك فهو كما تري.

______________________________

(1)- المكاسب الصفحة (195) السطر (4).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 350

ان قلت: ان هذا فرض و الاحكام الشرعية ليست دائرة مدار الفرض و التقدير بل تكون مدار ما يقع عادة في الخارج.

قلت علي هذا الاصل الاشكال غير وارد لان تقسيم الجسم الي حد لا يكون قابلا للقسمة كي يتوجه هذا الاشكال أمر فرضي لا واقع له فان كان مجرد الفرض يكفي للإشكال فالنقض وارد و ان لم

يكف فيه فالاشكال غير وارد هذا اولا.

و ثانيا ان الجزء الذي لا يتجزي عرفا اما يقسم بالقسمة الخارجية و اما يقسم بالقسمة الوهمية و علي الاول اما يصير تالفا بالقسمة و اما لا يصدق عليه التالف اما علي فرض التلف فلا موضوع للسؤال بانه ملك لمن و اما علي تقدير عدم صدق التلف فاعم من ان يقسم خارجا او وهما نجيب بان الجزء غير القابل للتجزية لا ملك لهذا و لا ملك لاخر و لا ملك للثالث و لا ملك بلا مالك بل جزء لمملوكهما و هذا هو الجواب الصحيح فالاشكال غير وارد.

الوجه الثاني- ان الورثة لو كانوا بحد لا يكون سهم كل واحد منهم ذا مالية

فهذا المال الباقي من الميت يكون بلا مالك فلو أتلفه الغاصب لم يضمن لان حصة كل واحد لا تقابل بالمال.

و يرد عليه- اولا- انه مجرد فرض و لا واقع له في الخارج.

و ثانيا- ينتقض بما لو أتلف صبرة حنطة من زيد غاية الامر حبة حبة ففي اتلاف كل حبة لا يصدق اتلاف مال الغير فما يكون الجواب هناك هو الجواب في المقام أيضا.

و ثالثا- انه في مفروض الكلام يصدق ان الغاصب أتلف هذا المال فكما ان اعتبار الملكية للشريكين او الشركاء كان صحيحا بالنسبة الي اصل العين كذلك يصح اعتبار الملكية لهم بالنسبة الي بدله كما هو ظاهر.

الوجه الثالث- انه يمكن ان تصل القسمة الي حد لا يكون قابلا لصدق الملكية

فلو فرض كثرة الورثة بحيث وصلت القسمة الي حد لا يكون قابلا لاعتبار الملكية فنسأل

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 351

من ان هذا الملك مملوك لمن؟

و فيه اولا ينتقض بملك واحد لشخص واحد لو قسم حتي وصل الي هذا الحد فهو مملوك لمن.

و ثانيا ان هذا مجرد فرض و تقدير.

و ثالثا ان الشي ء يكون قابلا لاعتبار الملكية و باقيا في الملك و لو وصل الي غاية حد الخسة و لذا لو فرض ان زيدا لا يرضي ان يتصرف احد في مملوكه حتي في عود واحد من الكبريت بعد الاستعمال و احتراق مقدار منه لا يجوز التصرف في ذلك العود و هذا معني اعتبار الملكية.

الوجه الرابع- انه لا يتصور الاشاعة بمعني المشهور في البسائط اصلا

كحق التحجير او بالنسبة الي الافعال كما في ملكية الصلاة في ذمة الاجير. و فيه ان البسائط لا تكون قابلة للقسمة الخارجية و اما القسمة الاعتبارية فلا محذور فيها فاي محذور في اشتراك شخصين علي نحو الاشاعة بالمعني المشهور بالنسبة الي حق او فعل.

فانقدح مما ذكرنا عدم توجه هذه المحاذير مضافا الي ان القول بمقالة الاستاذ يوجه عليه ان احد الشريكين لو باع حصته من الدار فهذا البيع صحيح او باطل فان كان صحيحا يثبت المطلوب لأنه مالك للنصف و علي مقالته كيف يمكن الالتزام بالصحة و الحال انه ليس مالكا. و علي القول بالبطلان يلزم خلاف البداهة الفقهية بل يلزم خلاف القانون المدني و يلزم سد باب خيار الشفعة.

و مما ذكرنا يظهر ان القول بان الاشتراك معناه كون كل واحد من المالكين مالكا لتمام العين غاية الامر بالملكية الضعفة فاسد لأنه يرد عليه اولا انه لا مقتضي لكونه مالكا لتمام المال و ثانيا نسأل بانه لو باع حصته يجوز البيع

بلا اجازة الشريك الاخرام لا؟ فعلي القول بالجواز نسأل من مقتضي الجواز فان الملكية الضعيفة ان كانت مقتضية له يلزم جواز بيع جميع المال و ان لم تكن مقتضية يلزم فساده حتي بالنسبة الي النصف فعلي كل تقدير يتوجه الاشكال و هذا القول في غاية السقوط

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 352

و السخافة.

و ملخص الكلام- ان بيع صاع من صبرة يتصور علي وجوه منها ان يقصد الاشاعة و الظاهر انه لا اشكال في صحته بلا فرق بين العلم بمقدار الصبرة و عدمه و أيضا لا فرق بين اختلاف جنس الاصوع من حيث اجزائها و اتحادها فلا وجه لما افاده الشيخ قدس سره في صدر العنوان بقوله: متساوية الاجزاء و أيضا لا فرق بين ان يباع الكسر من الصبرة و بين ان يباع النصف من العبدين.

و نقل عن العلامة الاشكال في بيع عبد من عبدين و يمكن ان يكون نظره في الاشكال الي مقام الاثبات بان عبدا من عبدين لا يكون ظاهرا في الاشاعة.

و فيه ان الكلام في مقام الثبوت لا في مقام الاثبات و الحكاية و الظهور و بعبارة اخري يمكن ان يكون ناظرا الي انه يلزم ان يصرح بمتعلق القصد كما يلزم التصريح بالصيغة. و اما لو قلنا بكفاية القصد و لا يلزم التلفظ به فضلا عن التصريح به فلا وجه للإشكال.

و كيف كان تارة يقصد الاشاعة و قد قلنا: بصحة هذه الصورة.

و منها ان يقصد الفرد المردد

و هذا يتصور علي نحوين.

احدهما ان يكون في الواقع معلوما لكن مجهول عند المتعاملين بحيث لا يلزم الغرر كما لو كان له ثلاثة كتب متساوية باع مجلدين منها و بقي واحد فيبيعه و لا شبهة في صحة هذا البيع.

و لا يرد

عليه انه غرري فان مجرد الجهل لا يوجب الغرر و أيضا لا يكون الجهل موجبا للبطلان لعدم الدليل عليه و الاجماع علي فرض تحققه مدركي و كون الابهام موجبا للبطلان لا دليل عليه و أيضا لا يتوجه عليه بان الملك صفة وجودية يحتاج الي محل فان المفروض ان المبيع له واقع.

ثانيهما- ان يكون مرددا حتي في الواقع و لا شبهة في بطلانه لأنه لا واقع له فالفرد المردد إن كان هو الاول فلا يتوجه عليه ان الملكية تحتاج الي المحل اذ المفروض

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 353

ان الواقع محفوظ و ان كان المراد هو الثاني فلا وجه للإشكال بانه مجهول فانه لا واقع له لا انه مجهول فالجمع بين هذين الاشكالين مما لا وجه له.

و منها- ان يبيع صاعا من الصبرة بالعنوان الكلي في المعين
اشارة

و يقع الكلام تارة في تصويره و اخري في صحته.

اما المقام الاول [في تصويره]

فنقول: انه ليس علي نحو الاشاعة لان البيع لم يقع علي الخارج و ليس واقعا علي الفرد الواقعي المعلوم و لا علي الفرد المجهول المنتشر و أيضا ليس كليا في الذمة و اشتراط ادائه من الصبرة فانه لو تعذر الشرط يلزم صحة البيع و خيار تخلف الشرط و ليس واقعا علي الكلي لا بشرط بحيث يكون قابلا للانطباق علي جميع الصبرة فانه يترتب عليه انه لو اتلف المشتري بعد البيع جميع الصبرة لا يكون ضامنا للبائع.

و لكن يمكن ان يقال: بان ضمان المشتري لا يدل علي هذا المعني اذ لو كان البيع واقعا علي الكلي و لو في المعين لا وجه لصيرورة جميع الصبرة ملكا للمشتري غاية الامر للبائع ان يعطيه في مقام الاداء تمام الصبرة و عليه يكون الصبرة الا الصاع منها ملكا للبائع فالضمان علي القاعدة.

و هنا وجه آخر لبعض الاعاظم و قد ادركنا عصره و هو ان يكون المبيع كليا مضافا الي الخارج فان المفهوم تارة يقيد بمفهوم آخر اضيق فتصير دائرته أضيق من الاول كما لو قيدت الحنطة بكونها ابيض او من مكان خاص و هكذا و اخري تقيد بمضيق خارجي و ليس معناه انه كلي انحصر فرده في كذا فان الكلي الذي ينحصر فرده يمكن انطباقه علي فرد آخر غاية الامر ليس في الخارج الا فرد واحد بل الكلي المضاف الي الخارج عبارة عن كلي مأخوذ من الخارج.

و اورد علي هذا الوجه السيد الاستاذ دام ظله بايرادين.

احدهما انه يلزم ان لا يكون الغاصب ضامنا للمشتري لو اتلف جميع الصبرة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 354

لان المشتري ليس مالكا من الصبرة

شيئا، و الحال ان الكلي في المعين اذا صار ملكا لأحد يترتب عليه الضمان علي المتلف للمالك.

ثانيهما انه لو لم يكن الكلي مضافا الي الذمة و لم يكن من الخارج فلا مالية له عند العقلاء و ليس مورد غرضهم فلا بد من تصوير الكلي في المعين بنحو آخر و هو انه يكون كالواجب التخييري.

و بعبارة أخري كما ان الواجب التخييري لا يكون ملونا بلون مخصوص و لا يكون الخصوصيات واجبة و مع ذلك لا يكون الواجب خارجا عن تلك الافراد كذلك المبيع اي يكون المشتري بعد البيع مالكا لصاع من جملة الاصوع غاية الامر ليس مملوكه شخصا بخصوصيته هذا ملخص كلامه.

و يرد عليه ان ما اورده اولا بان الغاصب لو اتلف يلزم ان لا يكون ضامنا نسأل بانه مع فرض كون المبيع مضافا الي الخارج فاي وجه في عدم الضمان و ما الفرق بين ان يضاف الكلي الي الذمة و بين ان يضاف الي الخارج و بما ذكر ظهر دفع الاشكال الثاني كما هو ظاهر.

و لتوضيح الحال نقول: لا بد من تشريح الاضافة الي ما في الخارج فانه لو لم يكن مضافا الي الذمة كما هو المفروض و لم يكن الاداء من الخارج شرطا و لا يكون بنحو الاشاعة و لا بنحو الفرد المنتشر فما معني الاضافة الي الخارج.

و بعبارة اخري لا نتعقل معني للإضافة يغاير المعني الذي تصوره بنفسه و جعله معني صحيحا فان البيان مختلف و الالفاظ متفاوتة فالحق ان ما افاده بعض مشايخ الاستاذ و هو الصحيح في هذا المقام هذا تحقيق الحال في المقام الاول.

و اما المقام الثاني [في صحته]

فالحق جواز بيعه بهذا النحو و ما يمكن ان يقال في وجه الفساد امور منها انه

غرري.

و فيه اولا- لا دليل علي بطلان الغرر كما مر تحقيقه. و ثانيا يمكن ان لا يكون

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 355

غرريا كما مر آنفا في القسم الثاني فانه مع كون الاجزاء متساوية الاجزاء لا يتصور الغرر اصلا مضافا بان الغرر عبارة عن الخطر و لو فرض انه علي جميع التقادير لا يكون متضررا من هذه المعاملة بل يكون رابحا فلا موضوع للغرر.

و منها انه يكون مبهما.

و فيه- ان الابهام لا يكون موجبا للفساد علي اطلاقه و بعبارة اخري ما المراد من الابهام فانه لو كان المراد من الابهام الابهام الواقعي و عدم التعين بوجه فليس الامر كذلك و ان كان المراد منه بمعني آخر اي ليس فردا معينا خارجيا فعلي المستشكل أن يأتي بدليله الذي يدل علي البطلان.

و منها انه غير معهود

فان المعهود من بيع الكلي هو الكلي في الذمة لا الكلي في المعين.

و فيه- اولا- ان عدم المعهودية لا يوجب الفساد اذا كان موضوعا لأدلة الصحة من العموم و الاطلاقات.

و ثانيا- كيف لا يكون معهودا مع انه معهود في الوصية و الاصداق و اما معهوديته في خصوص باب البيع فغير لازم.

مضافا الي ذلك ما ورد في بيع القصب فانه يدل علي المقصود و هو ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رئاب عن بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اشتري من رجل عشرة آلاف طن قصب في انبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة و الانبار فيه ثلاثون الف طن فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت فاعطاه من ثمنه الف درهم و وكل المشتري من يقبضه فاصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال: العشرة آلاف طن التي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 356

بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع «1».

و منها انهم اتفقوا علي حمل استثناء الارطال من بيع الثمرة علي الاشاعة.
اشارة

و فيه انه يمكن ان يكون وجه ذهابهم اليه استظهارهم من الكلام و من مقام الاثبات او بلحاظ تعبد خاص و الكلام في المقام انه مع وقوع البيع علي هذا النحو يكون العقد صحيحا و ليس البحث فيما يستفاد من الكلام في مقام الاثبات.

قوله: مسألة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الاول من الوجوه الثلاثة المتقدمة أعني الكسر المشاع او علي الوجه الثالث و هو الكلي «2».

اقول: لو باع صاعا من صبرة هل يحمل علي

الاشاعة بنحو الكسر المشاع او ينزل علي الكلي في المعين الظاهر هو الثاني فان الظاهر ان الصاع بما هو عنوان للمبيع لا انه عنوان للكسر و يدل علي المقصود حديث ابن معاوية المتقدم آنفا حيث انه عليه السلام لم يفصل في الجواب، بل اجاب علي نحو الاطلاق بان الباقي للمشتري، فيعلم ان مقتضي اللفظ لو لا القرينة الخارجية هو الكلي في المعين.

ان قلت ان حمل الامام (ع) بيع القصب علي الكلي في المعين انما هو بالتعبد فلا يمكن التعدي الي غيره.

قلت ان حمله علي ذلك انما هو بلحاظ كون اللفظ ظاهرا فيه كما هو واضح و ليس من باب التعبد كما هو أوضح من أن يخفي و ملاحظة الرواية و التأمل في مجموعها شاهد صدق فلاحظ و تأمل.

ان قلت ان لفظة من في هذه الجملة للتبعيض فتكون الجملة بملاحظتها ظاهرة في كون الصاع مبيعا علي نحو الاشاعة، قلت الصبرة اسم للمجموع و الصاع الكلي

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (12) الباب (19) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

(2)- المكاسب ص 196 السطر (22).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 357

جزء من مجموع الصبرة و بعبارة أخري كما ان الكسر المشاع جزء من الصبرة، كذلك الصاع الكلي جزء منها.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 357

و أفاد السيد الاستاذ دام بقائه بأنه لو حمل علي الكسر المشاع مثلا يكون كل من الشريكين مالكا للكل علي نحو الاشاعة و بما ان الشريكين بمنزلة المالك الواحد يكون بيع صبرة من الصاع علي هذا بيع جميع الصبرة و هو خلاف المفروض لان المفروض

عدم بيع جميع الصبرة.

و يرد عليه انه علي تسليم صحة مبني الاشاعة لا يمكن المساعدة مع الاستاذ بجريان هذا البيان في جميع موارد الشركة فيلزم جواز بيع كل شريك جميع المال المشترك و هو بنفسه لا يرضي بهذا اللازم.

[يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا أمور]
اشارة

قوله: ثم انه يتفرع علي المختار من كون المبيع كليا امور … «1»

اقول: ان الثمرات بين القولين كثيرة.

منها انه اذا فرض كون المبيع علي نحو الكلي في المعين يكون التعيين بيد البائع فليس للمشتري اقتراح الخصوصية علي البائع

خلافا للمحقق القمي فانه يقول: بان الاختيار في التعيين بيد المشتري. و اما اذا فرض كونه علي نحو الكسر المشاع فللمشتري ان لا يرضي بتعيين البائع فان رضاء كليهما شرط في المقام فيحتاج القسمة الي التراضي.

و منها انه لو تلف بعض الصبرة و بقي مقدار حق المشتري فعلي تقدير كون المبيع كليا يكون التلف من البائع

و اما علي تقدير كونه بنحو الاشاعة فيحسب التالف عليهما و يقسم الباقي بينهما.

و منها انه ما لو فرض ان البائع بعد ما باع صاعا من الصبرة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر فتلف الجميع بالتلف السماوي الا صاعا واحدا

فاذا قلنا: بكون

______________________________

(1)- المكاسب ص 196 السطر (31).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 358

المبيع علي نحو الكسر المشاع فالضرر متوجه علي كليهما اي علي المشتري الاول و الثاني.

و اما اذا قلنا: بكونه كليا في المعين فهل الضرر متوجه علي المشتري الثاني فقط او يشتركان؟ اختار الشيخ قدس سره و تبعه الميرزا بان الضرر متوجه الي الثاني.

و افاد الشيخ بأن الظاهر انه اذا بقي صاع واحد كان للأول لان الكلي المبيع ثانيا انما هو في مال البائع و هو ما عدا الصاع من الصبرة فاذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض فهو من مال بايعه.

و يرد عليه- انه لا وجه لتوجه الضرر علي غير المشتري الاول و لا وجه لسريان الكلي في مال البائع فلا وجه لترجيح الاول و مقتضي القاعدة انه لو بقي صاع يكون مشتركا بينهما لعدم خصوصية لأحدهما افاد المرزا (ره) بان قانون التزاحم يقتضي ذلك فان الترجيح للأسبق زمانا فكما ان هناك يقدم اسبق زمانا كذلك في المقام فيقدم المشتري الاول علي الثاني.

و يرد عليه أن التزاحم تارة يقع بين الشيئين حدوثا و اخري بقاء فان تقديم الاسبق انما يكون فيما يقع التزاحم فيه في الحدوث كما لو وقع التزاحم بين الصوم الواقع في اول الشهر و الصوم الواقع في آخره فانه لا شبهة في تقديم صوم اول الشهر لتمامية موضوعه بخلاف صوم آخر الشهر فان التكليف المتوجه اليه غير فعلي من جهة موضوعه و اما في المقام فلا تزاحم بينهما في الحدوث بل التزاحم في

البقاء و القاعدة تقتضي التقسيم بينهما غاية الامر يثبت لكل منهما خيار تبعض الصفقة.

ان قلت: ان المقام يكون نظير ما اذا و كل المالك احدا لبيع داره مثلا و باعها بنفسه من آخر فانه يكون كل من العقدين باطلا فيكون المقام كذلك.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 359

قلت: ان بطلان المعاملتين في الدار انما هو لعدم قابلية بيع دار واحدة من شخصين علي نحو الاستقلال و صحة احدهما بدون الاخر ترجيح بلا مرجح فتكون المعاملتان باطلتين قهرا، و هذا بخلاف المقام، و المفروض أن المعاملة وقعت في كلا الموردين و بعبارة اخري التزاحم هناك في الحدوث و في المقام يكون التزاحم في البقاء.

[صور إقباض الكلي]

قوله: قدس سره ثم اعلم ان المبيع انما يبقي كليا ما لم يقبض و اما اذا قبض فان قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشتري.

و ان قبض في ضمن الباقي بان أقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون بعضه وفاء و الباقي امانة حصلت الشركة لحصول ماله في يده و عدم توقفه علي تعيين و اقباض حتي يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا و ينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف علي البائع دون المشتري ترجيح بلا مرجح فيحسب عليهما «1».

و يرد عليه انه لا وجه لما افاده فانه يترتب علي الاقباض آثار القبض بانه لو تلف جميع الصبرة يكون من تلف المبيع بعد القبض و اما الشركة فلا وجه لها.

______________________________

(1)- المكاسب ص 197 السطر (6).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 360

التحقيق في وجه الفرق بين مسألة بيع صاع من صبرة و مسئلة استثناء
اشارة

قوله: ره (هذا كله لا اشكال فيه و انما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات و استثني منها ارطالا معلومة) «1».

اقول قد بينا آنفا انه لو بيع صاع من صبرة يحمل الصاع علي الكلي في المعين دون الكسر المشاع. و ربما يسئل في المقام عن الفرق بين هذه المسألة التي حملها المشهور علي كونه كليا في المعين و بين ما لو بيعت ثمرة اشجار و استثني منها ارطال معلومة فانهم ذهبوا في مسئلة الاستثناء الي حمل الارطال علي الاشاعة كما هو ظاهر فتاويهم حيث افتوا بانه لو خاست الثمرة او تلف بعضها سقط من المستثني بحسابه.

و لكنهم قالوا في المقام بظهور الصاع في الكلي في المعين و عليه لو تلف المبيع

______________________________

(1)- المكاسب ص 197 السطر (31).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 361

لا يحسب علي المشتري لكونه مالكا للكلي فان الكلي

باق ببقاء الصبرة فحكم البائع في مسئلة الاستثناء كحكم المشتري في مسئلة صاع من الصبرة و اذا حمل الصاع علي الكلي في المعين فلا بد ان يقال به في مسئلة الاستثناء أيضا فما كان حكمه علي نحو الاشاعة كما قالوا بها في مسئلة الاستثناء فلا بد ان يقال بمثله في مسئلة بيع صاع من الصبرة أيضا بان يحمل الصاع علي الاشاعة هذا تقريب السؤال و الاشكال.

و ما قيل: او يمكن ان يقال في دفع الاشكال وجوه:
الوجه الاول ان مقتضي القاعدة في كلتا المسألتين هي الاشاعة

الا انهم حملوا مسئلة بيع الصاع من الصبرة علي الكلي في المعين للنص الوارد في خصوص المقام.

و هي صحيحة البريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه (ع) في رجل اشتري من رجل عشرة آلاف طن قصب في انبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة و الانبار فيه ثلاثون الف طن فقال البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري قد قبلت و اشتريت و رضيت فاعطاه من ثمنه الف درهم و وكل المشتري من يقبضه فاصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع «1».

و هذه الرواية كما تري صريحة في الكلي في المعين و حيث ان القصب لا دخل له في الموضوع قطعا نقول به في بيع صاع من الصبرة أيضا.

و اورد عليه الشيخ ره بان النص ان استفيد منه حكم القاعدة الكلية لزم التعدي عن مورده الي مسئلة الاستثناء او بيان الفارق و ان استفيد منه التعبد المحض و انه

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (19) من ابواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 362

علي خلاف القاعدة

فيجب الاقتصار علي مورده و هو بيع القصب و لا يمكن التعدي حتي الي بيع صاع من الصبرة.

و فيه انا نعلم بالقطع و الوجد ان عدم الفرق بين مورد القصب و بين ساير موارد البيع بخلاف مسئلة الاستثناء فيمكن حمل مسئلة بيع الصاع علي الكلي في المعين بالتعبد و لا يمكن التعدي الي مسئلة الاستثناء لاحتمال وجود خصوصية في تلك المسألة.

و لكنه مع ذلك يرد علي القول بالاشاعة اولا انها اذا كانت موافقة للقاعدة كما ذكرتم في المقام فيما ان المتعاملين أيضا قصدا ذلك فهو يقع في الخارج لكون العقود تابعة للقصود فكيف يحكم بالنحو الكلي في المعين فمن هذا يكشف عدم كون الاشاعة موافقة للقاعدة و الموافق لها انما هي الكلي في المعين.

و أيضا كيف يجوز للمشتري في مسئلة استثناء الارطال التصرف في الثمرة بلا اذن البائع مع ان مقتضي الشركة عدم الجواز و أيضا باي وجه فرقوا بين التلف السماوي و اتلاف المشتري حيث قالوا بتوجه الخسران عليهما في الاول و اختصاص الثاني بالمشتري مع ان مقتضي الاشاعة كون الخسارة علي الشريكين.

و ثانيا أن مقتضي القاعدة لو كان الاشاعة فلا بد ان يتوقف جواز تصرف احدهما باذن الاخر و الحال ان الفقهاء ذهبوا الي جواز تصرف البائع في المستثني بدون اذن المشتري.

فالتحقيق ان يقال ان التالف يحسب علي كليهما سواء كان التلف سماويا او باتلاف المشتري علي القول بالكسر المشاع نعم اذا كان المشتري متلفا لها يكون ضامنا للبائع بخلاف ما اذا كان التلف سماويا فان احدهما لا يضمن للاخر.

الوجه الثاني- مما قيل في دفع الاشكال ان مقتضي القاعدة و ان كان هو الكلي في المعين الا ان الاجماع قام علي الحمل علي الاشاعة في مسئلة الاستثناء.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 363

و فيه اولا انا بينا في الاصول عدم حجية الاجماع.

و ثانيا علي فرض تسليمها ليس الاجماع بنفسه

حجة بل لكونه كاشفا عن رأي المعصوم و ليس في المقام كذلك لكونه محتمل المدرك ان اغمضنا عن القطع بكونه معلومه.

و ثالثا انا نفرض ان الاجماع قائم علي الحمل علي الاشاعة في مسئلة الاستثناء و لكنه يبقي سؤال وجه الفرق بين ما اذا كان التلف سماويا او باتلاف المشتري فاذا كان مقتضي الاجماع هو الحمل علي الاشاعة فلا بد ان يحسب التالف علي كليهما في كلتا الصورتين و لا وجه للتفصيل بين التلف و الاتلاف كما لا يخفي.

الوجه الثالث: في وجه الحمل علي الكلي في المعين في مسئلة صاع من صبرة و الحمل علي الاشاعة في مسئلة الاستثناء

هو انه يجب علي البائع اقباض الصاع من المشتري من باب الشرط الضمني فما دام حق المشتري باقيا في الصبرة يجب عليه دفعه الي المشتري فهذا يدل علي ان المبيع كان علي النحو الكلي في المعين بخلاف مسئلة الاستثناء فانه لا يجب فيه الاقباض فيحمل الارطال علي الاشاعة.

و فيه اولا انه ينتقض بمسألة الزكاة التي قالوا فيها بالاشاعة و يحسب التالف علي المالك و الفقراء معا مع انه يجب علي المالك اقباضه من الفقراء فوجوب الاقباض لا يكون دليل لإثبات الكلي في المعين بل ان الاقباض كما يجب في صورة الكلي في المعين كذلك يجب في الاشاعة.

و ثانيا ان القول باختصاص وجوب الاقباض بصورة الكلي في المعين و عدم وجوبه في صورة الاشاعة يستلزم الدور.

(توضيحه) ان وجوب الاقباض يتوقف علي عدم الاشاعة و اثبات عدم الاشاعة بوجوب الاقباض دوري و الحال ان الخصم قد جعل عدم وجوب الاقباض دليلا علي الاشاعة كجعله وجوب الاقباض دليلا علي عدم الاشاعة.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 364

الوجه الرابع ما عن مفتاح الكرامة في مقام بيان الفرق بين المسألتين

و هو ان التلف في مسئلة بيع الصاع من الصبرة يكون قبل القبض فيلزم علي البائع تسليم المبيع و لو بقي بمقدار الصاع فقط لان المفروض انه لا يملك الا صاعا كليا مجردا عن جميع الخصوصيات الخارجية فما دام ان مصداقا من الكلي باق في ملك البائع لا بد ان يسلمه الي المشتري و هذا بخلاف مسئلة الاستثناء فان التلف فيه بعد القبض اي بعد ما كان المستثني مقبوضا بيد مالكه.

و بعبارة واضحة ليس معني الاستثناء ان البائع ملك المشتري جميع ثمرة الاشجار ثم تملك منه المستثني بل معناه ابقاء المستثني في ملكه مع خصوصياته الخارجية فنسبة التالف الي دل من

المستثني و المستثني منه علي حد سواء.

و الحاصل ان مال المشتري وصل اليه و مال البائع امانة عنده فمقتضي القاعدة ان يحسب التالف عليهما فلا وجه لاحتسابه علي المشتري فقط دون البائع هذا تمام كلامه بتوضيح منا.

و فيه اولا ان التلف قبل القبض و بعده لا يوجب فرقا في المقام لان البحث في المقام انما يكون في الاشاعة و عدمها و هذا اجنبي من كون التلف قبل القبض او بعده.

و ثانيا ان تسليم المبيع الي المشتري في مسئلة صاع من صبرة من الباقي قبل القبض يتوقف علي عدم الاشاعة فاثبات عدم الاشاعة بوجوب اقباض البائع يكون دوريا.

و ثالثا نسأل بانه ما المراد من قوله: ان التلف في مسئلة الاستثناء بعد القبض فان كان المراد منه ان التلف يكون بعد ايصاله الي المشتري ففيه ان ذلك يوجب عدم ضمان البائع للمشتري لكون التلف بعد القبض و هذا امر مسلم لا ننكره الا انه لا يكون جوابا عن سؤال الفرق بين المسالتين.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 365

و ان كان المراد ان الكلي الذي يستحقه البائع قد كان في يده و لم يخرج بالاستثناء عن ملكه بل كان مقبوضا بيده فحصل الاشتراك بينهما فيكون المبيع مشتركا علي نحو الاشاعة بينهما.

فيرد فيه بانه ما الوجه في حصول الشركة فانه لو كان اقباض الارطال من المشتري اقباضا لمملوك المشتري بالنسبة الي ما بيع منه و أمانة بالنسبة الي ملك البائع فنسأل من وجه الاشتراك و ان كان كون الشي ء مقبوضا في يد مالكه موجبا للشركة علي نحو الاشاعة فلا بد أن يكون ذلك في كلتا المسألتين، و لا وجه لتفرقة بينهما، و ان شئت قلت انه ما الموجب للاشتراك

فانه لا موجب للشركة، و لا وجه للتفرقة بين المقامين.

الوجه الخامس ما أفاده الشيخ و هو ان بناء المشهور في مسألة استثناء الارطال

ان كان علي عدم الاشاعة قبل التلف و اختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوي جماعة منهم بانه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي.

و يؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء الارطال المعلومة من الثمرة علي استقلال المشتري في التصرف و عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء فالمسألتان مشتركتان في التنزيل علي الكلي و لا فرق بينهما الا في بعض ثمرات التنزيل علي الكلي و هو حساب التالف عليهما.

و لا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق الا دعوي ان المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي الشائع في ما يسلم للمشتري لا مطلق الموجود وقت البيع.

و ان كان بنائهم علي الاشاعة من اول الامر امكن ان يكون الوجه في ذلك ان المستثني كما يكون ظاهرا في الكلي كذلك يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل الي المشتري بالبيع كليا بمعني انه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 366

فمعني بعتك هذه الصبرة الا صاعا منها بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع فهو كلي كنفس الصاع فكل منهما مالك بعنوان كلي فالموجود مشترك بينهما لان نسبة كل جزء منه الي كل منهما علي نهج سواء فتخصيص احدهما به ترجيح من غير مرجح و كذا التالف نسبته اليهما علي السواء فيحسب عليهما و هذا بخلاف ما اذا كان المبيع كليا فان مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا بعتك صاعا من هذه الصبرة اذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتي يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع.

و الحاصل ان الفرق بين المقام و مسئلة صاع من

صبرة ان الصاع كلي مملوك للمشتري و في المقام يكون كل من المملوكين كليا فلا وجه لترجيح أحدهما علي الاخر.

و فيه ان مملوك المشتري لو كان كليا في مسألة الارطال فلا بد ان يكون البائع مالكا للخصوصية و يكون عين تلك المسألة بلا فرق فلا وجه لان يحسب التالف عليهما.

بل لا بد ان يحسب علي البائع فقط و أيضا لا وجه لجواز تصرف المشتري في الثمرة بلا اذن المالك اعم من ان يحصل الاشاعة بالقبض علي المبني الفاسد و من عدم حصول الشركة علي القول الحق اذ علي الاول تحصل الشركة لا يجوز التصرف و في المال المشترك و علي الثاني الامر واضح لان الخصوصية ملك للبائع فلا يجوز التصرف في ملكه هذا ما يرجع باحد مفروضي كلامه و اما ما أفاده في الفرض الاخر فنقول ان ما افاده (من ان المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي الشائع فيما يسلم الخ) علي خلاف المقصود ادل فانه قدس سره ذكره وجها لاحتساب التالف بالنسبة اليهما و لكنه يدل علي خلاف المقصود اذ لو كان المبيع هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري فلا يكون الثمرة مشتركة علي نحو الاشاعة بين البائع و المشتري

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 367

و مع عدم الاشتراك لا وجه للاحتساب عليهما فهذا الذي جعله وجها لان يحسب عليهما يكون دليلا علي عدم الاحتساب و يكون دليلا لان يختص الخسارة بالمشتري.

الوجه السادس ما افاده المحقق الاصفهاني

و هو أن الصاع بما له من المعني ظاهر بالظهور العرفي في الكلي في المعين و اما في هذه المسألة يكون الاستثناء ظاهرا في المتصل و هو يقتضي الاشاعة.

توضيحه- ان حمل الاستثناء علي المنقطع خلاف الظاهر فلا يصار اليه الا بالقرينة و

المفروض في المقام عدم وجود قرينة صارفة لظهور الكلام فمعني الاستثناء في قوله: بعت الاثمار الا أرطالا معلومة انه لولاه لدخل المستثني في المستثني منه فيكون من جنسه و مشتملة علي خصوصياته فبما ان المستثني منه يكون ملكا للمشتري مع جميع خصوصياته الخارجية كذلك المستثني ملك للبائع مع جميع خصوصياته الخارجية فيكون شريكا للمشتري علي النحو الكسر المشاع.

و خلاصة الفرق بين مسئلة بيع صاع من الصبرة و بين بيع اثمار الشجرة الا الارطال المعلومة ان ظهور الصاع يكون في الكلي في المعين و لا يعارضه ظهور آخر و هذا بخلاف مسئلة استثناء ارطال معلومة فانه يعارضه ظهور الاستثناء في الاشاعة.

و الوجه في التقديم ان ظهور البيع في الكلي معلق علي عدم ظهور الاستثناء في الاشاعة و من الظاهر ان الظهور التعليقي لا يعارض الظهور التنجيزي فعليه لو كان الظهور التنجيزي موجودا اعني الظهور في الاشاعة فلا تصل النوبة الي الظهور التعليقي اعني ظهور المبيع في الكلي.

و اورد عليه السيد الاستاذ بان ظهور الاستثناء في الاتصال و ان كان لا يمكن انكاره الا انه ليس معني ذلك أن كون المستثني مشتركا مع المستثني منه في جميع خصوصياته الخارجية و من الواضح ان في قولنا جاءني القوم الا زيدا لا يكون المستثني

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 368

مع المستثني منه كذلك بل معني الاستثناء المتصل ان المستثني يكون من جنس المستثني منه بحيث لولاه لدخل فيه- و هذا المعني كما يكون في الاشاعة كذلك في الكلي في المعين.

و بعبارة واضحه ان ظهور الاستثناء لا ينافي ظهور المبيع في الكلي في المعين حتي يكون حاكما عليه لأنه لو لا الاستثناء يكون المستثني داخلا في المستثني منه.

و يرد عليه

ان المتفاهم العرفي من المستثني و المستثني منه اشتراكهما في جميع الخصوصيات الخارجية فبما ان المستثني منه يكون ملكا للمشتري مع جميع خصوصياته يكون المستثني ملكا للبائع مع الخصوصية اذ ظهور الاستثناء يقتضي هذا المعني.

و الحق ان يقال في جواب المحقق الاصبهاني انه اذا كان مقتضي الاستثناء عند العرف هو الاشاعة ليلزم منه عدم جواز تصرف المشتري بلا اذن من البائع و الحال ان جواز تصرفه بلا اذنه مسلم عندهم و كذا يلزم منه اذا اتلف المشتري يحسب التالف عليهما بمقتضي الاشاعة غاية الامر يكون المتلف ضامنا له و الحال انهم قالوا بانه يحسب علي المشتري فقط و عليه ان ما افاده المحقق المذكور أيضا غير تام.

الوجه السابع ما افاده المرزا النائيني قدس سره

و هو ان المبيع في كلنا المسألتين كلي الا ان المشتري في مسئلة بيع الصاع من الصبرة لا يملك الا الكلي المجرد عن جميع الخصوصيات و علي هذا لا وجه لاحتساب التالف عليه و هذا بخلاف مسئلة الاستثناء فان البائع يملك الكلي مع الخصوصية كما أن المشتري يملك الكلي مع الخصوصية فالتالف يحسب عليهما.

و اتضح من هذا وجه عدم احتساب التالف علي البائع لو اتلفه المشتري.

و الوجه فيه ان حقه لم يكن مشاعا في مال المشتري بل كان مالكا للكلي و

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 369

كذا ظهر وجه جواز تصرف المشتري بلا اذن من البائع لأنه لم يكن شريكا معه علي وجه الاشاعة حتي يحتاج تصرفه الي الاذن بل كان مالكا للكلي كما بيناه و علي فرض حصول الاشاعة بعد العقد من جهة كون الثمرة باجمعها تحت يد البائع يكون تصرفه بلا اذن البائع لبناء المتعاقدين في المعاملة علي ذلك و الشرط الضمني هذا ملخص كلامه زيد

في علو مقامه.

و يرد عليه ان ما أفاده من ان البائع يملك الكلي مع الخصوصية في مسئلة الاستثناء يوجب سؤالا و هو ان البائع مالك لجميع الخصوصيات الموجودة في المبيع او بعضها.

فان كان مالكا لجميع الخصوصيات بتمامها فعليه يكون المشتري مالكا للكلي المجرد عن الخصوصيات لأنها مملوكة للبائع علي الفرض فليلزم منه احتساب التالف علي البائع فقط لكون المشتري مالكا للكلي في المعين و هذا خلاف المقصود.

و ان كان مالكا لبعض الخصوصيات الموجودة فلا بد من ان يسئل من ان بعض الخصوصيات الذي لا يكون البائع مالكا له بانه غير مملوك او له مالك فعلي الاول يلزم ان يكون ملكا بلا مالك و علي الثاني يتعين ان يكون المشتري مالكا له.

و القول بعدم كونه مملوكا له واضح الفساد طبعا و علي هذا الفرض فانه اما مالك له علي نحو الاشاعة كما ان البائع كذلك يعود المحذور و هو وجه الفرق بين المقام و مسئلة بيع صاع من الصبرة و اما لا يكون مالكا له علي الاشاعة و فساده ظاهر.

و التحقيق في الجواب ان يقال أن العين كما انها قابلة للانتقال علي نحو الكسر المشاع الخارجي كان يقول بعتك ثلث الدار او ربعه فيحصل الشركة بين الطرفين و يتفرع عليه عدم جواز تصرف احدهما فيه الا برضي الاخر و أيضا يتفرع عليه احتساب التالف عليهما سواء كان تالفا بالتلف السماوي او باتلاف من المشتري.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 370

كذلك انها قابل للانتقال علي نحو الكسر الكلي في المعين، و في هذا الفرض كما انه يجوز اضافة الكلي الي الشخص بنحو القضية الخارجية كذلك يجوز بنحو القضية الحقيقية فتارة يوصي أحد بربع أمواله بنحو الكسر الخارجي

لزيد، و نتيجة ذلك انه يلزم اعطاء الربع له و ان لم يبق من المال الا هذا المقدار و لا يحسب عليه التالف بحسابه، و اخري يوصي بالربع بنحو الكسر الكلي علي نحو القضية الحقيقية.

و نتيجة ذلك انه كل ما يسلم للورثة يكون ربعه للموصي له و كلما تلف يحسب عليه بحسابه، اذا عرفت هذه المقدمة فنقول يمكن أن يكون استثناء الارطال من الثمرة بنحو الصورة الثالثة، فيترتب عليها امور اربعة.

الاول ان اختيار التعيين بيد المشتري فانه مقتضي الكلية بالنسبة الي مملوك البائع فان مملوكه كلي.

الثاني جواز تصرف المشتري في المبيع بدون اذن المالك لأنه لا يكون مالكا للخصوصية حتي يحتاج تصرف المشتري الي اذنه.

الثالث احتساب التالف عليهما بالنسبة لكون المستثني علي نحو القضية الحقيقية.

الرابع انه لو اتلف المشتري من المال شيئا لا يحسب علي البائع لان اتلافه في قوة قبضه لحقه و التقسيم انما كان بيده فانه جعل حق المالك في الباقي بسبب اتلافه جزءا من المبيع.

فتلخص مما ذكرنا فرق بين المسألتين فان الصاع كلي في المعين بنحو القضية الخارجية و في المقام المستثني هو الكسر لكن لو حظ بالنسبة الي الثمرة بنحو القضية الحقيقية و مع التامل فيما ذكرنا لا يبقي مجال للإشكال فتأمل.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 371

ان قلت: اذا كان مسئلة بيع استثناء الارطال من باب الكلي في المعين يلزم منه ان لا يحتسب التلف عليهما و هو خلاف ما ذهب اليه القوم.

قلت: انا بينا الوجه في احتساب التالف عليهما و اخترنا ذلك و ذكرنا انه عبارة عن كون المستثني علي نحو القضية الحقيقية فقد علمت مما ذكرنا ان مقتضاها احتساب التالف عليهما هذا تمام الكلام في وجه الفرق بين

المسألتين و له الحمد و الشكر اولا و آخرا.

[أقسام بيع الصبرة]

قوله: قدس سره قال في الروضة تبعا للمحكي عن حواشي الشهيد ان اقسام بيع الصبرة عشرة … «1»

أقول: ان بيع الصبرة يقع علي اقسام فان الصبرة تارة تكون معلومة و اخري تكون مجهولة فان كان مقدار الصبرة معلوما و باع جميع الصبرة يكون البيع صحيحا و كذا اذا باع جزءا معلوما منها كالعشر او التسع او باع صاعا او صيعانا مع العلم باشتمال الصبرة علي هذا المقدار او اذا باع الصبرة كل صاع بقيمة معلومة فان البيع في هذه الاقسام الاربعة صحيح لكون المثمن معلوما كالثمن.

و اما اذا باع كل صاع من الصبرة فأفاد المرزا النائيني ره انه يظهر من العلامة في بعض كتبه (من الحكم بصحة الاجارة لو قال الموجر آجرتك الدار كل شهر بكذا في الشهر الاول و بطلانه بالنسبة الي ما زاد عليه) صحة البيع في المقام بالنسبة الي صاع واحد و بطلانه فيما زاد عليه و اورد عليه بقوله: الاقوي البطلان في كلا- المقامين لان تردد متعلق العقد بين الاقل و الاكثر يقتضي الجهل به.

اقول: ان كان مراده قدس سره ان بيع كل صاع من الصبرة بان يباع جميع الصبرة علي نحو كل صاع بكذا فلا اشكال في الصحة لعدم لزوم الغرر منه و لعدم كونه جزافا فلا وجه للبطلان لكن ليس مرادهم هذه الصورة بل الظاهر ان مرادهم

______________________________

(1)- المكاسب ص 198 السطر (13)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 372

ما اذا كان المبيع مرددا في مقام البيع بانه الاقل او الاكثر بمعني انه خمسة صياع او عشرة مثلا فيكون هذه المعاملة باطلة لا من جهة فقد شرط في العقد بل من جهة

عدم مقتضي للصحة و كذا في الاجارة فانه لا يعلم انه آجرها شهرا او شهرين فان التردد في متعلق العقد بين الاقل و الاكثر يوجب الاهمال في متعلق الانشاء و الاهمال في الواقع امر غير معقول.

و ربما يقال: بالصحة في الاجارة بخلاف البيع لان الشهر الاول في باب الاجارة معلوم فتكون صحيحة بالنسبة اليه بخلاف البيع فان الصاع الواحد لا تميز له فان المشتري لو اخذ مجموع الصبرة لا يقع العوض في مقابل الكلي.

لكنه يدفع بانه لا وجه لأخذ المشتري مجموع الصبرة اذ مملوكه صاع واحد كلي في المعين فلا مقتضي لأخذ المجموع.

و لكن الحق في المقام ان يقال بالصحة في كلا المقامين بالنسبة الي القدر المتيقن منها فان القدر المتيقن في باب الاجارة هو الشهر الاول و في باب البيع صاع واحد بنحو الكلي في المعين و لا اشكال في البيع.

و اما لو كان مقدار الصبرة مجهولا فيبطل البيع و ان كان المبيع جميع الصبرة لكون المبيع مجهولا علي الفرض و كذا لو باع ربعه او ثلثه للجهل و اما اذا باع مقدارا يعلم باشتمال الصبرة عليه يكون البيع صحيحا كما اذا قال: بعتك صاعين منها و يعلم باشتمال الصبرة عليهما يقينا فلا مانع من صحته و اما الجهل بنسبة الصاعين اليها لا يضر بالمعاملة و اما لو لم يعلم اشتمال الصبرة علي مقدار المبيع فانه محل الخلاف.

و ربما يقال فيه بالبطلان للغرر فيه عرفا لعدم علم المشتري بان الثمن المدفوع يقابل اي مقدار من المثمن.

و يرد فيه انه لا يلزم منه الغرر لا من باب ارتفاعه بالخيار بل لأنه لا غرر اصلا نعم

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 373

لو كان للهيئة الاجتماعية دخل

في المطلوب لكان له خيار تبعض الصفقة و الا فليس له خياره بل يسترد الزائد فلو اشتري كل صاع بتومان و اشتري ثلاثة اصواع فظهر انه صاعان يسترد تومانا واحدا و اذا كان مجموع الصبرة مجهولا و لكن المشتري يقول اشتريت كل قفيز منها بدرهم ذهب السيد الاستاذ الي صحة البيع في هذه الصورة لأنه لا وجه للبطلان لعدم كونه جزافا.

و ليس فيها غرر و يرد عليه ان البيع في هذه الصورة و ان لم يكن جزافا الا ان النص الدال علي اشتراط بيع الموزون بالوزن و المكيل بالكيل يقتضي الفساد و ان لم يكن فيه غرر.

[مسألة اذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها]
اشارة

قوله قدس سره: مسألة اذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها … «1»

اقول: لو شاهد عينا سابقا علي العقد عليها و كانت غائبة حين العقد هل يجوز بيعها معتمدا علي الرؤية السابقة أم لا.

اما علي ما سلكناه و قلنا بانه لا دليل علي كون مطلق الغرر مبطلا للبيع فلا ريب في صحته.

و أما علي مسلك القوم القائلين بكون الغرر مبطلا للبيع فالمشتري يكون اما عالما ببقاء الاوصاف علي حالها السابق او ان العادة تقتضي بقائها الي حين العقد و عدم تغيرها عن صفاتها السابقة بحيث يحصل الوثوق للمشتري او اعتمد علي اخبار البائع باعتبار انه ذو اليد يقبل قوله فلا وجه للبطلان اصلا لعدم لزوم محذور من الغرر و غيره.

و أما اذا شك في بقائها علي صفاتها السابقة و عدم بقائها فأفاد الشيخ في المقام بانه يستصحب عدم التغير فيكون المقام نظير اخبار البائع في جواز الاعتماد عليه

______________________________

(1)- المكاسب ص 198 السطر (25)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 374

فيما اذا اخبر بالكيل او الوزن لان الاصل

من الطرق التي يتعارف التعويل عليها.

و اورد عليه المرزا النائيني ره بان الاستصحاب لا يجري في المقام لان الاثر أعني به عدم الغرر لا يترتب علي الواقع حتي يكون الاستصحاب مؤثرا فيه بل انه مترتب علي احراز صفات العين كانت في الواقع او لم تكن فان ارتفاع الغرر من آثار العلم بوجود هذه الصفات فاستصحاب بقاء الصفات لا أثر له.

و استشكل عليه السيد الاستاذ بأن هذا الايراد منه يكون علي خلاف مبناه في باب القطع فانه قدس سره ذهب فيه الي ان العلم قد يؤخذ في الموضوع علي نحو الوصفية و الاخري علي نحو الطريقية فاذا كان العلم مأخوذا فيه علي نحو الطريقية فمع فقدانه يقوم مقامه دليل آخر من الامارات او الاصول التنزلية و المقام كذلك فان العلم بالصفات قد اخذ في الموضوع علي نحو الطريقية فمع انتفائه يقوم مقامه الاستصحاب لكونه من الطرق المعتبرة و من الاصل التنزيلي.

و يمكن ان يورد علي الشيخ بوجه آخر و هو ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي الا ان استصحاب بقاء الصفات و عدم تغيره لا يرفع الغرر الا بالاصل المثبت فبما ان الاصول لا تكون لوازمها حجة لا يمكن التمسك بالاستصحاب في المقام فان الغرر عبارة عن الخطر و بجريان الاستصحاب لا يرتفع الغرر الا علي النحو المثبت.

فتلخص ان الاقوي صحة البيع بانيا علي رؤيته السابقة او اعتمادا علي اخبار البائع ببقاء الصفات ثم انه لا شبهة في جواز البيع مع اشتراط الخيار اذ الشرط يرفع الغرر فاذا انكشف خلاف ما وصفه البائع فللمشتري أن يفسخ العقد او يرضي به.

لا يقال: ان ثبوت الخيار متوقف علي صحة العقد فكيف تكون صحة العقد متوقفا علي الخيار و

هذا دور.

لأنا نقول: ان ثبوت الخيار متوقف علي صحة العقد كما ذكرت الا ان صحة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 375

العقد لا تتوقف علي الخيار الشرعي حتي يلزم الدور بل هو متوقف علي الخيار العرفي و بمجرد تحققه ينعقد البيع فتشمله الادلة.

و بعبارة واضحة ان البيع لو جعل فيه الخيار لا يكون غرريا فيصح فلو صح يثبت الخيار.

و ربما يقال ببطلان البيع كما نسب ذلك الي العلامة و ما قيل: او يمكن ان يقال في وجه البطلان وجوه:

الاول ان العقد تعلق بالمبيع مع كونه واجدا لأوصافه السابقة و هو مقصود المشتري و اما المبيع الفاقد للصفات لا يكون مقصودا له و لم يتعلق به القصد و ان شئت فقل ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

و يرد عليه بانه لا وجه للبطلان و الوجه المتوهم هو تخلف الوصف و هو بمنزلة تخلف الشرط فكما ان تخلف الشرط لا يوجب بطلان البيع كذلك تخلف الوصف و لا يقاس تخلف الوصف بتخلف العنوان لان الثاني يقع بازائه الثمن بخلاف الاول فان الاوصاف لا تقابل بالاثمان فغاية الامر ان تخلف الوصف يوجب الخيار للمشتري.

الثاني ان الوصف اذا كان بمنزلة الشرط فانتفاؤه يقتضي انتفاء المشروط فيكون البيع باطلا.

و يرد عليه ان معني الشرط عبارة عن الالتزام في الالتزام بمعني ان المشتري يجعل التزامه بالبيع مشروطا بوجود الوصف في المبيع فعدمه يوجب الخيار للمشتري لا انه يبطل العقد من اصله لأنه لا يكون قيدا لنفس العقد حتي يلزم من انتفائه انتفاء العقد.

و هنا قول ثالث و هو ان البيع صحيح و لازم من دون ان يكون للمشتري خيار في المقام اذا لم يشترطا وجود الوصف في ضمن العقد

لان الوصف الغير المذكور

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 376

لا اثر له و ان وقع العقد مبنيا عليه.

و يرد عليه انا لا نسلم لزوم البيع لان بناء المتعاملين تعلق بهذا الشرط حيث انهما اوقعا العقد مبنيا عليه فيكون في نظر العرف كالمذكور في الكلام.

و بعبارة واضحة ان المقدر كالمذكور هنا عند العرف كما يقال نظير ذلك في باب الغبن حيث ان بناء المتعاملين وقع علي عدم الغبن و لا يحتاج الي الذكر لكونه أمرا ارتكازيا و ان شئت فقل ان ارتكازيات العقلاء لا تحتاج الي الذكر نعم اذا كان الشرط من الامور الراجعة الي الاغراض الشخصية و لم يكن من باب المقدر كالمذكور عند العرف ككون العبد كاتبا و نحو ذلك من الدواعي الموجبة لايقاع البيع فلا يوجب تخلفه الخيار ما دام لم يذكر في متن العقد و ان كان البائع عالما بتعلق غرض المشتري بكون العبد واجدا لصفة الكتابة مثلا الا فيما وقع بينهما مقاولة بحيث تعد في العرف قرينة للمقصود.

قوله: ففواتها فوات حق للمشتري ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه. «1»

أقول ان قاعدة لا ضرر لا تكون مدركا للخيار لان العقد الواقع علي المبيع الفاقد للأوصاف اذا كان ضرريا يكون باطلا و هو خلاف المدعي لان المدعي وجود الخيار لا نفي اصل الصحة و بعبارة واضحة ان دليل نفي الضرر يدل علي بطلان البيع الضرري و لا يدل علي اثبات الخيار و هو خلاف المدعي.

و السيد الاستاذ و ان تسلم في المقام كون البيع المذكور ضرريا الا انه ادعي عدم شمول قاعدة اللاضرر لما نحن فيه لأنها تكون من باب الامتنان علي الامة فجريانها بالنسبة الي البائع خلاف الامتنان

فان المنة ان تكون صحيحة و يكون له الخيار.

______________________________

(1)- المكاسب ص 199 السطر (5)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 377

و فيه انه لا شبهة في ان التحفظ علي اموال الناس و عدم امضاء وقوع الضرر عليهم منه غاية الامر لو كان العقد صحيحا مع الخيار يكون فيه منة اكثر و حديث لا ضرر لا يفي باثبات شي ء بل مقتضاه نفي الضرر و هذا ظاهر.

و التحقيق في المقام ان يقال: ان البيع اما وقع معلقا علي وجود الاوصاف او مطلقا بالنسبة الي وجودها و عدمها و اما يباع مع شرط الخيار عند عدم الوصف و لا رابع في المقام لان الاهمال محال في الواقعيات الا ان يقال بان الاهمال يتصور بالنسبة الي الغافل فيؤخذ بالمقدار المتيقن من مقصوده فان كان معلقا علي وجود الاوصاف يكون العقد باطلا من جهة التعليق لا من جهة الضرر كما هو واضح.

و ان باعه مطلقا سواء كان المبيع واجدا للأوصاف أم لا بلا اشتراط لا يشمله دليل نفي الضرر لان المفروض ان العقد وقع علي الغبن بلا قيد فلا وجه للخيار و ان كان مشروطا بشرط الخيار يصح و عند عدم الوصف يثبت الخيار.

فتلخص انه لا يمكن تصحيح الخيار للمشتري بما ذهب اليه الشيخ و السيد الاستاذ بل الحق ما نقول بان الخيار يثبت للمشتري لتخلف الشرط المبني عليه العقد ارتكازا هذا كله اذا كان المبيع شخصيا.

و اما اذا كان كليا كما اذا اشتري الحنطة العراقيه مثلا و كان ما سلم الي المشتري فاقدا للصفة المذكورة فله أن يأخذ الفاقد بدلا عن الواجد كما انه يمكن أن يطالب بفرد آخر يكون واجدا و مع عدمه يثبت له الخيار فله أن يفسخ

العقد كما ان له ان يطالب بالبدل من باب بدل الحيلولة ان قلنا به.

فرعان
الفرع الأول لو اختلفا في التغيير و عدمه

بان ادعي المشتري تغيير المبيع عن صفاته السابقة

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 378

و ادعي البائع عدمه- قال: المرزا النائيني (قدس سره) ان الفقهاء ذهبوا الي ان القول قول المشتري انتهي. و ما يمكن ان يقال او قيل في وجهه امور.

الاول ان المشتري هو الذي يؤخذ منه الثمن و لا يؤخذ منه الا باقراره او ببينة تقوم عليه فاذا انتفي الامر ان لا يجوز للبائع أخذ الثمن منه.

و اورد ان المشتري يعترف بوقوع البيع و حصول الانتقال و معني اعترافه بذلك اعترافه بانتقال الثمن في ملك البائع و غاية ما يمكن ان يقال في المقام ان يثبت له الخيار بتخلف الوصف.

و يرد عليه بان البائع يسلم المبيع و لا مانع من جانبه بل المشتري لا يقبله بادعاء ان المبيع يكون متغيرا في صفاته السابقة فيدعي الخيار لنفسه فلا بد ان يثبته بالبينة او بتصديق البائع هذا اولا.

و ثانيا انه علي فرض ثبوت الخيار له لا وجه لعدم تسليم الثمن للبائع بعد قبوله انه ملك له و لا يكون جواز عدم التسليم من آثار الخيار كما توهمه بعض.

و ما افيد من أن أصل الحكم مفروغ عنه غير سديد فانه لا وجه لهذا الحكم و الاجماع علي فرض تحققه غير حجة، و تفصيل الكلام موكول الي بحث أحكام الخيار.

أضف الي ذلك ان الشك في جواز الحبس مسبب من الشك في تحقق سبب الخيار، و الاصل عدمه، فالقول قول البائع فليس للمشتري حبس العين و لا الاخذ بالخيار، و لا يمكن المساعدة مع ما ذهب اليه جل الاساطين من تقديم قول المشتري الثاني ان

البائع يدعي علم المشتري بهذا الوصف الموجود و الرضا به و المشتري ينكره فيكون الاصل موافقا له فيقدم قوله.

و اجاب عنه الشيخ اولا بان اصالة عدم علم المشتري بهذا الوصف الذي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 379

يقتضي الخيار لتخلفه معارضة باصالة عدم علمه بوصف آخر فح لا يكون له الخيار.

و ثانيا ان علم المشتري بالوصف الموجود و بوصف آخر مسبب عن الشك في التغيير و عدمه و مع جريان اصالة عدم تغير المبيع عمار آه سابقا لا تصل النوبة الي الاصل المسببي لأنه مع وجود الاصل السببي لا مجال للمسببي كما هو واضح.

و يرد عليه ان اصالة عدم علم المشتري لا يترتب عليه أثر شرعي الا توهم ان الخيار اثر شرعي له و الحال انه ليس كذلك لعدم قيام دليل علي كون الخيار أثر العدم علمه بوصف آخر.

نعم ان عدم الخيار لازم عقلي لأصالة عدم علم المشتري بوصف آخر و هو اصل مثبت فان الاصول لا تثبت لوازمها العقلية فظهر من هذا عدم تمامية ما ذهب اليه الشيخ من المعارضة بين الاصلين لعدم جريان الاصل حتي يقع المعارضة بينهما لعدم ترتب أثر شرعي عليه.

و ثانيا أنه ليس بين عدم التغير و العلم و عدمه تسبب شرعي بل التسبب عقلي كما هو ظاهر بادني تأمل.

الثالث ان الاصل عدم وصول حق المشتري اليه فيكون الاصل موافقا له فيقدم قوله علي قول البائع.

و فيه انه ان كان المقصود من عدم وصول حقه اليه عدم وصول ذات المبيع فقد وصل اليه بالوجدان و ان كان المراد عدم وصول وصف المبيع ففيه ان الوصف لا يقابل بالثمن و غايته ان تخلف الوصف يوجب الخيار و الخيار منفي بالاصل فالقول قول

البائع.

ثم انه قال الشيخ (قدس سره) و يمكن بناء المسألة علي أن بناء المتبايعين حين العقد علي الاوصاف الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد فهي

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 380

كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية و المسالك، و لهذا لا يحصل من فقدها الاخيار لمن اشترطت له و لا يلزم بطلان العقد.

أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشي ء المقيد، و لذا لا يجوز الغائها في المعقود عليه كما يجوز الغاء غيرها من الشروط فعلي الاول يرجع النزاع في التغيير و عدمه الي النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود علي البائع و عدمه و الاصل مع البائع، و بعبارة اخري النزاع في أن العقد وقع علي الشي ء الملحوظ فيه الوصف المفقود أم لا «1».

و التحقيق ان يقال: ان المبيع تارة كلي و أخري شخصي و الفرق بينهما ان الاول قابل للإطلاق و التقييد بخلاف الثاني فاذا كان المبيع كليا و اختلف البائع و المشتري في صفات المبيع كما اذا قال المشتري ان الحنطة التي اشتريت كانت حنطة عراقية و قال البائع انها كانت حنطة شامية فلا ريب في دخول هذا القسم من الاختلاف بين البائع و المشتري في باب التداعي حيث ان كلا منهما يدعي شيئا ينكره الاخر.

و اما اذا قال المشتري انها كانت حنطة عراقية و قال البائع انها كانت مطلقة و لم تكن مقيدا بقيد ففي هذا الفرض افاد السيد الاستاذ ان هذا القسم أيضا يدخل في باب التداعي.

توضيحه- ان التقابل بين الاطلاق و التقييد يكون كتقابل الضدين فانه كما ان التقييد الذي عبارة عن أخذ القيد يحتاج الي اللحاظ كذلك

الاطلاق الذي هي عبارة عن رفض القيد يحتاج الي اللحاظ فيكون التقابل بين الاطلاق و التقييد تقابل الضدين فان المشتري يدعي ضدا و هو التقييد بكونها عراقية و البائع يدعي ضدا آخر و هو لحاظ رفض هذا القيد فيكون نزاعهما داخلا في باب التداعي لكون كل منهما مدعيا

______________________________

(1)- المكاسب ص 199 السطر (16)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 381

لما ينكره الاخر.

و فيه ان التقابل بين الاطلاق و التقييد و ان كان كما ذكره السيد الاستاذ في عالم الثبوت من تقابل الضدين لكن التقابل بينهما في مقام الاثبات و الدلالة لا يكون كذلك بل يكون من باب تقابل الملكة و عدمها كما اعترف بذلك السيّد الاستاذ أدام اللّه ظله أيضا.

و النزاع الواقع بين البائع و المشتري انما يكون في مقام الاثبات فان المشتري يدعي تقييد الحنطة بكونها عراقية و البائع ينكر ذلك التقييد فلا يكون المقام داخلا في باب التداعي كما هو واضح فيكون الاصل موافقا للبائع فيقدم قوله هذا اذا كان المبيع كليا.

و اما اذا كان المبيع شخصيا فلا نفهم كلام الشيخ في هذه الصورة لان العين ان وقع عليه البيع علي تقدير واجديتها الاوصاف يكون تعليقا في العقد فيكون باطلا و ان وقع البيع علي العين المقيدة بكونها ذات اوصاف ففيه ان الجزئي الخارجي لا يقيد فعليه لا وجه لتقديم قول المشتري كما ذهب اليه جل الفقهاء.

بل التحقيق يقتضي تقديم قول البائع أيضا، لان مرجع النزاع الي جعل الخيار و عدمه، فلا مجال، لما أفاده الشيخ من أن أصالة عدم وقوع العقد علي المقيد جار. و لكن لا يثبت به وقوع العقد علي المطلق.

و اصالة عدم تقييد العقد الواقع يفيد، و لكن لا يجري

اذ لا حالة سابقة له.

(وجه عدم المجال) انه علي تقدير وقوع العقد علي الجزئي لا تصل النوبة بما ذكره، كما هو الظاهر، فالقول قول البائع، و يجري جميع العمومات، او الاطلاقات الدالة علي عدم اللزوم.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 382

الفرع الثاني انه لو اتفقا كلاهما علي تغيير العين بعد المشاهدة و وقوع العقد علي الوصف المشاهد و اختلفا في تقدم التغيير

علي البيع و تأخره عنه و ذلك كما لو اتفقا علي ان الغنم حال المشاهدة كان سمينا و ان العقد وقع علي الوصف المشاهد و انه بعد المشاهدة صار مهزولا الا أن البائع يدعي تحقق الهزال بعد قبض المشتري حتي لا يكون له خيار في البيع و ادعي المشتري تقدمه علي البيع ليثبت بذلك خيار لنفسه.

قال: الشيخ الكلام هنا كالكلام في المسألة السابقة فالمرجع فيهما الي اصالة عدم وصول حق المشتري اليه فحكم المسألتين من باب واحد الا ان الفرق بينهما ان الشك هنا في وصول الحق المعلوم و هناك يكون الشك في اصل الحق و بعبارة اخري ان الشك في المقام ناشئ عن الشك في وصول الحق المعلوم و هناك ناشئ عن الشك في نفس الحق و مقتضي الاصل في المقامين عدم اللزوم.

اقول: لا ريب في وقوع البيع علي الغنم السمين مثلا و انما الشك في ان تحقق الهزال كان قبل البيع أم بعده فاذا كان قبل البيع لا شبهة في الخيار الا أن مقتضي اصالة عدم تحقق الهزل الي زمان البيع عدم الخيار.

ان قلت: ان هذا الاصل معارض باصالة عدم وصول حقه الي يده الي زمان تحقق الهزل فيتساقطان بالتعارض.

قلت: لا أثر لجريان هذا الاصل الا علي القول بحجية الاصل المثبت فان اصالة عدم وصوله الي يد المشتري ما دام سمينا لا يثبت ان الواصل اليه هو الهزال.

فتلخص انه في كلا المقامين

يكون الاصل موافقا مع البائع فيقدم قوله.

[لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية و اختلفا في تقدم التلف علي البيع و تأخره]

قوله: ره لو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية و اختلفا

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 383

في تقدم التلف علي البيع و تأخره. «1»

اقول: حيث ان تلف المبيع و نفس البيع كلاهما من الحوادث فاصالة عدم التلف الي زمان تحقق البيع تعارض مع اصالة عدم تحقق البيع الي زمان تحقق التلف فيتساقطان بالتعارض و لكن اصالة الصحة تجري بالنسبة الي فعل البائع سالمة عن المعارض و في المقام اشكالان.

الاول ما اورده الاستاذ علي جريان اصالة الصحة في المقام بان جريانها في المقام كجريان قاعدتي الفراغ و التجاوز بالنسبة الي فعل النفس و يشترط فيها ما اشترط فيهما من عدم كفاية المصادفة فمجرد المصادفة مع الواقع لا يجدي في جريانها بل يشترط فيها ان يكون التفات الفاعل محتملا حين العمل و مجرد التصادف الواقعي غير كاف فلا تجري اصالة الصحة في المقام.

لكن فيه انه لو احتمل التفات البائع حين العمل فلا مانع من جريان الاصل و باي دليل يحكم بعدم كونه ملتفتا.

الاشكال الثاني انه اذا شك في صحة البيع و عدمها من جهة الشك في وجود المبيع و عدمه لا تجري فيه قاعدة اصالة الصحة لان مرجع الشك في صحة البيع و عدمها يكون الي الشك في قدرة البائع علي البيع و عدمها فلا تجري القاعدة.

لان مجري هذه القاعدة انما يكون فيما علم ان العين موجودة و المكلف قادر علي بيعها و لكنه شك في وقوع هذا البيع صحيحا او فاسدا فيجري اصالة الصحة و من المعلوم ان المقام من قبيل الاول لأنا نشك في كونها موجودة حين البيع و يحتمل ان يكون تالفا قبل

البيع فلا يمكن التمسك باصالة الصحة في المقام كما هو واضح للمتأمل.

و اورد الاستاذ بوجه آخر و هو ان العمل اذا علم تحققه في الخارج و الشك

______________________________

(1)- المكاسب ص 200 السطر (25).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 384

في صحته و فساده نحكم بالصحة بمقتضي جريان اصاله الصحة و اما اذا شك في وجود الشي ء و عدمه فلا يمكن التمسك باصالة الصحة للحكم بوجوده.

اقول: الظاهر ان هذا الوجه الذي افاده الاستاذ يرجع الي الوجه الاول الذي ذكرناه و بعبارة أخري لا شبهة في ان البيع بما له من المعني صدر من البائع فليس الشك في أن الصادر منه هو البيع أو أمر آخر.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 385

الكلام في لزوم اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما تختلف باعتبارها القيمة
اشارة

قوله: ره مسئلة لا بد من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك … «1»

اقول: يقع الكلام في هذه المسألة تارة علي عدم كون الغرر مبطلا للبيع و أخري بناء علي مسلك المشهور القائلين بكون الغرر مبطلا للبيع.

اما علي الاول فنقول: ان الاختبار غير لازم في المقام و غاية ما يقال: ان المعاملة بدون الاختبار فيما كان اختلاف الاوصاف موجبا لاختلاف القيمة يكون غرريا الا ان المفروض عدم كون الغرر موجبا لبطلان البيع.

و ثانيا لا نسلم استلزام عدم الاختبار الغرر علي نحو الاطلاق بل في بعض الموارد لا يستلزم الغرر كما اذا اشتري حقة عنب بقيمة رخيصة بدون الاختبار عالما بانه في صورة كونه فاسدا أيضا يمكن الاستفادة منه بأن يصنع خلا مثلا فلا ريب في عدم لزوم الغرر في هذه الصورة اصلا.

______________________________

(1)- المكاسب ص 201 السطر (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 386

و اما علي الثاني اي علي مسلك المشهور القائلين بكون

الغرر موجبا للبطلان فنقول: ان اختلاف الصفات تارة لا يوجب اختلاف القيمة في المبيع و هذه الصورة علي فرض وجود المصداق لها في الخارج خارجة عن محل الكلام لان البحث يكون في لزوم الاختبار و عدمه فيما يختلف القيمة باختلاف الاوصاف و اخري يكون اختلاف الاوصاف موجبا لاختلاف القيمة و رغبات الناس فيه.

و في هذه الصورة تارة يكون وجود الوصف موجبا لكون المبيع صحيحا و عدمه موجبا لكونه معيبا فيرجع وجود الوصف و عدمه الي صحة المبيع و عدمها و اخري يعد كلاهما من مراتب الصحة ففي صورة عدم الوصف أيضا يكون المبيع صحيحا الا ان مع وجوده يكون في مرتبة عليا من الصحة.

و علي الثاني تارة تكون الاوصاف مما تنضبط و اخري لا يمكن ضبطها كالطعم و الرائحة فان ما يكون من قبيل ذلك لا يمكن ضبطه الا بالاختبار و علي الثاني فاما يمكن الاختبار بأن لا يصير المبيع فاسدا بذلك.

و اخري لا يمكن الاختبار بأن يكون الاختبار موجبا لفساده فعلي تقدير ان الوصف وجوده موجب لصحة المبيع و عدمه عيب له فاذا شك في صحة العين و عيبها فهل يجوز بيعها فيما اذا لم تكن امارة معتبرة قائمة علي صحتها بحيث يرفع الغرر تمسكا باصالة السلامة أم لا يجوز ربما يقال بجواز التمسك بها اذا كانت العين صحيحة و شك في طرو الفساد عليها.

اقول: ان كان المراد من هذا الاصل ان العقلاء يبنون علي الصحة في مورد الشك فيها و بعبارة أخري ان كان المراد منه ان بناء العقلاء علي الصحة.

فيرد عليه اولا ان ثبوت بناء العقلاء علي الصحة في جميع موارد الشك حتي في المقام الذي لا يحرز الصحة بالبينة و الامارة

اول الكلام و لم يستقر منهم البناء علي ذلك و لا أقلّ من الشك في بنائهم و هذا يكفي في عدم جواز الاستناد الي بنائهم.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 387

و ثانيا ان مجرد بناء العقلاء لا يكون حجة ما دام لم يستكشف من طريق امضاء الشارع له.

لكن الانصاف ان الامارات العقلائية المستقرة بينهم اذا لم يثبت الردع من الشارع مع كونه مرئي منه و مسمع يقتضي امضائها.

و ان كان المراد من اصالة السلامة الاستصحاب بأن يقال: بأن هذه العين كانت صحيحة و نشك في طرو الفساد عليها و عدمه فيستصحب عدمه.

ففيه انا و ان قلنا بقيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي المأخوذ في الموضوع الا ان هذا الاستصحاب لا يكون موجبا لرفع الغرر الا بالاصل المثبت.

و استشكل الاستاذ علي الشيخ حيث فصل قدس سره بين ما اذا شك في طرو الفساد و غيره بجريان الاصل في الاول دون غيره بان المراد من هذا الاصل ليس الاستصحاب حتي يفرق بين الموردين بل المقصود منه هو بناء العقلاء علي الصحة و كأنه اشترطت الصحة في ضمن البيع بالارتكاز و هذا رافع للغرر بلا فرق بين الموردين.

و لا يقاس هذا الخيار العقلائي الارتكازي بالخيارات المجعولة شرعا لان الخيارات الشرعية لا تكون رافعة للغرر الا بالدور الباطل كما قدمناه.

فتلخص ان الغرر يرتفع اما باشتراط الصحة في ضمن العقد و في صورة تخلف الشرط يتحقق الخيار للمشتري و اما باصالة السلامة بمعني بناء العقلاء ارتكازا علي اشتراط الصحة فيكون البيع صحيحا و اما بالاختبار.

مسئلة- اذا اشتري الغنم مثلا مبتنيا علي السلامة فاشترط البائع براءة ذمته عن العيب بان قال: بعتك الغنم سواء كان صحيحا أم معيبا بأن أبرأ ذمته.

فهذا عند

التحقيق اما يرجع الي تبرئة المبيع عن العيب بأن يقول: ان المبيع خال عن العيب فهذا يرفع الغرر لأنه في صورة كونه معيبا يكون الخيار

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 388

للمشتري.

و اما يرجع الي تبرئة البائع نفسه عن العيب فهذا لا يرفع به الغرر بل مؤكد له فيكون البيع باطلا هذا تمام الكلام اذا كان اختلاف الصفات راجعا الي الصحة و العيب.

و اما اذا لم يكن كذلك بان كان كلاهما من مراتب الصحة الا أن الاختلاف فيه يوجب تفاوت القيمة فان كان الغرر مرتفعا بقيام امارة او باخبار البائع اذا حصل منه الوثوق او بالاختبار اذا كان ممكنا فهو و اذا لم يكن شي ء منها فهل يجوز بيعه بالتوصيف اذا كان له وصف منضبط أم لا بد من الاختبار.

و يظهر من بعض الكلمات التفصيل بين الغائب و الحاضر فجوز في الاول دون الثاني و هذا كما قال به الشيخ تحكم لان التوصيف ان كان رافعا للغرر لا يفرق فيه بين الغائب و الحاضر و ان لم يكن رافعا له فايضا لا فرق في عدم الجواز بين الغائب و الحاضر.

و ربما يستدل علي اشتراط الاختبار برواية محمد ابن عيص حيث قال سئلت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل اشتري ما يذاق يذوقه قبل أن يشتري قال: نعم فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري «1» و رواه البرقي في المحاسن عن ابي سلمان الحذاء عن محمد ابن الفيض مثله.

و فيها اشكال سندا و دلالة. اما سندا فبمحمد بن عيص و محمد بن فيض فالرواية ساقطة عن الاعتبار.

و اما دلالة فان التأمل في الرواية يقتضي ان يقال: انها ناظرة الي الجهة التكليفية بأن جواز الذوق يختص بصورة

الاشتراء و اما في غير صورة الاشتراء لا يذوق مالا يشتري فلو كانت الرواية صحيحة من حيث السند لكانت مخصصة لأدلة عدم جواز التصرف في مال الغير بأنه يجوز في صورة الاشتراء.

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب 25 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 389

و يمكن ان يقال: بانه ارشاد الي الامر العادي فان البائع بحسب طبعه يرضي بالذوق بهذا المقدار و في المقام رواية «1» أخري لعله يستفاد منها المقصود لكن في سندها محمد بن سنان و هو ضعيف فلا اعتبار بها أيضا فلا يمكن الاستدلال بالرواية.

و مقتضي القاعدة الاولية هو الاختبار اذا كان ممكنا بلا فرق بين الغائب و الحاضر او التوصيف اذا كان له وصف منضبط بلا فرق بين ان يكون اختلاف الاوصاف موجبا للاختلاف في معظم المالية و عدمه و ان فرق الشيخ بينهما.

و اما اذا كان الاختبار مفسدا للمبيع كما اذا كان المبيع كالبيض و البطيخ فان اختلاف الاوصاف اما يرجع الي الصحة و الفساد و قد مر انه لا يوجب الغرر.

و اما اذا لم يكن راجعا اليهما بل كان كلاهما من مراتب الصحة و لم يكن له وصف منضبط حتي يباع بالتوصيف و لا يكون الاختبار ممكنا علي الفرض فهل يكون لسد باب الغرر طريق أم لا.

افاد السيد الاستاذ دام ظله ان البيع في هذه الصورة لا بأس به و ان كان غرريا و هو متين جدا لجريان السيرة عليها.

و يمكن رفع الغرر بوجه آخر بأن يجعل الخيار فيما لو لم يكن يسوي هذا المقدار من الثمن و ان شئت قلت: انه في صورة الغبن يثبت الخيار.

«مسئلة» لو فرض ان المشتري اشتري شيئا

معتمدا علي اصالة الصحة و ظهر كونه معيبا.

فتارتا يظهر العيب بتصرف المشتري و اخري بلا تصرف و علي كلتا

______________________________

(1)- الوسائل جلد (12) الباب 25 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (2).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 390

الصورتين اما يكون عنوان المبيع محفوظا و في هذه الصورة اما يكون الاختلاف في الصفات موجبا لاختلاف القيمة و اما لا يكون موجبا له و اما لا يكون عنوان المبيع محفوظا اصلا فهذه الصورة أيضا علي قسمين فانه تارة تسقط العين عن المالية مع انتفاء عنوان المبيع و أخري لا تسقط عن المالية و ان لم يصدق عنوان المبيع عليها

فصور المسألة تكون ثمانية اقسام.
الصورة الاولي ما اذا ظهر كونها معيبة بغير التصرف فيها و كان الاختلاف موجبا لاختلاف القيمة

ففي هذه الصورة يتخير المشتري بين الرد و الاخذ مع الارش.

الصورة الثانية ما اذا ظهر كونها معيبة من دون أن يتصرف فيها و لا يكون اختلاف الصفات موجبا لاختلاف القيمة

و له الرد فقط و اما الارش فلا لان المفروض عدم كون اختلاف الصفات موجبا لاختلاف القيمة فلا وجه للأرش.

الصورة الثالثة ما اذا كان عنوان المبيع محفوظا و ظهر انه ليس له مالية أصلا من دون ان يتصرف فيه

فان قلنا: يشترط في المبيع أن يكون ذا مالية يكون المعاملة باطلة من اصلها فلا يتحقق الرد و لا الارش لأنهما فرع صحة العقد.

و اما اذا قلنا: بعدم اشتراطه كما هو المختار فيكون البيع صحيحا و له الرد و أما الارش فلا لعدم ما به التفاوت في المقام علي الفرض لأنه فرض ان العين لا مالية لها أصلا و ما به التفاوت فرع وجود المالية في الجملة.

الصورة الرابعة ما اذا ظهر عدم بقاء عنوان المبيع

كما اذا اشتري جوزا فظهر أنه قشر و لا يصدق عليه الجوز الفاسد فيكون البيع باطلا في هذه الصورة قطعا لان العقود تابعة للقصود فما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع فهذه الصور الاربعة التي ذكرنا حكمها انما كان فيما اذا ظهر العيب بلا تصرف في المبيع.

الصورة الخامسة ما اذا ظهر العيب بالتصرف فيه و كان اختلاف الاوصاف موجبا لاختلاف القيمة

فهل له ان يأخذ الارش فقط أم له الرد أيضا فظهر من المبسوط

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 391

انه ذكر قولا مفصلا بينما كان التصرف بمقدار الاختبار و عدمه فان كان التصرف بمقدار الاختبار فله ان يرد و ليس هذا التصرف مانعا عنه.

و لكنه خلاف التحقيق لوجود الروايات الدالة علي مانعية التصرف عن الرد مطلقا سواء كان للاختبار او لغيره من الاغراض.

و الحاصل ان التصرف الموجب لسقوط الرد لا يفرق فيه بان يكون بداعي الاختبار أو ان يكون بداع آخر و الميزان بتحقق التصرف المسقط حسب ما يستفاد من دليله علي كلام و التفصيل موكول الي محله.

الصورة السادسة ما اذا ظهر العيب بالتصرف فيه الا ان الاختلاف في الاوصاف لا يكون موجبا لتفاوت القيمة

ففي هذه الصورة لا رد له و لا ارش اما الاول فلانه تصرف في المبيع و هو مانع عن الرد كما ذكرناه و نبحث فيه بالتفصيل إن شاء اللّه في محله و اما الثاني فلعدم الوجه له بعد ما فرضنا في عدم ما به التفاوت في المقام.

الصورة السابعة ما اذا ظهر بالتصرف عدم المالية له اصلا

ففي هذه الصورة أيضا لا رد و لا ارش له هذا ما يقتضي الصناعة العلمية الا ان هذا علي خلاف ارتكاز المتشرعة و لا يمكن الالتزام بعدم جواز رده مع أنه لم يقع في مقابل ثمنه مال اصلا.

الصورة الثامنة ما اذا ظهر بالتصرف عدم صدق عنوان المبيع عليه اصلا

فيكون باطلا من اصله في هذه الصورة ثم انه اذا بنينا علي بطلان البيع فيما اذا لم يكن لفاسده مالية اصلا يقع البحث في ان بطلان البيع يكون بعد ظهور العيب او يكون ظهور العيب كاشفا من بطلان البيع من اصله.

و الحق ان يقال: كما قال الشيخ: ان البيع باطل من اصله لان اشتراط المالية علي فرض اشتراطها واقعي لا علمي.

و تظهر الثمرة بين القولين في تصرفات البائع في الثمن فعلي القول ببطلان

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 392

البيع بعد ظهور العيب يكون تصرفاته جائزة.

لكون التصرف في ماله و اما علي القول ببطلان البيع من اصله يكون تصرفاته في الثمن فضولية فتحتاج الي اجازة المشتري.

و يظهر من بعض ترتب ثمرة اخري علي المسألة أيضا و هي ان مئونة النقل علي البائع ان قلنا: ببطلان البيع من اصله و هي علي المشتري ان قلنا: ببطلان البيع من حين ظهور العيب.

و يرد عليه بانه لا وجه للقول: بكون مئونة النقل علي البائع مطلقا و ما نزلت فيه آية و لا رواية فلا بد ان يبحث فيه بأن مقتضي القاعدة ما هو.

فنقول: ان البائع ان غر المشتري فله ان يرجع الي البائع في كلتا الصورتين لان المغرور له ان يرجع الي الغار فلا يترتب ثمرة علي هذا البحث و ان لم يغره فلا وجه للرجوع الي البائع في كلتا الصورتين كما هو واضح و مما ذكرنا ظهران مئونة النقل علي

البائع في صورة التغرير الوارد علي المشتري لرجوع المغرور الي الغار، و الا فعلي المشتري، هذا تمام الكلام في مئونة النقل من موضع الاشتراء الي مكان الاختبار.

و أما مئونة الحمل من موضع الاختبار الي البائع، فعلي تقدير الغرور يرجع الي البائع، و علي تقدير عدمه لا يبعد أن يكون علي المشتري بمقتضي الشرط الارتكازي، فان مقتضاه لزوم رده اليه.

و اما المئونة الزائدة كما لو وضع في المسجد فأمر المتولي باخراجه فالحق أيضا التفصيل بين الغرور و عدمه فعلي تقدير تحقق الغرور يرجع الي البائع لقاعدة الغرور.

و ما أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله بانه تكليف شرعي متوجه بالمشتري و لا يرتبط بالغرور غير تام، لأنه يصح أن يقال انه مغرور و لغروره وقع في الضرر، و مع عدم الغرور يكون علي المشتري، لان المفروض ان المشتري وضعه في المسجد فيكلف

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 393

بالاخراج غاية الامر يتصدي لإخراجه باذن الحاكم.

(بقي شي ء) و هو ان البائع اذا تبرأ عن العيب فاذا قامت الامارة، أو حصل الوثوق باخبار البائع أو غيره يصح البيع و الا يكون باطلا للغرر فان تبري البائع مع عدم طريق الي كون العين صحيحة يؤكد الغرر.

الكلام في جواز بيع المسك في الفأر

قوله (قدس سره) مسألة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فارة … «1»

اقول: بيع المسك في فأرة لا اشكال فيه بحسب القاعدة الاولية لشمول العمومات لمثل هذا البيع.

و ربما يقال: بعدم جواز بيعه لكونه دما نجسا في اصله فبأصالة عدم استحالته يحكم بنجاسته في صورة الشك أيضا.

و يرد عليه اولا انه لا دليل علي كون مطلق المسك دما في اصله حتي يتمسك باستصحاب عدم الاستحالة في صورة الشك فيها.

و ثانيا انه علي تقدير

التسليم انه كان دما في اصله و يكون نجسا بالاستصحاب و لكنا نقول: لا دليل علي عدم جواز بيع النجس مطلقا بل يقتصر ذلك بما ورد النص فيه بخصوصه غاية الامر اشتراط منفعة معتدة بها.

و ثالثا كونه نجسا أول الكلام و ربما يقال: انه يكون غرريا للجهل بكيفية المسك.

اقول: اما الغرر فتارة يكون من جهة الشك في صحة المسك و عيبه فيندفع

______________________________

(1)- المكاسب ص 203 السطر (28)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 394

باصالة السلامة التي هي معتمدة عند العقلاء في معاملاتهم.

و اخري من جهة الشك في اوصافه التي تدور معها القيمة فاذا كان له اوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في القيمة فيعرف بها و بهذا يندفع الغرر كما انه لو لم يمكن توصيفها و لكن البائع عالم بها و لكنه لا يعلن للمشتري و لكنه أيضا يعلم انه لا يقع في الخطر لوصول المسك بمقدار الثمن اليه فلا غرر أيضا.

و اما اذا فرض عدم امكان التوصيف و لا يمكن علم المشتري بوصول ما باذاء الثمن اليه يختبر بادخال خيط فيها بابرة ثم يخرجه عن الفأرة و يشمه حتي يعلم بذلك كيفية المسك و يندفع الغرر بذلك و لا يكون ضامنا لما يوجب ادخال الابرة فيه من النقص و ان قلنا بالضمان في باب المقبوض بالسوم.

و لا يقاس المقام بذلك الباب فعلي تقدير القول بالضمان في ذلك الباب لا وجه للقول به في المقام فان الضمان في ذلك الباب يمكن ان يكون من باب الضمان في العارية بالاشتراط بان نقول: المقبوض بالسوم عارية مضمونة في يد من يريد الاشتراء و لذا نقول هناك بالضمان و لو مع التلف السماوي و لا نقول بالضمان

هنا و ان كان التلف باتلاف المشتري لكون البائع راضيا بهذا الاتلاف الواقع للاختبار و اماما في التذكرة و قد روي عن الصادق جواز بيعه «1» فلا اعتبار به من جهة الارسال.

[الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف]

قوله (قدس سره) ثم ان الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف الخ «2».

اقول ان البحث يقع تارة من جهة الشك في وجود اللؤلؤ في الصدف و عدمه و اخري من جهة صحته و سقمه مع فرض العلم بوجوده و ثالثة من جهة تفاوت أفراد اللؤلؤ بحيث يكون موجبا لتفاوت رغبات الناس و اختلاف القيمة.

______________________________

(1)- التذكره المجلد (1) الصفحة (471) السطر (29).

(2)- المكاسب ص (204) السطر (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 395

اما القسم الاول و هو ما لو شك في وجود اللؤلؤ فيه و عدمه فنقول: اذا حصل الاطمئنان بقيام امارة او باخبار البائع او بطريق آخر بوجود اللؤلؤ في الصدف فلا اشكال في صحة البيع من هذه الجهة و اما مع الشك في وجوده و عدمه فربما يقال:

ببطلان البيع لكونه غرريا.

و يرد عليه اولا ان البيع وقع علي فرض وجود اللؤلؤ فيه و معلق عليه و هذا التعليق غير مضر في البيع لأنه تعليق علي شي ء يتوقف عليه صحة العقد و القدر المتيقن من بطلان التعليق غير هذا المورد.

و ثانيا انه علي تقدير عدم اللؤلؤ في الصدف يكون البيع باطلا من أصله لانتفاء موضوعه فلا يقع البيع اصلا حتي يكون غرريا و بعبارة اخري لا يكون غرر و خطر اذ علي فرض وجوده ينتقل الي المشتري في مقابل الثمن و علي فرض عدمه لا يتحقق انتقال كي يكون فيه خطر.

و اما القسم الثاني و هو ما لو شك في

صحة اللؤلؤ في الصدف و عيبه ففي هذه الصورة أيضا يكون البيع صحيحا غاية الامر في صورة ظهور العيب يجوز للمشتري أن يفسخ العقد.

و اما القسم الثالث و هو ما يكون الوجه في الفساد تفاوت كيفيات الافراد كما يتضح ذلك في الذهب فان بعض افراده ذهب خالص يسمي بالفارسية بعيار كذائي و بعض افراده يكون دانيا فان الاختلاف في الكيفيات موجب لاختلاف القيمة و رغبات الناس فاذا كان له وصف منضبط كي يعرف به فهو و بذلك يندفع الغرر فيكون البيع صحيحا.

و اما اذا لم يكن له وصف منضبط و لا يكون أيضا متعارفا عند العرف و لا يمكن اختباره فربما يحكم ببطلان البيع لكونه غرريا.

و فيه انا لا نسلم كونه غرريا مطلقا لإمكان اشتراط الخيار في صورة عدم الوصف الذي له دخل في زيادة القيمة فيندفع الغرر بذلك و لا محذور فيه الا توهم

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 396

لزوم الدور بان يقال: ان صحة الخيار تتوقف علي صحة العقد فاذا فرض توقف صحة العقد علي صحة الخيار يكون دوريا.

و لكنا اجبنا سابقا عن هذا المحذور بأن الدور يلزم اذا كان المراد من الخيار هو الشرعي و اما اذا كان المراد منه الخيار الجعلي عند العرف فلا يلزم الدور.

[مسئلة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم اليه و عدمه]

قوله (قدس سره) مسئلة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم اليه و عدمه الخ «1»

اقول المستفاد من كلامهم ان الاقوال في المسألة ثلاثة.

الاول الجواز مطلقا.

الثاني المنع مطلقا.

الثالث التفصيل بينما اذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال و بينما اذا كان تبعا للمعلوم فجوزوا البيع في الثاني دون الاول و التحقيق أن يبحث في المقام في موردين.

الاول ان يبحث في مقتضي القاعدة بأنه الجواز

أم لا.

الثاني في مقتضي الادلة الثانوية اعني الروايات.

اما المورد الاول فنقول اذا كان المجهول و المعلوم مقصودين بالاستقلال فلا اشكال في صحة البيع ظاهرا لان مرجع البيع يكون الي بيع السمك الموجود مع ما في الاجام مثلا فبالنسبة الي المجهول يكون البيع معلقا فاذا ظهر عدم سمك في الاجام يكون البيع بالنسبة اليه باطلا.

______________________________

(1)- المكاسب ص (204) السطر (2).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 397

فلا مجال لتوهم ان البيع غرري لأنه لا ينعقد البيع اصلا مع عدم وجود السمك في الاجام حتي يرد عليه بان المبيع اذا كان مكيلا او موزونا يشترط فيه الكيل او الوزن و اما اذا ظهر كون السمك في الاجام أيضا فالامر فيه واضح.

فتلخص ان البيع بالنسبة الي الموجود من السمك منجز فعلا و يترتب عليه آثاره و بالنسبة الي ما في الاجام معلق علي وجوده فيها و هذا التعليق لا يكون مبطلا للبيع كما قد منا آنفا لأنه تعليق علي ما يتوقف عليه صحة العقد و هو وجود الموضوع هذا اذا كان توهم الغرر من جهة وجود السمك و عدمه.

و اما اذا كان من جهة اختلاف الاوصاف الموجب لاختلاف الرغبات فاذا كان له وصف منضبط كي يعرف به حتي يخرج عن كونه غرريا او اذا جعل الخيار في صورة تخلف الوصف الذي وقع عليه العقد يكون البيع صحيحا أيضا لعدم لزوم الغرر فيه.

و اما اذا لم يكن له وصف منضبط و كذا لم يجعل الخيار فيكون البيع باطلا.

و اما ان كان منشأ الاشكال الجهل بالمقدار فان كان من المكيل و الموزون و بعبارة اخري ان كان مما يشترط فيه بالنص ان يكون معلوما فيكون الجهل موجبا للبطلان و الا فلا

هذا اذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال.

و اما اذا كان مقصودا بالتبع فان كان مما يتسامح فيه عرفا فلا اشكال و ان لم يكن كذلك لكن كان بنحو التبعية بحيث لا يقسط عليه الثمن فلنا ان نقول: بصحة البيع أيضا لان الروايات الدالة علي اشتراط الكيل في المكيل و الوزن في الموزون و عدم جواز بيع ما كان مجهولا كيله او وزنه لا تشمل لما اذا كان المجهول شرطا للمبيع فان المستفاد منها ان المبيع اذا كان مجهولا كيله او وزنه يكون بيعه باطلا.

و اما اذا لم يكن المبيع مجهولا بل كان شرطه مجهولا كما في المقام فلا تشمله الروايات الا بتنقيح المناط الظني و هو لا يفيد لان الظن لا يغني عن الحق شيئا.

فتلخص ان البيع لا يكون باطلا من ناحية كون ما انضم اليه مجهولا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 398

و ربما يقال: ببطلانه من ناحية لزوم الغرر فيه و انكره العلامة و النائيني قدس سرهما حيث قالا: بعدم البطلان.

و الحق أن يقال: ان الغرر علي تقدير عدم كونه موجبا للبطلان كما قويناه فلا مجال للإشكال.

و اما علي مسلك القوم القائلين بكون الغرر مبطلا للبيع فلا بد أن يفصل بينما اذا كان المدرك فيه الاجماع او الرواية.

فان كان المدرك فيه الاجماع فيؤخذ فيه بالقدر المتيقن منه و هو ما اذا كان المبيع مجهولا و اما اذا لم يقع المجهول مبيعا بل المبيع هو الموجود الخارجي المعلوم و انما جعل شرطا فيه فلا يمكن أن يقال: بكون الغرر موجبا للبطلان فيه.

و اما اذا كان المدرك في كون الغرر مبطلا هي الرواية فكلما يصدق عليه الغرر سواء كان من ناحية المبيع او من ناحية الشرط في

ضمنه يشمله اطلاق الرواية الدالة علي ان البيع الغرري باطل.

و ربما يظهر من بعض الكلمات في معني التبعية بأن لا يكون المجهول مقصودا بالبيع و يعد في العرف تابعا للمعلوم كالمسمار في الجدار و مفتاح الدار و البيض الذي في جوف الدجاجة و غيرها.

و لكن الحق أن يقال. ان التبعية بهذا المعني لا توجب تفصيلا في المقام لان المجهول علي هذا لم يلاحظ أصلا فلا يلزم منه غرر.

و ربما يظهر من العلامة في المختلف تفصيلا أخر في معني التبعية بانه عبارة عما لا يتعلق به الغرض فاذا لم يتعلق الغرض بالمجهول يكون البيع صحيحا بخلاف ما اذا تعلق به الغرض فلا يكون صحيحا.

أقول: ان كان المراد من الغرض الغرض الشخصي فلا يمكن الالتزام به لأنه اذا فرض كون الغرر موجبا لبطلان البيع يكون البيع باطلا سواء تعلق الغرض الشخصي بالمجهول أم لا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 399

و ان كان المراد منه الغرض النوعي فلا وجه للتفصيل أيضا لأنه اذا علم المشتري انه يصل اليه ما يقابل الثمن و وجود الضميمة ينفعه و عدمه لا يضره ففي هذه الصورة لا وجه للبطلان اذ لا موجب له.

و افاد الاستاذ بأن البيع يكون باطلا في هذه الصورة أيضا لكونه غرريا خصوصا بالنسبة الي البائع.

و يرد عليه ان البائع اذا لا يعلم الضميمة يكون البيع بالنسبة اليه غرريا فما افاده الاستاذ بالنسبة اليه متين و اما المشتري فلا يكون البيع غرريا بالنسبة اليه علي نحو الاطلاق فانه لو علم بوصول ما قابل الثمن اليه فلا يكون غرر بالنسبة اليه علي نحو الاطلاق.

و افاد صاحب الجواهر بأن المجهول ان كان مقصودا بالتبع يصح البيع و ان كان مقصودا بالاستقلال

لا يصح.

أقول: ان كان مراده من التبعية ان يجعل المجهول تابعا للمعلوم في عالم الاثبات فهذا لا يرجع الي محصل و ان كان مراده ان يجعل المجهول تابعا للمعلوم ثبوتا بأن لا يتعلق الغرض بالمجهول في المعاملة فكلامه يرجع الي كلام العلامة فليس تفصيلا مستقلا في المقام.

فتلخص مما ذكرنا عدم الاشكال في بيع المعلوم مع ضميمة المجهول اذا كان المجهول مقصودا بالتبع و لا يلزم منه الغرر هذا بحسب القاعدة الاولية.

و اما بالنظر الي الادلة الثانوية و هي الروايات الواردة في المقام و هي كثيرة.

منها ما عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: اذا كانت اجمة ليس فيها قصب اخرج شيئا من السمك فيباع و ما في الاجمة. «1»

فهذه الرواية تدل علي جواز بيع المعلوم منضما الي المجهول مطلقا سواء كان المجهول مقصودا بالتبع أم لا، الا انها ضعيفة من حيث السند اولا بارسالها و

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب 12 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (2)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 400

ثانيا بسهل بن زياد و لا يندفع الاشكال بأن الارسال في المقام لا يضر بالرواية لكون المرسل مثل البزنطي فان مراسيله كمسانيده و بان الامر في سهل كما حققناه فاذا سقطت الرواية عن الاعتبار سندا فلا مجال للبحث عن دلالتها لعدم ترتب أثر عليها.

و منها رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا بأس ان يشتري الاجام اذا كانت فيها قصب «1» و هذه الرواية لا بأس بها سندا.

و منها ما عن بعض اصحابنا عن ذكريا عن رجل عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في شراء الاجمة ليس فيها قصب انما هي ماء قال: تصيد

كفا من سمك تقول: اشتري منك هذا السمك و ما في هذه الاجمة بكذا و كذا «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما عن محمد ابن يحيي عن احمد بن محمد عن الحسين ابن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع فقال:

لا الا أن يحلب لك منه اسكرجة فيقول: اشتر مني هذا اللبن الذي في اسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي فان لم يكن في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجة «3» و لا بأس بهذه الرواية أيضا.

و منها ما عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابراهيم الكرخي قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما تقول: في رجل اشتري من رجل اصواف مأئة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما فقال: لا بأس بذلك ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف «4» و هذه الرواية أيضا لا بأس بها و ان كان في ابراهيم كلام فالسند مخدوش.

و منها ما عن محمد بن يحيي عن عبد اللّه بن محمد عن علي بن حكم عن حميد

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب (12) من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (5)

(2)- الوسائل جلد 12 الباب (12) من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (6)

(3)- الوسائل جلد 12 الباب 8 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث (2)

(4)- الوسائل جلد 12 الباب 10 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 401

ابن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحد جميعا عن

ابان بن عثمان عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال و بخراج النخل و الاجام و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي ء أبدا او يكون أ يشتريه و في اي زمان يشتريه و يتقبل منه.

قال: اذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك فاشتره و تقبل به «1» و هذه الرواية ضعيفة السند.

و هنا شبهات اربع الاولي ان الروايات أجنبية عن المقام لأنها ناظرة الي ما شك في وجود المبيع و عدمه و البحث انما يكون في الشك في صفاته بعد كون أصله مفروغا عنه.

و أجاب الاستاذ بان الشك في وجود المبيع و عدمه اذا لم يكن مضرا بصحته بمقتضي الروايات فلا يكون الشك في صفاته مضرا فيه بطريق الاولي.

و فيه انا لا نسلم الاولوية في المقام لأنه علي تقدير الشك في وجود المبيع و عدمه لا يكون البيع غرريا لكون البيع معلقا علي وجود المبيع و لا يكون هذا التعليق مبطلا للبيع كما قدمناه فاذا ظهر عدم وجود المبيع فلا ينعقد البيع من أصله فلا يلزم منه الغرر بخلاف الشك في بعض جهاته و صفاته فان الجهل به يوجب الغرر و لا يمكن تعليق البيع علي وجودها لكونه مبطلا للبيع لكن اصل الاشكال موهون فان النصوص تشمل ما كان الشك في صفة الموجود.

الثانية ان ما في اسكرجة غير معلوم وزنه فيكون انضمامه الي ما في ضروعها ضم المجهول الي المجهول و المستفاد من الرواية ان الضم مصحح للبيع و الحال انه خلاف ما تسالم عليه الفقهاء.

و يرد عليه اولا ان اعراض المشهور لا يوجب رفع اليد عن

الرواية بعد تمامية جهاتها كما ان عملهم علي طبقها لا يجبر ضعفها بعد كونها ساقطة عن الاعتبار.

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 402

و ثانيا ان ما أجاب به الاستاذ عن الاشكال بأن الرواية تدل علي صحة البيع في صورة ضم اسكرجة الي ما في الضرع اذا كان صحة بيع اسكرجة مفروغة عنها و اما انه هل هو صحيح أم لا فلا يكون الرواية ناظرة اليها و ليست في مقام بيانها كما أنها لا تكون في مقام بيان طهارتها و نجاستها.

الثالثة ان الكف من السمك لا يجوز بيعه لكونه من الموزون.

و اجاب الاستاذ اولا بأنه ليس موزونا مطلقا بل يباع في بعض النقاط بالعد أيضا.

و ثانيا يمكن ان يحصل العلم بالوزن بما في الكف بوجه من الوجوه.

الرابعة ان الروايات مختصة بمواردها و لا يمكن التعدي الي غيرها و فيه ان هذا صحيح فيما لا يستفاد منها عموم العلة و اما اذا استفيد ذلك منها كما في المقام فلا بأس بالتعدي من موردها.

فتلخص ان مقتضي الروايات جواز بيع المعلوم اذا ضم اليه المجهول مطلقا بلا فرق بين ان يكون المجهول مقصودا بالتبع او بالاستقلال هذا تمام الكلام في مسئلة بيع المجهول منضما اليه المعلوم.

[مسئلة يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة]

قوله قدس سره «مسئلة» يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة علي المشهور … «1»

اقول أفاد المرزا النائيني ره ان موضوع هذه المسألة غير موضوع المسألة

______________________________

(1)- المكاسب ص 206 السطر (3).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 403

الآتية و هي بيع المظروف مع ظرفه فان هذه المسألة عبارة عن بيع المظروف فقط دون ظرفه و

يتفرع عليه مسئلة الاندار و هي بيع ما يوزن و اندار مقدار لظرفه.

أقول: يقع البحث تارة بالنسبة الي القاعدة الاولية و أخري بلحاظ الروايات الواردة في الباب. أما الاول فيتصور الاندار بوجوه.

الاول وزن الظرف و المظروف فيكون وزن المجموع معلوما و اما الظرف بخصوصه فلا يكون وزنه معلوما فيندر من المجموع مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة فهذه الصورة لا ريب في بطلانها لكون المبيع مجهولا سواء لزم منه الغرر أم لا للروايات الدالة علي عدم جواز بيع الموزون الا بالوزن و كذلك عدم جواز بيع المكيل الا بالكيل فالبطلان لا يكون مستندا الي الغرر بل انما هي للنص و التراضي لا يرفع الجهل

الثاني ان يبيع المجموع بعنوان كل رطل منه بدرهم مثلا فهذه الصورة باطلة أيضا و ان لم يلزم منه الغرر للجهل بمقدار المبيع.

الثالث أن يوزن المظروف مع ظرفه و يباع المظروف بتمامه، و حكم هذه الصورة هو الفساد، اذ المستفاد من الادلة اشتراط العلم بمقدار الموزون.

الرابع أن يشتري خمسة امنان مثلا و يعلم ان ما في الظرف من البيع لا يكون أقلّ من خمسة أمنان فلا اشكال في صحته و ان جهل بنسبة خمسة أمنان الي المجموع و هو غير قادح كما بيناه في بيع صاع من الصبرة و لو شك في مقام تسليم المبيع الي المشتري بأنه وصل اليه حقه أم لا فمقتضي الاستصحاب عدمه.

فتلخص ان البائع لو اندر مقدارا للظرف بحيث يحصل العلم او الاطمينان بمقدار المبيع او كان الاندار بما تعارف بين الناس أو حصل التراضي منهما علي ذلك يكون صحيحا.

ان قلت: ان الامر اذا دار بين الاقل و الاكثر غير الارتباطيين يكون المرجع هو البراءة بالنسبة الي الزائد و

ذلك كما اذا لا يعلم زيد مثلا انه استدان من عمر و خمسة فلوس او عشرة فيجري البراءة بالنسبة الي العشرة، و المقام من هذا القبيل فان البراءة محكمة بالنسبة الي الزائد.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 404

قلت: لا مجال لجريان البراءة لان البائع يعلم تفصيلا ان حق المشتري خمسة أمنان مثلا و لكنه يشك في انطباق حقه علي ما في الخارج فاستصحاب العدم الازلي يقتضي عدمه و لا يشك في حقه حتي تجري البراءة بالنسبة الي غير ما تيقن به هذا تمام الكلام بالنظر الي القاعدة الاولية.

و اما بالنظر الي الروايات ففي المقام ثلاث روايات يمكن ان يتمسك بها لإثبات الجواز.

الاولي ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد اللّه بن جبلة عن علي بن ابي حمزة قال: سمعت معمر الزيات يسأل ابا عبد اللّه (ع) فقال: جعلت فداك اني رجل ابيع الزيت الي ان قال: قلت: فانه يطرح لظروف السمن و الزيت لكل ظرف كذا و كذا رطلا فربما زاد و ربما نقص فقال: اذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس «1».

و هذه الرواية و ان امكن التمسك بها من حيث الدلالة علي الجواز و لكن من حيث السند ضعيفة بعلي بن حمزة حيث يحتمل ان يكون المراد منه البطائني.

الثانية ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن اخيه موسي ابن جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية و الجوالق فيقول: ادفع للناسية رطلا او أقلّ او اكثر من ذلك أ يحل ذلك البيع قال اذا لم يعلم وزن

الناسية و الجوالق فلا بأس اذا تراضيا «2».

و هذه الرواية أيضا ضعيفة بعبد اللّه ابن الحسن فانه لم يوثق فلا تكون مستندة

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 الباب (20) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (1).

(2)- الوسائل المجلد 12 الباب (20) من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث (3).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 405

و ان كانت من حيث الدلالة لا بأس بها.

الثالثة موثقة حنان و هي العمدة في الباب قال كنت جالسا عند ابي عبد اللّه (ع) فقال. له معمر الزيات انا نشتري الزيت في زقاقة و يحسب لنا فيه نقصان لمكان الزقاق فقال: ان كان يزيد و ينقص فلا بأس و ان كان يزيد و لا تنقص فلا تقربه «1»

و هذه الرواية تدل علي جواز الاندار بلا اشتراط العلم بمقدار المبيع اذا كان قد يزيد و قد ينقص.

و اما اذا كان زائدا دائما فلا يجوز و الظاهر من الرواية ان الاندار راجع الي الرتبة السابقة علي البيع اي يندر للبيع لا ان يندر لتسليم المبيع فاذا ثبت جواز الاندار للرواية المذكورة فهل يمكن التعدي الي غير موردها أم لا، يمكن ان يقال:

بجواز التعدي الي كل مورد يكون من سنخ الزيت في كونه مائعا كالجلاب و الدبس و غيرهما من المائعات.

و الحاصل انه يتعدي الي كل مورد يكون من قبيل المذكور في الرواية و من هذا ظهر لك عدم جواز التعدي الي بيع كل ما في الظرف و جواز الاندار فيه علي الاطلاق كما اذا كان المظروف من قبيل الحنطة فانه لا يمكن التعدي من مورد الرواية الي كل مورد لعدم الاطلاق في الرواية و عدم تنقيح المناط القطعي.

[مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و ان لم يعلم الا بوزن المجموع]

قوله (قدس سره): مسألة يجوز بيع

المظروف مع ظرفه الموزون معه و ان لم يعلم الا بوزن المجموع علي المشهور …

اقول: يقع الكلام في جواز بيع المظروف مع ظرفه، و هذا يتصور علي أقسام ثلاثة.

الاول أن يكون وزن المجموع كافيا لبيع كل جزء منه، أو لم يكن الوزن شرطا في بيعه فلا شبهة في جواز بيعه.

______________________________

(1)- الوسائل جلد 12 باب 20 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث (4).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 406

الثاني ان لا يكون وزن المجموع كافيا لبيع كل جزء منه لعدم اندار متعارف فيه كي يكون مقدار كل جزء معينا.

قال الشيخ: لو كان في هذه المعاملة غرر شخصي تكون باطلة كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مأئة مثقال و الف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنها ألفي مثقال فان الاقدام علي هذا البيع اقدام علي ما فيه الخطر.

و افاد السيد الاستاذ بأن البيع صحيح بتقريب ان احتمال الغبن لا يكون موجبا للبطلان بل للمغبون خيار اذا ظهر الغبن.

و فيه ان الخيار يكون فيما يعلم المشتري ما اشتراه بان ثمنه وقع في مقابل كتاب المكاسب مثلا و لكنه يحتمل ان يكون مغبونا في قيمته و اما اذا لا يعلم ما اشتراه من أنه فضة او رصاص فلا يعلم ان الثمن وقع في مقابل اي منهما فهنا يكون البيع غرريا فيكون باطلا كما افاده الشيخ.

و اما مع انتفاء الغرر الشخصي فلا يكون مانعا في صحة البيع الا النص الدال علي لزوم اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون و هو أيضا لا يصلح للمانعية في المقام لان المستفاد منه اعتبار العلم بوزن المجموع و هو حاصل هنا دون معرفة كل جزء منه فعدم العلم

به غير قادح.

أقول: ان المركب من المجموع تارة يحصل له حقيقة ثالثة في مقابل كل جزء منه و ذلك كما في سكنجبين فانه حقيقة ثالثة في مقابل الخل و الانجبين و ان كان مركبا عنهما الا انه بالتركيب صار حقيقة ثالثة. ففي هذه الصورة اذا كان المجموع معلوما وزنا يكفي في صحة بيعه و لا يحتاج الي معرفة وزن كل من الخل و الانجبين و اما اذا لم يكن المجموع حقيقة ثالثة كالزيت مع ظرفه فان معلومية المجموع لا يكفي في صحة بيع المجموع.

الثالث ان يكون وزن المجموع كافيا و مؤثرا في جزء دون جزء آخر و ذلك كما اذا باع الفضة المحشي بالشمع فاذا باع الفضة بوزن المجموع يكون صحيحا

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 407

لوجود اندار متعارف للشمع فيكون مقدار الفضة معلوما بخلاف ما اذا باع الشمع بوزن المجموع فلا يصح بيعه لعدم اندار متعارف للفضة فيكون وزن الشمع مجهولا فيبطل البيع.

و الحاصل انه اذا باع الفضة استقلالا و يكون الشمع تابعا له فلا ريب في صحته و اما اذا باع الشمع و يكون الفضة تابعة له فيكون البيع باطلا. او باع كل منهما علي نحو الاستقلال فايضا يكون البيع باطلا و السر في بطلان الاخيرين هو الجهل بمقدار المبيع.

قوله: ان بيع المظروف مع الظرف يتصور علي صور …

أقول: ان بيع المجموع يتصور علي وجوه ثلاثة. الاولي ان يباع الظرف و المظروف بعشرة دنانير، فظهر كون الظرف مال الغير، فلا يقسط الثمن بالمناصفة بينهما، بل يقوم كل من الظرف و المظروف علي حدة، و يلاحظ نسبة قيمة الظرف الي المجموع فيؤخذ منه بهذه النسبة فاذا كان قيمة الظرف درهما و قيمة المظروف تسعة

دراهم كان للظرف عشر الثمن و هكذا.

الثانية ان يباع المظروف مع ظرفه علي أن كل رطل من الزيت مثلا بثمانية دراهم و كان قيمة المجموع عشرة دراهم فيؤخذ قيمة الزيت و يكون قيمة الظرف ما بقي منه فاذا لم يكن في الظرف إلا رطل واحد من الزيت فيؤخذ ثمانية دراهم له فيبقي درهمان للظرف.

الثالثة ان يباع كل رطل من مجموع الظرف و المظروف بدرهم مثلا بأن يلاحظ الظرف و المظروف شيئا واحدا فاذا ظهر كون الظرف للغير فيندر بمقدار الظرف فاذا كان وزن المجموع عشرة أرطال و كان وزن الظرف رطلين فيندر الرطلان عن المجموع فيبقي له ثمانية ارطال. و اما اذا لم يلاحظ المجموع شيئا واحدا بأن يباع المركب من المظروف و الظرف فلا يصح في هذه الصورة اندار وزن الظرف، لا مكان كون قيمة رطلين من الظرف مساوية مع قيمة المظروف

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 408

فطريق التقسيط حينئذ يكون بتقويم الظرف تارة و قيمة المجموع أخري و يلاحظ النسبة بينهما فيؤخذ من المجموع بهذه النسبة قوله قدس سره.

[تنبيهات البيع]

[ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات]

«مسئلة» المعروف بين الاصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال و الحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده و يسلم من الربا الخ «1»

اقول هل يجب تعلم مسائل المعاملات او يستحب اولا هذا و لا ذاك الحق هو الاخير لعدم قيام الدليل علي وجوبه او استحبابه عدا ما توهم من الروايات الواردة في المقام الا أن كلها ضعيفة السند لا يمكن ان يعتمد عليها. و إليك الروايات التي يمكن ان يستدل بها علي المدعي.

منها ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن

عثمان بن عيس عن ابي الجارود و عن الاصبغ بن نباتة قال سمعت امير المؤمنين عليه السّلام يقول: علي المنبر، يا معشر التجار الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر و اللّه للربا في هذه الامة أخفي من دبيب النمل علي الصفا شوبوا ايمانكم بالصدق، التاجر فاجر و الفاجر في النار الا من أخذ الحق و اعطي الحق «2».

و هذه الرواية ضعيفة بعثمان ابن عيسي و ابن جارود فانهما لم يوثقا و سند الصدوق الي اصبغ ابن نباتة علي فرض كونه صحيحا يناقش في اصبغ فانه و ان كان من شرطة الخميس و من كبار صحابة الامام أمير المؤمنين عليه السّلام الا انه لم يوثق في كتب

______________________________

(1)- المكاسب ص (208) السطر (16)

(2)- الوسائل المجلد 12 الباب (4) من ابواب آداب التجارة الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 409

الرجال فلا يقبل روايته.

و منها ما رواه طلحة ابن زيد عن ابي عبد اللّه (ع) قال: قال امير المؤمنين (ع) من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم و هذه الرواية مخدوشة بطلحة «1» و منها قوله (ع) كان امير المؤمنين (ع) يقول: لا يقعدن في السوق الا من يعقل الشراء و البيع «2» و هذه الرواية ساقطة بالارسال.

و منها مرسلة الصدوق قال الصادق (ع): من اراد التجارة فليتفقه في دينه «3» و هذه الرواية مرسلة ساقطة عن الاعتبار. فهذه الروايات باجمعها قابلة للمناقشة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها.

و ثانيا علي فرض تسليم سندها لا تدل علي الحكم التكليفي بل انما هي ارشاد الي ان من يريد ان يعرف العقد الصحيح من السقيم و يسلم عن الربا فلا بد أن يتعلم مسائل التجارات. و

من هذا اتضح لك فساد ما ذهب اليه الشيخ ره بأن المستفاد من الروايات وجوب التفقه في مسائل المتعلقة بالتجارة لما عرفت من ضعف الروايات اولا و عدم دلالتها علي الحكم التكليفي ثانيا.

و كذا لا يمكن المساعدة علي ما أفاده قدس سره لإثبات وجوب التعلم من أن الاصل في المعاملات هو الفساد فان فساد المعاملة من لحاظ اصالة الفساد لا يقتضي وجوب التعلم بل غايته الاحتراز عما ينتقل اليه بالمعاملة.

______________________________

(1)- الوسائل المجلد 12 الباب (4) من ابواب آداب التجارة الحديث (2)

(2)- الباب (4) من ابواب آداب التجارة الحديث (3)

(3)- الباب (4) من أبواب آداب التجاره الحديث (4)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 410

«الكلام في تلقي الركبان»
اشارة

قوله (قدس سره): لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية «1».

أقول: هل يكون تلقي الركبان حراما، او مكروها، او ليس هذا و لا ذاك وجوه، بل أقوال. مدرك القول بالحرمة، هي الروايات الواردة في المقام، الا أنها ضعيفة السند، لا يمكن أن يعتمد عليها.

لا يقال: ان هذه الروايات، و ان كانت ضعيفة السند، الا أن المشهور عملوا بها، و هو جابر، لضعفها.

لأنه يقال: ان عملهم بالخبر الضعيف لا يجبر ضعفه كما ان اعراضهم عن الخبر الصحيح لا يوجب وهنه هذا أولا. و ثانيا ان عمل المشهور علي تقدير تسليم جابريته انما يجبر الضعف اذا احرز استناد المشهور بالخبر الضعيف، و أني للمدعي اثبات ذلك. و اما القول بالكراهة، فيتوقف اثباتها علي مقدمتين.

الاولي اثبات دلالة أخبار من بلغ علي الاستحباب، لا علي الارشاد الي

______________________________

(1)- المكاسب ص (210) السطر (22)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 411

حكم العقل.

الثانية تسرية الحكم من الاستحباب الي الكراهة الا انه لا يمكن الالتزام بهاتين المقدمتين.

اما المقدمة الاولي- فان

الظاهر من اخبار من بلغ هو الارشاد الي حكم العقل فلا يستفاد منه الاستحباب، كما اشبعنا الكلام فيه في محله.

و اما المقدمة الثانية- فان المستفاد من تلك الروايات استحقاق الفاعل ما يرجي ان يكون محبوبا للمولي و ان لم يكن في الواقع كذلك، و اما الكراهة فالروايات اجنبية عنها و لا وجه للتعدي الي الكراهة علي تقدير دلالة الروايات علي الاستحباب كما هو واضح

و بعبارة اخري غاية ما يستفاد منها علي تقدير التنزل استحباب العمل الذي يحتمل كونه محبوبا فيقتصر علي هذا المقدار و اما الكراهة فلا وجه للقول بها.

و قد اورد بعض علي دلالة الرواية، بالكراهة بأن مفاد الاخبار هي الحرمة، فلا وجه للقول بالكراهة. و لكنه يمكن أن يجاب عنه بأنا اذا أغمضنا مما ذكرنا من عدم جواز تسرية الحكم من الاستحباب الي الكراهة و قلنا: بجوازها فنقول: ان مفاد الاخبار و ان كانت الحرمة الا أنها تدل علي الكراهة بالملازمة فتشمله أخبار من بلغ. و بعبارة أخري لو قلنا: بان المستفاد من الروايات الواردة في ذلك الباب استحباب ما بلغ علي عمله الثواب و كراهة ما بلغ عليه العقاب نقول: بكراهة ما يدل الدليل علي حرمته لأنه يصدق انه بلغ علي عمله العقاب كما انه نقول: باستحباب ما دل الدليل علي وجوبه لصدق بلوغ الثواب علي عمله و لا وجه للتفرقة بين الواجب و الحرام فهذا الاشكال غير وارد، فالعمدة في الجواب هو ما ذكرنا.

فتلخص من جميع ما ذكرنا أن تلقي الركبان، لا يكون حراما، و لا مكروها.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 412

[في أن حد التلقي اربعة فراسخ]

قوله (قدس سره) «ثم ان حد التلقي اربعة فراسخ» «1»

أقول: قد عرفت عدم قيام دليل علي حرمة تلقي

الركبان و كراهته و علي تقدير القول: بكراهته او حرمته يقع البحث في حدوده و لا يخفي ان مفاد الروايات في المقام مختلف فان بعضا منها يدل علي كون الحد مادون أربعة فراسخ و هو كقوله:

عليه السلام «لا تلق فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله» نهي عن التلقي قال: و ما حد التلقي؟

قال: ما دون غدوة أو روحة، قلت: و كم الغدوة و الروحة؟ قال: أربعة فراسخ، قال ابن أبي عمير: و ما فوق ذلك فليس بتلق «2».

و هذه الرواية ضعيفة بمنهال، و بعضها يدل، علي كون الحد اربعة فراسخ، و هو ما رواه منهال القصاب أيضا قال: قلت له: ما حد التلقي؟ قال: روحة «3» و هذه الرواية كسابقتها.

و من الروايات ما تنهي عن مطلق التلقي منها ما رواه منهال عن أبي عبد اللّه (ع) قال (ع): لا تلق و لا تشتر ما تلقي «4» و وجه ضعفها ظهر مما ذكر.

و منها ما رواه عروة بن عبد اللّه عن أبي جعفر قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا يتلقي أحدكم تجارة خارجا من المصر «5» و رواها الصدوق مرسلا.

و هذه الرواية ضعيفة بعروة و المرسلة بارسالها و في المقام رواية تدل علي التحديد و هو ما رواه الصدوق مرسلا «6».

______________________________

(1)- المكاسب ص 210 سطر 30.

(2)- الوسائل، الجزء (12) الباب (36) من أبواب آداب التجارة الحديث (1)

(3)- الوسائل، الجزء (12) الباب (36) من أبواب آداب التجارة الحديث (4)

(4)- الوسائل، الجزء (12) الباب (36) من أبواب آداب التجارة الحديث (3)

(5)- الوسائل، الجزء (12) الباب (36) من أبواب آداب التجارة الحديث (5)

(6)- الوسائل، الجزء (12) الباب (36) من أبواب آداب التجارة الحديث

(6)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 413

و مقتضي الجمع بين الروايات بقانون الاطلاق و التقييد، و بلحاظ مرسلة الصدوق ان التلقي يكون اربعة فراسخ، و ان أبيت عن ذلك فتتساقط الروايتان بالتعارض فتصل النوبة الي الاصل العملي، و مقتضاه نفي الزائد عن القدر المتيقن و هو مادون اربعة فراسخ هذا تمام الكلام في أصل الحكم، و تحديده ثم انه يشترط في تحقق الحكم امور.

الاول القصد بان يقصد من خروجه تلقي الركبان و اما لو اتفق ذلك في الطريق لم تشمله ادلة الحرمة او الكراهة لان القصد اشرب في معني التلقي و بدونه لا يصدق التلقي فان هيئة التفعل هكذا.

الثاني قصد المعاملة بأن يقصد من التلقي المعاملة معهم و اما لو تلقيهم لأمر آخر و اتفقت المعاملة في ضمنه فلا يترتب عليه حكم الكراهة او الحرمة، اذا العرف يفهم من الدليل هذا المعني.

الثالث جهل الركبان بسعر البلد كما قيل تمسكا بالتعليل الوارد في ذيل رواية عروة و هو قوله (ع): «المسلمون يرزق اللّه بعضهم من بعض «1»» بتقريب انه لو كان عالما بالسعر يكون التعليل لغوا.

و يرد عليه اولا انه يمكن ان يكون علة للحكم الاخير و هو عدم جواز بيع الحاضر من البادي كما في قوله صلي اللّه عليه و آله في رواية جابر قال صلي اللّه عليه و آله لا ببيع حاضر لبادي دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض «2» لة الا ان هذه الرواية ضعيفة بسفيان و غيره.

ثانيا لا منافاة بين علم البادي، و التعليل المذكور في الرواية لا مكان بيعه أقل من قيمته السوقية مع علمه بذلك لدواعي اخر.

و ثالثا ان المذكور في الرواية حكمة للحكم و ليس ذلك علة له

حتي يدور

______________________________

(1)- الوسائل ج 12 الباب 37 من أبواب آداب التجارة الحديث (1)

(2)- الوسائل الباب (37) من ابواب آداب التجارة الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 414

الامر مداره.

[لا فرق بين اخذ المتلقي بصيغة البيع او الصلح او غيرهما]

قوله قدس سره ثم انه لا فرق بين اخذ المتلقي بصيغة البيع او الصلح او غيرهما الخ «1».

اقول هل يفرق بين البيع و الصلح؟ الظاهر انه لا فرق بين اخذ المتلقي بصيغة البيع او الصلح او غير هما لعدم الفرق عرفا و اما الهبة المعوضة فلا تشملها ادلة الحرمة او الكراهة. و لا يمكن ادعاء عدم الفرق العرفي و هل يشمل الحكم المذكور لا يجار المساكن و الخانات لهم أم لا؟

الحق ان التعليل الوارد في بعض الروايات لا يمكن ان يستفاد منه هذا العموم فانه مر آنفا الاشكال فيه و الحاصل ان استفادة الحكم الكلي بهذا النحو من التوسعة في غاية الاشكال ثم انه اذا صار البادي مغبونا ييثبت له خيار الغبن طبعا. و اما البحث بأنه فوري او غير فوري فموكول الي البحث عن الخيارات.

و اما النبوي الدال علي ثبوت الخيار لهم فلا يعتمد عليه لضعفه.

[مسئلة اذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع اليه منهم]

«مسئلة» قوله: «اذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع اليه منهم» «2»

اقول: حاصل الكلام في المقام بانه اذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في جماعة و كان المدفوع اليه مصداقا لهذه الجماعة هل يجوز له ان يصرفه لنفسه أيضا أم لا.

و لا يخفي ان محل الكلام اذا لم يستقل المدفوع اليه في التصرف بأن لا يكون له ولاية فيه بحيث يكون المالك منعزلا عن الدخل و التصرف و اما اذا كان للمدفوع

______________________________

(1)- المكاسب ص (211) السطر (7)

(2)- المكاسب، الصفحة 211، السطر 16.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 415

اليه ولاية علي ذلك المال كسهم الامام (ع) ورد المظالم المدفوع الي الحاكم لو فرض انهما كذلك فله أن يعمل علي ما يوافق وظيفته الشرعية.

فتحصل ان

محل النظر فيما اذا كانت الولاية و الاختيار للدافع او كان نظره دخيلا في ذلك اذا عرفت ذلك فنقول: اذا قامت القرينة الحالية او المقالية علي رضي الدافع علي أخذ المدفوع اليه منه فلا اشكال في جواز أخذه و ان لم يكن داخلا في العنوان الذي لا بد ان يصرف المال لهم كما اذا عين الدافع مقدارا للمشتغلين و لم يكن المدفوع اليه منهم كما اذا قامت القرينة علي عدم رضاه فلا يجوز له التصرف لنفسه و ان كان داخلا في العنوان الذي عين المال لهم هذا مما لا كلام فيه.

و انما الكلام فيما اذا لم تقم القرينة بذلك و شك في تعيين مراده فتارة تنشئ الصيغة علي نحو القضية الخارجية كأن يقول: ادفع هذه الفلوس الي المشتغلين الجالسين في مجلسنا و الظاهر عدم جواز صرفه لنفسه و ان كان من المشتغلين لظهور القضية في غير المدفوع اليه.

و اخري علي نحو القضية الحقيقية كما اذا قال كل مشتغل فله درهم مثلا فيجوز أن يأخذ المدفوع اليه أيضا درهما لمفسه و ان كان الدافع معتقدا بعدم دخول المدفوع اليه تحت العنوان كما انه يجوز له الاخذ فيما كانت القضية الحقيقية ممزوجة بالخارجية بان يرتب الاذن علي العنوان المنطبق علي الخارج هذا مقتضي القاعدة.

و لكن الانصاف خروج المدفوع اليه بحسب الظهور هذا بالنسبة الي القاعدة الاولية الا ان في المقام عدة من الروايات تدل علي ان من دفع اليه مال ليفرقه في قوم و كان منهم جاز له أن يأخذ لنفسه كأحدهم.

منها ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن سعيد بن يسار

قال: قلت: لأبي عبد اللّه (ع)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 416

الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في اصحابه أ يأخذ منها شيئا؟ قال: نعم «1».

و منها ما رواه محمد بن حسن بأسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن ابي عمير عن عبد الرحمن يعني ابن الحجاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل اعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال نعم «2».

و منها ما رواه علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن ابي عمير، عن الحسين بن عثمان عن ابي ابراهيم عليه السّلام في رجل اعطي مالا يفرقه فيمن يحل له، أله أن يأخذ منه شيئا لنفسه و ان لم يسم له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «3».

و منها ما رواه علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسي عن يونس، عن عبد الرحمن ابن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة، قال: لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، قال: و لا يجوز له أن يأخذ اذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة الا باذنه «4»

و في المقام رواية واحدة تدل علي عدم جواز أخذه لنفسه الا أن يأذن له صاحبه و هي ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج او في مساكين و هو محتاج، أ يأخذ منه

______________________________

(1)- وسائل الشيعة: الجزء الثاني عشر، الباب (84) من ابواب ما يكتسب به، الحديث (1)

(2)- وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (84) من

أبواب ما يكتسب به الحديث (2)

(3)- الوسائل الباب (40) من ابواب المستحقين للزكاة الحديث (2)

(4)- الوسائل الباب (40) من ابواب المستحقين للزكاة الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 417

لنفسه و لا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتي يأذن له صاحبه «1» فجمع بين الطائفتين بوجوه.

الاول- ما أفاده الشيخ الاعظم ره بحمل الاخبار المجوزة علي ما اذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون أخر و حمل الصحيحة المانعة السابقة علي ما اذا لم يعلم الامر بفقر المأمور فأمرها بالدفع الي مساكين علي وجه يكون المسكنة داعية الي الدفع لا موضوعا و لما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع علي الرضا بوصول شي ء من المال اليه.

و اورد عليه الاستاذ دام ظله بان جواز الاخذ لنفسه فيما اذا علم رضي الدافع بذلك و عدم الجواز فيما اذا لم يرض أمر واضح عند المتشرعة و لا يحتاج الي السؤال.

و يرد عليه ان ما افاده استبعاد محض و الحال انه لا استبعاد فيه لعدم كون هذه المسألة من الواضحات خصوصا عند العوام فانه يحتاج الي السؤال عندهم و ان شئت قلت ان حكم المسألة لم يكن واضحا من اول الامر.

و الحق ان يورد عليه ان هذا الجمع تبرعي و لا يمكن الالتزام به في المقام.

الثاني ما افاده شيخ الطائفة من حمل الصحيحة المانعة علي الكراهة بقرينة الاخبار المجوزة.

و يرد عليه اولا بأن العرف يري التنافي بين الحرمة و الكراهة و لا وجه لهذا الحمل لعدم كونه جمعا عرفيا بل انما هو جمع تبرعي و لا يمكن الالتزام به و قد حققناه في محله.

و ثانيا أن معني

حمل الاخبار الناهية علي الكراهة جواز التصرف في مال الغير الا انه مكروه فقط و هذا المعني بعيد من مذاق المتشرعة.

الثالث- حمل الصحيحة المانعة علي ما اذا عين الدافع مورد الصرف و حمل

______________________________

(1)- الوسائل الباب (84) من ابواب ما يكتسب الحديث (3)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 418

الاخبار المجوزة علي ما اذا لم يعين ذلك.

و يرد عليه ان هذا الجمع أيضا خلاف الظاهر لظهور الصحيحة المانعة في خلاف ما ذكر كما هو واضح.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، دراساتنا من الفقه الجعفري، 2 جلد، مطبعة الخيام، قم - ايران، اول، 1400 ه ق دراساتنا من الفقه الجعفري؛ ج 3، ص: 418

الرابع ما افاده السيد الاستاذ دام ظله بان الرواية المانعة ظاهرة فيما اذا كان المال لشخص الدافع كما هو ظاهر كلمة صاحبه في قوله عليه السّلام (لا يأخذ منه شيئا حتي يأذن له صاحبه).

و الروايات المجوزة تحمل علي ما اذا لم يكن المال لشخص الدافع بل كان من الحقوق الشرعية كالزكاة و غيرها.

«لا يقال» ان الرواية المانعة مطلقة و باطلاقها تشمل الحقوق أيضا.

لأنا نقول: ان الرواية المذكورة اما لا تكون مطلقة بل ظاهرة فيما ذكرنا و استظهرنا من كلمة صاحبه و علي هذا لا تعارض بين الروايتين حتي يحتاج الي الجمع بينهما و اما مطلقة تشمل ما كان المال المدفوع مالا شخصيا للدافع او من الزكاة و غيرها فالامر أيضا سهل لأنها تقيد بالاخبار المجوزة.

و يرد عليه ان كلمة (صاحبه) في الرواية المانعة ان كانت موجبة لحملها علي ما ذكره الاستاذ فايضا توجب ذلك في الرواية المجوزة فان فيها أيضا هذه الكلمة مذكورة.

و هي ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في رجل

اعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير أن يستأذن صاحبه؟ قال: نعم» و حمل الرواية المانعة علي ما اذا كان المال شخصيا للدافع دون الرواية المجوزة ترجيح بلا مرجح.

و الحق ان يقال: بتعارض الطائفتين و تساقطهما و بعد التساقط يكون المرجع هي القاعدة الا ان يقال بانه لا ولاية للدافع في الحقوق الشرعية بعد الدفع فيجوز التصرف فيها لكل من يكون اهلا و مستحقا.

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 419

الكلام في احتكار الطعام

قوله قدس سره مسئلة احتكار الطعام و هو كما في الصحاح و عن المصباح جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته الخ.

«1» أقول الحق في المقام ان يقال: ان الاحتكار يتعنون باحكام اربعة.

1- الوجوب 2- الحرمة. 3- الاستحباب. 4- الاباحة. اما الكراهة فلم نجد مصداقا لها بأن يكون الاحتكار مكروها.

اما الوجوب فهو كما علم ان الطعام لا يصل الي البلد بعد شهرين فيجب حبس الطعام و حفظه في هذه الصورة ليحفظ الناس عن التلف كما فعل ذلك حاكم المصر بامر يوسف علي نبينا و عليه الصلاة و السلام.

و اما الاستحباب ففيما يحتكر لإعانة الزوار او العجزة، و لكن الاحتكار يجب في الاول و يستحب في الثاني بالعنوان الثانوي.

و أما الاباحة فهي فيما اذا لم يقع الناس في مخمصة لوجود الباذل و وفور الطعام.

و اما الحرمة فهي فيما اذا كان الناس في مخمصة و لم يكن في المصر طعام فالاحتكار في هذه الصورة حرام في الجملة كما يدل عليها عدة من الروايات.

منها ما رواه محمد بن يعقوب عن ابي علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان، عن أبي الفضل سالم الحناط قال:

قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما عملك؟ قلت حناط و ربما قدمت علي نفاق، و ربما قدمت علي كساد فحبست.

قال: فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون: محتكر، فقال: يبيعه احد

______________________________

(1)- المكاسب ص (213) السطر (8)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 420

غيرك (قلت ما أبيع أنا من الف جزء جزءا قال: لا بأس انما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، و كان اذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النّبيّ صلي اللّه عليه و آله فقال: يا حكيم بن حزام اياك ان تحتكر «1». فان المستفاد من قوله (اياك) هي الحرمة و غير ذلك من الروايات.

و استدل الشيخ ره بما رواه محمد بن يعقوب، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك)

قال: ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فانه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام «2».

و الانصاف ان هذه الرواية لا تدل علي الحرمة لمكان لفظ الكراهة اذا عرفت ان الاحتكار حرام في الجملة فيتم المقام ببيان أمور.

الاول- هل الاحتكار حرام مطلقا سواء وجد بايع غيره أم لا) و المستفاد من الروايات جواز الاحتكار اذا كان في المصر طعام يبيعه غيره.

منها ما رواه محمد بن علي ابن الحسين باسناده عن حماد، عن الحلبي، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن الحكرة فقال: انما الحكرة ان تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فان كان في المصر طعام او متاع غيره

فلا بأس أن تلتمس بساحتك الفضل «3»

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (28) من أبواب آداب التجارة، الحديث (3).

(2)- الوسائل، الجزء (12) الباب (27) من أبواب آداب التجارة، الحديث (2).

(3)- الوسائل، الجزء (12) الباب (28) من أبواب آداب التجارة، الحديث (1)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 421

و منها ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي ابن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن حماد نحوه و زاد قال: و سألته عن الزيت فقال: اذا كان عند غيرك فلا- بأس بامساكه «1».

و منها ما رواه أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابي الفضل سالم الحناط قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام ما عملك (قلت: حناط، و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست، قال: فما يقول من قبلك فيه) قلت: يقولون: محتكر، فقال: يبيعه أحد غيرك (قلت: ما أبيع من ألف جزء جزءا قال: لا بأس … «2»

الثاني- هل الاحتكار محدود بحد بان يجوز في الخصب الي أربعون يوما و في الشدة ثلاثة ايام الحق انه لا تحديد فيه لعدم قيام دليل عليه الا بعض الروايات الضعيفة.

منها ما رواه محمد بن يعقوب عن علي ابن ابراهيم، عن ابيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدة و البلاء ثلاثة ايام، فما زاد علي الاربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون و ما زاد علي ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون، «3» و هذه الرواية ضعيفة بنوفلي و طريق الصدوق الي السكوني أيضا ضعيف لوقوع النوفلي فيه.

فتحصل ان التحديد باربعين يوم الثلاثة لا يصح.

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12)،

الباب (28) من أبواب آداب التجارة، الحديث (2).

(2)- الوسائل، الجزء (12)، الباب (28) من أبواب آداب التجارة، الحديث (3).

(3)- الوسائل، الجزء (12) الباب (27) من أبواب آداب التجارة، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 422

الثالث ان الاحتكار يختص بالطعام، و ما ذكر في الروايات من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الزيت، لا يشمل لغيرها و في الحاق الملح بها لا وجه له.

و ما أفاده الشيخ من أن الوجه في الحاقه استنباط العلة للحكم، ففيه اولا ان كان فليس الا ظنيا، و هو لا يغني من الحق شيئا.

و ثانيا ان الالحاق اذا كان بهذا الملاك، فلا بد من اسراء الحكم الي كل شي ء يكون مورد الحاجة و أني لنا بذلك.

و افاد السيد الاستاذ انه لا وجه للتخصيص لان الروايات التي ذكرت فيها الاشياء المذكورة كلها ضعيفة السند فان كلما يصدق عليه عنوان الطعام يكون من غالب قوت البلد فالاحتكار فيه حرام.

و يرد عليه انا لا نسلم ضعف جميع الروايات الواردة في الباب الدالة علي التقييد فان بعضا منها معتبر، و هو ما رواه غياث عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ليس الحكرة الا في الحنطة و الشعير، و التمر، و الزبيب، و السمن، فان لهذه الرواية سندا معتبرا اذ الصدوق رواها بسنده بغياث و سنده معتبر فعليه يكون الاحتكار مختصا بالاشياء المذكورة في الرواية.

الرابع ان الاحتكار ينحصر في شراء الطعام أو يعم بقية اقسام التملك.

قال الشيخ. الاقوي التعميم بقرينة تفريع قوله فان كان في المصر طعام و يؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه سواء كان بالاشتراء او بالزرع.

و لكن التحقيق يقتضي

أن يقال: بحصر الاحتكار علي اشتراء الطعام فقط، كما هو المستفاد من بعض الروايات و هو ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه قال: سئل عن الحكرة فقال انما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 423

فتحتكره فان كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس بساحتك الفضل «1» و هذه الرواية تامة سندا و دلالة.

و يؤيده ما رواه (في المجالس و الاخبار) عن ابي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أيما رجل اشتري طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع «2».

و هذه الرواية تامة من حيث الدلالة، و لكنها ضعيفة من حيث السند.

و ما ورد في حق بني فضال من الاخذ بما رووا لا يقتضي توثيق من روي عنه بني فضال فان الحكم بالاخذ بروايتهم يقتضي عدم الخدشة فيهم لا الاعتماد بروايتهم علي نحو الاطلاق بحيث يسري الي المروي عنه و إلا يلزم الاخذ و لو مع العلم بفسق المروي عنه، و هو كما تري.

و ما أفاد الشيخ من استفادة الحكم من تعليل الحكم في بعض الاخبار بان يترك الناس ليس لهم طعام مدفوع بانه لا يستفاد من الخبر المشار اليه العلية الصريحة بحيث يستفاد منه العموم و الخصوص فلاحظ (الخامس) ان اقسام حبس الطعام كثيرة.

و قد ذكر الشيخ جملة منها بقوله لان الشخص اما أن يكون قد حصل الطعام لحبسه أو لغرض آخر أو حصل له من دون تحصيل له.

و الحبس اما ان يراد منه نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في انفسهم أو

يريد به الغلاء، و هو اضرارهم من حيث المال أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله، و ان حصل ذلك لغلاء عارضي لا يتضرر به أهل البلد كما قد يتفق ورود عسكر و زوار في البلاد و توقفهم يومين أو ثلاثة فيحدث للطعام عزة لا يضر باكثر اهل البلد الي أن قال

______________________________

(1)- الوسائل، الباب (28) من ابواب آداب التجارة، الحديث (1).

(2)- الوسائل، الجزء (12)، الباب (7) من أبواب آداب التجارة، الحديث (6)

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 424

و عليك في استخراج احكام هذه الاقسام.

و الحق أن يقال انه كلما صدق عنوان الاحتكار يترتب عليه حكمه و اما اذا لم يصدق عليه أو شك في صدقه فلا يترتب عليه حكمه.

السادس انه هل يجوز اجبار المحتكر علي البيع أم لا قال الشيخ الظاهر عدم الخلاف فيه و العمدة في المقام أن يبحث عن مدركه فنقول ان المدرك في ذلك ان كان هو الاجماع فقد مر ما فيه.

و ان كان المدرك هو النص و هو ما رواه حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال نفد الطعام علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فأتاه المسلمون فقالوا يا رسول اللّه قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء الا عند فلان فمره ببيعه، قال: فحمد اللّه و أثني عليه ثم قال:

يا فلان ان المسلمين ذكروا ان الطعام قد نفد الا شي ء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت، و لا تحبسه «1».

و هذه الرواية مخدوشة سندا و دلالة أما السند فمخدوش بمحمد بن سنان.

و اما دلالة فبما أن اجبار المحتكر علي البيع يكون علي خلاف القاعدة المسلمة و هو تسلط الناس علي اموالهم فعلي

تقدير ثبوت الاجبار من النّبيّ فيمكن أن يكون ذلك من باب ولايته صلي اللّه عليه و آله علي الاموال، و الانفس فلا يمكن التعدي الي غير موردها هذا اولا.

و ثانيا ان ما يفهم من الرواية أنه امر المحتكر بالبيع و اما اجباره فلا يستفاد منها و لعل كان ذلك من باب الامر بالمعروف.

و منها ما رواه الحسين بن عبيد اللّه بن ضمرة عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السّلام انه قال: رفع الحديث الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه مر بالمحتكرين فأمر

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12)، الباب (29) من أبواب آداب التجارة، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 425

بحكرتهم أن تخرج الي بطون الاسواق و حيث تنظر الابصار اليها … «1»

و هذه الرواية تامة سندا اذا الصدوق نقلها بسند معتبر الا أنها لا تدل علي المدعي.

فتلخص مما ذكرنا عدم قيام الدليل علي جواز اجبار المحتكر علي البيع الا من باب الامر بالمعروف، و لو اغمضنا عما ذكرنا و قلنا بجواز اجباره علي البيع هل يسعر عليه أم لا؟

قال الشيخ لا يسعر عليه اجماعا كما عن السرائر.

اقول: ان الامر كما أفاده فان مقتضي القاعدة الاولية و هو تسلط الناس علي أموالهم عدم جواز التسعير و كذا مقتضي الرواية المتقدمة حيث قال صلي اللّه عليه و آله انما السعر الي اللّه يرفعه اذا شاء، و يخفضه اذا شاء، و عليه لا يعتني بما عن المقنعة أنه يسعر عليه بما يراه الحاكم.

و أيضا لا وجه لما ذهب اليه العلامة و ولده و الشهيد انه يسعر عليه في صورة اجحافه في أخذ الثمن لنفي الضرر لكونه اجتهادا في مقابل النص فان المستفاد

منه عدم جواز التسعير مطلقا هذا اولا.

و ثانيا ان الضرر اذا كان موجبا لجواز الاسعار فلا بد ان يلتزم به كلما تحقق عنوان الضرر و لا يختص بالاحتكار.

و ثالثا ان قاعدة نفي الضرر لا تشمل ما اذا أقدم احد بنفسه علي الضرر فان المشتري اقدم عليه فلا يشمله دليل نفي الضرر.

و رابعا انه معارض مع الضرر الوارد علي البائع فان الاسعار ضرر عليه.

______________________________

(1)- الوسائل، الجزء (12) الباب (30) من أبواب آداب التجارة، الحديث (1).

دراساتنا من الفقه الجعفري، ج 3، ص: 426

و خامسا ان دليل الضرر ليس دليلا اثباتيا حتي يدل علي جواز الاسعار بل هو ينفي الحكم عن الموضوع الضرري.

و أيضا ظهر مما ذكرنا فساد ما ذهب اليه الميسي و الشهيد الثاني بانه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهي عن التسعير، و الجبر بنفي الاضرار لان قاعدة الضرر لا تشمل المقام كما عرفت، تم الجزء الثالث من كتابنا المسمي به دراساتنا في الفقه الجعفري من الولاية الي الخيارات و يتلوه الجزء الرابع و هو من اول الخيارات بعونه و توفيقه الحمد للّه اولا و آخرا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.